CRI Online

ملاكمة تونغبي في شارع نيوجيه

cri       (GMT+08:00) 2015-11-26 09:19:35


تحظى ألعاب الووشو، باعتبارها من المكونات الرئيسية للثقافة الصينية، بإقبال واسع من أبناء الصين من مختلف القوميات منذ قديم الزمان. وقد نشأت أشكال ومدارس كثيرة للووشو، ومع تغير العصور، تحولت ألعاب الووشو من فنون قتالية إلى رياضة لتقوية الجسم والحفاظ على الصحة.

أصبحت كلمة ووشو أو كونغفو معروفة لدى كثير من شعوب العالم، ويربط البعض بين ألعاب الووشو والأديان، حيث اشتهر معبد شاولين البوذي مثلا بأنه "موطن الووشو"، كما نبعت ملاكمة تايجي من الأفكار الطاوية. وبالنسبة لمعظم الصينيين، يمثل الماهر في ألعاب الووشو في الأعمال الأدبية والسينمائية والتلفزيونية، دائما صورة الراهب البوذي أو الطاوي.

الإسلام، وبعد أكثر ألف سنة من وجوده في الصين، ما علاقة المسلمين بالووشو، وما هي أحوال الووشو الإسلامي في العصر الحديث الذي لم تعد فيه ألعاب الووشو مهارات قتالية؟ في منطقة نيوجيه ببكين، وهي أكبر تجمع للمسلمين في العاصمة الصينية، زرنا نادي هواة الووشو بنيوجيه، برفقة السيد يوسف تشانغ بين، الأمين العام للنادي، وهو من الجيل الخامس لملاكمي تونغبي بشارع نيوجيه.

دور أبناء هوي في عالم الووشو

قال يوسف تشانغ بين: "أبناء هوي يحبون ألعاب الووشو منذ القدم، ولهم دورهم في عالم الووشو، خصوصا في شمالي البلاد، حيث كانت تجمعات قومية هوي تشتهر بالأجواء الكثيفة لتدريبات الووشو. ربما يرجع السبب في ذلك إلى قلة عدد أبناء هوي في العصر القديم، وكان معظمهم بائعين صغارا في مجتمع يأكل القوي فيه الضعيف، فبدأ أبناء هوي تعلم الووشو لحماية مصالحهم، بل وحياتهم. بمرور السنين، أصبح التدرب على الووشو من عادات أبناء قومية هوي، إلى يومنا هذا. كان أبناء هوي يتعلمون ألعاب الووشو على يد معلمين من قومية هان، ثم دمجوا فيها بعض أفكار الإسلام أثناء التمرين، فنشأت أساليب كثيرة لألعاب الووشو الخاصة بقومية هوي، ومن أشهرها ملاكمة تشاتيوان، وملاكمة باجي، والمصارعة، كذلك ملاكمة تونغبي التي دخلت إلى شارع نيوجيه قبل أكثر من مائة وخمسين عاما، في أواخر فترة أسرة تشينغ الإمبراطورية."

ملاكمة تونغبي في نيوجيه

وقال تشانغ بين: "منذ فترة أسرة مينغ الإمبراطورية، ذاعت شهرة نيوجيه بفضل معلمي الووشو المسلمين الذين كانوا يعملون في دور "بياوجيوي" (الدور التي تقدم خدمات الحراسة الأمنية في العصر القديم). دخلت ملاكمة تونغبي إلى بكين على يد المعلم لو يون تشينغ في عهد الامبراطور داو قوانغ (1821 – 1850م) لأسرة تشنيغ. وبسبب صرامة نظام اختيار التلاميذ وتعليم مهارة الووشو، لم تكن ملاكمة تونغبي موجودة في منطقة نيوجيه في البداية. بعد سنوات، قبل المعلم شي هونغ يي، وهو أحد التلاميذ الممتازين للمعلم لو يون تشينغ، دفعة من التلاميذ لتعلم ملاكمة تونغبي، بمن فيهم المعلم ما شياو خه، الذي كان المسلم الوحيد بين أولئك التلاميذ، وهو من أبناء هوي في نيوجيه. بعد نجاح المعلم ما شياو خه في الدراسة، بدأ تعليم تونغبي بين أبناء هوي في نيوجيه، وهكذا، غرست ملاكمة تونغبي جذورها في نيوجيه. ويعتبر المعلم ما شياو خه الرائد الأول لهذه الملاكمة في نيوجيه."

ملاكمة تونغبي (تونغ تعني مرتبط وبي تعني الظهر)، نوع من ملاكمة تشانغتشيوان (الملاكمة باليد)، وتتميز بكثرة حركات الذراعين، وسهولة ويسر تحريك ذراعيه في مهاجمة غيره يمنة ويسرة. ويقال إن ملاكمة تونغبي الشائعة في منطقة نيوجيه جمعت حيل الووشو لتكوّن هذه الملاكمة. وقد تدرب أبناء قومية هان عليها، ولكن جذورها تعمقت في منطقة نيوجيه، خلال وجودها منذ أكثر من مائة وخمسين عاما في نيوجيه. بفضل المعلم ما شياو خه، توارث أبناء هوي هذه الملاكة وطوروها حتى أمست ملاكمة خاصة للمسلمين. أبرز سماتها هي مط الوسط ورفع القامة ومد الذراعين للهجوم في اتجاه بعيد، والتقدم بالقدم بسرعة وقوة، وحركاتها السريعة والمتغيرة والسلسة. تفيد ملاكمة تونغبي في تقوية مرونة وصلابة الجزء الأعلى للجسم والذراعين إذا تدربت عليها باستمرار، كما تساعد بصفة خاصة في زيادة مرونة عضلات الكتفين ومدى حركتهما.

بين المحافظة والتغيير

بعد دخول ملاكمة تونغبي إلى نيوجيه، تزايد حب أبناء هوي لها، ودمج المعلمون الكبار بعض الأساليب الخاصة فيها لتحسينها، حتى صارت ملاكمة ذات خصائص قومية هوي. وفقا لتقاليد أوساط الووشو الصينية، وضع ما شياو خه المعايير الخاصة لقبول التلاميذ للتدرب على الملاكمة، ومنها أن يكون التلميذ من أبناء قومية هوي، للحفاظ على انتشار ملاكمة تونغبي داخل أوساط أبناء هوي. قال تشانغ بين: "بشكل عام، رياضة الووشو من الألعاب المحافظة في الصين، فلا يجوز مثلا قبول الفتيات أو الفتيان الذين يحملون أسماء أسر غير أسرهم، وكذلك الحال في ملاكمة تونغبي. وبرغم أن تونغبي ملاكمة خاصة لقومية هوي، لكن علينا أن ننظر إلى الأمر من زاوية ظروف عصرنا الحالي، حيث يزداد التعاون والتنافس بين قومية هوي و إخوتهم من أبناء قومية هان في معظم المجالات. كانت ألعاب الووشو مهارة لكسب الرزق في فترة المجتمع الإقطاعي، ومن ثم ليس من الصعب أن نفهم سبب تحفظ المعلمين المسلمين في نشر الملاكمة خارج أبناء هوي. لم يتغير هذا الحال حتى الجيل الرابع لمتدربي ملاكمة تونغبي، كان والد تشانغ قوي تسنغ واحدا من كبارهم."

بعد ولادة الصين الجديدة، شهد مجتمع الصين تغيرات كبيرة في شتى المجالات، عادت حياة المواطنين إلى درب الطمأنينة والأمن، ولم تعد إجادة الووشو مهنة كما في المجتمع القديم، فانخفضت حماسة المواطنين في التدرب عليها، مقارنة مع ما كان في الماضي. في ظل هذه الظروف الواقعية، واجهت ملاكمة تونغبي تحديات في توارثها بين أبناء هوي الذين لم يكن عددهم في نيوجيه كبيرا في الأصل.

من أجل نشر ملاكمة تونغبي بصورة أفضل وأكثر استدامة، حطم تشانغ قوي تسنغ ومن معه من الجيل القديم عادة اقتصار تعليم هذه الملاكمة على أبناء نيوجيه المسلمين فقط، وفتحوا باب الدراسة لجميع الراغبين في التدرب على ملاكمة تونغبي، وأنشأوا فريق الووشو لمنطقة نيوجيه في عام 1987، ثم تغير اسم الفريق إلى "الجمعية القومية لألعاب الووشو في نيوجيه. كما قام بتأليف الكتب الدراسية لحركات ملاكمة تونغبي الكاملة للحفاظ عليها. وقد انتشرت أقدام تشانغ قوي تسنغ وتلاميذه في معظم أرجاء المدينة، ودرب تشانغ أكثر من خمسمائة فرد على ألعاب الووشو في الشوارع والحدائق مجانا، ويعتبر معظمهم القوة الرئيسية للجيل الخامس الذي ظهر فيه أبناء قومية هان لأول مرة.

ورثة تونغبي في العصر الجديد

بعد وفاة المعلم تشانغ قوي تسنغ في عام 2005، تحمل أبناء الجيل الخامس، ومنهم تشانغ بين، مهمة وراثة ملاكمة تونغبي. قال تشانغ بين: "تعلمت ملاكمة تونغبي على يد والدي منذ صغري. وكطفل مشاغب، أكملت هذه الملاكمة تحت مراقبة صارمة من أبي. بعد تخرجي في الجامعة، عملت في أحد المصانع الوطنية، ولم أفكر كثيرا مثل أبي في أهمية انتشار ملاكمة تونغبي بسبب كثرة مشاغلي وضغوط الحياة. بعد أن توفي والدي، أدركت فجأة بأهمية هذه الرسالة الثقيلة، وأن واجبي هو أن أكمل مهمة والدي لتحقيق أمنيته بنشر ملاكمة تونغبي على نطاق واسع."

استقال يوسف تشانغ بين من وظيفته، وانهمك في تحسين مهارته في ملاكمة تونغبي تحت إرشاد المعلمين المسنين من الجيل الرابع، بفضل أساسه الممتاز، تطورت مهاراته تدريجيا، وحظيت بتقدير الشيوخ الكبار في مجال ملاكمة تونغبي وأوساط الووشو في بكين.

انكب تشانغ بين على إتمام أعمال أبيه التي لم تكتمل، فقام بجمع وتأليف الكتب للمعلومات والسجلات التاريخية لملاكمة تونغبي في نيوجيه، خصوصا السير الشخصية للمعلمين الكبار من الأجيال الأربعة، ومساهماتهم في تحسين حركات تونغبي في نيوجيه. هذا من جهة ومن جهة أخرى، يتخذ تشانغ بين مع تلاميذ أبيه، الجمعية القومية لألعاب الووشو في نيوجيه، باعتبار تشانغ الأمين العام لها، كمنصة متينة لتعليم تونغبي للمزيد من الراغبين والهواة. وقد أنشأ الموقع الرسمي للجمعية على شبكة الإنترنت، وينشر فيه كل المعلومات، لتعميم شهرة ملاكمة تونغبي في نيوجيه إلى أرجاء البلاد، بل والعالم كله.

في سبتمبر عام 2014، وبدعم من إدارة التربية والتعليم بحكومة حي شيتشنغ في مدينة بكين، دخلت ملاكمة تونغبي إلى المدرسة الإعدادية رقم 154، كمادة من المواد الاختيارية للرياضة البدنية. قال تشانغ بين:"دخول تونغبي إلى المدرسة صفحة جديدة في تاريخ تعليم هذه الملاكمة، فقد حصلنا على أفضل منصة لنشر وتعميم تونغبي. يمكن أن نقول إننا تقدمنا على أساس جهود السلف في وارثة هذه الملاكمة وإبرازها."

حاليا، ومع وجود الجيل السادس لمتعلمي ملاكمة تونغبي، يأتي تشانغ بين في صباح يوم الأحد كل أسبوع، إلى حديقة قريبة من منزله في نيوجيه، لتعليم دفعة كبيرة من هواة تونغبي مجانا. لو أتيحت لك الفرصة لزيارة نيوجيه، فلا تفوتك فرصة أن تتعلم من تشانغ بين بعض حركات ملاكمة تونغبي التي أصبحت ثروة مشتركة بين أبناء المسلمين وإخوتهم غير المسلمين.

أخبار متعلقة
تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي