CRI Online

فنغشيان: حي احترام الأفاضل

cri       (GMT+08:00) 2013-07-15 14:02:28

يقع حي فنغشيان في جنوبي مدينة شانغهاي، على الضفة الشمالية لخليج هانغتشو. فنغشيان، كلمة صينية تعني احترام الأفاضل. حمل الحي هذا الاسم بعد أن حل به يان يان، وهو واحد من الاثنين وسبعين تابعا فاضلا لكونفوشيوس، لنشر الأفكار الكونفوشية. تبلغ المساحة الإجمالية لحي فنغشيان 720 كيلومترا مربعا، وتحتل المياه 417 كيلومترا مربعا منها. في طريق عودته إلى مسقط رأسه، وبعد أن استقال من منصبه الحكومي، مر يان يان بفنغشيان، فقرر أن يمكث فيها ليعلم أهلها القراءة والكتابة والآداب والأخلاق، ففتح لهم أبواب العوالم الروحية. كان ذلك قبل ألفين وخمسمائة سنة، وقد قال كونفوشيوس إن فضل انتشار أفكاره في جنوبي الصين يرجع إلى الفاضل يان يان.

وحسب السجلات التاريخية، تأسست فنغشيان سنة ست وعشرين وسبعمائة وألف للميلاد. وهي تطل على البحر وأرضها منبسطة ومناخها شبه استوائي مع رياح موسمية، واستوطنها البشر قبل حوالي خمسة آلاف سنة. وتعتبر منطقة تولين بفنغشيان أقدم موطن لأهل شانغهاي، وقد عُثر في هذه المنطقة على آثار ثقافية تاريخية من مختلف العصور. في متحف فنغشيان هيكل عظمي لشاب، يُعتقد أنه أقدم من استوطن فنغشيان، وبجانبه عدد كبير من الفخاريات والسهام العظيمة، والفؤوس الصخرية وغيرها من أدوات الإنتاج والأدوات اليشمية ذات الشكل المخروطي. فهل كان الناس قبل أربعة أو خمسة آلاف سنة يستخدمون هذه الأدوات الحديثة نسبيا؟ ومن هم أحفاد ذلك الشاب من سكان فنغشيان؟ هل هم الأثرياء الذين يسكنون في البنايات العالية ويقودون السيارات الفاخرة؟ أم الصيادون الذين يبدؤون عملهم مع شروق الشمس ولا يعرفون الراحة إلا بعد غروبها.

بعد أن وحّد الصين، قام الإمبراطور تشين شي هوانغ، أول أباطرة أسرة تشين (221-208ق.م)، بهدم تحصينات وأسوار دول عصر الممالك المتحاربة (475-221ق.م) وشقّ طرقا تربط بين شيانيانغ، مركز الصين السياسي والاقتصادي والثقافي القديم، ومدن الصين الأخرى. وقد تم تمهيد طريق تشينهوانغ بفنغشيان ليسير عليه موكب الإمبراطور تشين شي هوانغ في طريقه إلى شاطئ البحر. كان الإمبراطور يقطع بموكبه، من عربات الخيول والخدم والمرافقين، أكثر من ألف كيلومتر من شيانيانغ إلى فنغشيان للتمتع بمناظر البحر.

فنغتشنغ، محافظة بفنغشيان حاليا، هي مدينة تاريخية عمرها أكثر من سبعمائة سنة عُرفت بالبنايات العالية. وهي من بين تسع وخمسين مدينة شيدها الإمبراطور تشو يوان تشانغ لأسرة مينغ (1368- 1644م) كدفاعات حولها لصد هجمات المعتدين اليابانيين. ولكن قوات الغزو الياباني حطمت سور مدينة فنغتشنغ، ولم يبق منه إلا جزء صغير، هو الجزء المطل على خندق المدينة المائي القديم، وقد بُني بالطوب الأخضر والأزرق والقراميد البيضاء.

في سنة ألفين ميلادية، تم تفكيك سور فنغتشنغ وتحريكه إلى جهة الشمال بأكثر من أربعين مترا من أجل إعادة بناء قصر معبد وانفوقه (معبد المائة ألف تمثال بوذي). كان معبد وانفوقه ديرا للراهبات. وحسب أسطورة شعبية، قبل ستمائة سنة، في أواخر زمن أسرة يوان (1271- 1368م)، هربت فتاة من أسرة ثرية ولجأت إلى معبد قبل أن يزوجها أهلها لرجل لا تحبه. وقد ندم والدها على ما فعله بها بعد أن عرف مأساتها، وبنى لها ديرا عاشت فيه ووهبت نفسها لمساعدة الآخرين. تأثر أهل المكان بأخلاقها وتصرفاتها، وتسابقوا إلى حرق البخور أمام تمثال بوذا في ذلك الدير. عندما أمر الإمبراطور تشو يوان تشانغ ببناء سور حول فنغتشنغ لصد اعتداءات اليابانيين، كان الدير يقع عند البوابة الشمالية لفنغتشنغ، وقد قرر تشو يوان تشانغ بناء معبد وانفوقه في موقع الدير. لذلك، هناك من يقول إن معبد وانفوقه تأسس قبل بلدة فنغتشنغ. ظل معبد وانفوقه مفتوحا على مدى ستمائة سنة، ولكنه أغلق خلال فترة الثورة الثقافية، وغادرته راهباته. في يونيو سنة 1989، بدأت عملية إعادة بنائه بإشراف الجمعية البوذية بشانغهاي، وبعد أكثر من عشرين سنة من الإصلاح والتجديد والتوسيع، تم نقل عشرة آلاف تمثال لساكياموني إلى قصر وانفوه بمعبد وانفوقه، الذي يعتبر من أفضل المعابد بشانغهاي، نظرا لحجمه الكبير وعدد التماثيل البوذية فيه، لذلك يجذب أعدادا كبيرة من معتنقي البوذية من المناطق المجاورة ومن هونغ كونغ وماكاو وتايوان وجنوب شرقي آسيا.

وإضافة إلى معبد وانفوقه، يوجد في فنغشيان معبد مشهور آخر، هو معبد أريان الذي بني في فترة أسرة يوان، واشتهر بشجرتي المشمش الفضي فيه. عمر الشجرتين تجاوز 600 سنة، ورغم أن جذعيهما مجوفان، لكنهما تثمران في كل خريف، ويعبر لهما عن الاحترام كل من يتعبد أمام تمثال بوذا. في الطابق العلوي بالمعبد تمثال لساكياموني مصنوع من قطعة يشم كاملة وزنها طنان.

جسور وحكايات

سور فنغشيان هو المعبر إلى تاريخها. حسب السجلات، بلغ عدد الجسور فيها في زمن أسرة تانغ (618-907م) أكثر من 260، منها أكثر من 130 جسرا قائما حتى اليوم، فسميت فنغشيان بقرية المائة جسر جنوب نهر اليانغتسي. معظم الجسور بفنغشيان مشيدة بالبلاط الصخري، ويعود تاريخ 12 جسرا منها إلى أكثر من مائة سنة، و30 جسرا منها تعتبر تحفا تاريخية يحظر نقلها.

وجسر تونغجين أقدم جسر في فنغشيان، شيد في سنة 1216 بالبلاط الصخري، أي أنه أقدم من فنغشيان نفسها بخمسمائة وعشر سنوات، ويعتبر من الجسور النادرة المبنية بالبلاط الصخري في فترة أسرة سونغ (960-1279م). وهو جسر مقنطر بجانبه شجرتا مشمش فضي قديمتان، زرعتا في فترة أسرة سونغ، ويبلغ ارتفاع كل منهما 28 مترا.

يقع جسر جيفانغ في بلدة تشينغتسون، بني في سنة 1578، ويشتهر بالمنحوتات الدقيقة على جسمه، لذا يعتبر أروع جسر مبني بالبلاط الصخري في فنغشيان. قيل إن هذا الجسر كان في الأصل مبنيا بأعواد الخيزران. وذات يوم، مرّ فوقه تاجر متجول وشعر بقلق شديد، فنذر أن يصلحه إذا ربح تجارته. وبعد أيام، مر التاجر بتلك البلدة مرة أخرى، ولدى مروره صادف أن رمى صبي شيئين أسودين نحوه، فأخذهما التاجر إلى محل التحف القديمة، وبعد تنظيفهما، اتضح أنهما تمثالان ذهبيان، وأسعده جدا هذا الكنز الثمين، ولم ينس نذره. فاشترى المواد اللازمة وأعاد بناء هذا الجسر. وبعد تمام إنشاء الجسر، وقف التاجر فوقه وقال: "هذا الجسر بني من أجلنا جميعا، ويجب على كل أجيالنا القادمة الاهتمام بحمايته وإصلاحه ليستمر لمئات بل آلاف السنين." ثم سُمي هذا الجسر بجيفانغ (أي التمسك بالأخلاق الحميدة).

تتميز الجسور القديمة بفنغشيان بأشكالها المتنوعة والمتباينة ولكن يجمع بينها أنها جميلة، ومعظمها يقع فوق جداول. في السنوات الأخيرة، تم بناء جسر فنغبو (فنغشيان- بودونغ) وجسر مينبو (مينهانغ- بودونغ) فوق النهر، فصارت المواصلات والتبادلات بين فنغشيان وقلب مدينة شانغهاي أكثر سهولة.

التقرب إلى البحر

قبل أكثر من ألفي سنة، أمر الإمبراطور تشين شي هوانغ بشق طريق في فنغشيانغ يوصل إلى شاطئ البحر، للتمتع بمناظره الساحرة، وهذا دليل على ذكائه في اختيار موقع مشاهدة مناظر البحر! لأن المناظر في خليج هانغتشو ونهر تشيانغتانغجيانغ ظلت من أجمل المناظر البحرية في الصين حتى اليوم.

وعلى شاطئ البحر في فنغشيان، منطقتان سياحيتان هما: حديقة بيهاي جينشا فوق المياه ومنطقة يورن ماتو.

تقع فنغشيان عند ملتقى نهري اليانغتسي وتشيانتانغ، وتشكل منظرا وملامح خاصة وشاطئا مميزا. رمال شاطئ فنغشيان مختلفة ومميزة، فهي لا تشبه الرمال الصفراء اللينة بمقاطعة هاينان، ولا هي كبيرة الحجم كتلك الموجودة في مدينة تشينهوانغداو، بل ملساء صلدة. في هذه المنطقة، العديد من الأنشطة ووسائل المتعة والترفيه والراحة. فمثلا، يمكنك السباحة والتخلص من القلق والتوتر ورمي كل الهموم في عرض البحر، كما يمكنك التمتع بقيادة زورق بخاري فوق مياه البحر والشعور بسعادة قهر أمواج البحر، بالإضافة إلى العديد من النشاطات الأخرى مثل ركوب الدراجة أو لعب الكرة الطائرة أو التمتع بطائرة ورقية وهي ترتفع في كبد السماء، وغيرها من النشاطات التي تدخل المتعة والبهجة إلى نفسك. منذ تسعينات القرن الماضي، احتضن هذا الشاطئ أكثر من عشر مرات، مسابقات للطائرات الورقية على المستويين المحلي والدولي.

وتتكون منطقة يورن ماتو من مقصورة لونغتنغ ومعبد إلهة الرحمة بالبحر الشرقي، والمتحف ومراوح طواحين الهواء الهولندية، والمعرض الصيني لأزياء أوبرا بكين.

يقع المعرض الصيني لأزياء أوبرا بكين غربي مقصورة لونغتنغ، وتعرض فيه أكثر من ألف تحفة فنية ثمينة مشهورة في الصين وفي العالم، جمعها وصنعها باو وان رونغ، ومن ضمنها الأزياء التي كان يلبسها مي لان فانغ وشيون هوي شنغ، وهما من أشهر ممثلي أوبرا بكين، ودائما ما تذكرنا هذه الملابس بالعروض الرائعة لهذين الممثلين الراحلين.

خارج معرض أزياء أوبرا بكين، أربعة أبراج مراوح هواء هولندية ضخمة منتصبة تحت السماء الزرقاء والسحاب الأبيض، تقف عالية شامخة، ارتفاع كل منها أعلى من عمارة بعشرين طابقا، وتتميز المراوح بريشها الضخمة الدائمة الحركة مقابل البحر. رغم أن تلك المراوح تمثل العلوم والتكنولوجيا الغربية الحديثة، بينما يعكس المعرض الصيني لأزياء أوبرا بكين، ثقافة شرقية عريقة ومشرقة، لكن الناظر إليهما يشعر بالاندماج والتناغم الكاملين بينهما.

وتقع حديقة الغابات الوطنية خلف منطقة بيهاي جينشا، وتلقب باليشم خلف حديقة بيهاي جينشا، وهي أكبر حديقة غابات صناعية في شانغهاي، حيث يوجد فيها أكثر من أربعة ملايين شجرة.

صوت الطبيعة

لا يتمتع المرء بصوت الطبيعة إلا في بيئة هادئة، ويبدو أن الطبيعة لا تدرك أفكارنا إلا إذا كنا مخلصين هادئين منسجمين معها. إذن، كيف يمكننا التحاور مع الطبيعة؟ لقد حجب صخب وضجيج المدن صوتنا، وبات علينا التوجه إلى الريف لننعم بالهدوء والسكينة. وفنغشيان ليست الأجمل والأهدأ فحسب، بل هي الماء والخضرة والتاريخ والأشجار والوجه الحسن.

وحديقة شنلونغ الإيكولوجية التي تبلغ مساحتها 1780 مو ( هكتار واحد يساوي 15 مو)، والمغطاة بمساحات خضراء غابية تشكل 75% من مساحتها، رئة تنفس طبيعية مليئة بالهواء المنعش. في ركن الطيور بها 87 نوعا من الطيور النادرة، من بينها الطاووس ويوانيانغ (البط الشرقي) والكركي. وقدمت هذه الطيور، التي تتميز بذكائها ومهارتها، أكثر من ثلاثين عرضا للزوار، وهي تسعد كل من يشاهدها.

تتكون حديقة شنلونغ من عدة جزر تفصل بينها قنوات ماء وتربط بينها الجسور، وفي كل جزيرة أنواع مختلفة من الحيوانات.

وإضافة إلى متعة مشاهدة الطيور والحيوانات ومداعبتها والتمتع بجمال الطبيعة، تقيم حديقة شنلونغ نشاطات قطف الفواكه والخضراوات، حيث يمكن للزائر أن يمتع عينيه بجمال الفاكهة على أغصانها، ثم يُحلّي فمه بما يقطفه منها، أو يأخذها لبيته ولأصدقائه.

وتقع حديقة الخضراوات والفواكه على ضفة خليج هانغتشو، وتطل على منطقة سياحية، وتبلغ مساحتها 5000 مو، وهي مقسمة إلى خمس قاعات حسب أنواع الفواكه والخضراوات، ويمكنك مشاهدة أكثر من مائتي نوع من الفواكه والخضراوات والتمتع بزرعها وقطفها والتعرف على تاريخ وثقافة المزارعين ووسائل وتقنيات الزراعة الحديثة وصناعة المنتجات الزراعية وغيرها من المعلومات المعنية.

بالإضافة إلى هاتين الحديقتين، توجد في فنغشيان مناطق سياحية ذات خصائص زراعية، يمكنك صنع نبيذ العنب بنفسك والتمتع ببهجة الاشتراك في الحركات الرياضية بين أشجار وأزهار هذه المناطق.

استفادت منطقة فنغشيان من خصائصها الزراعية والبحرية، وتقوم في كل عام بسلسلة من النشاطات المتنوعة لجذب الزوار، وتقديم الخدمات المتكاملة لهم، لذا أصبحت المقصد السياحي الأول لأهل شانغهاي والمناطق المحيطة بها.


1 2
أخبار متعلقة
تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي