CRI Online

تحقيق: تراجع الأنشطة الثقافية بسوريا في ظل العنف المتصاعد بالبلاد

arabic.news.cn       (GMT+08:00) 2013-02-25 18:46:49

 لم يعد خافيا على أحد أن عدد الانشطة الثقافية والفنية في سوريا هي في تراجع مستمر منذ بدء الأزمة السورية قبل أكثر من 20 شهرا في ظل استمرار وتيرة العنف والعمليات العسكرية والانفجارات في البلاد.

وكانت العاصمة السورية دمشق تحتضن الكثير من الفعاليات الثقافية والفنية على مدار السنة، حيث كان يقام مهرجان دمشق السينمائي، وكذلك مهرجان دمشق المسرحي، ومعرض دمشق للكتاب ... غير ان هذه الانشطة وغيرها ألغيت بسبب الظروف الأمنية السائدة في العاصمة وفي غالبية المدن السورية.

واصبح من النادر ان تشهد العاصمة عرضا مسرحيا او معرضا للفن التشكيلي او معرضا للكتاب او عرضا سينمائيا جديدا وسواها من الفعاليات التي غدت ترفا وسط هجرة عدد من الفنانين والمثقفين الى خارج البلاد، فيما بقي عدد منهم يتابع التطورات السياسية بدلا من التفرغ للمشاريع الابداعية.

يقول الناقد السينمائي والشاعر السوري بندر عبد الحميد إنه "من الطبيعي ان تتراجع الانشطة الثقافية والفنية في مكان يعاني من اضطراب الاوضاع الامنية"، مبينا ان مثل هذه الانشطة "تتطلب مناخا هادئا حتى يستطيع الجمهور التفاعل مع الحدث الفني والثقافي".

واضاف عبد الحميد في تصريحات لـ((شينخوا)) ان "عددا من المثقفين والفنانين يمتنعون، بدورهم، عن القيام باي نشاط في ظل استمرار العنف واراقة الدماء في البلاد"، مشيرا الى ان "الفنون، بصورة عامة، تدعو الى التسامح والسلام وقيم الجمال، فكيف لها ان تزدهر وسط ازيز الرصاص والنزاعات والصراعات بين الفرقاء".

ولا يحتاج الامر الى عناء كبير حتى يكتشف المرء الفرق الشاسع في مستوى الانشطة بين السنوات التي سبقت الأزمة، وبين الاشهر القليلة الماضية، ففي السابق كانت صالات العرض المسرحي وغاليريهات الفن التشكيلي ودور السينما تعج بالزوار والجمهور، وتعقد نقاشات ومساجلات ومعارك ثقافية، اما الآن فقد اصبحت تلك الامكنة شبه مهجورة.

يقول فنان تشكيلي سوري إن "الابداع يحتاج الى بيئة هادئة، فكيف لي ان ارسم وانا ارى يوميا على شاشات الفضائيات ضحايا ابرياء يسقطون دون ذنب".

ويضيف الفنان، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، في تصريحات لـ((شينخوا)) ان "اقامة معرض تشكيلي في هذه الظروف يعد نوعا من المغامرة، بل نوعا من المتاجرة"، مشددا على ان "الاولوية الآن هو لاعادة الهدوء والاستقرار الى ربوع البلاد، ومن ثم نفكر في اقامة الانشطة الثقافية التي حرمنا منها".

وينأى الفنان التشكيلي بنفسه عن اتهام السلطة او المعارضة بما آلت اليه الأوضاع في البلاد، لكنه يعرب عن امانيه في ان "يصغي الجميع الى صوت العقل وان يكفوا عن العناد والتحدي، وان يجتمعوا على طاولة حوار تنقذ البلاد من الخراب".

وفي ظل هذه الاجواء باتت الانشطة مقتصرة على فعاليات ذات طابع محلي ضيق، وهذه بالكاد تجذب جمهورا او تحظى بتغطية اعلامية فهي تأتي وتذهب دون ان تثير اي حوار او نقاش.

يقول الشاب سليم، وهو متابع للحراك المسرحي السوري، "كنت في السابق اتابع عروضا مسرحية كثيرة، وكنا نخوض نقاشات وحوارات حول العمل، أما الآن فتمضي أشهر طويلة حتى نسمع ان هناك عرضا مسرحيا يعرض لايام قليلة ثم يختفي".

واضاف سليم "من الملاحظ ان الانشطة القليلة التي تقام حاليا لا تستقطب سوى عدد قليل من الجمهور"، مشيرا الى ان "الاوضاع الأمنية المضطربة لا تشجع أحد على الذهاب لحضور نشاط ثقافي او فني رغم قلة هذه الانشطة على اي حال".

وعلى مستوى الدراما التلفزيونية السورية، فمن المعروف ان هذه الدراما حققت في السنوات الأخيرة التي سبقت الأزمة نجاحا ملحوظا إن على مستوى النوع او على مستوى الكم، فقد ارتفعت حصيلة الاعمال التلفزيونية الى نحو 40 عملا في السنة الواحدة، ولكن ومنذ بدء الأزمة تراجع هذا الرقم كثيرا ليهبط الى نحو عشرة اعمال تلفزيونية في السنة.

يقول مصمم الأزياء السوري حكمت داوود، الذي عمل مصمما للأزياء في العديد من الأعمال الدرامية، انه كان في السابق يعمل في عدة مسلسلات تلفزيونية في نفس التوقيت، نظرا لكثافة الاعمال المنتجة، اما في الفترة الاخيرة فبالكاد يعمل في مسلسل او مسلسلين في السنة.

وأوضح داوود، الذي قام بتصميم أزياء المسلسل السوري الشهير "باب الحارة"، ان "هذا التراجع الدرامي سببه الازمة التي تعيشها البلاد والتي انعكست سلبا على كل شيء بما في ذلك قطاع الانتاج الدرامي".

واشار داوود الى ان "شركات الانتاج الخاصة لم تعد تغامر برأسمالها في ظل هذه الظروف المتوترة، كما ان الكثير من الممثلين والمخرجين والفنيين سافروا الى دول اخرى، وخصوصا مصر، بحثا عن فرص عمل، ناهيك عن ان الجانب الأمني يدفع الكثير من صناع الدراما الى الاعتذار عن المشاركة في العمل".

وفي موازاة ذلك، فإن مؤسسة السينما السورية قد تراجع حضورها سواء من ناحية الانتاج او من ناحية الانشطة، فهي تعلن بين الحين والاخر عن اقامة تظاهرة سينمائية، لكن هذه التظاهرات قليلة وهي لا تحظى بحضور كما كان الامر في السابق.

كما ان الافلام السينمائية التي انتجت اخيرا لا تحظى بفرصة عرض مناسبة، بل ان بعض المهرجانات رفضت مشاركة الافلام التي انتجتها المؤسسة العامة للسينما السورية، وهي جهة الانتاج التابعة للقطاع العام في سوريا، وذلك على خلفية الموقف السياسي من النظام السوري.

وكان مهرجان دبي السينمائي الدولي رفض، قبل نحو شهرين، مشاركة ثلاثة افلام سورية وهي "العاشق" لعبد اللطيف عبد الحميد، و"صديقي الأخير" لجود سعيد، و"مريم" لباسل الخطيب.

وتكرر الأمر ذاته مع مهرجانات سينمائية عربية ودولية رفضت مشاركة افلام سورية من انتاج مؤسسة السينما السورية، وذلك تعبيرا عن الاحتجاج عما يجري في سوريا.

وفي السياق ذاته، يرى الناقد السينمائي السوري محمد عبيدو انه "ينبغي الفصل بين الفن وبين السياسة"، معتبرا ان "منع عرض الافلام السورية التي انتجها القطاع العام تمثل خطوة غير صائبة".

وطالب عبيدو في تصريحات لـ((شينخوا)) بضرورة "النأي بالسينما، وبالفن عموما، عن الخلافات السياسية"، مشيرا الى ان "الفن بحد ذاته يمثل دعوة للتسامح، فكيف نوظفه لأغراض ومواقف سياسية متقلبة؟".

ولا يختلف الأمر كثيرا مع الهيئة العامة السورية للكتاب الماضية في النشر كما يشير موقعها الكتروني، لكن هذه المنشورات بدورها تبقى مكدسة في المستودعات، وذلك بسبب غياب معارض الكتب داخل البلاد، وصعوبة المشاركة في المعارض الخارجية، كما ان المزاج السوري العام لم يعد يرى في القراءة واقتناء الكتاب أولوية.

وينسحب هذا الامر على دور النشر الخاصة التي تراجعت منشوراتها كثيرا، بل ان بعض دور النشر قد اغلقت نهائيا ابوابها، كما هو الحال بالنسبة لدار ((المدى)) التي نشطت في سوريا لنحو 15 عاما واصدرت عناوين لافتة، الا ان الدار اغلقت اخيرا في دمشق وانتقلت الى بغداد وبيروت.

من جانبه، يقول الناشر سراج عثمان، الذي يملك دار "الأزمنة" للنشر، بانه اضطر الى نقل انشطة الدار التي يملكها الى اربيل في كردستان العراق، موضحا ان "الظروف الأمنية لم تعد مناسبة كما ان الكثير من المطابع قد اغلقت ابوابها".

وفي الايام القليلة الأخيرة، ومع انحسار حركة البريد الجوي إلى دمشق بسبب تصاعد الاشتباكات في المناطق القريبة من مطار دمشق الدولي في ريف دمشق، فقد خلت واجهات أكشاك بيع الصحف والمجلات من معظم الصحف والدوريات والمجلات العربية.

ويقول مصطفى، الذي يملك كشكا لبيع الصحف والمجلات في ساحة النجمة وسط دمشق، ان "الصحف الخليجية والمصرية لم تعد تصل الينا"، مبينا ان الصحف اللبنانية هي التي تصل فقط، وحتى هذه الصحف تغيب في بعض الايام".

واضاف مصطفى في تصريحات لـ ((شينخوا)) انه يعتمد الآن على الصحافة المحلية مثل الصحف السورية اليومية الثلاث الرسمية ((تشرين))، و((البعث))، و((الثورة))، وكذلك صحيفتي ((الوطن))، و((بلدنا)) الخاصتين، لافتا الى انه بات يعتمد على عرض الكتب والروايات القديمة بهدف التعويض عن غياب المجلات والصحف والدوريات العربية.

أخبار متعلقة
تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي