يقال، تسافر إلى بكين إن شئت أن تعرف الثقافة الصينية الحديثة، أما إذا كنت من الباحثين عن الثقافة الصينية المعاصرة فعليك بشانغهاي؛ ومن شاء أن يغوص في أعماق الثقافة الصينية القديمة لا مفر من أن يتجه إلى شيآن.
شيآن، حاضرة مقاطعة شنشي بشمال غربي الصين، مدينة تاريخية من أقدم المدن الصينية، فعمرها ينيف على ثلاثة آلاف سنة، وهي إحدى العواصم التاريخية الأربع المشهورة في العالم كما أنها متحف طبيعي للتاريخ، يجسد تطور المجتمع الصيني القديم، حيث اتخذتها ثلاث عشرة أسرة ملكية صينية عاصمة لها خلال الفترة ما بين القرن الحادي عشر قبل الميلاد وأواخر القرن التاسع الميلادي، فكانت مركزا سياسيا واقتصاديا وثقافيا في قديم الصين. ولهذا السبب، مازال في داخل المدينة وخارجها الكثير من الآثار التاريخية مثل سور المدينة القديمة الذي يعد أعظم وأكمل الأسوار القديمة المحفوظة بدرجة جيدة في العالم حتى اليوم، كما يوجد بها بعض آثار وأطلال أسر تشو الغربية(القرن 11 – 771 ق.م) وهان الشرقية (25 – 220م) وتانغ (618 – 907م) ومقابر الأباطرة، وخاصة مقبرة الإمبراطور تشين شي هوانغ (259 – 210 ق.م)، أول إمبراطور للصين وحفر التماثيل الصلصالية للجنود والخيول، التي أثار اكتشافها هزة في الأوساط الأثرية بالعالم ،وصارت ثامن أعجوبة في العالم ومقصدا سياحيا جاذبا للصينيين والأجانب. شيآن كانت المحطة الأولى للرئيس الأمريكي السابق بيل كليتون خلال زيارته الرسمية للصين عام 1998. لقد كانت شيآن عاصمة أسرة تانغ المزدهرة في تاريخ الصين، واشتهرت في العالم مع شيوع المقولة الغربية "روما في الغرب وشيآن في الشرق".
كان شيآن مدينة تجارية مشهورة في فترة أسرة تشين، حيث برع أبناؤها في التجارة وكانت قوافلها التجارية تصل وسط الصين وشرقها وإلى بلاد العرب واليونان وروما القديمة، فشقت طريق الحرير القديم. في القرن السابع الميلادي، أي في زمن أسرة تانغ، جاوز عدد سكان العاصمة، شيآن، مليون نسمة، فكانت أول مدينة في العالم جاوز عدد سكانها المليون. وفي ذلك الوقت كانت شيآن مدينة عالمية كبيرة، لا تنقطع سيول التجار القادمين إليها من بلاد العرب والهند وأوروبا واليابان وكوريا، حتى حملت لقب "جنة الشرق".
