CRI Online

التجول في مدينة شيوتشو.. أثينا الشرق

cri       (GMT+08:00) 2015-09-25 10:53:05


تقع مدينة شيوتشو في وسط الصين بين مدينتي بكين وشانغهاي، في نقطة التقاء جنوبي وشمالي الصين. يفتخر أهلها بتاريخها الطويل وثقافتها المتألقة. جذبت المدينة بمناظرها الطبيعية الرائعة وقصصها التي تملأ كتب التاريخ والأدب، السياح والأدباء من كل حدب وصوب منذ القدم.

شيوتشو، التي يرجع تاريخ ثقافتها إلى أكثر من ستة آلاف عام، تأسست كمدينة قبل ألفين وستمائة عام، ويعتبرها الصينيون أرض الملوك المباركة، فقد أنجبت عدداً من أباطرة البلاد في تسعة عصور من تاريخ الصين. هي مسقط رأس للإمبراطور ليو بانغ مؤسس أسرة هان (206 ق م – 220 م)، والملك شيانغ يو الذي نصّب نفسه حاكماً لمملكة تشو الغربية، وألد أعداء ليو بانغ بعد سقوط إمبراطورية أسرة تشين (221 ق م – 206 ق م). كما أن شيوتشو مهد ثقافة هان العظيمة. وبرغم تبدل العصور ومرور الزمان، ما زال في المدينة كمية كبيرة من المعالم التاريخية ذات المناظر الخلابة لثقافة هان، ما جعلها تحمل لقب "أثينا الشرق"، وحتى اليوم، يتنسم في شوارع شيوتشو عبق ثقافة هان القادم من أرجاء المدينة كافة.

تقع شيوتشو عند نقطة التقاء جنوبي وشمالي الصين مما أكسبها أهمية استراتيجية، فتصارعت عليها كل القوى في مختلف العصور. شهدت شيوتشو في تاريخها أكثر من أربعمائة معركة، أشهرها المعركة التي درات رحاها بين قوات ليو بانغ وقوات شيانغ يو في جبل جيولي في أواخر فترة أسرة تشين. في هذه المعركة، قاد شيانغ يو البالغ من العمر 27 سنة، جيشه ذا التدريب العسكري الصارم، لمواجهة جيش ليو بانغ ابن الفلاح الفقير الذي جاوز عمره خمسين عاماً. مع ذلك، هُزم شيانغ يو وانتحر في النهاية، بينما وحد ليو بانغ أراضي الصين، وأسس أسرة هان في عام 206 قبل الميلاد، والتي استمرت أكثر من أربعة قرون. نظراً لأهمية هذه المعركة وشهرتها، سجلتها ووصفتها بدقة الأعمال الأدبية والمسرحية في الصين.

لقد ترك ليو بانغ لمدينة شيوتشو كثيراً من الآثار التاريخية التي ترتبط بفترة حكمه، ومنها منصة قهفونغ (مدح الرياح)، وجوسق سيشوي، وعين مياه باجيان (سل السيف)، وعين مياه مابا (ركض الحصان). كما ترك لها تراثاً ثقافياً غير مادي للعصور اللاحقة. وقد أوضح ما بي فونغ، الخبير في دارسة ثقافة هان، أن تراث ليو بانغ يشمل اللغة الصينية والمقاطع الصينية، فضلاً عن نظرية "دولة واحدة ذات نظامين" خاصة به، والاهتمام بالفكر الكونفوشي، وتفضيل الزراعة على التجارة وتخفيف الضرائب وغيرها. إن الدور الذي أداه ليو بانغ تمثل في تأسيسه لثقافة هان، وإنهاض الأمة الصينية عبر احترام الذات والوعي بالقيمة الثقافية.

عندما وقعت معركة بين ليو بانغ وشيانغ يو، كانت شيوتشو عاصمة لمملكة تشو الغربية تحت زعامة شيانغ يو ابن مدينة سوتشيان التي تبعد عن شيوتشو مائة كيلومتر تقريباً، وكانت تتبع شيوتشو إدارياً. ومن الآثار التاريخية لفترة شيانغ يو في شيوتشو، منصة شيما (لهو الحصان)، ويقال إن شيانغ يو كان يرعى الخيل في هذا المكان. إن شيانغ يو، برغم هزيمته في معركته مع ليو بانغ، نال احتراماً وإعجاباً لا يقل عما ناله ليو بانغ من قبل مواطني شيوتشو. وقد افتتحت للزوار العام 2014، حديقة تشو التي تخلد ذكرى شيانغ يو وتلقي الضوء على ثقافة تشو المميزة.

تقع شيوتشو في منطقة فيضانات النهر الأصفر، وقد عانت في الماضي من الفيضانات المستمرة، ودفن تحت ثراها الكثير من آثار ثقافة هان. منذ ثمانينات القرن الماضي، ومع تطور عملية التحول الحضري، تم التنقيب عن الكثير من الآثار الثقافية التي يرجع تاريخها إلى فترة أسرة هان، ومنها المقابر والمنحوتات الحجرية والجنود الصلصالية والتي تمثل ثلاثة نماذج رائعة لأسرة هان.

يتراوح عدد مقابر أسرة هان في شيوتشو بين ثلاثمائة وأربعمائة، فتحت منها اثنتان فقط للزوار حالياً، وهما مقبرة جبل قويشان (السلحفاة) ومقبرة جبل شيتسي (الأسد)، وكلاهما لأميرين في فترة أسرة هان الغربية. المقبرتان تثيران إعجاب الزوار بملامحهما الرائعة وما في داخلهما من آثار تفوق الوصف.

تتكون مقبرة جبل قويشان من قبرين لزوجين، ففي القبر الجنوبي دُفن ليو تشو، الملك السادس لمملكة تشو، وفي القبر الشمالي دُفنت زوجته، يربط القبرين ممران. إن فن الحفر والنقش اليدوي رائع، ويمكن اعتباره نموذجاً لمستوى فن العمارة في ذلك الوقت، وفيه كثير من العجائب التي لا يوجد تفسير لها حتى الآن، فلا عجب أن يحمل وصف "هرم الشرق".

قبر جبل شيتسي يبعد عن الميدان المركزي للمدينة بعشر دقائق بالسيارة، وهو ضريح ليو وو، الجيل الثالث من ملوك تشو الذين حكموا شيوتشو في أوائل أسرة هان الغربية. في عام 1984، وجد فيه أكثر من أربعة آلاف تمثال حربي جنائزي. بعد عشرة أعوام، أتم الأثريون اكتشاف غرفة نعش الملك التي بنيت في عمق الجبل، وفيها غرفة تابوت ضخمة مساحتها نحو مائة متر، عثر فيها على أكثر من ألفي قطعة أثرية نفيسة من الذهب والفضة والنحاس والحديد، ومنها كثير من التحف الفنية الرائعة. بعض هذه التحف فريد من نوعه ولم يجد علماء الآثار الصينيون مثيلاً لها. قد يكون الاكتشاف الأنفس هو عظام الملك ليو وو، الذي استخدمها العلماء في العصر الحديث لاستعادة مظهره الجسدي بعد ألفين ومائة سنة من موته.

في عصر أسرة هان، كان الصينيون يعبدون الأسلاف متأثرين بالفكر الكونفوشي عن بر الوالدين. وفقاً لهذا الفكر، كان يعتقد بأن روح الإنسان لا تموت بعد موت الجسد، ومن هنا نشأت ثقافة الجنازة المميزة التي تعامل المتوفي كالحي. شكل وتصميم قبر ليو وو، يحاكي الحياة التي كان يعيشها المتوفي قبل الموت في الحياة الواقعية، ودفن مع المتوفي كل ما يستخدمونه قبل الوفاة من المستلزمات والمواد في الحياة اليومية.

وفي عام 1984، عندما كان عمال مصنع الطوب بمدينة شيوتشو يحفرون في السفح الغربي لجبل شيتشي، عثروا على جيش من الجنود الصلصالية من أسرة هان. يرى علماء الآثار أنه بالمقارنة مع تماثيل الجنود الصلصالية لأسرة تشين الذي يهتم بالوصف الواقعي للأشكال والملامح، فإن تماثيل الجنود الصلصالية لأسرة هان يغلب عليها الوصف التعبيري أكثر. في متحف تماثيل الجنود الصلصالية لأسرة هان في شيوتشو، يرى الزائر الجنود بتعبيرات وجه مختلفة، منهم المبتسم ومنهم الذاهل والغاضب ومنهم الغارق في أفكاره. كل هذه التماثيل عبرت عن حياة الجنود بأسلوب مدهش.

الأعجوبة الأخرى لثقافة هان في شيوتشو هي منحوتات هان الحجرية. هذه المنحوتات هي الرسوم المنقوشة على بنايات القبور في أسرة هان، مثل غرفة التابوت تحت الأرض، والمعبد والأضرحة. المنحوتات الحجرية واحدة من أعظم الإبداعات الصينية. لقد عاصرت أسرة هان الإمبراطورية الرومانية القديمة التي أحب شعبها تسجيل الحياة الاجتماعية والاقتصادية في صور منحوتة، شأنهم شأن الصينيين في فترة أسرة هان الذين استخدموا هذا الأسلوب في مراسيم تقديم القرابين للأسلاف والجنائز. تعبر المنحوتات الحجرية لأسرة هان عن مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية في ذلك العصر، وهي ذات قيمة عالية في الدراسات التاريخية باعتبارها ذروة فن النحت الصيني في ذلك الوقت.

في متحف المنحوتات الحجرية لأسرة هان بمدينة شيوتشو، يشعر المرء بأنه في بحر التاريخ الساحر، حيث تظهر أمام العيون، مشاهد حياة طبقات المجتمع الدنيا والعليا في أسرة هان. وقد قال المؤرخ الصيني البارز جيان بو تسان: "لو جمعنا هذه المنحوتات الحجرية منهجياً، يمكننا أن نؤلف كتاباً مصوراً لتاريخ أسرة هان."

موقع شيوتشو في شمال غربي مقاطعة جيانغسو يجعلها "البوابة الشمالية" لجيانغسو، تفتخر شيوتشو بجمال مناظرها الطبيعية أيضاً، حيث ينتشر في أرجاء المدينة اثنان وسبعون تلا وسبع بحيرات، أشهرها جبل يونلونغ وبحيرة يونلونغ التي تقع بسفح هذا الجبل. وقد أنشأت حكومة شيوتشو ميداناً واسعاً على شاطئ هذه البحيرة، تضاء فيه مع غروب الشمس مصابيح ملونة، ويأتي السكان إلى البحيرة ويتمشون على ضفافها بعد العشاء، أو يتجاذبون أطراف الحديث مع الأصدقاء القدامي والجدد. إنه مشهد رائع آخر لحياة المدينة الحديثة.

بحيرة بانآن في حي جياوانغ بشمال شرقي شيوتشو، أخذت اسمها من الصيني الوسيم بانآن. قبل فترة أسرة شانغ، سكن الإنسان منطقة جياوانغ المشهورة بموارد الفحم منذ قديم الزمان. حالياً، مع انخفاض حجم إنتاج للفحم، حولت جياوانغ محور تنميتها من الفحم إلى السياحة. بدعم من حكومة جيانغسو، بدأت جياوانغ إنشاء منطقة سياحية على مساحة أكثر من ثلاثمائة كيلومتر مربع، تضم بحيرة بانآن، وعدداً من المراكز التي تجمع مختلف الأنشطة، مثل ممارسة الشعائر الدينية والاستجمام والتدريبات الخارجية والاستكشاف العلمي وغيرها.

إن الأطباق الخاصة في شيوتشو ذات طرق الطهي الفريدة التي تحافظ على الصحة، والتي تركها بنغ تسو، أكبر معمر في الأساطير الصينية. يقال إن بنغ تسو عاش حتى بلغ من العمر ثمانية قرون. وقد كافأ الإمبراطور ياو طبيبه الخاص، بفضل مهاراته الطبية النادرة فمنحه أرض شيوتشو لتكون إمارة له. ولذا، كانت شيوتشو تسمى بمدينة بنغ في قديم الزمان. امتلك بنغ تسو معارف خاصة في الطهي والحفاظ على الصحة، وتعلم الناس منه هذه المعارف وتناقلتها الأجيال حتى يومنا هذا.

في شوارع شيوتشو، يمكنك أن تتذوق الأطباق التي تطهى بالطرق المتوارثة من بنغ تسو، وتشاهد تمثال بنغ تسو الذي يبلغ ارتفاعه أربعة وستين مترا، وتتعلم المزيد من طرق الحفاظ على الصحة من بنغ تسو في حديقة ومعبد ومقبرة بنغ، وكل الآثار التاريخية ذات العلاقة معه. تخطط شيوتشو لبناء حديقة بنغ تسو للحفاظ على الصحة، لإحياء ذكرى هذا الرجل العظيم والمؤثر في تاريخ الصين، للحفاظ على معارفه الخاصة التي تتفق مع العلوم الطبية الحديثة في الحفاظ على الصحة.

أخبار متعلقة
تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي