CRI Online

الثقافة والفنون الصينية: كاه تسوي لينغ.. حارسة ثقافة يويقو

cri       (GMT+08:00) 2016-01-16 20:01:43


سونان، الواقعة في مدينة تشانغيه بمقاطعة قانسو في شمال غربي الصين، هي المحافظة الذاتية الحكم الوحيدة لقومية يويقو في الصين. فهذه القومية وعلى الرغم أنها إحدى أعرق القوميات الصينية، فإن عدد أبنائها لم يتجاوز ثلاثة عشر ألف نسمة فقط، يستخدمون لغة يويقو غير المكتوبة واللغة الصينية. كانت يويقو قومية بدوية في التاريخ، بعد انتهاء حياة البداوة وتحت تأثير أسلوب الحياة الحديثة، اندثر كثير من عاداتها وأدواتها حتى لغتها الخاصة تدريجيا. لهذا، صارت حماية وتوارث ثقافة يويقو وتقاليدها، الاهتمام الأكبر للسيدة كاه تسوي لينغ، التي تعبر أن أعظم أمنية تراودها هي بناء قاعدة لتوارث ثقافة قومية يويقو الأصلية، لحفظ وتطوير هذه الثقافة في ما بقي لها من العمر.

في الساعة الثامنة مساء، التقينا بالسيدة كه تسوي لينغ فور عودتها من مدينة تشانغيه إلى سونان، فرافقتنا إلى مركز الموروث الثقافي لقومية يويقو الذي تجرى أعمال بنائه. في غرفة مساحتها نحو مائتي متر مربع، يُْعْرض كثير من الملابس والزخارف والأدوات المنزلية لأبناء هذه القومية. وترى السيدة كه أن هذه المعروضات هي حصيلة ما جمعته منذ عشرات السنين. وأن هدفها من إنشاء هذا المركز، هو أن تتاح المزيد من الناس رؤية هذه الأشياء القديمة، ليعرفوا ثقافة يويقو التقليدية.

عن هذه الأدوات التراثية، قالت السيدة كاه: "كل قطعة من هذه المعروضات جمعتها بنفسي. ولكل منها قصة." وخلال الحديث، اتضحت مشاعرها تجاه تلك المعروضات.

ولدت كاه تسوي لينغ عام 1962، في أسرة من قومية يويقو في محافظة سونان. توفي والدها وهي في طفولتها، فتولت أمها تربيتها مع إخوتها. وقالت إن أماه كانت ترعى الماشية، وتقوم بالأشغال اليدوية لتوفير احتياجات لأبنائها، معتبرة أنها أم عظيمة، وتجيد ست لغات، ولكنها تكن مشاعر خاصة لثقافة قوميتها. وقد تأثرت بها كثيرا وكانت هي دافعي لجمع وحفظ هذا التراث".

لم تكن والدة السيدة كه مربيتها فحسب، وإنما تركت تأثيرا بالغا على رؤيتها للعالم والقيم. كانت أمها عندما ترى الأدوات القديمة لقومية يويقو، تخبر أولادها بأسماء تلك الأدوات وقيمتها في حياة أبناء يويقو في الأيام الماضية. وبعد تخرجها من الإعدادية، تركت كه الدراسة وعمرها أربع عشرة سنة لمساعدة أمها في تربية الماشية، بينما تراكمت معرفتها عن ثقافة قومية يويقو وتاريخها. تعلمت الفتاة كه من أمها مهارة التطريز التقليدي. منذ ذلك الوقت، كلما رأت كه تسوي لينغ الزخارف الجميلة في الملابس القديمة، تأخذها إلى المنزل لحفظها، فكان البعض يسخر منها ويسميها بـ"صاحبة النفايات". لكن ذلك لم يكن يعنيها أو يثنيها عما تقوم به.

أحبت السيده كاه الرسم منذ صغرها، ولم يمنعها العمل عن تنمية هذه الهواية، فكانت تتعلم الرسم بنفسها في وقت الفراغ. في عام 1984، حصلت على الجائزة الكبرى في معرض الرسوم الذي أقيم في محافظة سونان. ولهذا السبب، انتقلت كاه إلى مركز الثقافة بالمحافظة، لتعمل هناك، باعتبارها أول امرأة من قومية يويقو تعمل في مجال الرسم والفن. قالت إنها كانت ضعيفة في المستوى العلمي رغم أنها كانت تحلم بإكمال دراستها الجامعية، لكن الأمر كان مستحيلا بالنسبة لها. فلم تكمل سوى المرحلة الإعدادية، ولكنها لم تيأس وواصلت دراستها. شاركت ثماني مرات في الاختبار الوطني للقبول بالجامعات." في عام 1987، التحقت كاه تسوي لينغ بكلية الفنون في معهد الشمال الغربي للقوميات (جامعة الشمال الغربي للقوميات حاليا).

توسعت رؤية كاه تسوي لينغ في المرحلة الجامعية، حيث حصلت على معرفة أعمق بثقافة القوميات، وصارت أكثر وعيا بضرورة إنقاذ وحماية ثقافة القوميات. قالت: "التحقت بالجامعة وعمري كبير، وكنت قد تزوجت وأنجبت طفلا. كانت لدي معرفة عميقة بثقافة القوميات وأشارك دائما في الأنشطة التي تنظمها الجامعة، ودرست كثيرا من المهارات القومية، ولم أتوقف عن جمع تراث قوميتي. كانت الحياة الجامعية فترة هامة بالنسبة لي. درست كثيرا فيها، ونشأ في نفسي الشعور بالأزمة الثقافية، حيث وعيت بأنه مع مرور الزمان وتغيرات البيئة، فإن ثقافة يويقو التقليدية باعتبارها من الثقافات البدوية، تواجه خطر الاندثار".

وبعد التخرج من الجامعة، عادت كاه إلى مركز الثقافة بمحافظة سونان، لمواصلة عملية الرسم. وقد قال لها أستاذها: "إذا ظهر رسام بين أبناء يويقو، فسيكون أنت".

في عام 1999، أعلنت لجنة نصب الألفية ببكين، جمع طواطم لكل القوميات الصينية. بعد أن عرفت كاه هذا الخبر، أبدعت لوحة "الأيل المقدس مع اللؤلؤ" التي تمثل رمزا لثقافة يويقو. حاليا، هذه اللوحة منقوشة على نصب الألفية، لتظل بطاقة خالدة للتعريف بثقافة يويقو المميزة أمام الزوار والمشاهدين.

تركت كاه الرسم بسبب الجمع، معتبرة أن الرسم والجمع يحتاجان إلى المال ولم يكن الوضع المالي لأسرتها يسمح بذلك. بعد تفكير معمق، تركت الرسم من أجل الجمع." لم تندم كاه تسوي لينغ على هذا القرار، فقدراتها الممتازة في الرسم ساعدتها في طريق الجمع في وقت لاحق.

من أجل الجمع، تركت كاه أثر خطواتها في أنحاء المروج التي يسكن فيها أبناء يويقو. كانت إذا سمعت بوجود أدوات قديمة في منزل شخص ما، ذهبت إليه بنفسها، واشترت ما يمكن جمعه، حتى ولو كلفها كل ما تملكه من أموال. وإذا رفض صاحب الأدوات القديمة بيعها، ترسم كاه شكل الأدوات، وتسجل مهارة الصنع.

ذات مرة، سمعت كاه أن راعيا يريد بيع حقيبته المصنوعة من جلد الدب بألفي يوان، ولم يكن لديها سوى 1250 يوانا، وعندما جمعت المال المطلوب كان الراعي قد باع حقيبته لمشتر آخر. رسمت كاه شكل الحقيبة، وصنعت حقيبة مقلدة بجلد البقر. وأكدت أن عدد هذا النوع من الحقائب أصبح قليلا، ومن الصعب أن يوجد في المستقبل، فرسمت شكلها، وصنعت حقيبة تحاكيها، يمكن لمن يراها أن يتعرف على شكلها على الأقل".

رسمت كاه تسوي لينغ في بضعة عشر دفترا كبيرا، كل ما يمكن رسمه، سواء المهارات التي يقوم الفنانون القدامى بتعليمها أو أشكال الأدوات القديمة. وأشارت كاه إلى أنها سترتب هذه الدفاتر والمخطوطات التي تسجل تاريخ ثقافة قومية يويقو.

خلال الثلاثين سنة المنصرمة، جمعت كاه تسوي لينغ آلاف القطع من أدوات يويقو التقليدية. وقد نصحها البعض ببيع هذه الأدوات لتكسب أموالا هائلة تضمن لها ولأولادها حياة رغيدة، ولكنها رفضت. وقالت إنها قد من وصية أولادها بأن لهم الحق في استخدام هذه الأدوات، ولكن لا يحق لهم التخلى عنها. لكون عدد أبناء يويقو أكثر من عشرة آلاف فقط، والأدوات التقليدية قليلة، فإذا تم بيعها فلن تستطيع الأجيال اللاحقة رؤية ثقافة هذه القومية. يويقو قومية على ظهور الخيل، وتغير نمط الحياة ترك تأثيرا كبيرا على أسلوب حياة أبنائها. معظمهم حاليا لا يعرف كيفية نصب الخيمة، وتركوا العربات التي تجرها الأبقار والخيول، فكيف يعرف أبناء يويقو أسلافهم؟ بالطبع، هناك بعض الأشياء اختفت مع تطور العصور، لكن من اللازم أن يحمي ما تبقي من درر ثقافة هذه القومية.

باعتبارها وريثة مهارة نقش يويقو على الجلد التي تمثل عنصرا من التراث الثقافي غير المادي على مستوى مقاطعة قانسو، ومهارة صنع ملابس يويقو التي تمثل عنصرا من عناصر التراث الثقافي غير المادي على مستوى البلاد، تشعر كاه تسوي لينغ بمسؤولية كبيرة أمام حماية ثقافة يويقو وتوريثها.

في عام 2014، وبدعم من الحكومة المحلية التي وفرت لها قطعة أرض مساحتها عشرون ألف متر مربع، أنشأت كاه تسوي لينغ بأموال جمعتها بنفسها، قرية يويقو الأصلية، بهدف الحفاظ على المشاهد الأصلية لحياة يويقو في هذه القرية. وقالت إن معظم أبناء يويقو يتحدثون اللغة الصينية، وأصبح عدد المتحدثين بلغة يويقو في تناقص تدريجي، ولا توجد لغة مكتوبة لقومية يويقو. ولا يمكن هذه اللغة تختفي، وطالبت كاه تسوي لينغ جميع الموظفين في القرية أن يستخدموا لغة يويقو أثناء حواراتهم، كما تنظم دائما بعض الأنشطة ذات الخصائص لقومية يويقو.

أخبار متعلقة
تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي