CRI Online

الحرب على الإرهاب وتداعياتها على العالم خلال العقد الأول من الألفية الثالثة

arabic.news.cn       (GMT+08:00) 2011-01-05 09:09:51

 بحلول عام 2011 ودع العالم العقد الأول من الألفية الثالثة. ومع زخم الأحداث التي ميزت هذه العشرية وصعوبة وضعها تحت طائلة الاختزال، فقد أفرزت تلك الاحداث أيضا مجموعة من الظواهر التي قد تستمر تداعياتها في التأثير على النظام الدولي برمته.

فبالرغم من الجهود الدولية المستمرة منذ 20 سنة تقريبا لمكافحة الإرهاب ما زالت التهديدات الإرهابية قائمة ولم يدع وضع مكافحة الإرهاب مجالا كبيرا للتفاؤل بشأن المستقبل.

-- نهاية مأساوية

أخفقت رنات أجراس استقبال أعياد الميلاد في طرد شبح الإرهاب الذي ما زال يحلق فوق سماء العالم، ويبدو أن الإرهاب كان متربصا بالعام الجديد ومصرا على إفساد فرحة شعوب العالم بالوافد الجديد، حيث تعرضت مناطق مختلفة في العالم لهجمات أو تهديدات إرهابية.

ووقع اعتداءان إرهابيان في ليلة رأس السنة الجديدة، الأول نفذه انتحاري فجر نفسه بعد دقائق من دخول عام 2011 أمام كنيسة القديسين بمدينة الإسكندرية الساحلية شمالي مصر، الأمر الذي أسفر عن سقوط 27 قتيلا و90 جريحا على الأقل، والثاني في نيجيريا حيث أسفر هجوم بقنبلة أمام ثكنة عسكرية في العاصمة ابوجا عن مقتل أربعة أشخاص وإصابة 26.

كما عاد شبح تنظيم القاعدة من جديد ليشكل كابوسا لبعض الدول الأوروبية إذ طلبت الولايات المتحدة واليابان واستراليا من رعاياها توخي الحيطة والحذر اثناء السفر إلى القارة الأوروبية بعد أن ذكرت وسائل إعلام بريطانية وأمريكية أن جماعات إرهابية تخطط لشن هجمات في أوروبا وخصوصا في فرنسا والمانيا وبريطانيا، الأمر الذي أضطر الأجهزة الأمنية لدول عديدة لاتخاذ تدابير أمنية مشددة، ولا سيما حول الفنادق والمراكز التجارية والقطارات .

لا أحد يمكنه أن يشكك في أن الإرهاب، بعد تفجيرات 11 سبتمبر، أصبح شأنا دوليا، يلعب دورا رئيسيا في العلاقات الدولية، ويرسم نسقا سياسيا مغايرا تماما لمفاهيمه الكلاسيكية.

ففي 11سبتمبر 2001 شهدت مدينة نيويورك أعنف عملية إرهابية استهدفت الولايات المتحدة على مر تاريخها، وترجع أهميتها إلى كونها هزت قلعة كانت تعتبر نفسها في منأى عن الإرهاب الذي كان الأمريكيون يعتقدون أنه مقصور على العالم القديم ودول أخرى.

وبصرف النظر عن الخسائر المادية والتحليلات المتعلقة بالقوى الكامنة وراء هذه العملية، فمن المؤكد أن هذه الهزة التي تعرضت لها الولايات المتحدة أثرت بشكل جلي على السياسة الخارجية الأمريكية.

فتحت شعار الحرب على الإرهاب، قادت الولايات المتحدة الأمريكية حربين: الأولى ضد أفغانستان، والثانية ضد العراق. وعلى الجبهتين، إذا كانت الولايات المتحدة قد حققت نصرا سريعا ضد نظام طالبان وضد نظام صدام حسين، فإنها أخفقت بشكل واضح في تدبير مرحلة ما بعد الحرب، كما تشير لذلك الصعوبات التي تعرفها الساحة العراقية والقلق السائد اليوم بشأن ما آلت إليه الحرب في أفغانستان.

فالكثيرون يشكون في قدرة القوات الأمريكية المسنودة بقوات حلف الأطلسي على تحقيق نصر عسكري، وبالتالي يدعون إلى حل سياسي تشارك فيه حركة طالبان من خلال بعض معتدليها. وفي نفس الوقت فإن الممارسات الأمريكية، التي أعطت الأولوية للقوة، لم تسهم إلا في تأجيج الإرهاب، حيث أن دولا متعددة لم تنج من شظاياه، كما هو الحال بالنسبة للمغرب وإسبانيا والأردن ومصر...

الإرهاب لم ينته.. انظر حولك! فمع تواري القوة الناعمة بأساليبها وآلياتها فترة من الوقت في أعقاب هجمات سبتمبر، بدا العالم وكأنه قد أقبل على سنوات من الرعب؛ الرعب من الانتقام الأعمى للولايات المتحدة ومن الإرهاب في ذات الوقت، وعاش العالم فترة عصيبة. وفي الداخل الأمريكي كان الهلع أشد وطأة، وأدى تنامي نفوذ إدارة المحافظين الجدد في الداخل وتراجع الحريات إلى اتخاذ سياسات من شأنها إسكات المعارضة وإعادة تشكيل المجتمع وفق وجهة واحدة تبناها المحافظون الجدد.

وزاد من الخوف الانتقادات التي وجهت لحرب الولايات المتحدة في أفغانستان، حيث تبين أنها لم تقض تماما على البؤر الإرهابية كما كان مطلوبا، وامتد الهلع إلى أوروبا وخاصة بعد مشاركة قوات أوروبية في حرب العراق، وقد كان هذا الهلع منطقيا , إذ أكدته التفجيرات التي شهدتها عواصم أوربية مثل مدريد ولندن بل ودول عربية أخرى مثل المغرب ومصر واليمن والسعودية .

-- تغير إستراتيجية الحرب الأمريكية على الإرهاب

لا شك أن هجمات 11 سبتمبر تعد الانطلاقة الفعلية للقرن الحالي والتي دشنت نوعا جديدا من الحروب تخوضها الدولة الأكبر ,الولايات المتحدة, ضد أعمال إرهابية تنفذها جماعات.

فبعد اثني عشر يوما على الهجمات وجه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش خطابا مهما إلى الكونجرس حدد فيه إستراتيجية أمريكا المقبلة، مطلقا عليها اسم "الحرب على الإرهاب" والتي أقر البنتاجون بأنها ستكون "حرباً طويلة.

وعلى عكس الإدارات الأمريكية السابقة ، فإن إدارة بوش رأت أن الأمن الوطني وتعزيز الديمقراطية يسيران جنبا إلى جنب. وآمنت بأن النجاح في الحرب على الإرهاب يقتضى الإصلاح الديمقراطي في الشرق الأوسط. وابرز المحافظون الجدد فكرتهم بأن السبب الرئيسي للإرهاب هو غياب الحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط.

وبعد إعلان الحرب على الإرهاب وما تبعها من احتلال لكل من أفغانستان والعراق بحجة نشر الديمقراطية والقضاء على الإرهاب يرى كثير من المحللين أن هذه الحرب تتجه نحو الفشل والخسارة الفادحة للدول المساهمة بها.

فبعد مضي أكثر من خمس سنوات على حرب العراق لم يتحقق التقدم والازدهار الذي وعدت به الولايات المتحدة الشعب العراقي. أما أفغانستان فبعد سبع سنوات على احتلالها نهضت طالبان بقوة وبشدة وسيطرت على أجزاء واسعة من البلاد وأصبحت هجماتها قوية وغير متوقعة الأمر الذي دفع بريطانيا إلى التفكير في مصالحة طالبان.

أضاف إلى ذلك إعداد اللاجئين العراقيين والأفغان التي أخذت بالتزايد بعد عام 2006 وتكلفة الأسلحة وأعمال القتال التي أنهكت الاقتصادين الأمريكي والبريطاني واقتصاد العالم اجمع، حيث يرجع محللون بعض أسباب الأزمة المالية والركود العالمي عام 2008، إلى حربي العراق وأفغانستان وان هذه الأسباب هي التي حملت الشعب الأمريكي، الذي كان يؤيد هذه الحرب، بقوة إلى التراجع عن رأيه فيها والمطالبة كذلك بالتغيير وسحب القوات الأمريكية وهى أيضا التي دفعتهم إلى تفضيل باراك اوباما على خصمه الجمهوري الذي يوافق على سياسات بوش

وفي مايو 2010 قررت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما التخلي عن مصطلح "الحرب على الإرهاب", والتركيز على ما وصفته بـ"الإرهاب الداخلي", وذلك في إستراتيجيتها الجديدة للأمن القومي.

ونصت الوثيقة على أن الولايات المتحدة "ليست في حالة حرب عالمية على "الإرهاب" أو على "الإسلام", بل هي حرب على شبكة محددة تتمثل في تنظيم القاعدة و"الإرهابيين" المرتبطين به.

وقد حاول الرئيس الجديد إعادة تلميع صورة الولايات المتحدة من خلال خطابات أكثر انفتاحا على باقي العالم، وأكثر رغبة في تجسير الهوة التي خلفها سلفه، خاصة في مقاربته مع العالم الإسلامي. وقد عبر عن ذلك من خلال خطاب القاهرة في يونيو 2009 وكذلك عن طريق التزامه بإيجاد تسوية لنزاع الشرق الأوسط.

-- فعالية الحرب على الإرهاب

بيد أن فعالية هذه الإستراتيجية محل جدل بين الخبراء . فمن وجهة نظر احد المراقبين السياسيين الأفغان فإن الجماهير قد نفد صبرها حيال حرب مكافحة الإرهاب التي شنتها الدول الغربية. ويرى البعض أن عملية إعادة بناء الاقتصاد بأفغانستان تواجه بطئ شديد , ونسبة البطالة مرتفعة والوضع الامنى متدهور. وفى الوقت الراهن، لا يخرج الأجانب دائما من منازلهم في أفغانستان , كما قل خروج المواطنين المحليين .

وقد شهدت الأيام الأخيرة عدة تظاهرات ومسيرات احتجاجية في كابول وغيرها من المدن الأفغانية للتعبير عن مشاعر الغضب ضد الولايات المتحدة والدول الغربية بسبب تدهور الوضع في افغانستان.

وقال الرئيس السابق لوكالة المخابرات الباكستانية العميد المتقاعد امتياز احمد إن الوضع الامنى الداخلي في باكستان بات مثيرا للقلق بعدما نقلت الولايات المتحدة تركيزها في مكافحة الإرهاب إلى باكستان . مضيفا أن بلاده في الوقت الذي تكافح فيه الإرهاب بالداخل , تواجه تغلغلا مستمرا من افغانستان المجاورة . ومن غير المعقول أن تقوم القوات الباكستانية بشن هجمات برية ضد طالبان في ظل تراخى قوات الناتو في السيطرةعلى الحدود, بحسب قوله.

ويرى رونغ يينغ ,الباحث بمعهد الصين للدراسات الدولية في بكين , انه بالفعل توجد مشكلات في الاستراتيجية الجديدة التي أعلنها اوباما في مكافحة الإرهاب فبالرغم من تغيير القوات الأمريكية من تكتيكاتها الحربية، إلا أن عدد الإصابات في صفوف الجنود تزايد , ما أدى إلى خيبة أمل قوية لدى المواطنين الامريكيين المناهضين للحرب لعدم تحقيق نتائج تذكر . إضافة إلى ذلك، لم تحصل القوات الأمريكية على دعم كامل من الحلفاء في الناتو . وتمثل هذه مرحلة حاسمة لدفع الاستراتيجية الجديدة، كما هي مرحلة حرجة .

بيد أن توماس ساندرسون , الباحث البارز في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية والخبير في مكافحة الإرهاب , يرى أن الهجمات المتكررة في أفغانستان وباكستان لا تعنى بالضرورة عدم فعالية إستراتيجية مكافحة الإرهاب الجديدة لاوباما، وإنما تثبت أن الجماعات الإرهابية والمسلحين أدركوا أن الوضع لم يعد جيدا بالنسبة لهم فصاروا يقاومون بشدة، ما يشير إلى تحقيق منافع للسياسة الأمريكية في ضربهم.

وعلى الرغم من ذلك تعرضت سياسات اوباما في مكافحة الإرهاب لضغوط سياسية داخلية بسبب إصابة المدنيين في الهجمات التي أعطت صورة سلبية عن الولايات المتحدة، وخاصة أن الوضع في أفغانستان لم يتحسن بشكل واضح .

-- أساليب جديدة الإرهاب العالمي

ويرى الخبراء أن الوضع ما زال قاتما ولا يدع مجالا للتفاؤل بشأن المستقبل . ويتوقع الباحث وانغ ده خوا , مدير معهد جنوب ووسط آسيا بمركز الأبحاث الدولية بشانغهاي, أن يصبح الإرهاب أكثر نشاطا , مع تنوع ملموس في أساليبه واستراتيجياته وتكتيكاته في ظل تنامي تنظيم القاعدة عالميا وانتشاره الواسع على شبكة الانترنت .

ويعتقد فريد زكريا مضيف شبكة ((سي إن إن)) أن ما شهده العالم من"إرهاب" عام 2010 الماضي يعد نوعا جديدا يمكن أن يطلق عليه اسم "الإرهاب المصغر". وهو إرهاب على نطاق محدود تنفذه جهات محلية، اختار عناصرها عدم شغل أنفسهم بالعمليات الكبيرة ذات الإثارة المدوية والتركيز بدلا من ذلك على عمليات يرجحون نجاحها . ويضيف زكريا أن"دمقرطة التكنولوجيا "وما يعنيه ذلك من سهولة الوصول للمعلومات، وفرت لهذا النوع من الإرهاب وقوده الضروري, بل ربما تقود إلى "دمقرطة العنف "كذلك. ويصعب اكتشاف هذا النوع من العمليات الإرهابية، ويزداد أمرها تعقيدا إذا كان منفذوها مواطنين غربيين ممن ليست لهم سوابق"جهادية".

-- نظام دولي جديد أكثر عدالة وديمقراطية

ويرى الخبراء إن تحقيق هدف مكافحة الإرهاب تقتضى الوقوف على جذوره ومعالجتها , ودفع الجهود المشتركة لإنشاء نظام عالمي جديد أكثر ديمقراطية وعدالة .

ويرى الباحث تشاو فون أن جذور الإرهاب تعود إلى عدة أربعة أسباب . السبب الأول والمباشر على حد رأيه هو عدم العدالة في السياسة , يليه اختلال التوازن في التنمية الاقتصادية في ظل العولمة كسبب كامن . ويرى تشاو أن التناقضات بين القوميات والأديان والثقافات تلعب دورا أيضا في تفاقم الإرهاب العالمي. أما السبب الرابع فيرجعه تشاو إلى ازدياد مستوى الانفتاح في المجتمع الدولي في ظل العولمة حيث أتاح ذلك للإرهابيين فرصا أكثر لارتكاب الجرائم.

ويعتقد الباحث وانغ ده خوا أن أول شيء لتحقيق هدف مكافحة الإرهاب العالمي أن المجتمع الدولي يجب عليه التوصل إلى تفاهم مشترك بشأن حقيقة الإرهاب ودوافعه ، والاتفاق حول نظرية وقانون ونظام واليه وسياسة محددة لمكافحة الإرهاب بشكل يقود إلى نتائج أكثر فعالية .

ولم يفت الباحث الإشارة إلى ضرورة مكافحة المجتمع الدولي لازدواجية المعايير بشأن الإرهاب ودفع التعاون السياسي والاقتصاد ى والثقافي والديني بين الثقافات المختلفة من اجل تحقيق التعايش السلمي بينها والقضاء على الدوافع المغذية للإرهاب .

وأخيرا يجب على المجتمع الدولي تعزيز التعاون العالمي ضد الإرهاب ، وتفعيل دور الأمم المتحدة بشكل كامل لدفع الجهود المبذولة في إنشاء نظام دولي جديد أكثر ديمقراطية وعدالة وقابلية , بحسب قوله.

-- تقدم نحو السلام ولكن !!

لقد ازدادت حدة العمليات الإرهابية في عام 2010 وتوسعت لتمتد الى مختلف انحاء العالم. فمن باكستان وروسيا الى السويد الولايات المتحدة, شن الارهابيون العديد من الهجمات الانتحارية واستخدموا طرودا ملغومة لإشاعة الرعب الذى بات يخيم على العالم كله بشكل غير قابل لتجنبه.

وقد برهن العقد الاول من القرن ال21 انه ليس بمقدور الساسة وسياسة القوة وحدهما قيادة العالم نحو السلام , ما يثير التساؤل بشأن الامل في مكافحة الارهاب خلال العقد المقبل!

وعلى الرغم من ذلك، فإن دول العالم حققت بعض التقدم الملموس في طريقها نحو السلام ، بما فى ذلك انسحاب الدفعة الاخيرة من القوات الامريكية المقاتلة من العراق في اغسطس الماضى، وخطتها للانسحاب من افغانستان في يوليو المقبل، اضافة الى مصادقة الكونغرس الامريكى على المعاهدة الجديدة لخفض الاسلحة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وروسيا، الامر الذى يمثل تقدما كبيرا على صعيد حظر الانتشار النووى.

بيد ان كل ذلك لا يعدو كونه مجرد بصيص امل نحو السلام , اذ ما زالت هناك مسافة شاسعة تفصلنا عن السلام الحقيقى. الا ان الامل يحدونا في ان يتجنب البشر الكوارث والحروب والهجمات الارهابية فى عام 2011 والا يكون السلام مجرد كلمة للصلاة والتبرك فحسب, بل واقع حقيقى نحياه.

تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي