CRI Online

مناظر جسور وأنهار في مقاطعة جيانغسو شرقي الصين

cri       (GMT+08:00) 2016-01-08 14:57:25


عقد الاجتماع الرابع للقادة بين الصين ودول وسط وشرق أوروبا الـ16 في مدينة سوتشو بمقاطعة جيانغسو شرقي الصين يومي 24 و25 نوفمبر الماضي، وبالإضافة إلى نتائج مثمرة حققها الاجتماع، تركت هذه المناظر الجميلة للمدينة انطباعات عميقة لدى العالم.

إن مقاطعة جيانغسو التي تتربع في وسط ساحل الصين الشرقي عند مصب نهر اليانغتسي، واحدة من منارات ثقافة منطقة الضفة الجنوبية لنهر اليانغتسي. تغطي السهول نحو سبعين في المائة من أرضها، بينما تحتل المياه 17% من مساحتها. هذه البيئة الطبيعية الرائعة جعلت منها مركز ثقافة عريقة ثرية، كما جعلتها تحمل عن جدارة لقب "موطن السمك والأرز". اليوم، لا تزال جيانغسو من أسرع المقاطعات تطورا اقتصاديا والأعلى كثافة سكانية في الصين. تعبق أرجاء المقاطعة بأجواء ثقافة قومية هان التي تعتبر جوهر الثقافة الصينية وركيزتها الأساسية. ولا عجب في ذلك، إذ يمثل أبناء قومية هان 64ر99% من سكان المقاطعة. وتجعل شبكة المواصلات المتقدمة في جيانغسو، فضلا عن صناعة السياحة المزدهرة المقصد السياحي الأكثر رواجا بين الصينيين.

مدينة نانجينغ هي عاصمة مقاطعة جيانغسو، وكانت نانجينغ المركز الثقافي لمنطقة الضفة الجنوبية لنهر اليانغتسي في الفترة ما بين القرنين الثالث والسادس. نهر تشينهواي ، هو أحد روافد اليانغتسي. الجزء الذي يمر بمدينة نانجينغ منه يسمى بالنهر الداخلي. ويقال إن أول أباطرة الصين، الإمبراطور تشين شي هوانغ، زاره، ولهذا أخذ اسمه، "تشينهواي". ومنذ القرن الثالث، صارت منطقة نهر تشينهواي المكان المفضل للوجهاء والعائلات النبيلة، وازدهرت فيه التجارة وقصدها الأدباء والمفكرون. بحلول القرن الرابع عشر كانت منطقة نهر تشينهواي بلغت ذروة ازدهارها، فزادت كثافتها السكانية وتزاحمت فيها العمارات والمطاعم والمسارح وغيرها.

شارع شانتانغ في مدينة سوتشو، التي تبعد أكثر من مائتي كيلومتر عن مدينة نانجينغ، هو النموذج الأصلي الذي صُمم على أساسه شارع سوتشو في القصر الصيفي بمدينة بكين. أمر بإنشاء هذا الشارع المقلد في القصر الصيفي حاكم أسرة تشينغ، الإمبراطور تشيان لونغ، ليطفئ لهيب شوق أمه لمناظر سوتشو بعد أن زارتها.

يرجع تاريخ شانتانغ، الذي يحمل لقب "الشارع المشهور الأول في سوتشو"، إلى ألف ومائة سنة ونيف. هذا الشارع ذو الأزقة المتشابكة كان ملتقى التجار لممارسة تجارتهم. مازال شارع شانتانغ حتى وقتنا هذا محتفظا بمعالم الأزقة لمنطقة الضفة الجنوبية لنهر اليانغتسي، ومحافظا على التقاليد والعادات الشعبية الأصيلة في سوتشو. وقد أقيم في الشارع متحف لأزياء منطقة الضفة الجنوبية لنهر اليانغتسي في زمن أسرتي مينغ وتشينغ، فضلا عن مسرح قديم ونادي تينغتشو ودار شاي سوتشو القديمة وغيرها من المعالم. الألوان الرئيسية في هذا الشارع المسكون بالهدوء والوقار، هي الأسود والأبيض والرمادي. معظم البيوت على جانبي هذا الشارع مبنية في عصر أسرتي مينغ وتشينغ.

تأثرت حدائق سوتشو الأنيقة الهادئة بلوحات المناظر الطبيعية الحرة. الألوان الأساسية فيها هي الأسود والأبيض والرمادي مما يعطي إحساسا بالهدوء والراحة ويبرز جمال الزهور والأشجار. في مقالته المشهورة ((حدائق سوتشو))، اعتبر الكاتب المشهور يه شنغ تاو أن حدائق سوتشو أفضل نموذج للحدائق الصينية، وقال إن الحدائق في مختلف أنحاء الصين تأثرت بها. ونصح من يريد التمتع بأسلوب الحدائق الصينية أن يبدأ من سوتشو. وقال يه شنغ تاو إن أبرز ميزة لحدائق سوتشو أنها تبدو لناظرها، من أي موضع بها، لوحة كاملة رائعة. تتميز حدائق مدينة سوتشو، بالحوائط المرسومة والممرات والنوافذ المنقوشة المخرمة وغيرها من العناصر التي تعطي إحساسا بالاتساع والعمق والبعد في الحدائق غير الواسعة.

وفقا للسجلات التاريخية، كان في سوتشو نحو مائتي حديقة كبيرة وصغيرة داخل مدينة سوتشو، مازال موجودا منها بالمدينة حتى الآن أكثر من ستين، من بينها حدائق سوتشو المشهورة الأربع؛ حديقة جوسق تسانغلانغ وحديقة شيتسيلين وحديقة تشوهتشنغ وحديقة ليويوان. وهي جميعا نماذج لفن عمارة الحدائق في الصين بعد القرن العاشر الميلادي، في زمن أسرة سونغ وأسرة يوان وأسرة مينغ وأسرة تشينغ.

حديقة جوسق تسانغلانغ أقدم حديقة في مدينة سوتشو، تحتفظ بعض أجزائها بملامح فن العمارة لأسرة سونغ. تبلغ مساحة حديقة جوسق تسانغلانغ 8ر10 آلاف متر مربع، تتوسطها بركة وجبال. باستخدام النوافذ المنقوشة المخرمة ، تشكل الماء والجبال داخل وخارج الحديقة منظرا متكاملا. العناصر المختلفة للحديقة مثل سطح الماء وشواطئ البركة والتلال الاصطناعية والجواسق والعمارات، تمثل معا كُلا موحدا. الخيزران الأخضر هو الميزة الأكثر بروزا في الحديقة، حيث يوجد بها ما يزيد على عشرين نوعا منه.

حديقة شيتسيلين نموذج لفن عمارة حدائق أسرة يوان. تبلغ مساحتها حوالي ألف متر مربع، وفيها أكبر مجموعة من التلال الاصطناعية القديمة داخل الصين، وتحمل لقب "مملكة التلال الاصطناعية". كثير من تلالها يشبه الأسد. هذه الحديقة مشهورة بمشاهدها الوفيرة وتفردها عن الحدائق الأخرى.

حديقة تشوهتشنغ، وهي أكبر حديقة في مدينة سوتشو، تحمل لقب "الحديقة الكلاسيكية الفخمة"، ولقب "أم الحدائق تحت السماء". مساحتها أكثر من خمسة آلاف متر مربع، مقسمة إلى أربعة أجزاء؛ الشرقي والأوسط والغربي والجزء السكني. البيوت فيها مشيدة بأسلوب العمارة السكنية التقليدية لسوتشو، والآن هذه الحديقة هي مجمع قاعات العرض لمتحف الحدائق. الجزء الأوسط هو درة الحديقة، حيث تقع فيه بركة الماء وعلى جوانب المياه جواسق وبنايات، فتبدو وكأنها عائمة فوق البركة. كما تشتهر هذه الحديقة بكثرة اللوتس بها، حيث تعبق بالرائحة العطرية لزهور اللوتس في فصل الصيف.

حديقة ليويوان تحتل المرتبة الأولى بين حدائق سوتشو القديمة من حيث الإنشاءات. هذه الحديقة التي تغطي ثلاثين ألف متر مربع، تتميز بعشرات الأعمال المعمارية بمختلف الأحجام، ومنها قاعات وممرات وأسوار وبوابات، فضلا عن تلال وبرك وأشجار وزهور طبيعية. فيمكن للزوار أن يتمتعوا بأربعة مناظر مختلفة في حديقة ليويوان، ألا وهي الجبال والحقول الطبيعية والغابة والساحة. وتمثل هذه الحديقة بصورة أساسية فنون تصميم الحدائق الصينية وأساليبها الفنية القديمة.

يرجع تاريخ إنتاج القماش المطرز إلى أكثر من ألف وخمسمائة سنة، حيث يؤرخ لبداية الحرير المقصب في نانجينغ بسنة 417 ميلادية، عندما أقامت إمبراطورية أسرة جين إدارة حكومية خاصة لإنتاجه. واعتبارا من أسرة يوان الإمبراطورية، كان أفراد الأسرة الإمبراطورية فقط لديهم القدرة على اقتناء الحرير المقصب، الذي قيل إنه ثمين مثل الذهب. وكان من العادة أن يُشغل الحرير المقصب بخيوط من الذهب والفضة والنحاس والخيوط الرفيعة والزهور الصغيرة وريش الطيور وشعر الحيوانات وغيرها. على سبيل المثال، يكون اللون الأخضر اللامع في الحرير المقصب الرقيق من ريش الطاووس.

نسج الحرير المقصب يحتاج تعاون فردين على منوال خشبي من الطراز القديم. ويمكن لاثنين من الحرفيين الخبراء أن ينتجا من خمسة إلى ستة سنتيمترات من الحرير المقصب في اليوم. ولإنتاج قطعة عرضها 78 سم 14000 خيط، تتشكل منها الرسوم في عملية لا تقل تعقيدا عن برمجة جهاز كمبيوتر. ولا يوجد حاليا في الصين إلا 50 فردا فقط يجيدون فنون الحرير المقصب.

في متحف الحرير المقصب بمدينة نانجينغ أكثر من تسعمائة قطعة نفيسة من الحرير المقصب، أشهرها نسخة مقلدة لرداء راهب من الشاش الأبيض، يرجع تاريخه لفترة إمبراطورية أسرة هان. هذا الرداء الذي يبلغ وزنه 5ر49 جراما، استغرق إنتاجه ثلاث عشرة سنة واستخدم فيه حرير خمس شرانق فقط.

إذا كان الحرير المقصب يرمز إلى جلال وعظمة الأسرة الإمبراطورية، فإن مطرزات سوتشو تجسد ذكاء ومهارة وبراعة فتيات هذه المدينة الجميلة. في منطقة الضفة الجنوبية لنهر اليانغتسي، التطريز مهارة مهمة لبنات الأسر العادية والنبيلة، وإن كانت المشغولات الفنية لفتيات الأسر الغنية تتميز بلمسات فنية أكثر. تشتهر مقاطعة جيانغسو بإنتاج الحرير منذ قديم الزمان. بعد القرن العاشر الميلادي كان تقريبا كل بيت حول مدينة سوتشو يمارس تربية دود القز والتطريز. وقد تميزت مطرزات سوتشو بدقة العمل وروعة الألوان وبريقها. استوعبت مطرزات سوتشو أساليب مدرسة جنوبي الصين في الرسم، ولذا تسمى "الرسم بالإبرة". في فترة إمبراطورية أسرة تشينغ، كانت تقريبا كل المطرزات التي يستخدمها أفراد الأسرة الإمبراطورية، يصنعها مطرزون من سوتشو. وقد تميزت مطرزات سوتشو، مقارنة مع غيرها من المطرزات، بجمال تصميماتها وروعة أفكارها ودقة صنعتها وبريق ألوانها. تصور مطرزات سوتشو المناظر الطبيعية والصور الشخصية والزهور والطيور بحيوية وجمال. فضلا عن ذلك، تتميز بأن التطريز يكون على الوجهين.

تنتشر لهجة وو ذات النعومة والرقة في النطق في منطقة جيانغسو. لهجة وو من أقدم اللهجات الصينية السبع، ومازالت إلى اليوم محتفظة بالكثير من الكلمات القديمة، ولهذا فإنها تطرب سامعها مثل الغناء الرقيق. ويقال إن الشجار بين اثنين من أبناء سوتشو يكون مثل الحوار بين عالمين مثقفين. وليس غريبا أن لهجة وو هي الأصعب فهما من بين اللهجات الصينية، لدرجة أنه يصعب على الصينيين من غير أبناء مقاطعة جيانغسو أن يفهموها.

أوبر كونتشيوي أفضل نموذج لجمال لهجة وو. كونتشيوي هي أقدم أوبرا صينية، وقد اتخذت اسمها من منطقة كونشان بمقاطعة جيانغسو في القرن الرابع عشر. في القرنين السابع عشر والثامن عشر، بلغت أوبرا كونتشيوي أوج ازدهارها، فقد انتشرت بين المثقفين والنبلاء، وكان التمتع بأوبرا كونتشيوي في الحدائق المنزلية الخاصة المفعمة بالأجواء الثقافية مناسبة سعيدة.

تستجيب كونتشيوي لمشاعر الأدباء الذين ينشدون الراحة والخلاء. كان هناك توافق وتكامل كُلي بين أوبرا كونتشيوي ومزاج واهتمامات جمهورها. في القرن التاسع عشر، ومع صعود البرجوازية الحضرية بدأت أوبر كونتشيوي تتدهور تدريجيا.

قبل تأسس الصين الجديدة سنة 1949، لم يكن في كل الصين فرقة متخصصة لأوبرا كونتشيوي. وفي سنة 2001، أدرجت أوبرا كونتشيوي في قائمة التراث الثقافي غير المادي لليونسكو، فبدأ الصينيون يهتمون بها. وقد عرضت في الفترة الأخيرة بعض مسرحيات أوبرا كونتشيوي التقليدية مثل "قصر الشباب الخالد"، "مقصورة الفاوانيا" و"مروحة زهرة الخوخ"، مما لفت انتباه الناس إلى هذا الشكل الفني الصيني العريق.

حاليا، يمكن التمتع بأوبرا كونتشيوي في مسارح سوتشو، وفي بعض الحدائق المشهورة، بل وفي بعض مقاهي الشاي.

أخبار متعلقة
تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي