روابط

بعض تقاليد المسلمين في هامي بمنطقة شينجيانغ شمال غربي الصين

   2009-02-18 15:11:31    cri

هناك العديد من التقاليد الرائعة والأصيلة المرتبطة بحياة الناس في كل مكان، ويسعدنا في هذه الحلقة أن نختار أحد هذه التقاليد للمسلمين الصينيين ونتحدث عن تقليد قديم متجدد يتعلق بأمر يحدث لكل الناس.

من تقاليد المسلمين الصينيين في الجنازة الإسراع بدفن المتوفى تحت الثرى مع الحرص على البساطة، وهذا يجسد رؤيتهم الإيجابية للموت. وقد لقي هذا الأسلوب في الدفن احتراما من كافة أبناء الصين. ولكن مع ارتفاع مستوى المعيشة برزت بعض ظواهر البذخ والتبذير متجسدة في زيادة حجم القبر إبرازا لنفوذ وجاه عائلة المتوفى. يضاف إلى ذلك، انتشار القبور العشوائية في الريف، الأمر الذي يبدد الأرض الزراعية. يبلغ عدد المسلمين الصينيين 20 مليونا وثلاثمائة ألف نسمة، وحيث أن المعدل السنوي للوفيات في الصين هو 6.5%، فإن هذا يعني وفاة مليون وثلاثمائة ألف مسلم سنويا في الصين، وهذا يعني أيضا زيادة مساحة المقابر الإسلامية حوالي 3400 هكتار، وهي مساحة تكفي لزرع حبوب تغذي ثلاثة ملايين نسمة في السنة. وهذا يفرض ضرورة الوقوف عن هذه الظاهرة وتطويرها بالاتجاه الصحيح.

منذ إنطلاق سياسة إصلاح الدفن في الصين قبل خمسين عاما أولت الحكومة والمسلمون اهتماما بالغا لتطوير مدافن المسلمين، على أساس الدعوة إلى أن يكون الدفن "عميقا ومتواضعا" وأن تخصص الدولة أراضي لمقابر المسلمين، وتقوم بتشجيرها وتجميلها. وقد حظيت الجهود التي بُذلت في هذا الصدد بقبول المسلمين، ودفعت العلاقات بينهم وبين كافة القوميات، وتحسنت ظروف المقابر كثيرا.

تقع مدينة هامي في جنوبي منطقة شينجيانغ الذاتية الحكم لقومية واليغور، حيث يقطن نحو مائة وعشرة آلاف مسلم. وهم ينتمون إلى قوميات هوي وويغور وقازاق، ويشكل عددهم 28.17% من سكان المدينة. كان المسلمون في هامي يدفنون موتاهم بشكل عشوائي، فلكل قرية مقبرة ولكل منزل قبور، وتبنى المقابر في الغابات الطبيعية. لذلك كان بناء مقبرة إسلامية عامة هو أفضل حل لهذه المشكلات.

في عام 2000 بدأ بناء طريق دائري حول المدينة، يمر بقطعة أرض ينتشر بها أكثر من 500 مقبرة عشوائية صغيرة. كان الأمر يتطلب نقل أكثر من أربعة آلاف قبر للمسلمين لإخلاء المكان. ولكن إلى أين تُنقل؟ أثارت القضية جدلا غير بسيط بين المسلمين. بفضل روح التسامح والوعي بالمسئولية التي يتحلى بها المسلمون من أبناء هامي ونبذهم لفكرة أن حفر القبر يزعج الميت، تقرر بعد المناقشة أن ينقلوا قبور أسلافهم إلى المقبرة العامة الجديدة التي حددتها الحكومة. وقد بادر عمدة مدينة هامي بنقل رفات أمه من المقابر القديمة إلى المقبرة العامة، فكان قدوة للآخرين.

بدأت المؤسسة العامة للتنمية في مدينة هامي مشروع بناء المقبرة الجديدة في هامي عام 1999 بتكلفة تعادل حوالي 1.25 مليون دولار أمريكي. انقسم المشروع إلى ثلاث مراحل، هي إنشاء مقبرة عامة تتسع لستين ألف قبر على قطعة أرض شبه صحراوية، وثانيا إنشاء بستان له طابع الحياة الحديثة، وثالثا بناء قاعة لخدمات الجنازة. بعد ست سنوات من العمل أصبحت المقبرة أكثر حداثة ونظافة ومتعددة الخدمات، وتتحسن ظروفها الطبيعية حيث تم تشجير خمسين بالمائة من مساحة المقبرة ورصف خمسين بالمائة من شوارعها الترابية. وحتى اليوم دفن فيها حوالي اثني عشر ألف مسلم، تتجاوز مساحة قبورهم خمسين هكتارا.

يتجسد جمال المقبرة في هدوئها وفي القاعدة البيضاء لكل قبر فيها والهلال المنقوش ذي اللون الذهبي الذي يعكس ضوء الشمس. وتحيط بالمقبرة مساحة خضراء يعيش فيها عدد كبير من الطيور. قال محمد، رئيس مؤسسة خدمات الجنازة بمدينة هامي، إن المقبرة العامة في هامي صممت لتكون بستانا يجمع بين الطراز الإسلامي وخصائص شينجيانغ، حيث تُزرع فيها أشجار فواكه كثيرة تحقق حصادا وافرا، والآن بها حوالي عشرين هكتارا من المحاصيل الاقتصادية، ومنها العنب الذي يدر حصادا يكفي العاملين بها لمدة نصف سنة. ومن المخطط جعل منطقة المقبرة أكثر جمالا في المستقبل وفتحها للسياحة.

بعد إتمام بناء المقبرة الإسلامية العامة في هامي، تغيرت أفكار المسلمين بشأن الجنازة تغيرا جذريا. كانوا من قبل، إذا مات أحدهم يبحثون عن مكان خلاء عشوائي ويدفنوه به، ولكنهم اليوم يأتون إلى هذه المقبرة للدفن بها ويزرعون الأشجار متطوعين ويتبرعون بالصدقات لتطوير المقبرة. يبلغ سعر القبر الواحد هنا ما يعادل 65 دولارا أمريكيا فقط، ويقدم القبر مجانا للمتوفين من أبناء الريف والفقراء كمعونة من التبرعات العامة.

في مقبرة هامي، تندمج عادات وتقاليد الجنازة مع الأفكار الحديثة لإدارة المؤسسات، حيث تقدم مؤسسة شؤون الجنازة لعائلات المتوفين خدمات حفر القبر والغسل والكفن والنعش والدفن وإلخ. وأنشئت بها قاعة جنازة وصالة استقبال واستراحة ومطعم مساحته 200 متر مربع يتسع لمائة وعشرين شخصا، مع وجود سيارتين لخدمة الموتى جاهزتين على مدار الأربع والعشرين ساعة، بالإضافة إلى خدمة الاستعلامات والحجز وإصلاح القبر وذبح الأضاحي، وهكذا أصبحت الجنازة أكثر بساطة وسهولة.

بهدوئها وذوقها السليم وحداثتها، لقيت المقبرة العامة في هامي تقديرا عاليا من قبل المسلمين. قال محمد، في الربيع، يأتي كثير من المسنين والمسنات هنا للزيارة، فيحجزون أماكن القبور ويزرعون الأشجار متمنين أن يُدفنوا هنا بعد وفاتهم. الأكثر أن العاملين في الدوائر الحكومية، حتى من أبناء القوميات الأخرى غير المسلمين يؤتون لزراعة الأشجار، للمساهمة في تجميل الحديقة. تقديرا للنجاح الكبير للحكومة المحلية في بناء المقبرة، قام وفد من لجنة الدولة لشؤون القوميات بزيارتها وأشار إلى أن فيها تجارب كثيرة يمكن لمناطق المسلمين الأخرى أن تستفيد منها.

متعلقات
ما رأيك ؟
link | اتصل بنا |
© China Radio International.CRI. All Rights Reserved.
16A Shijingshan Road, Beijing, China