CRI Online

تشنجيانغ تاريخ عريق يتدثر بين الجبال

cri       (GMT+08:00) 2013-09-16 14:42:57

على الضفة الجنوبية لنهر اليانغتسي بشرقي الصين، تربض مدينة مختلفة تماما عن الصورة الذهنية لمدن جنوب اليانغتسي. فإذا كانت مدينة يانغتشو، وصفتها القصائد التي خلفها التاريخ باللطف والرقة، مثل الماء ونساء الجنوب، فإن مدينة تشجيانغ التي نتحدث عنها، والتي ارتبط ازدهارها بإنشاء قناة بكين- هانغتشو الكبرى، تجسد شجاعة وانطلاق أبناء شمال الصين، وتعكس المشاعر الناتجة عن المقاومة ضد الغزاة القادمين من الخارج.

تغيرت العصور وتبدلت الأزمان، وظلت تشنجيانغ متألقة، بفضل وقوعها في قلب شبكة مواصلات هامة، فهي تتاخم المجرى الأسفل لنهر اليانغتسي. وتقع في قلب مقاطعة جيانغسو، وفي حزام المدن المتقدمة اقتصاديا. يعيش أهلها حياة رغدة، وتتقدم المدينة حاملة معها التغيرات اليومية. تشنجيانغ ليست من المدن السياحية الأكثر شهرة في الصين، إلا أن زائرها يكتشف أن عدم شهرتها هو سر حفاظها على مواردها السياحية بشكل جيد، فمناظرها الرائعة مازالت في حالتها البدائية.

ترتبط تشنجيانغ في أذهان الصينيين بالخل، فهذه المدينة تنتج أفضل وأشهر أنواع الخل في جنوبي البلاد.

معبر شيجين القديم

يقع معبر شيجين القديم على سفح جبل يونتاى غرب مدينة تشنجيانغ، وهو أثر تاريخي اكتشفته المدينة خلال السنوات الأخيرة. يضم الشارع القديم في معبر شيجين مجموعات أثرية كبيرة تعتبر متحفا لتاريخ وثقافة تشنجيانغ.

يبلغ طول الشارع حوالي ألف متر، ويرجع تاريخه إلى أكثر من ألف وستمائة سنة. بعد تطويره خلال فترات أسر تانغ وسونغ ويوان ومينغ وتشينغ، وصل إلى صورته الحالية. يرتبط معبر شيجين القديم ذو المناظر الجميلة، بالجبل ويطل على النهر. من هذا المعبر، صعد عدد غير قليل من المشاهير الصينيين والأجانب القوارب في فترات تاريخية مختلفة. وقد جاء ذكره في كتابات لي باى، ومنغ هاو ران، ووانغ آن شي، وماركو بولو. وقد ظل معبر شيجين طوال تاريخ تشنجيانغ ركنا أساسيا في مجال المواصلات والاتصالات والتجارة لأهل المدينة.

ارتبط معبر شيجين بنهر اليانغتسي ارتباطا وثيقا في الماضي، حيث كانت مياه النهر الهادرة تجري تحته. منذ عهد أسرة تشينغ، بدأ نهر اليانغتسي يتحرك شمالا تدريجيا بسبب تراكم الغرين في مياه النهر. مع التطور والتقدم، فقد معبر شيجين أهميته في مجال النقل والمواصلات المائية، ولكن مع تنامي السياحة الثقافية وقطاع الخدمات في تشنجيانغ، بدأ المعبر يستعيد شبابه، وبفضل اهتمام الحكومة ودعم المؤسسات والمنظمات الأهلية حافظ على ملامحه الأصلية بشكل كبير

مازال الشارع القديم في معبر شيجين يحتفظ بالعديد من البنايات التي يرجع تاريخها إلى زمن أسرتي مينغ وتشينغ (1368-1911) وفترة حكم حزب الكومينتانغ، وفيه منطقة إبداعية صناعية وبرج شاوقوان القديم بخصائص فريدة. إلى الشرق من معبر شيجين، توجد الأحياء القديمة لمدينة تشنجيانغ، حيث تتدثر العديد من البنايات التي يرجع تاريخها إلى بداية القرن العشرين بين أشجار البارسول الصيني العالية الضخمة. هذه المجمعات السكنية والإدارية ذات التاريخ العريق تفوح بعبق التاريخ فتجذب إليها كثرة من الزوار الصينيين والأجانب.

ثلاثة جبال

الموقع السياحي الأكثر شهرة في تشنجيانغ هو الجبال الثلاثة: جينشان، وجياوشان، وبيقوشان.

يقع جبل جينشان في الضفة الجنوبية لنهر اليانغتسي، شمال غربي أحياء مدينة تشنجيانغ، وتمت تسميته بهذا الاسم في عهد أسرة تانغ (618- 907). يرتفع 60 مترا عن سطح البحر، فوق أرض منبسطة جنوب نهر اليانغتسي. قبل أسرة تشينغ (1644- 1911)، كان هذا الجبل جزيرة في وسط نهر اليانغتسي، ولكنه أصبح مرتبطا بالضفة الجنوبية لهذا النهر جراء التغيرات الجيولوجية في وقت لاحق. يشتهر جبل جينشان منذ العصور القديمة ومناظره الجميلة التي تجمع بين اليابسة والماء، وتجسد سمات منطقة جنوب نهر اليانغتسي من حيث الجمع بين الجبال والأنهار والحدائق.

أخذ جبل جينشان شهرته من قصة "الأفعى الأبيض" الأسطورية التي يعود مصدرها إلى مقاطعتي تشجيانغ وجيانغسو في شرقي الصين ويعرفها الصينيون، وهي أيضا من أشهر أربع قصص صينية شعبية. تعكس صور أبطال الأسطورة، باي سو تشن وشوي شيان وفا هاي وشياو تشينغ، رغبة الصينيين القدماء في الحرية الإنسانية. وتعد هذه الأسطورة من التراث الروحي والثقافي الثمين للأمة الصينية، وتجسد الكثير من التقاليد والعادات الشعبية القديمة، مما جعلها تراثا شفويا ثريا من حيث التقاليد الشعبية الصينية. في عام 2006، أدرجت هذه الأسطورة في قائمة التراث الثقافي غير المادي الصيني على المستوى الوطني.

ظهرت قصة "الأفعى الأبيض" في فترة أسرة سونغ الشمالية قبل أكثر من ألف سنة، وتقع أحداثها في مدينة هانغتشو بمقاطعة تشجيانغ ومدينة تشنجيانغ بمقاطعة جيانغسو رئيسيا. تروي القصة أسطورة تحول الأفعى الأبيض باي سو تشن والأفعى الأزرق شياو تشينغ إلى فتاتين جميلتين وزيارتهما إلى البحيرة الغربية في هانغتشو. خلال زيارتهما، تلتقيان مع الشاب شوي شيان. تحب باي سو تشن هذا الشاب كثيرا. وتتزوجه تقديرا منها لجهوده في إنقاذ حياتها. وعندما يخبر الراهب البوذي فا هاي بمعبد جينشان شوي شيان بأن زوجته ليست إلا أفعى لا يصدق ذلك. ذات يوم، وبعد أن تحتسي باي سو تشن الخمر تظهر في صورتها الأصلية كأفعى، فيموت زوجها شوي شيان من الصدمة. تأخذ باي سو تشن نبتة من الفردوس تنمو في أعماق الجبال، ويُعتقد أنها تحيي الموتى وتنقذ بها زوجها. بيد أن الراهب فا هاي لا يرضى بذلك ويستدرج شوي شيان إلى معبد جينشان. يدور قتال بين باي سو تشن وشياو تشنغ من ناحية وفا هاي من ناحية أخرى يستخدم فيه كل طرف ما أوتي من قدرات سحرية، فيثيرون فيضانا يغمر معبد جينشان بالماء. بهذا التصرف تكون باي سو تشن خالفت قواعد الآلهة. بعد ولادة ابنها، يضع فا هاي باي سو تشن في قصعة ويدفنها تحت برج ليفنغ. يكبر ابن باي سو تشن وينجح في الاختبار الإمبراطوري، ويقيم مراسم تذكارية لأمه أمام البرج وينجح في إنقاذها من تحت البرج.

تتضمن قصة "الأفعى الأبيض" معلومات وافرة حول التقاليد والعادات الشعبية وتتمتع بقيمة عالية للبحث في ظروف البيئة والعادات المحلية في منطقة جنوب نهر اليانغتسي. بدأت قصة باي سو تشن وشوي شيان على سفينة في البحيرة الغربية بمدينة هانغتشو. وترتبط هذه القصة بشكل وثيق مع المناظر الطبيعية والثقافية في منطقة البحيرة الغربية من بينها الجسر المتهدم وبرج ليفنغ وغيرهما، مما يضفي قيمة ثقافية على هذه المناظر.

خلال الألف سنة ونيف منذ ظهور قصة "الأفعى الأبيض"، اقتُبست منها أعمال فنية عديدة، منها مسلسل تلفزيوني وقصص لأوبرا بكين وأوبرا هوانغمي وأغاني ورقصات وأعمال كارتونية وغيرها. وتجاوزت شهر "الأفعة الأبيض" حدود الصين، ففي عام 1958، أنتجت اليابان أول فيلم كارتوني ملون على أساس هذه القصة. ولكن منذ تسعينات القرن الماضي، ومع تغير التيارات الثقافية، لا يبقى إلا نفر قليل من رواة هذه القصة، معظمهم مسنون. وقد ينسى الشباب بعض التقاليد والعادات المرتبطة بهذه القصة. لذلك، أصبحت حماية قصة "الأفعى الأبيض" وتراثها مهمة ملحة.

جبل جياوشان هادئ إلى حد كبير، بالمقارنة مع جبل جينشان. يقع جياوشان في الجزء الشمالي الشرقي لمدينة تشنجيانغ، ولا يزال يحافظ على المعالم الجغرافية للجزر في وسط نهر اليانغتسي، ولا يصله الزائر إلا عبر قارب من المعبر مما يجعل جبل جياوشان منعزلا ومحافظا على مناظره الخلابة. يرتفع جبل جياوشان 71 مترا عن سطح البحر وهو أعلى من جبل جينشان بقليل. يمكن تسلقه عبر درب خلف الجبل للوصول إلى قمته، لرؤية مشهد نهر اليانغتسي كاملا.

اشتهرت هذه المنطقة منذ العصور القديمة بالمناظر الطبيعية للجبال والأنهار والمناظر البسيطة والأنيقة. يأتي معظم زوار جبل جياوشان من أنحاء الصين. ابتداء من فترة أسرة هان الشرقية (25- 220)، بدأ بعض الطاويين التعبد في معبد جياوشان الطاوي حيث بنوا المعابد، مما جعل معبد جياوشان أكثر المعابد الطاوية شهرة في جنوب نهر اليانغتسي. بالإضافة إلى المعابد الطاوية، بنيت بالجبل معابد بوذية مع زيادة عدد معتنقيها في وقت لاحق .

يعبق جبل جينشان وجبل جياوشان بنكهة ثقافية كثيفة، ولا يقل عنهما في ذلك جبل بيقوشان الذي يطل على نهر اليانغتسي أيضا، ويقع بين جبلي جينشان وجياوشان. يفوح في بيقوشان عبق تاريخ وثقافة فترة الممالك الثلاث: وى وشو ووو (220-280). جبل بيقوشان الذي يبلغ ارتفاعه 58 مترا هو الأقل ارتفاعا بين الجبال الثلاثة، وهو شديد الانحدار مما يضفي عليه عظمة ومهابة. من قمة بيقوشان، يمكن رؤية جبل جياوشان شرقا، وجبل جينشان غربا، والمناظر الجميلة على الجانب الآخر من نهر اليانغتسي.

منطقة نانشان السياحية وجبل ماوشان

تضم منطقة نانشان السياحية أربع مناطق: تشاوين وتشولين وهوانغخشان وجيوهواشان، فيها مزارات سياحية مناظرها خلابة، مثل مقصورة تسنغهوا ومنصة دوشو وقصر جيتسو ونبع هوباو ونبع لوباو ونبع لينقونغ ومقصورة ييجيانغ ومقصورة يويروي ومقصورة روسي ومقصورة نياوواي مقصورة ونشين ومقصورة شيويلين الخ. كما يوجد في المنطقة أكثر من مائة وستين نوعا من الأشجار وأكثر من سبعين نوعا من الطيور.

بلغت منطقة نانشان أوج ازدهارها في الفترة من عصر الأسرات الجنوبية والشمالية (420- 589) حتى عصر أسرة مينغ (1368- 1644)، فقد زارها كثير من الشعراء وكتبوا فيها عددا لا يحصى من القصائد المشهورة. تذكر سجلات التاريخ أن المؤرخ المشهور ليو شيه (465- 520) أثناء إقامته في جبل تشاوين بمنطقة نانشان كتب مؤلفه "مختارات تشاومينغ"، وهو أول عمل للمختارات الأدبية في تاريخ الصين. وأقام الرسامان المشهوران في عهد أسرة سونغ الشمالية (960- 1127) مي فو ومي يو رن في منطقة نانشان لمدة أربعين سنة، وزار شاعر أسرة سونغ الشمالية المشهور سو دونغ بو، معبد "خلين" بمنطقة نانشان وكتب قصيدة بعنوان "زيارة معبد خلين".

جبل ماوشان من الأماكن الطاوية المقدسة، ويأتيه الزوار لتقديم احترامهم لحكيم الطاوية، حيث يوجد بالجبل أكبر تمثال برونزي في العالم لمؤسس الطاوية "لاو تسي". بفضل تاريخه العريق، يشتهر جبل ماوشان بآثاره الثقافية الثمينة.

مدينة تشنجيانغ، على الرغم من عدم ذيوع صيت مناظرها الطبيعية، يجد زوارها، وخاصة عشاق السياحة، العديد من الأماكن الجديرة بالزيارة، فهنا تعرف ثقافة الصين ومدينة تشنجيانغ، وتعلم بما حدث قبل مئات وآلاف السنين هنا.

أخبار متعلقة
تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي