CRI Online

التنمية الابتكارية من أجل الصين والعالم

china.org.cn       (GMT+08:00) 2016-05-10 10:40:34
بقلم خه يا في

9 مايو 2016 /شبكة الصين/ تواجه الصين في الفترة الحالية اختبارات صعبة تتمثل في تباطؤ سرعة النمو الاقتصادي وآلام مخاض إعادة الهيكلة، وانخفاض أرباح المؤسسات والضرائب وزيادة المخاطر المالية. وفي الوقت نفسه، تحتاج دول العالم إلى مفهوم جديد للتنمية ونمط جديد للنمو الاقتصادي لدفع التنمية الاقتصادية المستدامة والمستقرة، في ظل الانتعاش الاقتصادي البطئ وتداعيات الأزمة المالية العالمية.

في ظل هذه الظروف، طرحت الصين "الخطة الخمسية الثالثة عشرة" التي حظيت باهتمام عالمي من كافة الأطراف. يتطلع العالم إلى الصين متمنيا أن تظل الصين "قاطرة" مسيرة التنمية الاقتصادية العالمية. وقد ركزت اجتماعات وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية لدول مجموعة العشرين في فبراير 2016، على البحث عن قوة محركة جديدة للتنمية الاقتصادية العالمية. ستعقد قمة مجموعة العشرين في مدينة هانغتشو الصينية في سبتمبر 2016، وقد عبرت كافة الدول عن تطلعها لنتائج هذه القمة.

لماذا التنمية الابتكارية؟

في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، دخل الاقتصاد الصيني الوضع الطبيعي الجديد. حسب بيانات مركز بحوث التنمية التابع لمجلس الدولة الصيني، بلغ معدل نمو الاقتصاد الصيني 8ر9% في الفترة من عام 2001 إلى عام 2005 وارتفع إلى 2ر11% في الفترة من عام 2006 إلى عام 2010، قبل أن يتراجع إلى 7ر9% في الفترة من عام 2011 إلى عام 2015، ومن المتوقع أن يكون في حدود 5ر6% في الفترة من عام 2016 إلى عام 2020. تشير هذه الأرقام إلى تحول معدل نمو الاقتصاد الصيني من مرحلة النمو الفائق السرعة إلى مرحلة النمو السريع. وقد قال الرئيس شي جين بينغ إن الاقتصاد الصيني في الوضع الطبيعي الجديد يتمتع بثلاث خصائص، هي: تغير السرعة، وإعادة الهيكلة، وتغير القوة المحركة. إن التكيف مع الوضع الطبيعي الجديد ومعرفته وإرشاده اختبار هام للتنمية الاقتصادية الصينية، ويفيد في التخلص من القيود التي تؤثر على التنمية المستدامة والسليمة للاقتصاد الصيني.

ينبغي لنا أن نجد مفهوما جديدا للنمو. وقد طرحت الصين مفاهيم التنمية الخمسة التالية: الابتكار، التنسيق، التنمية الخضراء، الانفتاح، والمشاركة. التنمية الابتكارية هي الجوهر والمرشد لمفهوم التنمية الشامل. إن مفهوم التنمية الجديد ليس مجرد قوة دفع للتغلب على صعوبات إصلاح الاقتصاد الصيني، وإنما يعد المفتاح لإزالة عوائق نمو الاقتصاد الصيني وخارطة طريق لدفع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويساهم في إصلاح منظومة التنمية الاقتصادية ومنظومة الإدارة العالمية.

لا مندوحة عن الابتكار في ظل الوضع الحالي. خلال أربعة وثلاثين عاما مضت منذ انتهاج سياسة الإصلاح والانفتاح في أواخر سبعينات القرن الماضي، حافظ نمو الاقتصاد الصيني على معدل 8ر9% في المتوسط. وقد تحقق ذلك بفضل قلة تكلفة العمالة والأرض، والزيادة الفائقة السرعة لدخل الفرد، وتطور قطاع المنشآت الأساسية، وتطبيق سياسة الانفتاح على الخارج. وقد تجاوز حجم الاقتصاد الكلي للصين عشرة تريليونات دولار أمريكي ليحتل المرتبة الثانية في العالم، وبلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ثمانية آلاف دولار أمريكي، وتعاظمت قدرة الإنتاج الاجتماعي والقوة الشاملة للدولة والقوة العلمية والتكنولوجية. لا شك أن هذه الإنجازات تعتبر معجزة في دولة يبلغ عدد سكانها مليارا وأربعمائة مليون نسمة. ولكن، من ناحية أخرى، واجه الاقتصاد الصيني مشكلات اختلال التوازن والتناسق، والافتقار إلى الاستدامة، وتعرضت الصين لضغوط متزايدة من جانب عدد السكان والموارد والبيئة. لذا، كان من الضروري تعديل نمط نمو الاقتصاد وأسلوب التنمية الصينية، واستكشاف نقاط جديدة للنمو، وهنا يبرز الابتكار كقوة دفع هامة للتنمية، فضلا عن تعزيز فعالية "جانب العرض".

معنى التنمية الابتكارية

ما المقصود بالتنمية الابتكارية؟ وكيف يمكن تفعيل استراتيجية التنمية الاقتصادية المعتمدة على الابتكار؟

إذا نظرنا إلى التحديات التي تواجه التنمية الاقتصادية الصينية، سنكتشف أن ثمة فجوة كبيرة بين الصين والدولة المتقدمة في القدرة الابتكارية. تركز التنمية الابتكارية على تنشئة واحتضان زخم النمو الجديد في ظل الوضع الطبيعي الجديد. وجوهر التنمية الابتكارية هو رفع معدل إنتاجية العوامل المتعددة الذي يقيس كفاءة كافة مدخلات عملية الإنتاج.

تحتل التنمية الابتكارية المرتبة الأولى في المفهوم الجديد للتنمية الاقتصادية الصينية، لأن الابتكار أهم قوة موجهة للتنمية. قال الرئيس شي: "يجب وضع الابتكار في مكانة جوهرية للتنمية الوطنية ومواصلة تعزيز الابتكار النظري والابتكار النظامي والابتكار التكنولوجي والابتكار الثقافي، وغيرها من المجالات الابتكارية، بما يجعل الابتكار جزءاً من أعمال الحزب والدولة وتياراً رئيسياً في المجتمع."

مع نفاد القوة المحركة للتنمية في النمط القديم، تتطلب التنمية الاقتصادية التحول من القوة المحركة القديمة إلى قوة محركة جديدة بانتظام وبسرعة، وهذا يعتمد على استكشاف عوامل جديدة وصناعات جديدة وخلق نمط جديد وفتح أسواق جديدة، وكل ذلك يتوقف على ارتفاع قوة الابتكار بشكل أساسي. يجب وضع الابتكار في موقع جوهري للتنمية الوطنية وتعزيز "تأسيس المشروعات والابتكار بين كل الجماهير"، ودعم وإرشاد التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالإجراءات الابتكارية مثل "الإنترنت+" واستراتيجية "صنع في الصين 2025" بما يدفع التنمية الاقتصادية الصينية إلى عصر جديد.

لقد ولج الاقتصاد الصيني عصرا جديدا. على الرغم من أن العالم شهد انكماشا اقتصاديا واضطراب أسواق المال في عام 2015، حافظ الاقتصاد الصيني على معدل نمو بلغ 9ر6%. وفي عام 2015، بلغ متوسط عدد الشركات الجديدة التي سجلت في الصين 12 ألف شركة يوميا. في منطقة تشونغقوانتسون، تم تسجيل أكثر من عشرين ألف شركة تكنولوجية في عام 2015 بزيادة بلغت 23% بالمقارنة مع عام 2014، وبلغ معدل مساهمة منطقة تشونغقوانتسون في نمو اقتصاد بكين 40%. تم تسجيل 256 ألف براءة ابتكار في الصين في عام 2015 بزيادة 78% بالمقارنة مع عام 2012. وتجاوز معدل النمو السنوي لمبيعات التجزئة على الإنترنت 40% في الفترة من عام 2013 إلى عام 2015. شهدت الروبوتات الصناعية والسيارات التي تعمل بالطاقة الجديدة وغيرها من منتجات التكنولوجيا الجديدة والعالية تطورا سريعا. بلغ معدل إنتاجية العمل للفرد 76978 يواناً (الدولار الأمريكي يساوي 5ر6 يوانات) في عام 2015، بزيادة نسبتها 2ر22% بالمقارنة مع عام 2012.

حققت إعادة الهيكلة الاقتصادية تطورا مستقرا، مما أرسى أساسا متينا للتنمية الابتكارية. سيعزز الابتكار تحسين الهياكل الاقتصادية مما يحقق التنمية المستدامة. وفقا للبيان الصادر عن الاجتماع المركزي للأعمال الاقتصادية لعام 2015، يركز العمل الاقتصادي للصين في عام 2016 على خمس مهام، هي: "تقليل سعة الإنتاج الصناعي، تقليل المخرون، وتخفيض الديون وتقليل تكاليف الشركات، وتحسين الحلقات الضعيفة".

في ضوء المفهوم الجديد للتنمية، تسعى الصين لتصفية ومعالجة الطاقة الإنتاجية الفائضة ودفع تطور صناعة الخدمات والاستهلاك. يكتسب تعديل الهياكل الاقتصادية زخما جديدا، وارتفعت مساهمة صناعة الخدمات في الناتج المحلي الإجمالي باستمرار، وأظهرت الخصائص الرائدة لصناعة الخدمات. في عام 2015، شكلت القيمة المضافة للصناعة الثالثة (الخدمات) 5ر50% من إجمالي الناتج المحلي عام 2015، أي أعلى من الصناعة الثانية (القطاع الصناعي) بنسبة 10%، كما بلغت نسبة مساهمة الاستهلاك في النمو الاقتصادي 4ر66%، في حين يشهد التحول الحضري نموا مستقرا. في نهاية عام 2015، بلغت نسبة التحول الحضري للسكان المقيمين الدائمين 1ر56%، بزيادة بلغت 53ر3 نقطة مئوية مقارنة مع 2012. تشق التنمية الابتكارية حاليا طريقا واسعا، وينبغي لنا أن نثابر عليها.

التنمية الابتكارية ليست مجرد فكر يلعب دورا قياديا في المفهوم الجديد للتنمية الاقتصادية، وإنما مفهوم نظامي أيضا. لا تشمل التنمية الابتكارية الابتكار التكنولوجي فقط، بل تشمل أيضا الابتكار النظامي والابتكار في نمط التنمية الاقتصادية، إلخ. في تقرير عمل الحكومة عام 2016، تم طرح مفهوم "الاقتصاد الجديد"، الذي يلخص التنمية الابتكارية في الزخم الجديد والصناعات الجديدة والنماذج التجارية الجديدة. يمكننا تحقيق نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتجاوز 5ر6% بالمثابرة على الابتكار.

أهمية عالمية للتنمية الابتكارية

تنفيذ مفهوم التنمية الابتكارية لا يساعد في دفع التنمية السليمة والمستقرة للاقتصاد الصيني فقط، بل يكتسب أهمية كبيرة بالنسبة للتنمية المشتركة بين الصين والعالم.

في العصر الجديد الذي شهد التطور السريع للعولمة ودخول الثورة الصناعية الجديدة، أصبحت التنمية الابتكارية الصينية مرتبطة بالتمسك بالانفتاح على الخارج، فمواصلة استخدام الموارد المحلية والخارجية والسوقين المحلية والدولية طريق حتمي للتنمية الاقتصادية الصينية. وبالطبع، لا يتوقف، ولن يتوقف، نمو الاقتصاد الصيني على جذب الاستثمار الخارجي والسوق الدولية بشكل شامل. أكد تقرير عمل الحكومة في عام 2016 على ضرورة الانطلاق من الوضع الحقيقي الداخلي لخلق مساحة واسعة للنمو الاقتصادي الفائق السرعة من خلال تنمية صناعة الخدمات، خاصة صناعة الخدمات الاستهلاكية. لا يرتبط هذا النمط من النمو الاقتصادي بالعوامل الخارجية بشكل كبير، ومن ثم فلن يشكل صدمة شديدة للسوق العالمية أو النمو الاقتصادي في دول أخرى. سوف تتجنب التنمية الابتكارية الصينية العوامل الخارجية التي تعتمد التنمية الاقتصادية للدول المتقدمة عليها، بل تهتم بالدور المحرك للاقتصاد العالمي.

في السنوات الأخيرة، واجهت الصين تحديات خطيرة من حيث التصدير التقليدي ونمط المشاركة في التقسيم الدولي للعمل. إن تغير البيئة الاقتصادية الخارجية دفع الصين إلى تسريع إقامة نظام الاقتصاد المنفتح الجديد وتنفيذ مبادرة "الحزام والطريق" وإقامة البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية وتعزيز بناء مناطق تجريبية للتجارة الحرة ودفع تدويل العملة الصينية (الرنمينبي) ومحاولة كسب زمام المبادرة بالابتكار والتنمية المنفتحة في المنافسة الدولية. في عام 2015، بلغ حجم واردات وصادرات الصين 6ر24 تريليون يوان، واحتل الصدارة في العالم. في الفترة من عام 2013 إلى عام 2015، ارتفع حجم صادرات الصين ووارداتها من الخدمات بنسبة 9ر14%، بينما ارتفع حجم صادراتها من الخدمات ذات القيمة المضافة العالية مثل التأمين والأعمال المصرفية، وبلغ إجمالي حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة المستخدمة فعليا في الصين 4ر363 مليار دولار أمريكي. شهدت الاستثمارات الخارجية للصين تطورا سريعا في الاستثمار الخارجي، وتسارع "خروج" الاستثمارات الصينية. في الفترة من عام 2013 إلى عام 2015، بلغ إجمالي حجم الاستثمارات الصينية الخارجية المباشرة غير المالية 1ر311 مليار دولار أمريكي، بمعدل نمو سنوي بلغ 2ر15%، وتجاوز الحجم التراكمي للاستثمارات الصينية الخارجية المباشرة تريليون دولار أمريكي لأول مرة في نهاية عام 2015.

لقد جذبت التنمية الابتكارية الصينية أنظار العالم، وحسب تقرير المؤسسة الوطنية للعلوم الطبيعية في الصين، فإن كل مؤشرات الابتكار الصينية لا يسبقها في العالم غير المؤشرات الأمريكية.

يتسم الاقتصاد العالمي الراهن بثلاث خصائص: الأولى، أنه يمر بمرحلة تعديلات واضطرابات تتراكم فيها المخاطر المختلفة، وهذا هو الظرف الخارجي الذي ينبغي للتنمية الابتكارية الاقتصادية الصينية أن تواجهه مباشرة. الثانية، الثورة الصناعية الجديدة، التي تشمل اندماج وتكامل التقنيات الجديدة والتقدم السريع لتكنولوجيا المعلومات، تغير أسلوب إنتاج وحياة الناس وطريقة تفكيرهم بشكل شامل. الثالثة، تم تشكيل اقتصادات ناشئة في ظل العولمة الاقتصادية.

مع فشل نمط "إجماع واشنطن" للتنمية الاقتصادية، الذي طالما امتدحه الغربيون، بدأت كل دول العالم تستكشف نمطا جديدا ونهجا جديدا للتنمية. تعد الأزمة المالية في عام 2008 نقطة تحول تاريخية لظهور المشاكل الجذرية لنمط التنمية في الدول الرأسمالية. في ظل هذا الوضع، ليس غريبا أن تصوب دول العالم أنظارها نحو الصين. إن المفهوم الجديد للتنمية الاقتصادية الصينية المتمثل في "الابتكار والتنسيق والأخضر والانفتاح والمشاركة" يمد جذوره وزهوره في أنحاء العالم. ونحن على يقين بأنه مع تعمق التبادلات بين الاقتصاد الصيني والاقتصاد العالمي وزيادة مساهمات الصين في نمو الاقتصاد العالمي، سوف يتحقق الفوز المشترك للصين ولدول العالم في المستقبل بما يخدم شعوب البشرية جمعاء.

أخبار متعلقة
تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي