CRI Online

رحلة الى مدينة دالي --- بين جبل تسانغشان الشاهق وبحيرة أرهاى الفاتنة

cri       (GMT+08:00) 2016-12-08 14:51:53


 

تقع مدينة دالي غربي مقاطعة يونان جنوب غربي الصين، وهى مدينة مدينة تاريخية ثقافية وسياحية رائعة يزورها الناس من كل حدب وصوب. تتميز دالي التي تغطي 29 ألف كيلومتر مربع، بأنها الولاية الذاتية الحكم الوحيدة لأبناء قومية باي في الصين، ويقطنها أبناء ثلاث عشرة أقلية قومية، منها باي ولي وهان ومياو وناشي. هذا التنوع العرقي وما يعنيه من تنوع ثقافي هو أكثر ما يجذب السائحين إليها.

على هذه البقعة العجيبة من الأرض، عاش أسلاف قومية باي قبل أكثر من أربعة آلاف سنة. في فترة أسرة تانغ كانت دالي عاصمة دولة "نانتشاو" وفي فترة أسرة سونغ كانت عاصمة دولة "دالي". وقد ظلت دالي عبر العصور منفذا هاما للتواصل الثقافي والتجاري بين الصين ومحيطها الجنوب شرق آسيوي. وكانت دالي قديما ملتقى طريق الحرير بجنوب غربي الصين مع طريق تشاما القديم، حيث كانت تمر بها قوافل تجار الحرير المطرز الذي تنتجه مقاطعة سيتشوان وشاي بوأر الذي تنتجه مقاطعة يونان في رحلتها إلى الهند وأفغانستان، وكل هذا جعلها عاصمة الثقافة الآسيوية. في سنة ألف للميلاد كانت دالي واحدة من أكبر أربع عشرة مدينة في العالم. ومازالت دالي تحتفظ بثقافات دول آسيا الأخرى وبخاصة الثقافة الهندية.

من أبرز السمات التاريخية لدالي شوارعها المبلطة بالألواح الحجرية والمساكن المبنية بالقراميد السوداء. على جانبي الشوارع الرئيسية عدد كبير من الحوانيت الصغيرة التي تبيع أشياء متنوعة؛ من الباتيك، وهو القماش المصبوغ بالشمع، إلى الفاكهة مع السكر والتبغ المنتج في يونان الخ. وفي دالي سوق لتجارة الأحجار اليشمية، تبيع الأعمال الفنية من الرخام المنتج محليا، ومنها الأدوات المكتبية والمزهريات والمباخر الخ، بالإضافة إلى ذلك تبيع أنواعا مختلفة من الزينات. وقد استقر عدد كبير من المشتغلين بالرسم والموسيقى والسياحة والبناء في هذه المدينة القديمة، ومنهم أصحاب شركات متعددة الجنسيات وفنانون للحرف اليدوية.

بيوت أبناء قومية باي في دالي ديار مستقلة مسورة شبيهة بالدور المربعة في بكين. تتكون المباني التقليدية النموذجية عادة من أسوار وبوابتها والجدار الحاجز والغرف الرئيسية في الواجهة والغرف الجانبية على اليمين واليسار. غير أن المباني التقليدية من هذا الطراز صارت غير مرغوب فيها حاليا، حيث تفضل البنايات الحديثة التي تتكون من طابقين في مبنى مستقل. ومع ذلك لا يقل جمال النقوشات والرسومات الزخرفية في البنايات الجديدة عما في البيوت التقليدية القديمة، بل تبدو أكثر رونقا وبهاءا.

يزخرف أبناء قومية باي بوابة الدار والجدار الحاجز وأبواب الغرف ونوافذها بالنقوش ويزينون جدار الواجهة بالرسوم الملونة. وتعتبر بوابة المبنى أروع جزء معماري في البيت، وتكون في الغالب مكونة من عدة طبقات من "دوقونغ" وأفاريز مرتفعة وزخارف ملونة جميلة كالنحت الصلصالي والنحت الخشبي والنحت الحجري وألواح الرخام والرسم الملون والطوب الأزرق الخ.

النحت الخشبي على الأبواب والنوافذ معظمه من الحفر المخرم والحفر النافر. وتضم موضوعاته حكايات أسطورية ورسومات مباركة مثل الكركي والصنوبر والطاووس الخ. وتبدو الأبواب والنوافذ المطلية بالدهان الأحمر ملساء لامعة وأنيقة. الجدار الحاجز قسم لا غنى عنه في عمارة بيت أبناء قومية باي. يقع الجدار الحاجز في فناء الدار أمام بوابة الدار وعند مدخل القرية. يشيد الجدار الحاجز بالطوب والحجر وتُنقش عليه عبارات التبريك.

تتمتع دالي بطقس مثالي، فلا برد في الشتاء ولا حر في الصيف، ويبلغ متوسط درجة الحرارة السنوي بها حوالي 15 درجة مئوية. ومن مفارقات طقس دالي أن الثلوج تظل متجمدة فوق جبل تسانغشان طوال السنة على الرغم من ندرة سقوط الثلوج هناك. هذا المناخ المتنوع جعل دالي موطنا لثلاثة آلاف نوع من النباتات تشكل بنوك مورثات أحيائية وخاصة للزهور، ويعرف أكثر من مليون فرد في بريطانيا الآن جبل تسانغشان في يونان بالصين لأنهم يزرعون في بيوتهم زهور أزاليا جبل تسانغشان دالي.

الطقس المتميز غرس في نفوس أبناء دالي هواية تربية الزهور. في شوارع المدينة ترى أمام كل بيت غديرا وزهورا، وفي كل شارع قديم ترى المسنين يبيعون الزهور، ليس لكسب المال وإنما للتمتع بمباهج الحياة، فهم يهتمون بتزيين شوارعهم بالزهور أكثر من اهتمامهم بأعمالهم التجارية.

استقر في دالي عدد من الرحالة الأجانب محبي السفر والتجوال، فعندما وصلوا هذه المدينة الرائعة غيروا رأيهم وقرروا البقاء فيها أو عادوا إليها بعد مغادرتها. هؤلاء الأجانب يعيشون حياتهم مثلهم مثل أبناء المدينة؛ يزرعون الزهور ويقرأون الكتب. تبدو دالي كأنها بئر عميق مهما سحبت الماء منه، فإنها لا تنضب أبدا.

من بين المدن الصينية العريقة المتعددة، تبدو المدن الجنوبية مثل امرأة رشيقة دمثة الخلق ترتدي حلة جميلة، بينما تبدو المدن الشمالية مثل رجل ضخم كث اللحية يقوم في الريح الهوجاء على صهوة حصان ممسكا بالسيف. دالي لا تشبه هذه ولا تلك في طبيعتها وإنما تتفرد بسمات خاصة، فهي تجمع بين لين النساء ومروءة الرجال. عندما يشرق الربيع الزاهر على المدينة، تنساب المياه الصافية من ذوبان الثلج على قمم جبل تسانغشان إلى الشوارع المبلطة بالألواح الصخرية الزرقاء، فتكون صورة من مدن جنوب حوض نهر اليانغتسي في شهر مارس. وعندما يكسو ثلج الشتاء الأرض، تعصف الرياح العاتية وترتجف الأعشاب في شقوق طوب أسوار المدينة، فيخيل للمرء أنه في سهول الصين الوسطى. هذه هي دالي، التي جعلت الطبيعة سكانها على الحماسة والترفع، والكرم والترحيب بالأصدقاء وعدم الخوف من الأعداء.

جبل تسانغشان وبحيرة أرهاي من أهم الموارد السياحية لدالي. يكتسي جبل تسانغشان باللون الأخضر، وله تسع عشرة قمة معممة دائما بالسحب البيضاء مثل شريط من اليشم. الجبل به يحتوى أيضا على جدول تشينغبي، الذي تتجمع مياهه من الثلوج الذائبة في قمته، وبه سهل هواديان، وفي الفترة ما بين إبريل ومايو من كل عام تتفتح زهور الأزاليا في أرجائه فيتحول إلى بحر من الزهور. في عام 2004 أصبح مضيق جبل تسانغشان الكبير قاعدة التدريب الصينية لرياضة تسلق الجروف المكشوفة بموافقة الجمعية الصينية لرياضة تسلق الجبال. وذلك بفضل جروفه المناسبة لرياضة التسلق ومناظره الطبيعية الجميلة. بحيرة أرهاي بحيرة هضبية، يسميها أبناء المنطقة هايتسي. بها جزيرة جينسوه وشياوبوتوه وغيرهما. يستمتع زائرها بجولة في قوارب الصيد ووجبة من أسماكها التي تؤكل مسلوقة.

بالإضافة إلى مشاهدها الطبيعية الفاتنة ترك التاريخ لدالي ثروة وافرة من التراث، من أبرزها باغودات معبد تشونغشنغ الثلاث التي يرجع تاريخها إلى ألف عام، وكهوف جبل شيباو الحجرية بجيانتشوان، ونصب دههوا الذي يمجد الوفاق الوطني خلال ألف عام، وشارع شيدنغ الذي يعتبر السوق الأخيرة على طريق تشاما القديم، وأطلال مدينة تايخه والنصب التذكاري لانتصار الإمبراطور يوان شي تسو على دولة دالي وباغودا معبد فوهتو وبيوت قومية باي بشيتشو الخ، الواقعة على سفح جبل تسانغشان وشاطئ بحيرة أرهاي، وهي آثار تمثل تراث فترات تاريخية مختلفة مثل أسرة تانغ وسونغ ويوان ومينغ وتشينغ وجمهورية الصين الوطنية، ودليل حي لتاريخ تطور دالي. لكل هذا تصنف دالي من المدن التاريخية والثقافية المشهورة في الصين ومناطق المناظر الطبيعية الجميلة والمواقع التاريخية المشهورة والمحميات الطبيعية على مستوى الدولة والمدن السياحية في الصين ومن أكثر عشر مدن جاذبية في الصين.

تقع مدينة "دالي" في جنوب غرب مقاطعة يونان وتبلغ مساحتها ستة كيلومترات مربعة. إذا نظرت من جبل "تسانغ شان" على هذه المدينة القديمة، فيمكنك ملاحظة أن تصميم الطرق داخل هذه المدينة يشبه رقعة الشطرنج المنتظمة. وإذا دخلت هذه المدينة القديمة عبر بوابتها العالية القديمة، فيمكن ملاحظة أنها تختلف عن المدن الحديثة وتبدو أنيقة وعريقة حيث تمتد الطرق الصغيرة المعبدة بالأحجار النيلية اللون إلى قلب المدينة والجداول الصغيرة الصافية المياه تسير حول هذه الطرق وجدران المساكن واسقفها مبنية من الحصى النهري النيلي اللون.

إن مدينة "دالي" تقطنها غالبية من قومية "باي" من الأقليات القومية الصينية بصورة رئيسية، ابتكر سكانها طرازا معماريا جديدا عبر الاستفادة من الطراز المعماري التقليدي لقومية هان ودمجه مع خصائص المناخ المحلي وأساليب الحياة وأذواق أبناء قومية "باى". ويسمى هذا النوع من الطزار المعماري باسم " ثلاثة غرف وحائط واحد". وحول هذا الطراز المعماري، يقول أحد المحليين إن "ثلاثة غرف وحائط واحد" تعنى وجود غرفة رسمية واحدة في ساحة المبنى لكل أسرة، وعلى جانبيها غرفتان وحائط واحد يواجه الغرفة الرسمية عند البوابة. وبعد الظهر أو عند غروب الشمس، يعكس هذا الحائط ضوء الشمس إلى ساحة الدار، فتبدو لامعة. وهذا التصميم المعماري يسهم في إضاءة ساحة المبنى.

إن مساكن مدينة "دالي" دقيقة للغاية في التصميم، ويهتم أصحابها بزراعة الأزهار والأعشاب في ساحة المنزل. كلما تتفتح الأزهار في موسمي الربيع والخريف، حيث تصبح شوارع المدينة مفعمة برائحة عطرة في كل مكان. وإلى جانب ذلك، يمكنك أن ترى العادات والتقاليد القديمة في حياة أبناء مدينة "دالي" الحديثة، فمثلا، عادة "شرب الشاي ثلاث مرات" لم تتغير منذ القدم. يحكى أن عادة شرب الشاي ثلاثة مرات هو من مراسم استقبال الضيوف الكرام في مملكة "داه لي" القديمة. وبعد مرور مئات السنين، أصبحت هذه المراسم من عادات الشعب اليومية ويحتفظ السكان المحليون بها جيلا بعد جيل.

عادة "شرب الشاي ثلاث مرات" في مدينة "دالي" تعني أول كوب من الشاي طعمه مر والكوب الثاني طعمه حلو والكوب الثالث طعمه يجعلك تتذكر الكوب الأول والثاني. وأخبرتنا نادلة في إحدى مقاهي الشاي المحلية إن تذوق الشاي ثلاث مرات له تاريخ طويل إضافة إلى الفلسفة العميقة، إذ أن الفلسفة الضمنية داخل "شرب الشاي ثلاث مرات" هي أن الحياة السعيدة لا تأتي بسهولة. ربما تكون الحياة صعبة في البداية، وبعد ذلك، تتحسن يوما بعد يوم وتتحول إلى حياة سعيدة. ويتعين على الشخص تلخيص مسيرة حياته دائما.

والمعروف لدى الزوار أنه توجد أطعمة متميزة في مدينة "دالي"، وهي شهية ولذيذة للغاية تتحلى بخصائص محلية، وتجذب عددا كبيرا من السياح الأجانب للقدوم إليها كل سنة.

أخبار متعلقة
تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي