CRI Online

"2001-2010" عقد من تغيير قواعد اللعبة فى العالم

arabic.news.cn       (GMT+08:00) 2011-01-05 09:06:27

 مع انقضاء الاعوام العشرة الاولى من القرن الحادى والعشرين، يتساءل الجميع ما اذا كان العالم يودع "عقد الجحيم؟". ومن المؤلم ان الاجابة تأتى "بنعم" من قبل كثير ان لم يكن اغلب الامريكين، لا سيما اولئك الذين تأثرت حياتهم بهجمات 11 سبتمبر الارهابية فى مطلع هذا العقد وكذلك بالنسبة للافغان والعراقيين الذين عاشوا فترات طويلة من من معاناة الحرب وعمليات الارهاب بعد حربى افغانستان والعراق اندلعتا فى بداية القرن الماضى على التوالى .

وقد يكون هذا العقد ايضا "اسوأ عقد على الاطلاق"، حسبما وصفته مجلة ((التايمز)) فى موجة مفزعة اخرى لهؤلاء الذين تفاعلوا عاطفيا مع فترة السنوات العشر الماضية التى شهدت تورط الولايات المتحدة فى حربين لا يمكن الظفر بهما، وتراجع مكانة البلاد بشكل نسبى وفقدان الحلم الامريكى لوهجه وبريقه.

وبمراجعة اكثر شمولية لهذا العقد تكتمل الصورة اكثر فأكثر لتعكس عالما خال من الحروب الشاملة التى قسمت العالم الى نصفين فى القرن المنصرم والتقدم الكبير الذى اسهم فى تحسين مستوى المعيشة العام للبشرية.

ومن بين ابرز الاتجاهات العالمية التى شكلت الساحة العالمية على مدار العقد المنتهى، هو الصعود المشترك للدول النامية ممثلة فى الصين والبرازيل مع انتقال سلطة الاشراف على الاقتصاد العالمى فى نهاية المطاف من دول مجموعة الثمانى الى مجموعة العشرين التى تعد اكثر تمثيلا للاقتصاد العالمى.

ومن ثم، فإن عبارات مثل عقد الجحيم او عقد الاضطرابات تمثل جانبا فقط من الحقيقة. وبمنظور اعم واشمل، فإن الاعوام العشرة الماضية مثلت بشكل حقيقى عقدا للتقدم والتوازن وتغيير قواعد اللعبة.

-- كيف بدأ

مع تتابع دق اجراس العام الجديد، فى كل منطقة حسب توقيتها، فى الاول من يناير عام 2001، ملأت البهجة كل ركن من الكوكب مع تطلع سكان القرية العالمية الى المستقبل فى العام الجديد والقرن الجديد وكذا الالفية الجديدة.

وبينما كانوا لا يزالون يشهدون عام التنين حسب تقويمهم التقليدى، خطا الصينيون خطوات واسعة فى الحقبة الجديدة مفعمين بالأمل، اذ يتمتع سكان المناطق الريفية بمستوى معيشة جيد وينمو الاقتصاد الوطنى بمعدل يتجاوز 8 فى المائة وتحقق مفاوضات الانضمام الى منظمة التجارة العالمية تقدما كبيرا، فيما لا تزال صناعة الانترنت تتوسع رغم انفجار فقاعة الانترنت الامريكية.

وعلى مسافة بعيدة فى مدينة نيويورك، كان برجا التجارة العالميين، البالغ عدد طوابقهما 110 طوابق، يقفان بأضوائهما المبهرة شامخين، ويطلان على بورصة وول ستريت القريبة وكذا تمثال الحرية الواقع على بعد ثلاثة كيلومترات منهما. وفوق اعلى قمة للازدهار فى تاريخ الولايات المتحدة خلال العقد الاول لفترة ما بعد الحرب الباردة، كانت القوة العظمى الوحيدة تختال فخرا وثقة وطموحا.

ومع انطلاقة مفعمة بالمشاعر والتطلعات ايضا فى روسيا، التى احتفل رئيسها فلاديمير بوتين باليوم الاول من العام الجديد فى الكرملين، عزم الاخير على استعادة مجد وطنه القديم. كما تعهد رئيس الدولة الممتدة عبر قارتين والبالغ عمره 48 عاما، بمواصلة اعتماد سياسة خارجية عملية شاملة، واقر بأنه "يتعين على روسيا التحليق بجناحين: الاوروبى والاسيوى."

وفيما اعتبره بوتين الجناح الغربى لروسيا، جنح الاتحاد الاوروبى المؤلف حينذاك من 15 عضوا الى اعتماد سياسة واسعة النطاق للتوسع شرقا وضم اعضاء جدد. كما كانت عملات وطنية مثل الفرنك والمارك لا تزال تتداول، الا انها علمت انها على مسافة عام واحد من مغادرة الساحة العالمية والاتجاه نحو اليورو الصاعد والقادم لتحقيق التوحيد .

وافضى الاندماج التدريجى بالقارة العجوز الى تكون اتحادات وتسارع وتيرة الاتجاه نحو العولمة وتعددية الاطراف. فعلى سبيل المثال، كانت هناك حاجة الى جهود عالمية منسقة لانتشال مليار شخص من براثن الفقر بحلول عام 2015، طبقا لما يدرج فى اهداف التنمية الالفية للامم المتحدة. بيد ان المنتقدين كانوا قلقين من تشوه النظام الاقتصادى الذى سيستغل موارد الاكثرية لصالح الاقلية فقط.

ومن الواضح انه كان من بين اكبر المنتفعين بذلك هى الولايات المتحدة وبعض القوى الغربية الاخرى، الذين كانوا يلعبون دورا رياديا فى المجالات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية. فيما استفاد بشكل هامشى الصين وروسيا والبرازيل والكثير من القوى الاخرى التى تضطلع بدور اقل. لكن هذا النمط غير المتوازن كان مصيره محتوما، لأن بذور التغيير بدأت تنبت وتشق طريقها فى كل انحاء ارض المعمورة.

-- ما حدث بالفعل

يتسم التاريخ بطبيعته الرخوة، لكن قطاعا منه قد يتمتع بهيكل متماسك. فالعقد المنتهى، على سبيل المثال، معروف بسلسلة من الهجمات الارهابية المدمرة التى وقعت فى مطلعه، وكذا بتعديل تاريخى فى قيادة الاقتصاد العالمى فى نهايته، مع انتماء اغلب الاشياء فيما بين هاتين الفترتين الى اى من الحدثين الهامين.

لم يكن قد مر سوى تسعة اشهر واحد عشر يوما عندما شهد هذا العقد صدمة وكارثة مروعة. فقد اختطف الارهابيون ثلاث طائرات ركاب ليشنوا بها هجومات على برجى التجارة العالميين ومبنى وزارة الدفاع الامريكية (البنتاغون)، رمزى القوة الاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة، بالاضافة الى طائرة رابعة تحطمت وهى فى طريقها نحو العاصمة واشنطن، العاصمة السياسية للولايات المتحدة. وقال بعض المراقبين ان الهجمات الجوية الكارثية على الاراضى الامريكية ربما تمثل تحولا فى النظام العالمى خلال فترة ما بعد الحرب الباردة.

وحملت هجمات 11 سبتمبر الارهابية ادارة الرئيس جورج دبليو بوش على شن حملة مسعورة ضد الارهاب واطلاق اكبر حربين خلال السنوات العشر الماضية، اللتين لم تلهب نيرانهما افغانستان والعراق وحدهما وانما الولايات المتحدة ايضا. ويثبت التاريخ حاليا ان القوة العظمى الوحيدة فى العالم قادرة حقا على ارسال مئات الآلاف من الجنود لمقاتلة المسلحين على جبهتين مختلفتين، الا انه ليس بإمكانها تحقيق نصر فى اى منهما.

مع تزايد نفقاتها العسكرية وخسائرها فى الارواح وتلطخ صورتها على الصعيد العالمى، فإن ما جنته الولايات المتحدة فى المقابل هو استمرار الغموض بشأن اسامة بن لادن، واكتشاف كذب السبب الذى من اجله اطلقت حرب العراق، وازهاق ارواح عشرات الآلاف من المدنيين الافغان والعراقيين، واحتدام اعمال العنف فى البلدين وتزايد الهجمات الارهابية عبر العالم من 423 فى عام 2000 الى 10999 فى عام 2009. وعلى خلفية هذا المشهد القاتم، قام الرئيس باراك اوباما، الذى اضحى اول رئيس امريكى من اصول افريقية يتولى الرئاسة فى عام 2009، قام بإنهاء مهمة القوات القتالية فى العراق واعلن بداية خفض الوجود العسكرى الامريكى فى افغانستان فى يوليو الفائت.

وبموازاة ما سمى بالحرب العالمية على الارهاب، كان ثمة مد كاسح يعمل على اعادة صياغة المشهد الاقتصادى العالمى. وتزامنا مع ذلك، دخل التطور مضمارا سريعا بعد ستة ايام من هجمات 11 سبتمبر مع اكتمال مفاوضات انضمام الصين الى منظمة التجارة العالمية، وهو التطور الذى اشاد به مدير عام منظمة التجارة العالمية حينذاك، مايكل مور، واصفا اياه بأنه نقطة تحول فى التعاون العالمى قد يؤثر على العالم لقرون.

ومنذ هذا الوقت , اصبحت الصين واحدة من اكثر اسواق العالم انفتاحا , ومناصرا قويا للنظام التجارى المتعدد الاطراف , ومساهما رئيسيا فى النمو الاقتصادى العالمى . وفى عام 2009, عندما كان العالم يكافح مشاكل الازمة المالية الدولية الاخيرة والركود الاقتصادى , كان الاقتصاد الصينى المزدهر يساهم بأكثر من 50 فى المئة فى النمو الاقتصادى العالمى .

لم تكن الصين وحدها فى موقع الريادة , وكان خلفها ايضا سرب من الاقتصادات الناشئة و المحركات القوية الجديدة للاقتصاد العالمى . ومثال على ذلك قارة افريقيا , التى شهد اجمالى ناتجها المحلى نموا سنويا بلغ متوسطه 4.9 فى المئة بين عامى 2000 الى 2008 , لتتضاعف وتيرته فى العقدين الماضيين . فى الوقت نفسه , ضاقت الفجوة بين الشمال والجنوب , وازدهر تعاون الجنوب - الجنوب , وشهدت العلاقات الدولية تحولات جوهرية . وتماشيا مع هذا الاتجاه , حلت مجموعة العشرين فى نهاية المطاف محل مجموعة الثماني كمنبر رئيسى للتعاون الاقتصادى الدولى .

كما شهد العمل المنسق العابر للقارات اهمية كبيرة فى مجالات اخرى , وقد وضعت التحديات العالمية التقليدية وغير التقليدية المتزايدة, مثل الارهاب والاوبئة والكوارث الطبيعية والتغير المناخى , امام اختبارات وتجارب هائلة . وعلى الجانب الاخر , ساعد التقدم السريع فى تكنولوجيا المعلومات بشكل ملحوظ من ناحية الاتصال المباشر وتبادل الخبرات كما جعل اساس التعاون الدولى والتنمية المشتركة للانسانية افضل .

-- دروس مستفادة

وبينما يبدو من المستحيل معرفة كيف سيمضى العالم على وجه الدقة , الا انه يبدو واضحا الآن انه يسير فى اتجاه بنية اكثر تعددية وتوازنا . فقد تحولت مراكز الثقل السياسى و الاقتصادى بوضوح , وسرعت العاصفة المالية الاخيرة من وتيرة ذلك .

لكن بالنسبة للحديث عن التراجع الامريكى , فى واقع الامر هذا مجرد نظرية نسبية : الولايات المتحدة لا تتراجع , وانما الاخرين فى صعود . وقد كتب البروفيسور الامريكى المشهور بجامعة هارفارد جوزيف اس ناى فى مجلة ((فورين بوليسى ))فى عددها الخاص نوفمبر - ديسمبران " مشكلة القوة الامريكية فى القرن ال 21 , ليست فى التراجع لكن المشكلة فيما يجب القيام به فى ضوء ادراك انه حتى اكبر دولة لا يمكنها تحقيق النتائج التى تريدها بدون مساعدة الاخرين ".

وهذا التشخيص فى محله تماما , اذا ان قوة الدفع الكبيرة للعولمة حولت الساحة العالمية الى مجتمع متعدد المستويات والابعاد من المصالح المشتركة, كل دولة تقريبا فيه صاحبة مصلحة . وقد عززت موجات الابتكارات التكنولوجية الثورية والمؤسسات والايديولوجيات فقط من الترابط بين اعضائه على الرغم من اختلاف الظروف الوطنية لكل عضو الى حد كبير.

وبرزت شبكة كثيفة متشابكة من المصالح الوطنية فى اعقاب الاضطرابات المالية التى اندلعت فى انحاء العالم عام 2008 واثارت ذكريات الكساد العظيم القاتمة . فالسيد "ستراتوسفير" مشغول حاليا فى استضافة رؤساء الدول والحكومات يوميا . واحيانا استيعاب العشرات من الزعماء الوطنيين فى زوايا مختلفة فى العالم . فالهيمنة لم تعد هى القوة القاهرة .والاحادية مصيرها مزبلة التاريخ . وعلى الرغم من ان التعددية فى كثير من الاحيان تكلف الكفاءة , الا انها ستوجه العالم فى الاتجاه الصحيح نحو مستقبل اكثر انصافا وديمقراطية .

ودرس آخر مهم من السنوات العشر الماضية هو ان الامم المختلفة التى تتقاسم نفس العالم قادرة على التمتع بالتعايش السلمى و التنمية المشتركة . ليس الامر ان نموذج واحد من النمو الاجتماعى والاقتصادى هو الذى سيسود على الاخرين . ولكن , بدلا من ذلك , من خلال التبادلات الودية وما يسميه صموئيل هنتنغتون "صدام الحضارات " ستفهم الاطراف بشكل افضل كيف يعمل "العالم المفتوح " وسيعدلوا بالتطابق من نهجهم فى التنمية على اساس الحقائق لتتناسب مع الشبكة العالمية .

ومن الواضح ان انماط التنمية التى تتبعها الصين والبرازيل وروسيا لا تحمل الطابع الغربى , وقد اثبتت ان نجاح النموذج غير الغربى فى التنمية ممكنا ايضا .

لكن بدلا من مقاومة وتقويض المعايير الدولية , تتداخل الاقتصادات الناشئة معها وتعدل عليها . تناصر التعددية بدلا من الاحادية , والتسامح بدلا من المواجهة, والتعاون بدلا من المنافسة , ولا تعتمد على تنميتها فقط وانما تساهم ايضا فى السلام العالمى .

نأخذ الصين كمثال على ذلك . بعض المراقبين المنبهرين من اعادة تشكيل النظام الدولى نعتوا الدور الصينى بانه اكبر لغز فى العالم المعاصر . وهذا تهويل سيئ النية , لأن نهوض الصين -- من دولة منعزلة الى نصير للاصلاح والانفتاح ولاعب مسئول على الساحة العالمية باعتبارها أكبر دولة نامية -- قد قدم جوابا قاطعا . فبالنسبة للصين , التى وصفت بانها انجح قصة او صانع الاخبار الساخنة فى العقد الماضى , ان الالتزام المستمر بالتنمية السلمية فى انحاء العالم والتعاون المربح للجانبين هو السبيل الصحيح والوحيد للتقدم الى الامام . وقد اختارت الصين بالفعل هذا الطريق.

ان ما ينبغى الاهتمام به هو ان هناك دولا معينة ما زالت تسيطر عليها فكر الهيمنة او مضللة فى عقلية الحرب الباردة , او تلتجأ مرارا وتكرارا الى اساليب الانعزالية او الحمائية لخدمة مصالحها على المدى القصير . والطريق الذى ستسلكه عربة التاريخ ليس معروفا بعد , لكن المنارات مضاءة بالفعل : التحديث وليس التغريب , التعاون وليس المواجهة , والحضارة الانسانية تتجه نحو عالم متناغم حيث تتعايش الدول المختلفة فى سلام ورخاء .

تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي