مع اختتام اوليمبياد بكين 2008 بروعة من الالعاب النارية، ظهرت مجددا مخاوف من احتمال حدوث تباطؤ فيما بعد الاوليمبياد للاقتصاد الصينى.
يظهر التاريخ أن بعض الدول المضيفة شهدت انخفاضات فيما بعد الاوليمبياد بسبب انخفاض الاستثمار مثل طوكيو وسول.
شهدت اليابان انخفاضا حادا فى النمو فى العام التالى لالعاب 1964، فقد انخفض ليصل الى 5.2 بالمائة مقارنة بـ 13.1 فى المائة فى العام السابق له. وشهدت جمهورية كوريا انخفاضا فى معدل النمو من 10.6 إلى 6.7 بالمائة فى عام 1989.
هل ستتبع الصين نفس النمط؟ العالم يتسائل.
هل القلق بشأن الاقتصاد فيما بعد الالعاب مبررا أم لا؟
قال تشن جيان نائب رئيس جمعية ابحاث الاقتصاد لاوليمبياد بكين إنه قد تم التخطيط لان يسجل اجمالى الناتج المحلى للعاصمة نموا سنويا نسبته 11.8 بالمائة فى المتوسط بين عام 2005 وعام 2008، وهى الفترة التى كانت فيها المدينة تضخ استثمارات لاقامة الالعاب.
وان هذا النمو المتوقع اعلى فى المتوسط بواقع 0.8 فى المائة من متوسط المعدل للفترة الخطة الخمسية من عام 2001 إلى 2005.
وقال تشن إن الاستثمارات من اجل اقامة الالعاب دفعت النمو فى المدينة الى تحقيق اكبر هامش فى عام 2007 -- 1.14 بالمائة.
وأظهرت الاحصاءات الرسمية أن المنظمين أنفقوا 13 مليار يوان (1.9 مليار دولار أمريكى) على انشاء مواقع السباقات و 280 مليار يوان أخرى على البنية التحتية الحضرية، مثل تحديث وسائل النقل وتحسين البيئة.
وقد تم توفير حوالى 1.5 مليون فرصة عمل جديدة بين 2005 و 2008 مع هذا الاستثمار.
كما سجلت مدن مضيفة اخرى، ومن بينها الجارتين تيانجين وتشينغداو، نموا أعلى اثناء استعدادها للالعاب. وساعدت سباقات التجديف فى تشينغداو على تعزيز النمو الاقتصادى بالمنطقة بنسبة 0.8 بالمائة سنويا.
إن الأثر الايجابى لاستضافة الالعاب قائم، ولكن قوة تأثيرها على الاقتصاد الوطنى الضخم محدودة.
ومثل اجمالى الناتج المحلى لبكين فقط أقل من اربعة بالمائة فقط من اجمالى الناتج المحلى للبلاد، ولم تكن العوامل المتعلقة بالاوليمبياد قوى رئيسية وراء النمو التى تحقق فى المدن المضيفة لاحداث فارق عقب الالعاب.
ووفقا للاحصاءات، مثلت الاستثمارات السنوية لبكين من اجل الاوليمبياد واحد فى المائة فقط من اجمالى استثمارات البلاد بين عام 2002 وعام 2007. وقد تم استكمال حوالى 718300 متر مربع من الانشاءات المتعلقة بالالعاب فى عام 2007 وتمثل 0.0139 فى المائة من الاجمالى.
وقام تشانغ شياو ده، وهو استاذ فى المدرسة الوطنية الصينية للادارة، بتصوير الوضع بطريقة حية. وقال "إن الاقتصاد الصينى يقاس بالبحر، وان تأثير الضفدعة فى البحر يمكن تجاهله".
ذكر تقرير ((جى. بى مورجان تشيس)) ان الاقتصاد الصينى من غير المحتمل ان يتباطأ فى فترة ما بعد الالعاب. وذكر التقرير ان الدول المضيفة ذات الاقتصاديات الكبيرة التى تتمتع بنمو سريع لم تتعرض لهذا الاثر.
ويرى جوستين ييفو لين كبير خبراء الاقتصاد ونائب رئيس البنك الدولى منذ فترة طويلة ان الصين لن تواجه كسادا فيما بعد الاوليمبياد.
وكان قد قال فى مايو إن حجم الاقتصاد قزم الاستثمار فى بناء المقرات والبنية التحتية لاوليمبياد بكين 2008.
وامام البلاد قدر هائل من آفاق الاستثمار حيث من المقرر ان تستضيف معرض وورلد اكسبو فى شانغهاى والالعاب الاسيوية فى قوانغتشو فى 2010 من بين احداث دولية اخرى.
كما ايد الرئيس هو جين تاو علنا وجهة النظر هذه فى مقابلة مشتركة مع صحفيين اجانب قبل اسبوع من الالعاب.
"إن الاعداد للالعاب عزز بدون شك التنمية الاقتصادية والاجتماعية فى بكين. بيد ان اجمالى الناتج المحلى للمدينة يمثل جزءا صغيرا من اجمالى الناتج المحلى للصين، ولذا لا ينبغى على الناس المبالغة فى تقدير الاثر."
التحديات مازالت قائمة بيد أن خبراء الاقتصاد مازالوا يشعرون بالقلق إزاء "اثر ما بعد الالعاب" لان الاستثمارات ستنخفض بشكل حتمى وسينخفض الاستهلاك الذى صاحب قدوم السائحين المحليين والاجانب أو حتى يصل إلى صفر بعد الالعاب.
وقال وانغ يى مينغ الخبير الاقتصادى باللجنة الوطنية للتنمية والاصلاح إن الاثر سيتحد مع حالات عدم اليقين الاخرى مثل التباطؤ العالمى ونقص الطلب على الصادرات لتعقيد آفاق الاقتصاد; وهو بالفعل تحت ضغط هائل من النمو الاكثر بطأ واعادة الهيكلة الاقتصادية.
وفى النصف الأول، توسع الاقتصاد الوطنى بنسبة 10.4 بالمائة – 10.6 بالمائة فى الربع الاول و 10.1 بالمائة فى الربع الثانى. ومضى رابع أكبر اقتصاد فى العالم على مسار من التباطؤ حيث سجل الربع الثالث من العام الماضى 11.5 بالمائة.
ومن ناحية اخرى، انخفض معدل التضخم فى البلاد إلى 6.3 بالمائة فى يوليو من 7.1 بالمائة فى يونيو، و 7.7 بالمائة فى مايو والى ذروة نسبتها 8.7 بالمائة فى فبراير. ويرجع هذا الى سلسلة من الاجراءات ومنها تشديد السياسات النقدية للحد من الاسعار المرتفعة.
ولكن صناع القرار فى البلاد يواجهون الآن معضلة محاولة السعى الى تحقيق توازن بين مكافحة التضخم وتعزيز النمو الاقتصادى بقية العام لضمان تنمية اقتصادية مطردة وسريعة.
وشعر المستثمرون الافراد، الذين تابعوا اسواق الاسهم والعقارات للشعور بنبض الاقتصاد، باليأس خلال الاوليمبياد.
فشل سوق الاسهم المالية للبلاد في التوافق مع توقعات واسعة للاندفاع الشرس وسجلت انخفاضا اكثر من 15 بالمائة في حوالي شهر قبل وبعد الاولمبياد.
وقال وانغ ان أداء السوق لم يكن مرتبطا بشكل مباشر بالاولمبياد. وأعتقد ان اسعار الاسهم ستتجه إلى مدى اكثر عقلانية مع عودة ثقة المستثمرين مرة اخرى بسبب الاقتصاد القوي والكشف عن ارباح ثابتة في التقارير نصف السنوية في الشركات المدرجة.
ويبدو ان اسعار العقارات، التي ترتفع منذ اوائل 2001، أخذت تثبت منذ نهاية العام الماضي. وهناك مخاوف من حدوث انخفاض حاد في الاسعار بعد الاولمبياد.
قال الباحث الاولمبي تشن ان سوق العقارات تأثر بالالعاب حيث انها عززت اسعار المساكن في بكين.
كما انه يعتقد ان السوق الوطني يتمتع بفرص جيدة على المدى الطويل. وقال "إن مزيدا من الاشخاص سينتقلون للمدن ويخلقون مطالب جديدة، حيث ان الحضرنة في البلاد أقل من المتوسط العالمي."
توقع نمو مطرد
وبرغم التحديات، اتفق خبراء الاقتصاد على فرص مستقبلية للاقتصاد الصيني.
وقال الخبير الاقتصادي وانغ ان الاقتصاد سيحافظ على نمو مطرد هذا العام. وقال "ان مخاطر الانهاك التي هددت الاقتصاد الصيني ذات مرة قد انتهت بعد اجراءات السيطرة الكلية للبلاد; وسيحافظ قادة الاقتصاد الرئيسيون -- الاستثمار والاستهلاك والصادرات -- على قوة دفع جيدة."
قال فانغ قانغ، عضو لجنة السياسة المالية التابعة لبنك الشعب الصيني، البنك المركزي في البلاد، "ان الاقتصاد الوطني يمضى على المسار الطبيعي الآن مع انحسار مخاطر الانهاك الاقتصادي."
وقال "إن مخاطر الانخفاض المفاجئ والحاد في الاسواق المالية واسواق العقارات انخفضت بشكل كبير بالفعل وتم ضبط اسعار الطاقة. لا يوجد كثير للقلق بشأن الاقتصاد بعد الاولمبياد."
قال محللون ان الصين من المتوقع ان تحافظ على نمو من سبعة إلى ثمانية بالمائة، أو أعلى، لمدة 15 إلى 20 عاما على الاقل. وبنوا هذا التوقع على الاستثمار القوي والقدرة الكبيرة على تعزيز التنمية واجراءات السيطرة الكلية الملائمة.