CRI Online

باتشونغ نصف من الجنة ونصف من الأرض

cri       (GMT+08:00) 2015-05-20 09:26:33


باتشونغ مدينة صغيرة في مقاطعة سيتشوان بجنوب غربي الصين، تتميز بهوائها الصافي المنعش وبيئتها الجميلة الساحرة. إنها مدينة يغوص زائرها في سحرها وتغريه بالبقاء فيها بعيدا عن ضوضاء المدن الكبيرة. تشتهر باتشونغ بجوها الرطب ومناظرها الجميلة الخلابة، خاصة أثناء رذاذ المطر.

في واحدة من قصائده، وصف الشاعر لي شانغ يين (813-858) في عهد أسرة تانغ الإمبراطورية شوق رجل في باتشونغ إلى زوجته، التي كانت تنتظر عودته للبيت في ليلة ممطرة، حيث قال: "تسأليني عن عودتي فموعدها لم يُحدد، تهطل أمطار جبل باشان ليلا والبحيرة يغمرها الماء. متى نضئ الشموع معا غربي النافذة، فتشاركنا هذه الأمطار في السمر." جبل باشان الذي ذكره الشاعر في قصيدته يقع في مدينة باشان. وبعد آلاف السنين، لا يزال هذا الجبل شامخا في مكانه شاهدا على قصة الحب الأبدي بين ذلك الرجل وزوجته.

مناظر باتشونغ تشبه لوحات الرسام الفرنسي كلود مونيه، حيث تتصف بالجمال الغامض والتغير السحري بين الأضواء والظلال. تقع مدينة باتشونغ على الجانب الجنوبي لجبل باشان، في ملتقى ثلاث مدن كبيرة هي تشنغدو وتشونغتشينغ وشيآن. كما أنها تقع على الخط الفاصل الذي يحد الصين جنوبا وشمالا جغرافيا، لذلك، يمكن للمرء أن يرى المناظر الشمالية والجنوبية في نفس الوقت في هذه المدينة. يصف الصينيون أهل الشمال بالشجاعة والكرم، وأهل الجنوب بالحكمة والدقة. وعلى هذه الأرض التي تمتد على مساحة اثني عشر ألف كيلومتر مربع، يجمع أهالي هذه المدينة بين خصائص الجنوبيين والشماليين.

ولأن المدينة تقع على ممر تبادل الثقافات الجنوبية والشمالية، ظلت مركزا للتبادلات الثقافية زمنا طويلا، ولهذا فإن فيها بصمات تاريخية لمختلف العصور.

قبل أكثر من خمسة آلاف عام، عاش الصينيون في منطقة جبل باشان، وحملوا اللقب "أبناء با". وقبل أكثر من ثلاثة آلاف عام، فتح أبناء أسرة هان طريق ميتسانغ القديم الذي يعتبر أول طريق عام يربط بين جنوبي وشمالي الصين. هذا الطريق الذي كان يخترق جبل باشان، خلق قناة ساهمت في التقاء حضارة النهر الأصفر وحضارة سيتشوان. اليوم، وبرغم تلاشي هذا الطريق، ما زالت قصصه تروى في المناطق على جانبي الطريق القديم. كذلك هناك آثار القرى القديمة على جانبي الطريق، والتي تعتبر شاهدا على تغير العصور، ودليلا على ازدهار طريق ميتسانغ في الماضي. في ذلك الوقت، كانت مدينة باتشونغ مركزا هاما يربط الشمال والجنوب سياسيا واقتصاديا وثقافيا.

الصين معروفة بأنها بلد الشعر والشعراء، وقد وصل فن نظم الشعر ذروته في فترة أسرة تانغ (618-907)، حين كانت باتشوان أرضا خصبة للشعراء البارعين في إبداع الشعر والقصائد الجميلة الخالدة. وسطر عدد من أكبر شعراء أسرة تانغ أبياتا شعرية مشهورة خالدة في وصف مناظر باتشوان وسحرها وجمالها الخاص الفريد. مثلا، كتب وانغ بوه (650-676) هذه الأبيات: "تنساب مياه نهر با شرقا، وتتدلى السحب على جبل با صامتة. أفارق صديقي في ليلة البدر، وقد انهمرت دموعنا."

 الكهوف العظيمة

في الزمن القديم، لم تكن القوافل التجارية فقط تجتاز طريق ميتسانغ القديم، وإنما كان يمر به أيضا الرهبان المتجولون. فقاموا بنقش الرسوم الجدارية في كهوف جبل با، ثم لونوها باستخدام المعادن الطبيعية. وهذه الكهوف تعرف الآن باسم كهوف باتشونغ، وتعد التماثيل البوذية في هذه الكهوف من أفضل النماذج المنحوتة الملونة لفترة أسرة تانغ الإمبراطورية.

تشتهر باتشونغ بأنها "موطن الكهوف"، ففي هذه المدينة الصغيرة 179 كهفا تضم 2700 تمثال من التماثيل البوذية المنحوتة على الجبال. كهف نانكان، وهو أكبر كهف، فيه تمثال بوذا ساكيافوي، وهو مؤسس البوذية، ويعني اسمه الساهر أو اليقظ. وبوذا ليس اسم شخص بعينه، وإنما هو لقب ديني عظيم، معناه الحكيم، أو المستنير، أو ذو البصيرة الثاقبة.

يقول الصينيون: "تتميز كهوف داتونغ بعظمتها، وتتميز كهوف باتشونغ بألوانها الزاهية". هذا القول صحيح، فعندما يسير المرء على الطريق الجبلي الضيق في جبال با، ويشاهد التماثيل البوذية الزاهية الألوان المنتشرة على جانبي الطريق، يشعر بالدهشة لجمالها ودقتها وروعتها. وتجذب بقعة بيضاء على وجه أحد التماثيل أنظار الزائرين! هذه البقعة البيضاء لها حكاية أقرب إلى الأسطورة. يقال إنه في ستينيات القرن العشرين، أطلق رجل النار على وجه ذلك التمثال من مسدسه، لكن الرصاصة ارتدت إليه وأصابته في مقتل. قد تكون هذه القصة أسطورة ومجرد ضرب من الخيال، لكنها تضيف المزيد من الغموض والأسرار على كهوف باتشونغ.

تجسد كهوف باتشونغ بدقة شديدة الشكل الحي للتماثيل البوذية، وقد تم تزيين هذه التماثيل بالمعادن الطبيعية لإعطائها اللون الأخضر والأحمر والأبيض والأزرق التي تساعد في المحافظة على هذه التماثيل لمدة طويلة. ومن المدهش أن هذه الألوان ما زالت واضحة وزاهية بعد مرور آلاف السنين. وقد قال الأديب الصيني المشهور يو تشيو يو: "عندما زرت الكهوف وشاهدت التماثيل البوذية الرائعة بمختلف الأشكال والألوان، شعرت بأنني لا أشاهد تماثيل من صنع البشر، بل كائنات حية يبلغ عمرها أكثر من ألف سنة." وقد مرت هذه الكهوف بمراحل تارخية مختلفة وشهدت تغيرات العصور، فعندما يقف الزائر أمام هذه التماثيل الصامتة، يتذكر الزمن القديم ويشعر بالهدوء والسكينة في أعماقه.


1 2
أخبار متعلقة
تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي