CRI Online

رحلة تيان لونغ شين مع موسيقى توجيا

cri       (GMT+08:00) 2015-03-19 10:15:15


تيان لونغ شين، المولود في مقاطعة هونان، والذي يجيد لهجة قومية توجيا التي تقطن هذه المنطقة، صاحب خبرة طويلة في موسيقى توجيا الشعبية، ولهذا يحمل لقبي "الروح الحية لموسيقى توجيا"، و"زعيم موسيقى توجيا الفلكلورية الشعبية الأصلية في الصين". يكرس تيان نفسه للحفاظ على الثقافة الصينية التقليدية، حيث جمع ورتب معلوماتعن أوبرا وموسيقى توجيا الفلكلورية، حجمها أكثر من ثلاثة ملايين وثمانمائة ألفكلمة. وقام أيضا بتأليف ألحانه الخاصة وقدمها مرات عديدة للجمهور في المهرجانات الوسيقية الدولية. في عام 2008، منحته الدولة لقب "وريث التراث الثقافي الوطني غير المادي".

يعيش أبناء قومية توجيا في مناطق بين مقاطعات هونان وهوبي ومدينتي قويتشو وتشونغتشينغ. توجيا، وهي سابع أكبر قومية من حيث عدد الأفراد من بين الخمس والخمسين قومية صينية، لها تقاليد عريقة في الغناء والموسيقى والرقص، وهي تقاليد فنية تقدم في حفلات الزفاف والمناسبات الأخرى، وكذلك في الحياة اليومية. أغنية توجيا الأكثر شهرة هي أغنية قوارب التنين والتي أقرتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) في ثمانينات القرن الماضي كواحدة من أفضل خمس وعشرين أغنية شعبية في العالم.

تيان لونغ شين عبقرية موسيقية، ورمز لموسيقى توجيا، ليس فقط لموهبته وقدراته الفنية، وإنما أيضا للجهود التي يبذلها من أجل استمرار موسيقى توجيا التقليدية والحفاظ عليها. وقد أعلن مرارا أنه يكرس حياته لحماية التراث الثقافي الصيني.

الأم هي المعلم الأول

ولد تيان عام 1941، في قرية بوجياو بمحافظة لونغشان في مقاطعة هونان، وهي قرية يقطنها أبناء توجيا. كان والده ضابطا في جيش الكومينتانغ، وقد تخلى عن زوجته وطفله الذي كان في الثانية من عمره وتركهما ليواجها الحياة بمفردهما. ومن أجل كسب الرزق، عملت الأم بأشغال الإبرة، بينما كان تيان يساعد خاله في تربية الأبقار.

على الرغم من الفقر، أصرت والدة تيان على إرساله إلى مدرسة خاصة ليتعلم على يد أحد أقربائه. وقد عرف تيان من تضحيات أمه ما تعلقه عليه من آمال، فدرس بجد واجتهاد، وكان لذلك تأثير كبير عليه في المراحل اللاحقة من حياته. ومع الانخراط في ثقافة توجيا، أصبح تيان مفتونا بالأغاني الفلكلورية المحلية، وهي المتعة التي غرستها أمه في داخله بتعليمها له العزف على آلة نفخ تصنع من القصب تسمى "دونغدونغكوي". في فترة قصيرة، تعلم تيان وأجاد عزف"دونغدونغكوي". في السابعة من عمره، واصل تيان تعلم الموسيقى على أيدي كبار السن في القرية، وتعلم أيضا العزف على آلات أخرى من خلال حفلات الأعراس. ومع تقدمه في العمر، تعلم تيان العزف على الأجراس البرونزية من العرافين وحضر مراسم الطاوية للتعرف على الصنوج وعازفيها. وفي كل حفل زفاف أو جنائزي، كان تيان حاضرا لمشاهدة الموسيقيين والتعرف على آلاتهم. وبفضل والدته وأهالي قريته الآخرين، أصبح تيان خبيرا في موسيقى توجيا الفلكلورية.

موسيقار محترف

كان تيان طالبا منضبطا وملتزما ولم يخذل والدته يوما، وكان يمارس أعمال الزراعة وهو طالب في المرحلة المتوسطة من أجل تخفيف الأعباء عن والدته، بعد المدرسة، كان يعمل في جمعية تعاونية محلية. وخلال عمله في الجمعية التعاونية لمدة أربع عشرة سنة، لم يفقد تيان متعته وهوايته في الموسيقى الشعبية. وقد جمع العديد من المواد عن فنون توجيا التقليدية من حامليها القدامى. قال إنه كان يطلب دائما النصيحة والمعلومات من فناني توجيا. وقد خصص وقت فراغه لإبداع وتقديم الأعمال الموسيقية الفلكلورية، ونشرت أعماله غير مرة في مجلة فنية تصدرها محافظة لونغشان ونالت إشادة كبيرة. وفي نهاية المطاف، جذبت سمعته الشهيرة انتباه المسؤولين في الأجهزة الثقافية المحلية، وفي عام 1974، تم تعيينه عازفا رسميا في فرقة محافظة لونغشان الفنية.

جمع فنون توجيا الشعبية

كان حلم تيان يصطدم بحقيقة أنه يقدم فنا على حافة الانقراض؛ فالعديد من فناني توجيا كانوا يرحلون عن الدنيا من دون أن ينقلوا فنونهم ومهاراتهم لأجيال أخرى. ومن أجل إنقاذ فنون توجيا من الاندثار، قرر تيان أن يحيي مهارات معلميه القدامى والفنانين الراحلين وخبراتهم وينقلها للأجيال القادمة عن طريق "جمع وفهرسة كل ما يجده عن فن وفلكلور توجيا المحلي". لم يكن جمع المعلومات سهلا، ومع عدم وجود أي وسيلة مواصلات، كان تيان يمشي على قدميه من قرية إلى أخرى حاملا حقيبة على ظهره ليقابل الفنانين الشعبيين. وكان العديد من هؤلاء الفنانين يعيشون في قرى منعزلة في الجبال العالية والغابات الكثيفة. كان يقضي النهار كاملا في السفر ليقابل الفنانين مساء. وأحيانا كان يضطر للقيام بعدة رحلات من أجل مقابلة فنان واحد فقط. وبعد جمع البيانات، كان يدونها ويجمع القصص ويسجل النوتات الموسيقية، وكل ذلك يتم على ضوء خافت لمصباح من الكيروسين.

زار تيان مئات الفنانين الشعبيين وجمع أكثر من مائتين وثلاثين أغنية شعبية، وجمع ورتب معلومات بلغ حجمها أكثر من مليونين وستمائة كلمة عن الأوبرات المحلية والعروض الفنية الأخرى. بهذه المصادر، استطاع تيان نشر ثلاثة كتب بالتعاون مع غيره من المتخصصين، هي: "مجموعة الغناء والموسيقى الشعبية من شيانغشي (غربي مقاطعة هونان)"، "سجلات فنون الغناء والموسيقى الصينية: معلومات من محافظة لونغشان"، و"الآلات الموسيقية الفلكلورية الصينية: معلومات من محافظة لونغشان ".

أغنيات شعبية جديدة

خلال رحلته الموسيقية الفنية الممتدة منذ عشرات السنين، ظلت داليوتسي الموسيقى المفضلة لدى تيان لونغ شين. داليوتسي عبارة عن عرض لأربع آلات إيقاعية، وتم الاعتراف بها في عام 2006 كجزء من التراث الثقافي غير المادي في الصين. وقد بذل تيان محاولات عديدة من أجل إبداع أفضل طريقة لتقديم لحن فلكلوري من الفن الشعبي الصيني القديم. في أحد الأيام، حلم بأنه راعي بقر يستمع إلى تغريد طيور الدراج الذهبية، وعندما استيقظ شعر بوحي وإلهام للإبداع. جاءت هذه النغمة الأنيقة المستلهمة من الدراج الذهبي لتمثل رؤية تيان لموسيقى توجيا الفلكلورية، وقد استخدم صورة "الطيور" كموضوع للموسيقى الشعبية المحلية. كتب لحن داليوتسي الجديد، "صعود طائر الدراج الذهبي"،التي تتناغم فيها الآلات الأربع وتتوافق مع مشاهد مختلفة من الطيور الذهبية وهي تتبختر وتتنزه وتتعارك. وقد نالت أغنية "صعود طائر الدراج الذهبي" نجاحا ساحقا وإشادة كبيرة من قبل الجماهير. وتم اختيارها أيضا كنموذج للموسيقى الصينية الإيقاعية الشعبية وجالت مختلف أنحاء العالم. وفي عام 1985، تم اختيار أغنية "صعود طائر الدراج الذهبي" من قبل المعهد المركزي للموسيقى كتحفة من الإيقاع الموسيقي الصيني وتم عرضها في إيطاليا وسويسرا وألمانيا وهولندا. وفي عام 1986، قامت الفرقة الموسيقية الشعبية بعزفها في الولايات المتحدة. وفي عام 1993، قدمت فرقة الموسيقى الفلكلورية الصينية هذه الأغنية في مهرجان الإيقاع العالمي في برلين. وقد أعربت الجماهير عن انبهارها بالأدوار العديدة التي لعبتها الصنوج في هذا العرض الرائع.

وقد أقر المعهد المركزي للموسيقى في الصين بأن أغنية "صعود طائر الدراج الذهبي" "من الأغنيات والموسيقات الصينية الشعبية المؤثرة في الصين والخارج" ومن الأعمال الكلاسيكية لقومية توجيا والموسيقى الصينية. وفي عام 2012، افتتح المعهد صفوفا لتدريس موسيقى داليوتسي توجيا، ودعا تيان ليحاضر فيها.

خلال السنوات العشر الماضية، قدم تيان أكثر من مائة عرض فني هام داخل الصين وخارجها. وقد كوّن أيضا فرقة توجيا للفنون الشعبية بالاشتراك مع ثلاثة عازفين آخرين لموسيقى داليوتسي. الآن وهو في الثالثة والسبعين من عمره، مازال يعتبر موسيقى توجيا الشعبية عالمه ومهنته مدى الحياة!

أخبار متعلقة
تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي