CRI Online

قرية كاييوان بشمال مقاطعة جيانغشي

cri       (GMT+08:00) 2015-05-29 10:52:44


في حضن واد ساحر، تربض قرية كاييوان في مدينة رويتشانغ بشمال مقاطعة جيانغشي. كاييوان التي يحدها نهر من جنوبها وطريق من شمالها، قرية خلابة بسحر هدوئها وجمال وروعة حقول الأرز الخضراء المورقة التي تحيط بها شرقا وغربا، تشكل لوحة طبيعية ساحرة على مدار السنة.

قبل حوالي ثلاثمائة عام، كانت هذه القرية منطقة برية منعزلة. وقد استوطن الوادي لأول مرة عندما لجأ إليه الفارون من فوضى حرب الشمال. وقد تمكن أسلافي من العثور على هذه الحديقة المثالية المغلقة بعد سير وتعب لعدة أيام. وبعد الاستراحة لفترة كافية للتخلص من التعب وتهدئة الأعصاب، قرروا المكوث والاستقرار فيها. وقد غير هؤلاء الرواد المجتهدون أسماءهم، وعملوا بجد من الفجر حتى الغسق من أجل بناء وتعمير ذلك الوادي، الذي أصبح فيما بعد مسقط رأسي.

في شهر مارس كل عام، يتزين الوادي بالأزهار الذهبية التي تنتشر في كل بقعة، من المنحدرات إلى السهول ومن الحقول إلى الجداول.

نهاية فصل الشتاء وبداية الربيع، هي فترة إراحة الأرض، حيث يقوم المزارعون بزرع كميات كبيرة من اللفت. يتم بذر البذور في مرحلة مبكرة من العام قبل عيد الربيع. ومن أواخر فبراير إلى أوائل مارس، ومع دفء الجو، فإن هذه البذور تزدهر بسرعة وتبدو بين عشية وضحاها كأنها تغطي الوادي الأخضر.

في هذه الفترة، كل من يسافر في القطار من شمال الصين المتجمد متجها إلى الجنوب، يغمره شعور جميل بأنه هرب من ذلك البرد والجمود! ففي الوقت الذي تكون فيه سهول شمال الصين لا تزال تعاني من التجمد والبرد القارس، تتمتع ضفاف نهر اليانغتسي بجو رائع وتكتسي بحلة من الزهور الذهبية الرائعة على امتداد البصر. وعلى الرغم من الشعور بالضجر بسبب رحلة ليلية فردية هادئة، فإن النظر من نافذة القطار إلى مشهد الربيع ومظاهره الذهبية المنتشرة على طول الطريق، ترفع من معنويات المسافر وتدخل النشوة والسرور لقلبه ووجدانه.

زهور اللفت المتناثرة في وادي قرية كاييوان، تعرض للمارة أشكالا متنوعة لا حصر لها. فالنباتات في المرعى وعند مدخل الوادي تنمو في كل الاتجاهات، وتتدلى أحيانا من سفوح الجبال والتلال. وهي مجرد بداية الوصول للقرية التي تبدو وكأنها تعوم على بحر من الزهور الذهبية التي تتدفق في السهول والتلال.

يقارن الناس قرية كاييوان مع وويوان، وهي منطقة جذب سياحي تمتلك معالم ومواصفات جغرافية مماثلة. ومع ذلك، قريتنا لا تتميز بأسلوب عمارة هوي ذي الجدران البيضاء والبلاط الأسود، ولكن ما يميزها ويثير الإعجاب حقا هو البساطة والهدوء.

في فصل الربيع، تتشكل لوحة طبيعية ساحرة، حيث تحلق الفراشات والنحل حول الحقول، وينهمك المزارعون في أعمالهم الزراعية في حين يلعب الأطفال لعبة الاختباء بين الزهور. وبعض الصبية، يقومون برفع سراويلهم، وينطلقون إلى البحيرات لصيد الأسماك والروبيان أو لجمع أنواع من الأعشاب البحرية، وعندما يشعرون بالتعب، يقومون بإراحة أجسادهم بالاستلقاء بين الزهور والنظر إلى السماء الصافية واستنشاق النسيم العليل المعبق بشذا وعطر الزهور والربيع.

الفترة الممتدة من أواخر مارس إلى بدايات إبريل، هي فترة الذروة لهذه الزهور الذهبية الساحرة. في يوم عيد تشينغمينغ "كنس القبور" التقليدي، الذي صادف الخامس من إبريل هذا العام، نزل وابل من المطر الربيعي على الحقول والنباتات. في هذا اليوم يعود الناس إلى مدنهم وقراهم لإحياء ذكرى أسلافهم. بالنسبة للأطفال، فإن زيارة قبور أجدادهم وأسلافهم ليست مناسبة حزينة، بل هم يشعرون بالسعادة وهم يحيون ذكراهم ويتبعون تعليمات والديهم بحرق النقود الورقية الوهمية لتقديم القربان للموتى، وإضاءة الشموع والبخور والدعاء لهم، ثم إطلاق الألعاب النارية والتعبير عن الإجلال والاحترام لأرواحهم بمظاهر شتى. ثم يسمح لهم بعد ذلك بالانطلاق والتمتع بأوقاتهم في المرح واللعب في الغابات، حيث يكتشفون كنوزا من نباتات الفطر الضخمة والأشجار الصفراء الصغيرة وبراعم الشاي اللذيذة.

قرية كاييوان تشهد حاليا تغيرا كبيرا؛ حيث يتم تجديد المساكن باستمرار، ويترك كثير من الشباب القرية ويتجهون للمدن للبحث عن فرص عمل، ولكنهم يعودون عموما. وأنا أعتز وأفتخر بقريتي المرتبطة في مخيلتي بسحرها وزهورها الذهبية الفريدة. إنها تسكن عقلي ووجداني.

يطلق السكان المحليون على سلسلة الجبال الواقعة إلى الجنوب اسم "جبال العتبة" لأنها تشمخ في جنوب القرية وكأنها شاشة قابلة للطي، وتوفر منظرا بانوراميا لأي شخص بمجرد أن يفتح الباب الأمامي لمسكنه. وعلى عكس الجبال الرائعة الأخرى، تتألق جبال العتبة التي يبلغ ارتفاعها أربعمائة متر، بين مدرجات الحقول الخضراء الخصبة وبساتين من اليشم الأخضر. وتضيف السحب والضباب الذي يحيط بقمة الجبل سحرا وجمالا وأجواء غامضة لهذا المنظر الطبيعي الفريد. جبال العتبة، إضافة إلى أنها تشكل منظرا طبيعيا ساحرا وخلابا، فهي تتميز بالغموض والأسرار. والسبب الرئيسي لهذا الغموض هو المنصة الحجرية العالية التي تعرف باسم "الشرفة الساحرة" التي تعد الخلفية الأساسية لهذه الأسطورة الخرافية.

استمعت لهذه القصة الخيالية لأول مرة في ليلة مقمرة عندما كنت طفلة، وكنت مستلقية على سرير من الخيزران، وجدتي آنذاك تحاول أن تنعشني بنسمات هواء تتهاوى من مروحة تحملها بيديها مصنوعة من سعف النخيل، وقالت لي حينها: "في قديم الزمان، كانت إحدى الخالدات تعيش في عزلة وتأمل إلى أن تمكنت أخيرا من تحقيق الاستنارة الذاتية. وقد خطت ثلاث خطوات ثم ارتفعت وطارت في الهواء وتركت آثار خطواتها الثلاث على حافة الشرفة."

وبالعودة إلى ذلك الوقت، حيث لم يكن هناك وجود لكتب القصص وللتلفزيون ولشبكة الإنترنت، كنا نشعر بسعادة غامرة للاستماع لمثل هذه القصص الخرافية. ومع مرور الوقت وتقدم العمر، أتيحت لي الفرصة لرؤية هذه الشرفة الساحرة، ومع ذلك، شعرت بفقداني متعة الاستماع لهذه القصة الخيالية ولم يعد غموضها يثيرني. ولكنني نجحت في بعض الاكتشافات، فإلى الشرق من الشرفة الساحرة هناك قرية صغيرة وحديقة شاي أخرى. وبعد الانتهاء من قطف أوراق الشاي، تسلقنا قمة الجبل وذهبنا للشرفة الساحرة لتناول الغداء. تلك الأيام، يمكنني وصفها بأنها أجمل وأروع أيام طفولتي وصباي.

تبدو الشرفة الساحرة على شكل ثلاث طبقات وعلى هيئة دائرة غير منتظمة. الطبقة الأولى، واسعة وتتكون من التربة والأحجار الضخمة مع أعشاب وزهور برية. الطبقة الثانية تتكون من الحجر الجيري الطويل، وتشكل جرفا معقدا يصعب على الأطفال تسلقه. الطبقة الثالثة، العليا، عبارة عن منصة ضيقة جدا تشكلت طبيعيا، تمتد من الشرق إلى الغرب. وتبدو عليها آثار ناتئة وآثار ثلاث خطوات، تعيد إلى الأذهان تلك الحكاية الخرافية.

معظم الحكايات الخرافية لها أصول زمنية. يوجد تحت الشرفة الساحرة، كهف طبيعي يسمى بـ"مغارة الخالدين"، ويقول المسنون إن هذا الكهف كان بعمق عشرات الأمتار في السابق، وإن جدرانه نحتت مع الكتب البوذية المقدسة. في الوقت الحاضر، يُغمر الكهف بتيارات تحت سطح الأرض، ولهذا، لا أحد يجرؤ على استكشاف ما فيه، مما يكسبه طابعا من الغموض. وفي أعماق حقول الخيزران، وبالقرب من الكهف، هناك أطلال معبد قديم. وهذا يمكن أن يفسر المعنى الروحاني الأثيري لمنظر هذا الجبل الساحر الهادئ.

أخبار متعلقة
تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي