نشر السفير الصيني لدى السعودية تشن وي تشينغ يوم الجمعة الماضي (3 ديسمبر) مقالا على جريدة الشرق الأوسط تحت عنوان " تنوّع العالم بحاجة إلى أنماط متعددة من الديمقراطية"، حيث عرف بتطوير الصين بعملية ممارسة الديمقراطية برمتها وتمسك الصين بمفهوم "اتخاذ الشعب كمركز"، مؤكدا أن الديمقراطية هي قيمة مشتركة للبشرية جمعاء ولا يمكن تقديرها بنمط أو نموذج لدولة واحدة، داعيا المجتمع الدولي إلى ممارسةُ مفهومَ الاحترام المتبادل والعلاقات الدولية المربحة للجانبين وتعزيز التنسيق والتعاون، لتعزيز التنمية السلمية والصحية والمزدهرة لمجتمع عالمي بمصير مشترك للبشرية. وفيما يلى النص الكامل للمقال:
تحدَّثتُ مؤخراً إلى عدد من الأصدقاء من بلدان مختلفة حول موضوع مشترك وهو الديمقراطية. كان نقاشنا حيوياً للغاية، إذ جاء الجميع من أنظمة سياسية وأوساط ثقافية مختلفة، وكان لديهم أوجهُ تشابهٍ واختلاف في فهمهم لمعنى الديمقراطية.
قال صديقٌ سعودي إنَّ القرآن يشجِّع المسلمين على التشاور مع بعضهم لحلِّ مختلف القضايا. كلمة «شورى» في اللغة العربية تعني التشاور، ومجلس الشورى السعودي هو مؤسسة تستمع فيها الحكومة إلى آراء جميع الأطراف، ويتشاورون لحل مشاكل التنمية الوطنية وحياة الناس. ألهمتني هذه المناقشة بعمق، ودفعتني أيضاً إلى الرغبة في التحدث عن أفكاري.
ما هي الديمقراطية؟ هل الديمقراطية نموذجٌ ثابتٌ؟
بغضِّ النَّظر عن الغنى والفقر، أو المستوى الفكري العالي والمتدني، فإنَّ الديمقراطية قيمة مشتركة للبشرية جمعاء، وغاية موحّدة للبشر في جميع أنحاء العالم، لكن يجب أن يُترك أمرُ كيفية تحقيق هذه القيمة والغاية، لكل دولة. فيحقُّ لكل بلد اختيار الطريقة التي تناسب وضعَه الفعليَّ، ومن المستحيل أن يكونَ الجميعُ متشابهين. وردَ في اللغة الصينية القديمة أنَّ «البرتقال المزروع في هواينان هو برتقال، أما المزروع في هوايبي فهو برتقال. الأوراق متشابهة، لكن في الحقيقة لها نكهات مختلفة». بغضِّ النَّظر عن التاريخ والظروف الوطنية والظروف الاجتماعية للدول الأخرى، فإنَّ فرضَ نموذجٍ ديمقراطي واحد يُعد نهجاً غيرَ ديمقراطي بطبيعته، وسيؤدي حتماً إلى ظروف غير مقبولة.
فلا يمكننا أنْ نقرِّرَ ببساطة ما إذا كانت دولة ديمقراطية أم لا، فقط من خلال امتلاكها الحق في التصويت. فإذا كانت مهمة الناس هي التصويت، ولا علاقة لهم بالأشياء المتبقية بعد التصويت، فإنَّ هذا النوع من الديمقراطية مجردُ إجراءٍ شكلي لا أكثر. وإذا كان بلد ما غير ديمقراطي، ففي المحصلة النهائية، يكون القول الفصل بيد الشعب. يجب أن يعتمدَ معيار قياس الديمقراطية على ما إذا كان لدى الشعوب إحساسٌ كافٍ بالمشاركة والرضا والشعور بالمكاسب، بدلاً من الحكم على درجة الديمقراطية في جميع أنحاء العالم بناءً على نموذجِ ومعايير بلدٍ معيَّن.
ديمقراطية الشعب الصيني هي نوع من الديمقراطية في العملية برمتها. وتعني عبارة «الديمقراطية الشعبية العملية برمتها» تمتّع الناس بحقوق الانتخابات الديمقراطية، واتخاذ القرارات الديمقراطية، والإدارة الديمقراطية، والرقابة الديمقراطية وفقاً للقانون، والالتزام بالموقف السياسي المتمحور حول الشعب والمتمثل في أنَّ الشعبَ هم سادة البلاد في جميع مجالات الحياة السياسية وجوانبها وجميع الروابط. ومن تطوير البلد إلى إدارة المجتمع، يمكن للناس المشاركة مشاركة كاملة، ويمكن تقدير آراء الناس تقديراً شاملاً. إنَّه على وجه التحديد بسبب المشاركة الحقيقية للشعب، والحماس العالي للشعب للسعي إلى التنمية الاجتماعية، تمكَّنت تنمية الصين دائماً من أن تمضي على المسار السريع، وأن تصبحَ ثاني أكبر اقتصاد في العالم، مع تحسن ملحوظ في حياة الناس، وبناء مجتمع مزدهر باعتدال، وبطريقة شاملة وحل مشكلة الفقر المدقع. وعلى وجه التحديد بسبب الطبيعة المتمحورة حول الشعب وفي مواجهة الوباء، أصرّت الحكومة الصينية دائماً على وضع سلامة الناس وصحتهم أولاً، وقادت المجتمع بأسره للعمل معاً لهزيمة الوباء.
كما يجب إضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية. فمع استمرار تعمق العولمة، أصبح مفهوم «القرية العالمية» أكثرَ وضوحاً.
طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ اقتراحاً ببناء مجتمع مصير مشترك للبشرية، الذي يتوافق مع اتجاه التنمية للمجتمع الدولي. بغضِّ النَّظر عن حجم البلد، فبصفتهم سكاناً في «القرية العالمية»، يجب أن يتمتعوا أيضاً بالديمقراطية، ولكلِّ شخصٍ الحقُ في المشاركة في المداولات وصياغة النظام الديمقراطي «للقرية العالمية». وفي الشؤون الدولية، يجب أن يكون ميثاق الأمم المتحدة هو القاعدة المشتركة، كما يجب أن يكون القانون الدولي أساس النظام، وينبغي التمسك بمفهوم التشاور المكثف، والمساهمة المشتركة والمنافع المتبادلة، ويجب ممارسة تعددية الأطراف الحقيقية، إضافة إلى أنَّه يجب تشارك الأمن والتنمية. ينبغي السعي إلى تحقيق ذلك، وتشكيل حوكمة عالمية أكثر شمولاً.
في عالم اليوم تمتلك البلدان أنظمة اجتماعية مختلفة وآيديولوجيات وثقافات تاريخية ومستويات تنمية مختلفة، ولكن لا ينبغي استخدام هذه الأنظمة ذريعة لـ«خصخصة» الديمقراطية، والانقسامات المصطنعة، وتشكيل «الدوائر الصغيرة» وسياسة المجموعات. يجب أن يضمَّ العالم المسالم حضارات متنوعة، كما ينبغي أن يستوعب النظام المستقر أنظمة مختلفة. فقط عندما تمارس البلدانُ مفهومَ الاحترام المتبادل والعلاقات الدولية المربحة للجانبين وتعزز التنسيق والتعاون، يمكنُها تعزيز التنمية السلمية والصحية والمزدهرة لمجتمع عالمي بمصير مشترك للبشرية.