CRI Online

الصين الخضراء تتقدم

cri       (GMT+08:00) 2016-06-29 16:05:23

 

تعتبر الصين دولة زراعية منذ التاريخ القديم، ولكن الاستخدام المفرط للأرض الزراعية وإزالة الغابات أدى إلى تقلص مساحة الغابات في الدولة الأكثر سكانا في العالم، إذ لم تكن مساحة التحريج فيها تزيد عن 6ر8% قبيل تأسيس جمهورية الصين الشعبية سنة 1949.

وابتداء من الزعيم الراحل ماو تسي تونغ، ظل قادة الصين يدعون لتشجير البلاد ويمارسونه منذ أكثر من نصف قرن. وفي ثمانينات القرن العشرين، أعلنت الصين الثاني عشر من مارس يوما وطنيا للتشجير، فبدأت في الصين حملة وطنية طويلة الأمد لزراعة الأشجار. وتشير البيانات إلى أن عدد المشتركين في العمل الطوعي للتشجير بلغ 3ر13مليار فرد، غرسوا 4ر61مليار شجرة خلال الخمسين عاماً الماضية.

في عام 1979، بدأ العمل في الحزام الأخضر بشمال شرقي وشمال غربي الصين فتم غرس النباتات على مساحة أكثر من عشرين مليون هكتار، صارت تمثل سُبع مساحة مناطق الأحزمة الصناعية الخضراء في العالم.

مع بداية الألفية الجديدة، بدأت الحكومة الصينية تطبق حزمة من سياسات وإجراءات التخضير؛ منها سياسة إعادة الغابات عام 2002، سياسة إصلاح نظام حقوق ملكية الغابات عام 2010. حاليا، تبلغ مساحة الأرض التي تحولت إلى غابات اصطناعية في أرجاء الصين 364 مليون هكتار.

 

يعد شيوي قاو ليو، وهو فلاح من نانتشانغ حاضرة مقاطعة جيانغشي، نموذجا بارزا في جهود التشجير. خلال الثلاثين عاما المنصرمة، غرس السيد شيوي أكثر من ثمانمائة ألف شجرة في مسقط رأسه.

وخلال الأربعين سنة الماضية، استصلحت مجموعة ييليستة آلاف كيلومتر مربع من الأرض القاحلة في صحراء كوبوتشي، بمنغوليا الداخلية وحولتها إلى واحة، صارت نموذجا للعالم في مكافحة التصحر.

وشهدت السنوات الأخيرة حماسة لا حدود لها لإنشاء الحدائق الغابية في أنحاء البلاد. تخطط مقاطعة قوانغدونغ إنشاء أكثر من ألف حديقة غابية خلال ثلاث سنوات، ويجري حاليا في منطقة نينغشيا الذاتية الحكم لقومية هوي العمل لإنشاء حديقة غابية واحدة على الأقل في كل محافظة بها. وفي الوقت نفسه، تسعى مقاطعة شانشي لإنشاء مائة حديقة غابية في مائة محافظة بها. في نهاية عام 2014، بلغ عدد الحدائق الغابية الاصطناعية في الصين نحو ثلاثة آلاف، منها ثمانمائة حديقة غابية وطنية.

يحدث هذا في الصين، مع أن مساحة مناطق الغابات في العالم تتقلص سنويا. إن الصين، وبرغم الضغوط البيئية الهائلة الناجمة عن نموها الاقتصادي المطرد والسريع، حققت زيادة ملحوظة في مساحة المناطق الغابية وفي حجم مخزون الغابات أيضا.

 

كشف تحليل لبيانات الأقمار الاصطناعية قامت به جامعة نيوساوث ويلز بأستراليا على مدى عشرين عاما، أن حجم الغطاء النباتي العالمي زاد بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وأهم أسباب هذه الزيادة، حركة التشجير الواسعة النطاق والطويلة الأمد في الصين. وذكر تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، أن الصين أسهمت إسهاما كبيرا في المحافظة على موارد الغابات على مستوى العالم. ووفقا لبيانات حصر الموارد الوطنية الأخيرة، بلغت مساحة مناطق الغابات في الصين 208 ملايين هكتار، وبلغت نسبة مساحات التشجير والتحريج 63ر21% من إجمالي مساحة الصين.

في مارس عام 2005، وضعت الصين التخضير كهدف استراتيجي لجهودها الرامية إلى تعزيز الاتجاه نحو "التنمية الخضراء"، أي التنمية التي لا تضر بالبيئة الإيكولوجية وتحقق نمط "الحياة الخضراء".

يكتسب مفهوم التخضير عمقا أكثر بكثير من مشروعات التشجير، لأنه يعني السير باتجاه التنمية الصديقة للبيئة، وتحسين التنمية كليا، وسيحدث تغيرات في أرجاء العالم في كل المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، باعتبار الحضارة الإيكولوجية جوهرا لها.

رغم أن الصين حققت نتائج مذهلة في مجال التشجير، فإن ذلك لا يعوض المشاكل البيئية الإيكولوجية المتفاقمة الناتجة عن التوسع الحجمي في الإنتاج. وقد أصبحت سلامة الغذاء وأمن المياه وجودة الهواء، قضايا تهم الشارع الصيني. فمنذ انتهجت الصين سياسة الإصلاح والانفتاح، زاد معدل نموها الاقتصادي، وزاد حجم صادراتها الصناعية ذات العمالة الكثيفة والكلفة المنخفضة، ودخلت معظم الأسواق العالمية. لقد أدى سعي الصين إلى تحقيق الازدهار والنمو للحاق بالبلدان المتقدمة، إلى زيادة تلوث الهواء وارتفاع استهلاك الطاقة والموارد، وترك آثارا سلبية على جودة المياه والهواء والتربة. الضباب الدخاني في مدن شمالي وشرقي الصين هو أبرز تجليات هذه المشكلة.

 وفي عام 2012 اقترحت الصين بناء "الصين الجميلة"، ليكون " بناء الحضارة الإيكولوجية " جزءا هاما في خطة التنمية الشاملة، والتي تسير جنبا إلى جنب مع التنمية الاقتصادية والسياسية، والثقافية والاجتماعية. وهكذا يمكن أن يتحقق هدف التنمية المستدامة وبناء بيئة صالحة لمعيشة الناس.

 

فضلا عن ذلك، بذلت الصين قصارى جهدها لتحسين القواعد والقوانين المتعلقة بحماية البيئة، فشجعت الابتكارات العلمية والتكنولوجية وتحويل نمط النمو الاقتصادي بالمضي على طريق الاستهلاك الأخضر. وهكذا فإن الصين تؤكد عزمها الجاد على مكافحة التدهور البيئي.

قد اعتمدت الصين على جملة من التدابير الشاملة والمختلفة وانتهجت أساليب متعددة لتحقيق هدف بناء الصين الجميلة. ويشمل ذلك كبح مصادر تلوث البيئة، ومراقبة المشروعات الصناعية العالية الاستهلاك للطاقة، وتعزيز تطور الطاقة الجديدة، وتحسين المشروعات ذات الانبعاثات العالية. وطبقت الصين سياسات وقف وتعليق عمليات الإنتاج التي تسبب تلوثاً خطيرا، كما أدمجت بعض الشركات مع أخرى، ونقلت شركات إلى مناطق أخرى.

وعلاوة على ذلك، وضعت الصين نظاما قانونيا لمنع ومراقبة التلوث وحماية البيئة، يشمل قوانين حماية بيئة البحر والجو، ووقاية المياه من التلوث، كما وضعت قوانين مختلفة تشجع على الإنتاج النظيف والاقتصاد الدوري والحفاظ على الموارد الطبيعية.

حققت هذه الإجراءات نتائج جيدة. وخلال السنوات الخمس الماضية، تخلصت الصين من وسائل إنتاج عفا عليها الزمن حجمها مائة مليون طن من الفولاذ، وخمسمائة وستون مليون طن من الفحم، وأربعمائة مليون طن من الأسمنت. في عام 2014، قلصت الصين استهلاك الطاقة لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 9ر29%، وخفضت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى 8ر33% مقارنة مع عام 2005. وفي عام 2015، حققت تخفيضا نسبة 17% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة مع عام 2010. الصين حاليا هي الأولى في العالم من حيث توفير الطاقة واستخدام مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة.

 

وعلى الرغم من أن العديد من الصينيين العاديين لا يستوعبون تماما ما هو أسلوب "التحول الأخضر"، أي العيش بأسلوب يحافظ على البيئة، فإنهم يقبلون على نمط الحياة الخضراء الذي تعزز وترسخ داخل الإدارات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني خلال السنوات القليلة الماضية، مثل السفر الأخضر والاستهلاك الأخضر والأثاث الأخضر أصبح كل ذلك موضة بين الناس.

الحصول على لوحات أرقام السيارات في المدن الصينية الكبرى المزدحمة، يتم حاليا من خلال نظامي القرعة والمزاد، ويعفى من ذلك أصحاب السيارات التي تعمل بالطاقة الجديدة، بل وتمنحهم الحكومة تسهيلات إضافية لتشجيع استعمال هذه النوعية من السيارات. ونتيجة لذلك أصبحت الصين أكبر سوق في العالم للسيارات التي تعمل بالطاقة الجديدة، والتي بلغت مبيعاتها في عام 2015 في السوق الصينية ثلاثمائة ألف وحدة، أي أكثر من 30% من إجمالي حجم مبيعاتها في العالم كله.

 ونظرا لظروف الطرق ومستويات الدخل، نجد أن الدراجات الكهربائية والدراجات الكهربائية ذات الثلاث عجلات، هي الأكثر انتشارا بين الصينيين. في عام 2015، بلغ إجمالي مبيعات الدراجات الكهربائية في الصين 22 مليون وحدة، ومبيعات الدراجات الكهربائية ذات الثلاث عجلات ثمانية ملايين وحدة. ومع ذلك، لا يزال الكثير من الناس يفضلون الدراجات الهوائية العادية، نظراً للفوائد الصحية لهذا النوع من الدراجات التي تعتمد على طاقة مستخدمها.

هناك مثل آخر، السياسات التشجيعية لسكان بكين عند شراء الأجهزة الموفرة للطاقة، والتي يحصلون بموجبها تخفيضات بنسبة تتراوح بين 8% و20%، من شأنها أن تشجع المصنعين على تحسين صناعة الأجهزة المنزلية وجعلها أكثر كفاءة من ناحية استهلاك الطاقة.

 بالإضافة إلى الجهود المبذولة من الحكومة، هناك العديد من الإسهامات التي تقوم بها أوساط الثقافة والفنون والتلفزيون والسينما والشخصيات الرياضية. كما أن بعض منظمات المجتمع تقيم أنشطة مختلفة للتوعية بمخاطر ارتفاع نسبة الكربون في الهواء، وكيفية التعامل معها.

رأيت أيضا أن الصينيين اليوم وبصفة خاصة سكان المناطق الحضرية، تعزز وعيهم بأهمية نمط الحياة الخضراء. فنجد على سبيل المثال أن العديد من المتسوقين يحملون حقائبهم معهم حينما يذهبون للتسوق، وذلك لتجنب الاستخدام المفرط للأكياس البلاستيكية. كما نجد مجموعة كبيرة من الذين يسافرون كثيرا في رحلات عمل، يأخذون معهم مواد النظافة الشخصية والتجميل الخاصة بهم بدلاً من استخدام الأدوات الموجودة في الفنادق. كما أن المزيد من الناس صاروا يستخدمون المصابيح الموفرة للطاقة، على الرغم من أنها وإلى حد كبير أكثر تكلفة من المصابيح العادية.  في بعض التجمعات السكنية، يقوم متطوعون بجمع الملابس المستعملة، وكذلك الكتب، والتبرع بها للناس في المناطق الفقيرة.

 

أخبار متعلقة
تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي