CRI Online

تجربة حية لمبعوث دبلوماسي الدكتور مصطفى السفاريني

cri       (GMT+08:00) 2010-02-03 13:47:48


السفير الفلسطيني الأسبق لدى الصين الدكتور مصطفى السفاريني

مع بداية عام 2010، لم أجد أفضل من هذه التجربة الجادة والأصيلة لأقدمها لكم. هي تجربة حية لمبعوث دبلوماسي، هي تجربة سعادة السفير الفلسطيني الأسبق لدى الصين الدكتور مصطفى السفاريني. هذه ليست مجرد تجربة، بل هي رحلة كفاح سطرها صديق قديم للشعب الصيني. عاش على أرض الصين أكثر من أربعين عاماً. ولنبدأ رحلة كفاحه منذ البداية، حينما وصل شاب فلسطيني إلى الصين عام 1968، ورغم أنه كان في العشرينات من عمره إلا أنه كان يملك من سعة الأفق ما يكفي ليجعله يصل إلى أعلى المناصب الدبلوماسية، ويحوز على قلوب كل من يراه أو يتعامل معه. وصل دكتور مصطفى السفاريني منذ أكثر من أربعين عاماً إلى الصين. وكان لديه حب استطلاع لكشف أسرار هذه الدولة العريقة. ومنذ ذلك الوقت، ارتبط مصيره ارتباطاً وثيقاً بالشعب الصيني. فقد عشق وتزوج وأنجب في الصين، وعاش وعمل وترعرع وتطور في كنفها وأحضان شعبها، وبالضبط كما ورد في كتابه "أيامي في الصين" حيث قال "دائماً ما اعتبر الصين بلدي الثاني" و"إنني أعشق هذه الأرض الطيبة وأشغف بها".

لقد أتيح للسفاريني الفرصة ليرى جنباً إلى جنب مع أبناء الشعب الصيني كل ما جرى على أرض الصين، وله تأملاته وتفكيره العميق لكل الأحداث الكبيرة التى شهدتها، ودائماً ما يطير فرحاً ويهلل مرحباً بكل نجاح أو تقدم أحرزته.

لا نبالغ إذا قلنا بإنه قد دخل بالفعل قلوب وعواطف الصينيين، ويكن مشاعر الصداقة العميقة للصين والمودة الراسخة لشعبها.

في البداية جاء السفاريني إلى الصين في "دورة عسكرية" حيث أرسلته بلده فلسطين للتدريب مع كوادر من فصائل الفدائيين. كانت مدة التدريب شهوراً عاد بعدها إلى فلسطين ولم يفكر في العودة ثانية إلى الصين، إلى أن رشحه الرئيس "ياسر عرفات" للعمل في بعثة "منظمة التحرير الفلسطينية" لدى الصين إثر اصابة في ظهره جراء القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان، حيث كان على رأس كتائب الفدائيين هناك.

توجه السفاريني إلى الصين للعمل في أول بعثة دبلوماسية للشعب الفلسطيني خارج الدول العربية.

وفي أيامه الأولى بعد بدء العمل بالصين وجد نفسه وجهاً لوجه مع "شو إن لاي" ذلك الرجل العظيم ذائع الصيت، الذي يتعدى الحدود الصينية ويسكن راسخاً في قلوب شعوب العالم، خاصة الشعوب المحبة للعدل والسلام...

"شو إن لاي" الذي وضع مع جواهر لال نهرو أول رئيس وزراء للهند المبادئ الخمس للتعايش السلمي...

تحدث معه "شو إن لاي" رئيس مجلس الدولة الصيني الأسبق في إحدى المناسبات بكلمات، قال عنها السفاريني إنها تركت عظيم الأثر في نفسه، ولعبت دوراً مرشداً في ثقل مستقبله، وكانت خير مُحفز ومشجع له لدراسة اللغة الصينية وإنجاز المهمة التى أوكله بها شعبه وقيادته. ليكون جسراً لتمتين وتعزيز العلاقات الصينية الفلسطينية والعربية.

تعددت اللقاءات بينه وبين رئيس مجلس الدولة الراحل "شو إن لاي" بتعدد النشاطات الدبلوماسية، حتى لقبه بـ"لاو مو" أي الصديق القديم للشعب الصيني. كما لقبه الرئيس الراحل "ياسر عرفات رحمه الله بـ"أبو حديد".

انخرط "أبو حديد" أو "لاو مو" كما لقبه "شو إن لاي" في المجتمع الصيني بشكل كامل حتى أنه كان يذهب للتعلم من الفلاحين والعمال والجنود، وهذا تنفيذاً لتوجيهات الرئيس "ماو" في ذلك الوقت، ولكن كان ذلك يطبق على المثقفين الصينيين فقط، ولكن اختار "لاو مو" أن يذهب في هذه الدورات التثقيفية بإرادته ليتعلم من الفلاحين والعمال والجنود، حيث إن الشهادات العلمية للأكفاء كانت تقرأ من كف اليدين، فكلما كانت خشنة ومشققة كلما كان مستواه العلمي والثقاقي أرقى وأرفع من غيره، حيث اعتبر "النزول إلى الأرياف" متعة كبيرة ومفيدة لاعتبارين، أولهما أنها فرصة لممارسة اللغة صينية، كذلك لأنها فرصة للتعرف على مجريات الأمور والحياة بشكل عملي وعن قرب والتعلم منها. كان انتسابه لجامعة بكين هو بداية اطلاعه على المجتمع الصيني وعلى السياسة الصينية في تلك المرحلة، حتى جرت الصين في عروقه وأصبح انتسابه للجامعة انتساباً للصين لدرجة أنه قاد الطلبة الأجانب في الجامعة حاملاً الرايات الحمراء فور الإعلان عن عودة الصين إلى مكانها الطبيعي الشرعي في هيئة الأمم المتحدة كعضو دائم العضوية في مجلس الأمن الدولي وطرد سلطات تايوان من الهيئات الدولية عام 1971.

أعزائي المستمعين، في عام 1976 وبعد وفاة رئيس مجلس الدولة الأسبق "شو ان لاي" نقل السفاريني من الصين ليتسلم مهام أول سفير لدولة فلسطين لدى "لاوس"، بلد زوجته، حيث تزوج من ابنة وزير الإقتصاد اللاوسي في ذلك الوقت، التي أصبحت فيما بعد أماً لأبنائه الخمسة.

ثم عين كسفير غير مقيم لدى تايلاند، ومع بداية ثمانينيات القرن الماضي عين سفيراً لدى جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية. وعلى الرغم من عمله في كل تلك الدول الصديقة، إلا أن الصين ظلت بالنسبة له المركز الدائم الذي لا يقدر على فراقه لفترات طويلة. لذلك عين من قبل الرئيس الراحل "ياسر عرفات" كسفير لدى جمهورية الصين الشعبية عام 1992.

منذ توليه منصبه كسفير لدى الصين ومنذ اللحظة التي قدم فيها أوراق اعتماده للرئيس الصيني الأسبق "يانغ شانغ كون"، بدأ يبذل قصارى جهده ويكرس كل وقته في خدمة العلاقات الفلسطينية الصينية.

فقد استطاع من خلال الجهود المشتركة للسفراء العرب من إعادة تحريك أعمال مجلس السفراء العرب، على ضوء المبدأ الصيني الداعي إلى "ترك الخلافات جانباً والالتقاء حول النقاط المشتركة"، لذلك أنشأ مع بعض السفراء اللجنة الإعلامية والثقافية العربية الذي كان له شرف رئاستها منذ تشكيلها وحتى انتهاء مهام عمله كسفير لدى الصين. فقد حققت هذه اللجنة نتائج ملموسة على صعيد تفعيل العمل العربي المشترك على الساحة الصينية وعلى الصعيد الثنائي العربي الصيني.

كذلك كان السفاريني باسم "مجلس السفراء العرب" أول من طالب الأمين العام لجامعة الدول العربية "الدكتور عصمت عبد المجيد"، بضرورة إنشاء بعثة دائمة لجامعة الدول العربية في بكين لتنظيم ودفع العلاقات بين الجانبين الصيني والعربي.

انطلاقاً من المصلحة الوطنية الفلسطينية، ومن قناعته المطلقة بأن تطور الصين وازدهارها ودفع تطور العلاقات العربية الصينية يصب بشكل مباشر في هذه المصلحة، وجد نفسه مرتبطاً بهذا الشأن، خاصة أنه العربي الوحيد الشاهد على عظمة التقدم والتغيرات التي شهدتها الصين، وعلى تطور العلاقات العربية الصينية على مدار الأربع عقود الماضية. وانطلاقاً من إيمانه بأهمية وجود مركز عربي يكون همزة الوصل بين العرب والصينيين كي لا يعتمد العرب على المصادر الأجنبية لتعريفهم بالصين، ويعتمد الصينيون عليها لتعريفهم بالعرب، تولدت لديه فكرة تكوين المركز العربي للمعلومات مع ولادة الألفية الجديدة. هذا الجهاز المستقل غير التابع لأي جهة حكومية، يرفع شعار "الحفاظ على العلاقات العربية الصينية فكرة لنا، وضرورة دفعها وتعزيزها مبتغى لنا".

عاصر السفاريني معظم التقلبات السياسية في الصين كما عاصر فترة نهوض الصين من كبوتها الاقتصادية كذلك كان جزءاً لا يتجزأ منها، انخرط في جميع طبقاتها الاجتماعية، كما كان شاهداً على موقف الصين من القضايا الإقليمية والدولية ووقوفها موقف المسؤولية على الصعيد الدبلوماسي.

حصل السفاريني على درجة الدكتوراه في السياسة الدولية من جامعة بكين عام 1991، حيث إنه أول أجنبي يحصل على شهادة الدكتوراه في هذا المجال منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية.

على صعيد العمل كانت له جهود دبلوماسية موفقه في إنقاذ المواطنين الصينيين المختطفين.

عاصر السفاريني فترة "الثورة الثقافية الكبرى" بكل ما فيها من فقر وتخلف، وفترة الإصلاح والانفتاح بكل ما فيها من تقدم ورخاء.

دائماً ما كان يأخذ العبر والدروس التي استقاها لنفسه للمقارنة بين الفترتين اللتين لإزالتا حتى الآن عالَماً يكتنفه الأسرار. ولكونه صاحب قضية عدالتها من عدالة السماء، جاء إلى هذا البلد الصديق حاملاً برنامج عمل وأهداف محددة ولفترة محددة أيضاً، إلا أن الأقدار شاءت بأن يعيش مع هذا الشعب الودود أربعة عقود بحلوها ومرها، وأن يعاصر نموه وتطوره في تجربة رائدة لم يعرف مثلها التاريخ وتربطه بهذا البلد الصديق علاقة تفاعلية لا تنفصم عراها، فكل منهما شاهد على الآخر.

تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي