روابط

تحت أسقف مساكن الصينيين

   2008-12-10 14:26:55    cri

خلال ثلاثين سنة مضت منذ تنفيذ الصين لسياسة الإصلاح والانفتاح من عام 1978 إلى 2008، طرأت تغيرات كبيرة على ظروف سكن الصينيين حيث كانت هذه المساكن ضيقة وتكاد تختنق بمن يعيشون فيها، ثم تحولت الآن إلى مساكن أرحب وأوسع تضم في كثير من الأحياء وجيلا واحدا وليس عدة أجيال كما كان من قبل. في هذه الحلقة نعرفكم بمسيرة تغير ظروف سكن الصينيين من خلال النقلة السكنية التي عايشها السيد جين يو جيون.

" في هذه الغرفة الصغيرة التي تبلغ مساحتها مترين مربعين ثلاثة كانت توجد مطابخ لثلاث أسر وممر ضيق ومبنى بسيط تسكن فيه أسر من ثلاثة أجيال أو تعيش في غرفة واحدة أسرتان مكونان من الزوج والزوجة. الناس جميعا كانوا يتوقعون لتحسين ظروف سكنهم في أسرع وقت ممكن. ها هم ثمانية أفراد لأسرة العامل المتقاعد وانغ لي تسن يعيشون في غرفة واحدة مساحتها 13 مترا مربعا، كم كان الأمل يراوده في أن يمتلك مسكنا جديدا."

ما استمعتم إليه قبل قليل هو مقطع من فيلم وثائقي عنوانه "الرغبة الشديدة في الحصول على عشرة آلاف مسكن"، والذي صوره معمل الأفلام الوثائقية الإعلامية المركزي الصيني عام 1982. والمشهد الذي يصوره هذا المقطع هو الصورة الحقيقية لمساكن الصينيين في المدن في تلك الفترة أي "الضيق والبساطة والقدم والازدحام".

عام 1978 كان أول الأعوام التي نفذت فيه الصين سياسة الإصلاح والانفتاح، وقبل ذلك، دعا المجتمع الصيني إلى مفهوم "الإنتاج أولا، ثم الحياة"، وتم تجنيب طلبات الناس في مجال الحياة، واستخدمت الحكومة معظم الأموال المحدودة في الإنتاج ولم تكن لديها الأموال الكافية لبناء المزيد من المساكن. بمعنى أن ذكريات معظم الصينيين حول السكن خلال تلك الفترة كانت توصف بكلمة واحدة هي "الضيق".

المسن جين يو جيون البالغ من العمر 63 عاما كان معلما قبل تقاعده. وفي أوائل ثمانينات القرن الماضي كان يسكن مع زوجته وإبنته الحديثة الولادة جين دي في غرفة صغيرة لا تزيد مساحتها عن عشرة أمتار مربعة.

"كانت غرفة بيتي صغيرة جدا، ولم نكن نضع في اعتباراتنا شراء أثاث آخر ما عدا سرير وطاولة وخزانة ملابس بسبب ضيق المكان. وحينما كان يأتي ضيف إلى بيتنا، لم يكن باستطاعتنا التحرك بسهولة في هذه المساحة المحدودة، كنا نشعر فعلا بالضيق لوجودنا في ذلك المسكن."

لعل ما قاله العجوز جين يوضح أن الصينيين في تلك الفترة لم يكونوا قادرين على دعوة الأصدقاء إلى بيوتهم بسبب عدم وجود مكان واسع وأموال للحفاوة بالضيوف. لقد كان بيت العجوز جين في ذلك الوقت مجرد غرفة صغيرة واحدة من دار مدنيين. وكانت دار المدنيين أسلوب سكن عاما لمواطني بكين في تلك الفترة، و كان أصلها الدار الرباعية التي عاشت فيها أسرة مسؤول كبير بمفردها. وفي ذلك الزمن الذي كان يفتقر إلى المساكن الواسعة، كان يمكن أن تعيش سبع أو ثماني أسر في دار رباعية واحدة حيث تحتل كل أسرة غرفة واحدة من الدار وعليهم التمتع المشترك بكل متطلبات المعيشة للدار مثل المطبخ والحنفية ودورة المياه وغيرها حتى أنهم كما عرفت كانوا ينشرون الغسيل وسط ساحة الدار.

وأضيف إلى قولك زميلي أحمد أنه بالإضافة إلى دار المدنيين، أعتبرت "المبانى الأنبوبية" مكانا آخر لاستقلال أبناء الشعب في تلك الفترة. وفي ظل الضغوط الكبيرة الناجمة عن السكن، تحولت بعض وحدات العمل المكاتب إلى مساكن ذات غرفة واحدة، فظهرت هكذا المباني الأنبوبية. وشكل المباني الأنبوبية موحد، في الوسط ممر، وعلى الجانبين مساكن تحولت من المكاتب. وفي الممر العام الضيق كانت توضع المواقد وأدوات الطبخ وأوعية الطعام بالإضافة إلى الأشياء المتراكمة الأخرى. ولم تكن هناك أية خصوصية، فالكل أمام عيون الجميع لذلك كانت هناك التناقضات والمشاكل. ها هو شو كه شين خبير الشؤون العامة الصيني يقول ويؤكد على هذا الكلام:

"ماذا تطبخ أسرتك وكم كمية من الفحم تشتري أسرتك، الجميع يعرفون ذلك، لأن كل الأشياء تتراكم في ذلك الممر. لذلك، نقول إن جميع الناس لم تكن لديهم خصوصية في ذلك الوقت."

في المرحلة الأولى من تنفيذ الصين لسياسة الإصلاح والانفتاح، ازداد عدد الصينيين بسرعة فائقة، ولكن إجمالي مخصصات الدولة في الإسكان لم يكن يزيد عن 1% من إجمالي الناتج المحلي، وكانت الوسيلة الوحيدة لحل مشكلة الإسكان الفردي هي الاعتماد على إمدادات تمنحها وحدة العمل للعاملين في مشروع يعرف باسم "الإسكان المرفه"..

ولنرجع الآن إلى أسرة بطل قصتنا اليوم جين يو جيون. مع نمو إبنته يوما بعد يوم، شعر جين يو جيون بإلحاح أن هذه الغرفة الصغيرة داخل دار المدنيين لم تعد تسد المتطلبات المعيشية لأفراد أسرته.

"بعد أن كبرت ابنتي، كنت أشعر بضرورة استقلالها. حينما كنت أرى الكثير من المباني اثناء طريقي إلى العمل، راودتني فكرة خيالية في ذلك الوقت: متى يمكننا أن نحسن ظروفنا السكنية وننتقل إلى مبنى جديد ونعيش مثل بقية الناس الذين يعيشون في هذا المكان الجديد."

وبعد انتظار لمدة طويلة ، انتقلت أسرة جين يو جيون عام 1997 أخيرا إلى المسكن الجديد الذي أمدته به وحدة عمله. و هذا المسكن كان يتكون من غرفتين وصالة واحدة وتبلغ مساحته 80 مترا مربعا ويقع في الطابق الثامن من مبنى ذي 18 طابقا. وكان أكثر من شعر بالسرور اثناء ذلك هي جين دي إبنة جين يو جيون، حيث تقول:

"كانت تلك هي المرة الأولى التي أسكن فيها في المبنى شعرت بسعادة غامرة. أخيرا أصبحت لي غرفة خاصة وتوفر لي مكان أضع فيه أشيائي وأحتفظ بخصوصياتي."

ولكن عدد الأسر المحظوظة مثل أسرة جين يو جيون كان ما زال قليلا، لأن المباني التي بنتها وحدات العمل كانت محدودة، أصبحت المساكن المناسبة حلما يتطلع إليه الناس في تلك الفترة، وكانت إمكانية أن تمنح وحدة العمل عمالها مسكنا تقرر مصير شخص و نوعية حياته تقريبا.

فعلا، ولكن هذا الوضع تغير بشكل نهائي في عام 1998، اذ أعلنت حكومتنا في يوليو نفس العام وقف أسلوب هذه المساكن وبدء إجراء الإصلاح في هذا المجال. وها هو رئيس مجلس الدولة الصيني السابق تشو رونغ جي يقول:

"استعددنا لإصدار سياسة جديدة في النصف الثاني من هذا العام لوقف أسلوب هذه المساكن وتحويل الأمر إلى مساكن تجارية."

هكذا أن نظام إمداد المساكن الذي نفذ في الصين على مدى عشرات السنين قد ألغي ليبدأ أسلوب جديد يمكن العامل من شراء مسكن باستخدام الإعانة المالية من وحدة العمل وأموال صندوق إسكانه وكذلك من خلال الاقتراض من البنك. وهذا الإجراء قد مكن الصينيين من اختيار مساكنهم، واختفت تدريجيا تلك الفترات الحرجة التي فقد الناس فيها خصوصيتهم.

فإلغاء نظام إمداد المساكن غير أحلام العديد من الناس في الإسكان بفوائدهم في وحدات عملهم، ومع تغيير نمط الحياة إلى الرفاهية، لم يعد الجيل الجديد من الشباب الصينيين يتحملون ظروف سكن وإقامة عدة أجيال في غرفة صغيرة واحدة مثلما كان الحال مع أبويهم، بل أصبح توسيع مجال السكن والارتقاء بنوعية الحياة أهدافا لهم. لذلك، أصبح الاقتراض من البنوك لشراء الشقة أمرا طبيعيا لدى المزيد من الشباب.

جين دي الإبنة الوحيدة للعجوز جين يو جيون هي في نفس العمر مع سياسة الإصلاح والانفتاح في الصين، وشهدت بعينيها العديد من التغيرات التي حدثت في مجال إسكان الصينيين منذ تنفيذ الصين سياسة الإصلاح والانفتاح. بعد تخرجها من الجامعة عملت في شركة تكنولوجيا معلوماتية وأصبح دخلها مستقرا. إشترت مع خطيبها عام 2004 شقة مستفيدة من القروض. حيث تقول:

"إن الدفعة الأولى من القرض كانت من خزاننا خلال السنوات الماضية، وساعدنا أهالينا ماليا، ثم اقترضنا من البنك قروضا قيمتها نحو ثلاثمائة ألف يوان صيني نسددها على دفعات خلال عشرين سنة. وبفضل استقرار عملينا، نضع في اعتباراتنا سداد القروض تدريجيا في المستقبل."

بينما دخلت الشقق كسلع في حياة الناس، بدأ قطاع العقارات يزدهر يوما بعد يوم. وبحلول عام 2007 احتل ناتج العقارات أكثر من 9% من إجمالي الناتج المحلي. وبدأ المزيد من الناس يتطلعون إلى ظروف سكن جيدة النوعية تتمثل في زيادة مساحة الغرف والمرافق المتكاملة الجيدة والسهلة وبيئة الحي السكني المريحة والجميلة. ولكن ما رافق ذلك بالطبع ارتفاع أسعار المساكن. ففي هذا العام تجاوز معدل أسعار المساكن التجارية في بكين 12000 يوان صيني(أكثر من 1700 دولار أمريكي) لكل متر مربع. وبدا أن المساكن باعتبارها حاجة يومية ضرورية أصبحت بين ليلة وضحاها سلعا كمالية.

وها هي جين دي تقول للمراسل إن العديد من زملائها لا يستطيعون أبدا شراء المساكن بسبب ارتفاع أسعارها في بكين.

"يسكن العديد من زملائي الآن في المساكن المستأجرة، لأن الشقة الواحدة ثمنها تقريبا أكثر من مليون يوان صيني. لذلك، لا يفكرون في شراء المساكن ألهم إلا اذا انخفضت أسعارها وهذا بالطبع في حلم الغيب. "

العيش والعمل بسلام واستقرار ظل أمنية الصينيين وفي نفس الوقت أصبح الأمر مشكلة ملحة أمام الحكومة الصينية تحاول حلها في الوقت الحالي. وقد عرفت أن إجمالي مخصصات الحكومة لضمان بناء المساكن بلغت 100 مليار يوان صيني، وأن القطاع المالي المركزي سيرصد خلال ثلاث سنوات مقبلة 900 مليار يوان صيني لبناء المساكن الاقتصادية والمنخفضة الإيجار وإصلاح المناطق الفقيرة.

استعراضا للثلاثين سنة الماضية من تنفيذ الصين سياسة الإصلاح والانفتاح، فإن معدل نصيب الفرد من المساحة المعيشية لسكان المدن الصينيين قد ارتفع من 6.7 متر مربع في عام 1978 إلى 26 مترا مربعا في عام 2007. وهذا شيء يسعد الجميع. والآن لم تعد ذكرياتنا عن السكن توصف ب"الضيق" و"التبرم". وعلى الطريق إلى الأمام رغم الصعوبات والمشقات، لن تقف خطوات الصينيين المتطلعة إلى مجال الحياة الأكثر راحة ورفاهية.

متعلقات
ما رأيك ؟
link | اتصل بنا |
© China Radio International.CRI. All Rights Reserved.
16A Shijingshan Road, Beijing, China