CRI Online

ترانيم بويا تعود على رقعة قماش

cri       (GMT+08:00) 2015-06-11 15:02:54


السيدة نونغ فنغ مي، البالغة من العمر خمسين سنة، فلاحة ومغنية من قومية تشوانغ بقرية بويا التابعة لبلدة فونينغ في محافظة وينشان الذاتية الحكم لقوميتي تشوانغ ومياو، بمقاطعة يوننان الحدودية. خلال مسح للموارد الثقافية، اكتشف المسؤولون المحليون في منزلها قطعة من القماش تحتوي على رسوم قديمة لواحد وثمانين نصا تصويريا. النصوص المكتشفة عبارة عن مقتطفات من الأغاني الفلكلورية لقومية تشوانغ، التي لم يعد يستطيع غناءها إلا نفر قليل، من بينهم السيدة نونغ؛ المطربة الرئيسية في العروض التقليدية لقومية تشوانغ في مهرجانات أعياد قومية تشوانغ. أصدرت السيدة نونغ العديد من الألبومات الغنائية، وتم اختيارها في عام 2012، ضمن الوارثين الرسميين للتراث الثقافي الصيني غير المادي.

قرية بويا، مجتمع ريفي لأبناء قومية تشوانغ في بلدة فونينغ على الطرف الشرقي لمقاطعة يوننان.كلمة بويا في لغة تشوانغ تعني المنحدر المزين بزهور نبات يا، وهو نوع من الأعشاب المزهرة، يستخدم المحليون عصارته لتلوين الأرز.

الغناء جزء لا يتجزأ من حياة أبناء قومية تشوانغ، ويعكس تفاصيل حياتهم، حيث تنبعث نغماته طوال اليوم تقريبا من بيوتهم المتميزة بجدرانها الطينية الصفراء الداكنة وسقوفها الغامقة، والشرفات الخيزرانية للطابق الثاني منها.

أغنيات العشق على رقعة قماش

بعيدا عن هوايتها في الغناء، لا تختلف حياة نونغ فنغ مي، عن حياة نسوة القرية، من حيث رعاية أفراد أسرتها والاعتناء بالمحاصيل الزراعية. ما يميز السيدة نونغ هو كتاب الأغاني الذي جلب لها الشهرة على مستوى الصين. يتألف الكتاب من قطعة قماش طولها متر وعرضها نصف متر. رقعة القماش التي تحمل واحدا وثمانين نصا، ملونة بمستحلب الصبار لرسم أشكال ترمز إلى القمر، الصخور، الخيزران، أوراق القنب، ومختلف الفواكه والخضراوات، وملابس وأدوات الصيد والزراعة.

كل نص يمثل أغنية حب لقومية تشوانغ، وتروي مجموعة النصوص الكاملة قصص حب نساء ورجال قومية تشوانغ، منذ لحظة لقائهم حتى تتويج العلاقة بالارتباط الأبدي. النصوص هي العبارات التي ذكروها للتعبير عن الحب والإخلاص لبعضهم البعض في المحاورات الغنائية بين الشبان والفتيات، وتتميز بالإيجاز والثبوت، وتساعد على تذكير المغني بكلمات الأغاني. تقدم الأغنيات على شكل حوار موسيقي ثنائي بين شاب وفتاة، بلهجة أبناء قومية تشوانغ. يتراوح طول كل أغنية من أربع جمل إلى عشرات من الجمل التي يتكون معظمها من خمس كلمات. وألحانها مأخوذة من النغمات الفلكلورية المحلية.

ظل هذا الكتاب غير معروف للعامة حتى سنة 2006، عندما قامت السلطات المحلية في بلدة فونينغ بمسح استقصائي عن الثقافة الأصلية. حينها، قام المشاركون بالمسح بسؤال أحد سكان قرية بويا عن غناء بعض الأغاني الشعبية، ولكنه نسي كلام الأغنية، ثم تمكن من مواصلة الغناء بعد أن راجع نصا من رموز غير مفهومة. ثم أخبر القائمين بالمسح، أن ذلك نسخة من كتاب الأغاني الموجود لدى إحدى نساء القرية، واسمها نونغ فنغ مي. جذب هذا التراث الثقافي غير المادي الثمين انتباه المسؤولين عن الثقافة والتراث. توارثت عدة أجيال من عائلة نونغ فنغ مي كتاب الأغاني. قالت السيدة نونغ: "عندما تعلمت هذا النوع من الغناء من جدتي، كانت تقوم برسم هذه الرموز لتساعدني على تذكر كلمات الأغاني. وبمرور الوقت، بدأت أستطيع قراءة قطعة كاملة كأنني أرى لوحة. وكلما أغني، تلمع تلك الصورة في ذهني." وقد سُمي الكتاب فيما بعد بكتاب "أغاني بويا لقومية تشوانغ في بلدة فونينغ".

لغز لم تفك طلاسمه

بعد انتشار خبر العثور على كتاب أغاني بويا، توافد لفيف من الباحثين والخبراء إلى موطن نونغ، لدراسة الكتاب. وقد خلص الباحثون إلى أن النصوص المصورة الإحدى والثمانين، التي تبدو بتشكيلات ثابتة ونطق، ودلالات غنية، مكتوبة برموز بدائية. وبالإضافة إلى استخدامها على نطاق واسع ككتاب عتيق برموز كتابة قومية تشوانغ، توفر هذه النصوص التصويرية القديمة فرصة أخرى للناس اليوم لمعرفة المزيد عن تاريخ ثقافة تشوانغ. وبالتالي، فإن هذه النصوص تحمل قيمة لا تقدر بثمن في البحث في ثقافة قومية تشوانغ وتاريخ لغتها المكتوبة.

وقال بعض اللغويين إن نصوص كتاب أغاني بويا تتجاوز التعريف التقليدي والوظيفي لرموز اللغة المكتوبة، حيث تستطيع احتواء أغنية كاملة، بكلماتها وموسيقاها، وجعلها في نطاق رمز مكتوب واحد. وهذا يشكل دليلا آخر على ثراء وتنوع الثقافات الإنسانية.

ورثت نونغ كتاب الأغاني من جدتها، ولكن أحدا لا يعرف متى ظهر هذا الكتاب إلى حيز الوجود. جميع المواد المستخدمة في كتابته محلية؛ الحبر هو عصير قرمزي من مستخلص الصبار، القلم جزء مأخوذ من قصب الخيزران، وورق كلمات الأغاني منسوج يدوي من قماش محلي.

يواصل المتخصصون البحث فيما إذا كانت نصوص الكتاب - كما تبدو- رموزا لأغاني الحب، أم أنها تشير إلى شيء أكثر رمزية وتعقيدا.

جوقة قومية تشوانغ

بعد ثلاث سنوات من البحث والتدقيق وفك طلاسم الرموز، تم اعتماد كتاب أغاني بويا كمجموعة من إحدى وثمانين أغنية مفردة، ولكنها مترابطة من أغاني الحب بإجمالي 762 بيت شعر. وقد قامت دار القوميات للنشر، بطبعه ونشره عام 2009، ضمن سلسلة "من لغات الأقليات القومية في الصين".

الأغاني مرتبة بشكل تقليدي للمحاورة الغنائية لأبناء قومية تشوانغ. وتبدأ بأغنية اللقاء الأول، وتنتقل لأغنية التساؤل والتعارف، وأغنية الغزل، وأغنية العَهد، وغيرها. بالإضافة إلى حوار الحب والعشق بين الطرفين، تصور الأبيات أيضا الكثير من الحقائق ومناحي حياة أبناء قومية تشوانغ. على سبيل المثال، أغنية واحدة توضح كيفية تمييز المرأة المتزوجة من غير المتزوجة من أسلوب تسريحة شعرها. وأخرى تصور نمط حياة الفلاحين من قومية تشوانغ، حيث تبذر البذور في أول الشهر القمري، عندما تنبت أشجار القيقب، ثم تتم زراعة شتلات الأرز في الشهر التالي، بعد أن تتحول أشجار القيقب للون الأخضر.

أثنى البروفيسور ليانغ تينغ وانغ، الأستاذ في جامعة القوميات الصينية، على كتاب أغاني بويا، لروعة وبلاغة أسلوبه وعباراته. على سبيل المثال، يرمز عود الخيزران للفتاة الرشيقة الرقيقة، وتُشبّه العلاقة والألفة بين العشاق بما بين المياه والسدود، وما بين الماشية والمراعي؛ وتشبه الرابطة بين اثنين من المحبين بقوة خصلتين من خيوط الغزل تتشابكان بإحكام لتشكيل حبل.

وترى تشاو لي مينغ، مديرة جمعية بحوث "نيويشو" (الكتابة النسائية) أن كتابة بويا أقدم من مخطوطات دونغبا، وهي لغة تصويرية أخرى لقومية ناشي. ومن وجهة نظر أدبية، يوجد فيها تشابه كبير مع كتاب الأغاني.

تستطيع السيدة نونغ تقديم أغاني بويا بأربعة أنماط مختلفة. وقالت إنها على دراية أيضا بالأغاني الشعبية الأخرى التي تُقدم في مناسبات مختلفة، مثل العمل في الحقول، تحية الضيوف، الوداع، مراسم الخطبة وشرب نخب الارتباط. وأشارت إلى أنها الصوت والعنصر الرئيسي في جوقة قومية تشوانغ التي تقدم عروضها في مناسبات مختلفة، منها مهرجان الثلاثة المزدوجة (في اليوم الثالث من الشهر القمري الثالث)، ومهرجان لونغدوان، عيد الحب لقومية تشوانغ، وحفلات الزواج، ومراسم الجنائز. وتشارك أيضا في العروض التي تنظمها البلدة والمقاطعات وحكومات المقاطعات، وأصدرت عدة ألبومات غنائية.

وقد بذلت الحكومة المحلية جهودا حثيثة للحفاظ على كتاب أغاني بويا وحمايته كاملا؛ فقامت ببناء مركز تعليمي في القرية وأسست جوقة فنية لكتاب أغاني بويا، عن طريق ضم فناني أوبرا تشوانغ. وتشارك نونغ فنغ مي في هذا المشروع، حيث تقوم بتلقين أغاني الكتاب ومؤلفاته للآخرين. حاليا، هناك أكثر من عشرين من القرويين يمكنهم قراءة وغناء هذه الأغنيات. في عام 2010، فازت الجوقة الفنية لكتاب أغاني بويا بجائزة التميز في مسابقة الغناء التي نظمتها محطة التلفزيون الصينية المركزيةCCTV . وخلال الأسبوع الأول من المهرجان الشعبي لموسيقى القوميات، عام 2014، قدمت الجوقة أربعة عروض في معهد الصين للموسيقى، والمعهد الصيني المركزي للموسيقى، وجامعة القوميات الصينية، وجامعة تشينغهوا، فأثارت حمى أغاني بويا، وألهبت حماس الجماهير في بكين.

قال خه يون فنغ، المشرف الفني للأسبوع الموسيقي، والمشرف على طلبة الدكتوراه في المعهد الصيني المركزي للموسيقى: "الجوقة الفنية لكتاب أغاني بويا أسلوب مبتكر وفعال للحفاظ على هذا التراث الثقافي الذي يجذب اهتمام الجماهير بقوة، ومصدر إلهام لكل من يسعى إلى الحفاظ على مختلف جوانب التراث الثقافي غير المادي وحمايته وتوارثه."

أخبار متعلقة
تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي