CRI Online

فو يوي قوانغ وريث فن الغناء القصصي لأبناء مان

cri       (GMT+08:00) 2015-05-14 09:55:22


السيد فو يوي قوانغ، ولد عام 1933 في أسرة من قومية مان (مانتشو) في محافظة آيهوي بمقاطعة هيلونغجيانغ في شمال شرقي الصين. وقد أُدرج اسمه في قائمة الدفعة الرابعة لوارثي فن شوبو مانتشو (الغناء القصصي لأبناء قومية مان)، لمشروع التراث الثقافي غير المادي في الصين عام 2012. كانت الأجيال الأولى من عائلة فو تتحدث لهجة مانتشو المحلية، لهذا نشأ فو يوي قوانغ وتربى على ثقافة مانتشو منذ طفولته. درس على أيدي كبار عائلته وتعلم أكثر من عشرة أنواع من أعمال شوبو الضخمة لهذه القومية، حتى أصبح وريثا لهذا الفن، ذا تأثير كبير في مسقط رأسه. شوبو هو شكل من أشكال فن الغناء القصصي القديم باللهجة المحلية لأبناء قومية مان، وقد تم تقديمه للعالم منذ زمن بعيد، وتتوارثه الأجيال عن طريق الرواية الشفوية. وعلى مدى عدة عقود، قام فو بتجميع ودراسة الأدب الشعبي للجماعات العرقية في شمالي الصين، ومن بينها قومية مان. كرس حياته لدراسة وبحث ثقافة شامان التقليدية في المناطق التي يقطنها أبناء قوميات مان ومنغوليا وألونتشون وداهور. وقد نشر العديد من الكتب في الصين والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وإيطاليا واليابان وكوريا الجنوبية.

السيد فو يوي قوانغ، الذي جاوز عمره ثمانين عاما، لا يزال مشغولا بمسيرة عمله الطويلة المتعلقة بفن شوبو، والممتدة منذ أكثر من ثلاثين عاما، وهو يبذل كل هذا الجهد بسبب حبه لهذا الفن النادر وحرصه على الحفاظ عليه من الاندثار. قال، إنه يعكف منذ عام 2007 على ترتيب وتنظيم ما جمعه من بحوث ودراسات حول فن شوبو من خلال مقابلاته ودراساته من أجل تجميع وإصدار سلسلة من الكتب حول هذا الفن التقليدي الشفوي لقومية مان. وقد تم طبع سلسلتين من هذه المجموعة في عام 2009، تتألف من أكثر من 12 مليون مقطع كتابة صيني، تسجل بوضوح صعود وهبوط قومية مان، وهي ذات قيمة كبيرة لتاريخ أبناء قومية مان وتاريخ العلاقة بين الأقليات العرقية في شمالي الصين.

لقد تم إبداع هذا الفن التقليدي، شوبو، وممارسته أولا من قبل الفنانين الشعبيين. قصص شوبو تدور غالبا حول الحرب والحياة الخاصة لأبناء قومية مان وأسلافهم. ويحمل هذا النوع اسم "أولابون"، أي السيرة الذاتية في لغة مان. قبل أن يسيطر أبناء مان على وسط الصين، لم يكن هناك تقليد لتدوين التاريخ كتابيا بين الجماعات، وكان السرد الشفوي لزعماء القبائل أو الشامانات هو الطريقة الأكثر شيوعا لتسجيل التاريخ وتلقينها للأجيال الشابة للتثقيف والحفظ. وعلى مر القرون، شكلت أعمال أولابون التي تم جمعها ونقلت تاريخ مختلف القبائل موسوعة مان التي أصبحت جزءاً من أسفار الأدب الفلكلوري الشعبي في شمالي الصين.

تراث العائلة العريق

مسقط رأس فو هو مجموعة من القرى التي يسكنها أبناء مان، يعود تاريخها لأكثر من 330 سنة. بنيت هذه القرى في البداية لقوات أبناء قومية مان الذين حشدهم الإمبراطور كانغ شي من نينغقوتا (نينغآن اليوم)، وجيلين وشنغجينغ (شنيانغ حاليا) عام 1628، للدفاع عن ضفاف نهر هيليونغجيانغ. ثم زاد عدد السكان ونما حجم القرى تدريجيا. قضى فو سنواته الأولى في بيئة متميزة بثقافة قومية مان. كان اسم أسرته فو تشا، بعد تأسيس جمهورية الصين غير أبناء الأسرة اسمها وفقا لعادات وتقاليد أبناء قومية هان، من فو تشا إلى فو. "فو تشا" عائلة عريقة وبارزة من قومية مان تضم عددا لا بأس به من كبار السن ذوي المكانة المرموقة. وعائلة فو تحترمهم وتقدرهم لكونهم الورثة الحقيقيين للثقافة الشعبية والفنانين الفلكلوريين. بعضهم شامانات يفتخرون بموهبتهم وحكمتهم غير العادية. وبإمكانهم رواية تاريخ أبطال قومية مان بكل سهولة، وكانوا يجيدون أداء الأغاني الشعبية والرقصات الفلكلورية ولديهم فهم عميق لجوهر الشامانية.

فو تشا مي رونغ، جدة فو يوي قوانغ، تعلمت واستفادت من عشرات من القصص الشعبية التقليدية، بما في ذلك أعمال شوبو الشهيرة التي تعلمتها عن طريق والدتها، التي كانت من الشامانات الشهيرات. وتحت أجنحة هذه الجدة الحكيمة، تعلم والد فو وعماته أصول فن هذا الغناء القصصي الشعبي وأصبحوا مطربين فلكلوريين ورواة القصص الشعبية وأبطال التراث الثقافي.

والد فو كان معلما بارعا في لغتي قومية مان واللغة الصينية السائدة (بوتونغهوا). قال السيد فو عن أبيه: "كان يتجول كثيرا في وقت فراغه حول القرى لجمع الأساطير والقصص الأسطورية الشفوية عن أبناء قوميات مان وألونتشون وداهور وختشه. كانت الأجيال الأكبر سنا من أبناء قومية مان تحرص على تعليم أبنائها هذا الفن على أمل تعلم وإتقان هذه الأغاني والرقصات والحفاظ على فن شوبو من الاندثار ونقله للأجيال القادمة." تأثر فو بأسلوب ونهج أسلافه، وحرص على تقليدهم في سرد القصص ونقلها والمحافظة على هذا الفن الفلكلوري. وقال إنه لم يتعلم سرد روايات الماضي فقط، بل تعلم أيضا معنى الحياة ومعنى أن يكافح الإنسان من أجل مستقبله. وعندما ينظر فو للماضي، فهو يؤمن بأن تفانيه وتكريس جهوده من أجل هذا الفن نبع من تأثير وجهود أسرته.

حماسة أزلية!

بدأ فو الدراسة في جامعة الشمال الشرقي الشعبية (جامعة جيلين حاليا) عام 1954، وبعد التخرج، وجد وظيفة مقنعة في معهد أبحاث على مستوى مقاطعة جيلين. كان يعتقد أن هذا سيكون منصة جيدة له للبدء في البحث في الفنون والثقافة الفلكلورية التي كانت حلمه الدائم وشغله الشاغل. ولكن بعد فترة وجيزة، تم نقله كمحرر في صحيفة دورية، ثم كصحفي في جريدة المحافظة. لم يتخل فو عن حلمه أبدا، وعلى غير المتوقع، وأثناء عمله كصحفي، حصل على فرصة ثمينة لتحقيق حلمه مجددا. فقد تم العثور على أدلة على وجود أسطورة مانتشو، وهي الأم أومسيبين(Umesiben Mama)، في محافظة دونغنينغ، في مقاطعة هيلونغجيانغ.

"الأم أوميسيبين" ملحمة عن كيفية بدء العالم، وقد تم تناقلها من أبناء قومية نيويتشن أسلاف أبناء مان. وهي تروي الحياة البطولية لأسطورة بطل شامان الذي نجح في توحيد مختلف القبائل. وتصف حياة الحروب في عصر القبائل وهذا العمل يعتبر من الكنوز النفيسة لثقافة الشامان. وقد سافر فو إلى محافظة دونغنينغ لمقابلة وريث هذه الملحمة الأسطورية، وقد تمكنا معا من إنقاذ ملحمة "الأم أوميسيبين" والحفاظ عليها من الاندثار. ويشعر فو بالامتنان لمهنته كصحفي، التي زاولها لعقود طويلة، حيث قال: "هذا العمل علمني الكثير. لقد طورت من عادة البحث والملاحظة والتحليل وتعلمت كيفية تنفيذ أعمال المسح والبحوث."

في شتاء عام 1972، التقى فو بالمؤرخ الصيني تونغ دونغ، مدير معهد بحوث الأدب والتاريخ في شمال شرقي الصين، والذي كان رئيسا لجامعة الشمال الشرقي الشعبية أيام دراسته في الجامعة. قال المؤرخ تونغ في ذلك الوقت، إنه مستعد لإنشاء مركز لحماية التراث الثقافي غير المادي للأقليات القومية في شمالي الصين، وعلم باهتمام فو بهذا المجال فدعاه للانضمام إلى المركز. ولا يزال فو يتذكر شعوره عند تلقيه دعوة الانضمام للمركز قائلا: "لقد أجبت بنعم على الفور ومن دون تفكير". وقد أثارت العودة إلى عمل كان يحلم به لسنوات طويلة، مشاعره وعواطفه الجياشة. كان يعمل ليلا ونهارا، ويبحث عن المحفوظات والكتب القديمة. وبدأ أيضا يسلك ما فعله والده سابقا، السفر لأميال عديدة بين القرى والبلدات والمدن لجمع المواد الثقافية الثمينة من حياة الناس اليومية.

جولات في الشمال الشرقي

في نهاية المطاف، تم تعيين فو رئيسا لمكتب بحوث ثقافة الأقليات في شمال شرقي الصين. فعزم على فرز وتصنيف أعمال أولابون التي تناقلتها عائلته، ولكنه سافر أيضا إلى جميع أنحاء شمال شرقي الصين من أجل جمع أعمال أولابون من الأسر الأخرى. كانت بعض أعمال أولابون تتطلب عدة شهور لروايتها وأدائها لإجادة العمل، فابتكر فو أساليب خاصة مثل استخدام الرسوم البيانية والبطاقات والصور لمساعدة الفنانين في تذكّر القصص أثناء أدائهم.

في سبعينات القرن الماضي، وفي أعقاب الثورة الثقافية (1966-1976) كانت النقاشات حول التراث الثقافي للأقليات القومية من المحرمات. وكان من الصعب للغاية جمع المواد المتصلة بالفنون الشعبية. وكان كبار السن والفنانون من الشامانات يترددون في المشاركة في المقابلات خوفا من الاضطهاد. ومن أجل طمأنة أولئك الفنانين وكبار السن، كان فو وفريق البحث يبقون أحيانا مع من يقابلونهم عدة أيام، يعيشون ويعملون معهم لكسب ثقتهم.

وقد انتقلت هذه الحماسة من الباحثين إلى الناس الذين تمت مقابلتهم، ووافقوا في نهاية الأمر على تشاطر قصصهم. وقد نال فو مكافأة معنوية جزاء صبره وحماسته، حيث توصل الباحثون إلى عدد كبير من الإيحاءات الموجودة في كتابات ومخطوطات مان والمخطوطات الشامانية التي يستخدمها الشامانيون في مراسم عباداتهم للطبيعة. وقد اكتشفت وثائق الأنساب لعشائر مان وصور الأسلاف، ومعدات لطقوس ومراسم العبادة، والعديد من الآثار الثقافية القيمة الأخرى، وتم عرضها على العالم.

مانتشو وقصة الخلق

لفترة طويلة، ظل العلماء الغربيون يعتقدون أن الصين ليس لديها أسطورة منهجية حول الخلق. واستمر هذا الاعتقاد، حتى قام فو في تسعينات القرن الماضي بنشر أجزاء من أسطورة حرب في السماء. وكان لهذا الكتاب تأثير كبير في الأوساط الأكاديمية في الداخل والخارج، وترجمت إلى عدة لغات، منها الألمانية واليابانية والكورية. العمل الذي يحمل عنوان "حرب في السماء"، والمعروف أيضا باسم "قصة في المحراب"، يصف أصول العديد من المجموعات العرقية في شمالي الصين على خلفية الفترة المتوسطة والمتأخرة من المجتمع العشائري الأمومي، في العصر الحجري القديم. وهو إبداع أسطورة أقدم بكثير من أسطورة الأوديسة والإلياذة.

وفقا لفو، فإن الأسطورة قام والده بكتابتها بلغة قومية مان بعد أن سمعها من الشامانات. وقد تسلم فو هذه المخطوطة بعد وفاة والده. ومن أجل ترجمتها إلى اللغة الصينية، طلب فو مساعدة الشامانات من مختلف الأقليات القومية في شمالي الصين، وذلك لصعوبة فك رموزها التصويرية.

بالإضافة إلى ترجمة أعمال شوبو الشفهية إلى نصوص كتابية، فإن فو مشغول بتدريب ورثة هذا الفن الشعبي، ويقوم بتعليم ابن أخيه فو لي مين، من أجل إتقان فن بوشو. وقال فو يوي قوانغ: "لا يمكننا الجلوس ومشاهدة هذا الفن وهو يندثر ويموت". وهذه الفكرة هي التي تحفز فو على مواصلة جهوده في حماية التراث الثقافي.

لا هوادة في جهود فو، فهو يعمل حاليا في السلسلة الثالثة من شوبو، التي تحتوي على ما يقارب من عشرة أعمال من هذا الفن الشعبي. ويأمل فو أن تساهم جهوده وعمله المتواصل منذ عقود عديدة في دفع الفن الشعبي وثقافة مان إلى واجهة الوعي الشعبي.

أخبار متعلقة
تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي