روابط

الاتفاقية الأمنية بين بغداد وواشنطن تترك بصمات قوية فى مستقبل العراق

   2008-12-03 09:40:16    xinhuanet.com

تركت الاتفاقية الأمنية التى وقعتها الحكومة العراقية مع الولايات المتحدة، والتى تنظم وتتحكم فى بقاء القوات الأمريكية فى العراق، بصمات قوية ومؤثرة فى مستقبل العراق، فى الوقت نفسه شهد العام 2008 اختلافا كبيرا فى الأوضاع العراقية، أنعكس بوضوح على الوضع الأمني والاقتصادي والانفتاح العراقى على محيطه العربى.

وفى هذا الإطار، فقد اثارت الاتفاقية التى تم اقرارها فى البرلمان العراقى فى نوفمبر الماضى جدلا واسعا بين الأوساط السياسية، حيث إعتبرها الرئيس العراقى جلال طالبانى تعزيزا للسيادة الوطنية وتحمي أموال العراق، فى الوقت ذاته اعتبرتها الكتلة الصدرية فى البرلمان العراقى انها نقلت البلاد من مرحلة الاحتلال إلى مرحلة الانتداب، كما طالب رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر برفض الاتفاقية، معتبرا إياها عملية بيع للعراق وشعبه.

وتتضمن الاتفاقية سحب القوات الأمريكية من المدن منتصف العام المقبل ومن البلاد بنهاية عام 2011، وعدم استخدام القوات الأمريكية الاراضي العراقية في العدوان على دول الجوار العراقي.

وفى هذا الشأن، رأى مراقبون أن الاتفاقية الأمنية بين بغداد وواشنطن تعد حدثا تاريخيا فى مستقبل العراق، لأن الاتفاقية تنص على انسحاب القوات الأمريكية من العراق بنهاية عام 2011 وهذا يعنى أن العراق سوف يحصل على استقلاله وسيادته الكاملة عام 2011 وهذا فى حد ذاته يعد حدثا تاريخيا فى مستقبل العراق على صعيده الداخلى والإقليمى والدولى.

من ناحية أخرى، أختلف عام 2008 عن باقي السنوات الخمس العجاف التي مرت على العراق وهو يرزخ تحت الاحتلال الأمريكي، فقد شهد هذا العام سلسلة من المتغيرات الايجابية على مختلف الاصعدة، فضلا عن انفتاح العراق على محيطه العربي، مما جدد الامل لدى العراقيين بامكانية انفراج الازمات التي يعانون منها.

وأول هذه التغيرات، كان على الصعيد الأمني حيث طرأ هذا العام تحسنا كبيرا في الامن شمل عموم مدن العراق قياسا بالسنوات السابقة، فقد انخفضت بشكل كبير أعمال العنف وخاصة الطائفية منها، مما بعث الامل في نفوس العراقيين لازاحة غبار السنين الماضية وما خلفتها من خراب في كل نواحي الحياة وكادت تشعل نار الحرب الاهلية.

وفي هذا الصدد، يقول موفق الربيعي مستشار الامن القومي العراقي إن القتل الطائفي انتهى في العراق بشكل نهائي كما انخفض عدد الهجمات بالسيارات المفخخة إلى نسبة 75 بالمائة والعبوات الناسفة إلى 80 بالمائة والقتل الغامض إلى 90 بالمائة.

وعزا المسئول العراقي انخفاض معدلات أعمال العنف بصورة كبيرة إلى عدة أسباب قائلا "أن قوات الصحوة التي شكلت في مناطق متعددة من البلاد كان لها الفضل الاول في تحسن الوضع الامني، فضلا عن نمو قدرات وتسليح القوات العراقية الذي ساعد في القاء القبض على العديد من المطلوبين وقتل العديد من الارهابيين وتفكيك الخلايا الارهابية.

وأشار إلى أن زيادة عدد القوات المتعددة الجنسية بخمسة الوية وتغيير سياسة تلك القوات من خلال إنشاء مراكز أمنية مشتركة واعطاء قيادة العمليات بيد القوات العراقية يعد السبب الثالث في تحسن الوضع الامني، مضيفا أن تعاون المواطنين مع الاجهزة الامنية في تقديم المعلومات كان له الدور الكبير في تحسن الوضع الامني.

من جانبهم، يرى محللون عراقيون أن قرار الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر بالاستمرار في تجميد نشاطات جيش المهدي الجناح العسكري التابع له، والمسئول عن العديد من عمليات القتل والاختطاف في العاصمة بغداد قد ساعد ايضا على خفض مستوى العنف بصورة عامة والعنف الطائفي خاصة.

لكن الاوساط السياسية تختلف عن المسئولين الحكوميين في تقييمها لسبب التحسن الامني في العراق، فقسم منها يرجعه إلى تحسن أداء الحكومة الحالية وبخاصة أجهزة الامن فيها، التي بدت خلال هذا العام اكثر مهنية، أما القسم الاخر، فيتبنى فكرة ان ما يعيشه العراقيون من امان نسبي مرده إلى تفاهمات واتفاقات اقليمية ودولية وهذا القدر من الامان هو جزء من صفقة كبرى تتجاوز حدود العراق إلى غيره من دول المنطقة والعالم .

وانعكست اثار هذا التحسن على جوانب عديد في حياة المواطن العادي، بدأت العوائل العراقية التي هجرت لاسباب طائفية واجبرت على ترك منازلها خلال العام الماضي بالعودة لمنازلها، وتؤكد الحكومة العراقية أن اكثر من 25 الف عائلة مهجرة عادت الى موطنها بعد تحسن الوضع الامني، مبينة انها بادرت الى تنظيم رحلات جوية على نفقتها لاعادة المهجرين في دول الجوار، اي ان المعادلة انقلبت خلال هذا العام، فبدلا من ان يجبر العراقي على ترك منزله العام الماضي، بدأت خلال هذا العام الهجرة العكسية وعودة المواطن الى منزله.

غير ان التحسن الامني لايزال هشا ولم يصل الى درجة تجعل المواطن العراقي يشعر بالامن بصورة طبيعية، كما انه مهدد ايضا بالتردي اذا لم تواصل الحكومة خططها في ابعاد العناصر السيئة ذات النفس الطائفي من قواتها، وبناء هذه القوات على اسس مهنية ووطنية، بالاضافة الى معالجة موضوع عناصر قوات الصحوة بشكل يجنب عودتهم الى حمل السلاح بوجهها مرة اخرى.

وعلى صعيد العملية السياسية، شهد عام 2008 تغيرا في مسار العملية السياسية حيث بدأ عقد الكتل البرلمانية الرئيسية، التي شكلت على أساس طائفي، بالانفراط، أسفرت عن ولادة كتل صغيرة تتبنى مواقف مخالفة لتلك الكتل التي كانت تنطوي تحتها، للخروج من الخندق الطائفي الذي أدى إلى تأخير العراق ووقوعه في مشاكل كثيرة، والتأسيس لمشاريع وطنية بعيدة كل البعد عن اي تخندق طائفي او عرقي.

ومن المتغيرات السياسية الايجابية التي حصلت خلال هذا العام هو عودة وزراء جبهة التوافق السنية إلى الحكومة بعد ان كانت تعاني من انسحاب 17 وزيرا، ووصفت هذه العودة بانها انفراج سياسي كبير باتجاه المصالحة الوطنية ورأب صدع الانقسامات العميقة بين السنة والشيعية ، لان عودة السنة إلى الحكومة يرفع عن الحكومة صفة الطائفية التي كانت تتهم بها، كما ساعدها على البدء بتقديم الخدمات، وهذا ما لمسه المواطن العراقي في الاسابيع الاخيرة من هذا العام.

وحدث تطور سياسي آخر خلال هذا العام وهو انخراط الكثير من المسلحين ضمن العملية السياسية، بعد ان تعاونت قوات الصحوة التي شكلتها العشائر السنية مع الحكومة لمقاتلة تنظيم القاعدة، وتمكنت من فرض الامن في مناطق ساخنة.

ويعتقد المراقبون أن العراق وعمليته السياسية على اعتاب تغيير جذري في الانتخابات المقبلة، حيث تحاول القوى السياسية التخلص من الاصطفاف الطائفي والعرقي، بعد ان نجحت الحكومة في بسط نفوذها في مناطق كانت خارج سيطرتها ، اثر تطبيقها عدة خطط امنية في مناطق متفرقة من البلاد، ساعدت قوى اخرى بالعودة الى الحكومة ومساندتها في تحقيق الامن وتثبيت قوتها، كما سمحت الظروف الجديدة للعديد من القوى السياسية باعلان رغبتها بالمشاركة في العملية السياسية في المرحلة المقبلة .

وبالرغم من النجاحات التي حققتها العملية السياسية في العراق خلال هذا العام داخليا وخارجيا ، لكن هاجس غياب الثقة بين الفرقاء مازال يلقي بظلاله عليها، ويعد من ابرز سماتها بعد ان تراجع اتهامها بالتخندق الطائفي منذ ضربت الميليشيات الشيعية، وفعلا نجحت الحكومة في اعادة اصطفاف الاحزاب السنية بجانبها، مما اعطاها قوة كانت بحاجة اليها لمسح صبغتها الطائفية.

وعلى الصعيد الاقتصادى، لم يتمكن الجانب الاقتصادي من تحقيق تحولات كبيرة في العراق خلال هذه السنة لكنه افضل بكثير مقارنة مع العام السابق، بالرغم من تخصيص ميزانية، هي الاكبر في تاريخ العراق منذ تشكيل اول حكومة في القرن الماضي بلغت نحو 70 مليار دولار، بسبب تخوف الشركات الاجنبية من الدخول الى العراق.

لكن مشاريع مهمة بدأت فيها الحكومة العراقية في النصف الثاني من هذا العام، منها مشاريع استثمارية لبناء مدن وفنادق سياحية كبيرة بمئات الملايين من الدولارات، كما ان الحكومة سارعت في خطواتها في انجاز بعض المشاريع الخدمية.

ووقعت وزارة النفط العراقية عدة عقود استثمارية مع شركات عالمية كبيرة من اجل الاستثمار في مجال النفط والغاز، وهذه العقود ستنعكس بصورة ايجابية على الاقتصاد العراقي، لكن لن يتم هذا خلال هذه السنة، بل سيتحقق ذلك في المستقبل القريب والبعيد.

ويرى المراقبون ان انعكاس الميزانية الكبيرة على الوضع المعيشي والاجتماعي كان واضحا وملموسا ولذلك فانها حققت اهدافها في هذا المجال رغم ان الاحتياج الفعلي اكثر بكثير مما تحقق لكن المسارات كانت صائبة وانها تسير نحو اهدافها بسرعة، وقد لمس المواطن ذلك من خلال تحسن دخله الشهري وخاصة الموظفين.

وعلى صعيد الانفتاح العراقى على العرب، يعتبر عام الانفتاح العراقي على محيطه العربي حيث تمكن العراق من اذابة الجليد الذي اعترى علاقاته مع الدول العربية، فبدأ رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وكبار المسئولين العراقيين سلسلة من الزيارات إلى العديد من الدول العربية لشرح توجهات العراق الجديدة وقد اثمرت هذه الزيارات عن زيارات مقابلها، من اهمها زيارة العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني كاول زعيم عربي يزور بغداد منذ الاطاحة بنظام صدام حسين، واعادة افتتاح العديد من السفارات العربية في بغداد.

وبعد منتصف هذا العام تواصل العرب مع العراق فقد أعلنت أربع دول عربية هي الإمارات والأردن والبحرين والكويت تعيين سفراء لها في العراق، بينما تدرس دول عربية أخرى اتخاذ خطوات مماثلة من بينها مصر التي أرسلت وفدا رفيع المستوى إلى بغداد لبحث إعادة فتح السفارة وتعيين سفير جديد.

وزار بغداد كل من الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، ووزير خارجية سورية وليد المعلم، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ووزير خارجية مصر احمد أبو الغيط، وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.

ويرى المراقبون انه على الرغم من قصر فترة زيارة المسؤولين العرب لاعتبارات أمنية، لكن مجرد هبوط طائراتهم وتواجدهم في بغداد كان كافيا لايصال رسالة ايجابية واضحة، تفتح الباب امام اتصالات أوسع، طبقا للمعطيات على الساحة العراقية، مؤكدين أن زيارات المسؤولين العرب أعطت دفعا قويا ومهما، وقدمت مؤشرات واضحة على أن العراق باق في محيطه العربي بغض النظر عن بعض المحاولات لابعاده.

الى ذلك يشدد المراقبون على ان زيارات المسؤولين العرب مهمة جدا ومؤثرة، مثلما هو الوجود العربي في بغداد وغيرها من المدن العراقية الرئيسية، ليس فقط لعدم ترك الساحة للآخرين، بل أيضا لتعزيز ثقة العراقيين القوية بانتمائهم العربي، والمساهمة في حل المشاكل التي يواجهونها.

أن سنة 2008 كانت سنة التحولات في العراق لكن هذه التحولات لاتزال في بداياتها وفي حالة عدم اتخاذ خطوات عملية لتعزيزها من اجل تحقيق المزيد من المكاسب، فان العملية بكافة جوانبها السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية مهددة بالانهيار، لكن العراقيين وكما هي عادتهم دائما يتفائلون بالمستقبل املا منهم بالعيش كباقي شعوب العالم بامن وسلام ويطوى صفحة الحروب والعنف التي ارهقتهم كثيرا.

متعلقات
ما رأيك ؟
link | اتصل بنا |
© China Radio International.CRI. All Rights Reserved.
16A Shijingshan Road, Beijing, China