CRI Online

مدينة الزهور— مدينة دالي

cri       (GMT+08:00) 2014-02-14 15:26:01


تقع مدينة دالي غربي مقاطعة يوننان في جنوب غربي الصين، مدينة تاريخية ثقافية وسياحية رائعة يأتيها الناس من كل حدب وصوب. من فرائد دالي، التي تغطي 29 ألف كيلومتر مربع، أنها الولاية الذاتية الحكم الوحيدة لأبناء قومية باي في الصين، ويقطنها أبناء ثلاث عشرة أقلية قومية، منها باي ولي وهان ومياو وناشي. هذا التنوع العرقي وما يعنيه من تنوع ثقافي هو أكثر ما يجذب السائحين إليها.

على هذه البقعة العجيبة من الأرض، عاش أسلاف قومية باي قبل ما أكثر من أربعة آلاف سنة. في فترة أسرة تانغ كانت دالي عاصمة دولة "نانتشاو" وفي فترة أسرة سونغ كانت عاصمة دولة "دالي". وقد ظلت دالي عبر العصور منفذا هاما للتواصل الثقافي والتجاري بين الصين ومحيطها الجنوب شرق آسيوي. وكانت دالي قديما ملتقى طريق الحرير بجنوب غربي الصين مع طريق تشاما القديم، حيث كان يمر بها الحرير المطرز الذي تنتجه مقاطعة سيتشوان وشاي بوأر الذي تنتجه مقاطعة يوننان وغيرهما في رحلتهما إلى الهند وأفغانستان، وكل هذا جعلها عاصمة الثقافة الآسيوية. في سنة ألف للميلاد كانت دالي واحدة من أكبر أربع عشرة مدينة في العالم. ومازالت دالي مسكونة بثقافات دول آسيا الأخرى وبخاصة الثقافة الهندية.

من أبرز السمات التاريخية لدالي شوارعها المبلطة بالألواح الحجرية والمساكن المبنية بالقراميد السوداء. على جانبي الشوارع الرئيسية عدد كبير من الحوانيت الصغيرة التي تبيع أغراضا متعددة؛ من الباتيك، وهو القماش المصبوغ بالشمع، إلى الفاكهة المسكرة والتبغ المنتج في يوننان الخ. وفي دالي سوق لتجارة الأحجار اليشمية، وتبيع الأعمال الفنية من الرخام المنتج محليا، ومنها الأدوات المكتبية والألواح الزيتية الجدارية والمزهريات والمباخر الخ، بالإضافة إلى ذلك تبيع أنواعا مختلفة من الزينات. وقد استقر عدد كبير من المشتغلين بالرسم والموسيقى والسياحة والبناء في هذه المدينة القديمة، ومنهم أصحاب شركات متعددة الجنسيات وفنانون للحرف اليدوية.

بيوت أبناء قومية باي في دالي ديار مستقلة مسورة شبيهة بالدور المربعة في بكين. تتكون الدار التقليدية النموذجية عادة من أسوار الدار وبوابتها والجدار الحاجز والغرف الرئيسية في الواجهة والغرف الجانبية على اليمين واليسار. غير أن الدار التقليدية من هذا الطراز صارت غير مرغوب فيها لدى أبناء جيل اليوم، إذ يفضلون البنايات الحديثة التي تتكون من طابقين في دار مستقلة. ومع ذلك لا يقل جمال النقوشات والرسومات الزخرفية في البنايات الجديدة عما في البيوت التقليدية القديمة، بل تبدو أكثر رونقا وبهاء.

يزخرف أبناء قومية باي بوابة الدار والجدار الحاجز وأبواب الغرف ونوافذها بالنقوش الزخرفية ويزينون جدار الواجهة بالرسوم الملونة. تعتبر بوابة الدار أروع جزء معماري في البيت، وتكون في الغالب مكونة من عدة طبقات من "دوقونغ" وأفاريز مرتفعة وزخارف ملونة جميلة كالنحت الصلصالي والنحت الخشبي والنحت الحجري وألواح الرخام والرسم الملون والطوب الأزرق الخ.

النحت الخشبي على الأبواب والنوافذ معظمه من الحفر المخرم والحفر النافر. وتضم موضوعاته حكايات أسطورية ورسومات مباركة مثل الكركي والصنوبر والطاووس الخ. وتبدو الأبواب والنوافذ المطلية بالدهان الأحمر ملساء لامعة وأنيقة. الجدار الحاجز قسم لا غنى عنه في عمارة بيت أبناء قومية باي. يقع الجدار الحاجز في فناء الدار أمام بوابة الدار وعند مدخل القرية. يشيد الجدار الحاجز بالطوب والحجر وتُنقش عليه عبارات مباركة. أمام الجدار مصطبة زهور كبيرة يفوح منها عطر الزهور في كل فصول السنة.

تتمتع دالي بطقس مثالي، فلا برد في الشتاء ولا حر في الصيف، ويبلغ متوسط درجة الحرارة السنوي بها حوالي 15 درجة مئوية. ومن مفارقات طقس دالي أن الثلوج تظل متجمدة فوق جبل تسانغشان بها طوال السنة برغم ندرة سقوط الثلوج هناك. هذا المناخ المتنوع جعل دالي موطنا لثلاثة آلاف نوع من النباتات تشكل بنوك مورثات أحيائية وخاصة للزهور، ويعرف أكثر من مليون فرد في بريطانيا الآن جبل تسانغشان في يوننان بالصين لأنهم يزرعون في بيوتهم زهور أزاليا جبل تسانغشان دالي.

الطقس المتميز غرس في نفوس أبناء دالي هواية تربية الزهور. في شوارع المدينة ترى أمام كل بيت غدير وزهور، وفي كل شارع قديم ترى المسنين يبيعون الزهور، ليس لكسب المال وإنما للتمتع بمباهج الحياة، فهم يهتمون بتزيين شوارعهم بالزهور أكثر من اهتمامهم بأعمالهم التجارية.

استقر في دالي عدد من الرحالة الأجانب محبي السفر والتجوال، فعندما وصلوا هذه المدينة الرائعة غيروا رأيهم وقرروا البقاء فيها أو عادوا إليها بعد مغادرتها. هؤلاء الأجانب يعيشون حياتهم مثلهم مثل أبناء المدينة؛ يزرعون الزهور ويقرءون الكتب. وأكسبها جبلة حميدة حيث لا يبطرها عز ولا يذلها أفول. تبدو دالي كأنها بئر عميقة مهما سحبت الماء منها، فإنها لا تنضب أبدا.

من بين المدن الصينية العريقة المتعددة، تبدو المدن الجنوبية مثل امرأة رشيقة دمثة الخلق ترتدي حلة جميلة، بينما تبدو المدن الشمالية مثل رجل ضخم كث اللحية يقوم في الريح الهوجاء على صهوة حصان ممسكا بالسيف في يده. دالي لا تشبه هذه ولا تلك في طبيعتها وإنما تتفرد بسمات خاصة، فهي تجمع بين لين النساء ومروءة الرجال. عندما يشرق الربيع الزاهر على المدينة، تنساب المياه الصافية من ذوبان الثلج على قمم جبل تسانغشان إلى الشوارع المبلطة بالألواح الصخرية الزرقاء، فتكون صورة من مدن جنوب حوض نهر اليانغتسي في شهر مارس. وعندما يكسو ثلج الشتاء الأرض، تعصف الرياح العاتية وترتجف الأعشاب النابتة في شقوق طوب أسوار المدينة، فيخال المرء أنه في سهول الصين الوسطى. هذه هي دالي، التي جعلت الطبيعة أهلها على الحماسة والترفع، وصاغتهم كراما يرحبون بالأصدقاء ولا يخافون من الأعداء.

جبل تسانغشان وبحيرة أرهاي من أهم الموارد السياحية لدالي. يكتسي جبل تسانغشان باللون الأخضر، وله تسع عشرة قمة معممة دائما بالسحاب الأبيض مثل شريط من اليشم. الجبل به أيضا جدول تشينغبي، الذي تتجمع مياهه من الثلوج الذائبة في قمته، وبه سهل هواديان، وفي الفترة بين إبريل ومايو كل عام تتفتح زهور الأزاليا في أرجائه فيتحول إلى بحر من الزهور. في عام 2004 أصبح مضيق جبل تسانغشان الكبير قاعدة التدريب الصينية لرياضة تسلق الجروف المكشوفة بموافقة الجمعية الصينية لرياضة تسلق الجبال. وذلك بفضل جروفه المناسبة لرياضة التسلق ومناظره الطبيعية الجميلة. بحيرة أرهاي بحيرة هضبية، يسميها أبناء المنطقة هايتسي. بها جزيرة جينسوه وشياوبوتوه وغيرهما. يستمتع زائرها بجولة في قوارب الصيد ووجبة من أسماكها التي تؤكل مسلوقة.

بالإضافة إلى مشاهدها الطبيعية الفاتنة ترك التاريخ لدالي ثروة وافرة من التراث، من أبرزها باغودات معبد تشونغشنغ الثلاث التي يرجع تاريخها إلى ألف عام، وكهوف جبل شيباو الحجرية بجيانتشوان، ونصب دههوا الذي يمجد الوفاق الوطني خلال ألف عام، وشارع شيدنغ الذي يعتبر السوق الأخيرة على طريق تشاما القديم، وأطلال مدينة تايخه والنصب التذكاري لانتصار الإمبراطور يوان شي تسو على دولة دالي وباغودا معبد فوهتو وبيوت قومية باي بشيتشو الخ، الواقعة على سفح جبل تسانغشان وشاطئ بحيرة أرهاي، وهي آثار تمثل تراث فترات تاريخية مختلفة مثل أسرة تانغ وسونغ ويوان ومينغ وتشينغ وجمهورية الصين الوطنية، ودليل حي لتاريخ تطور دالي. لكل هذا تصنف دالي من المدن التاريخية والثقافية المشهورة في الصين ومناطق المناظر الطبيعية الجميلة والمواقع التاريخية المشهورة والمحميات الطبيعية على مستوى الدولة والمدن السياحية في الصين ومن أكثر عشر مدن جاذبية في الصين الخ.

تنتشر في أرجاء دالي كثير من الباغودات القديمة، مثل باغودات تشونغشنغ الثلاثة وباغودة معبد هونغشنغ وباغودة يانغخه البيضاء وباغودة لينغباو الخ. تقع باغودات معبد تشونغشنغ بجانب بحيرة أرهاي على سفح جبل تسانغشان. تعد باغودات تشونغشنغ رمزا لمدينة دالي العريقة. وسميت بهذا الاسم لقربها من معبد تشونغشنغ على سفح جبل تسانغشان بشمالي المدينة. تبز الباغودات الثلاثة في روعتها المعمارية سائر الباغودات القديمة التي مازالت قائمة فهي رائعة الشكل منسقة الترتيب. تعود بداياتها إلي فترة أسرة تانغ (618-907) وأسرة سونغ (960-1279). الباغودة الرئيسية من بين الباغودات الثلاثة، والتي تسمى "باغودة تشيانشيون"، ترتفع 13ر69 مترا، وتشبه الباغودتان الأخريان الباغودة الرئيسية في المظهر، ويبلغ ارتفاع كل منهما 43 مترا. من قمة الباغودات الثلاثة تبدو كل مدينة دالي ومناظر بحيرة أرهاي وجبل تسانغشان في مدى الرؤية.

برغم التآكل الناجم عن عوامل التعرية من الرياح والأمطار لمدة ألف سنة، ظلت الباغودات الثلاثة ومعبد تشونغشنغ شامخة عالية. في فترة الإمبراطور شيان فنغ لأسرة تشينغ، خرب المعبد وبقيت الباغودات. بعد تأسيس الصين الجديدة عام 1949 أولت الحكومة اهتماما بالغا لحماية المناطق الأثرية. في عام 1961 قرر مجلس الدولة ضم الباغودات الثلاثة إلى الوحدات المحمية الرئيسية على المستوى الوطني. في عام 1978، عثر أثناء عملية ترميم كبيرة لها على أكبر مجموعة من آثار مملكتي نانتشاو ودالي اكتشفت حتى الآن، وهي أكثر من 600 قطعة من الآثار البوذية، منها كمية كبيرة من التماثيل البوذية والأسفار البوذية المكتوبة بخط اليد. هذه الآثار ذات قيمة عالية ومرموقة داخل الصين وخارجها. في عام 2004 خصصت مدينة دالي نحو 200 مليون يوان لإعادة بناء معبد تشونغشنغ، وبعد أن اكتمل البناء في أوائل عام 2006 افتتح المعبد للزوار.

أخبار متعلقة
تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي