CRI Online

حياة "مجموعة النمل" في المدن الكبرى

cri       (GMT+08:00) 2010-05-12 16:01:18


"مجموعة النمل" في المدن الكبرى

في كل من ضواحي بكين وشانغهاي وغيرهما من المدن الكبرى الصينية، تعيش حاليا مجموعة كبيرة من الخريجين الجامعيين، لديهم طموحات عالية ولكنهم منخفضو الدخل والمكانة الاجتماعية. فأطلق عليهم بعض العلماء الاجتماعيين إسم "مجموعة النمل". حيث ولد معظمهم في الثمانينات من القرن الماضي، وقد حصلوا على الشهادات الجامعية، لكنهم ما زالوا يبحثون عن فرص العمل، ودخلهم منخفض جدا. وهم يشبهون النمل الشجاع برغم أنه ضعيف وصغير الجسم. ويبذل هؤلاء الشباب جهودا دؤوبة من أجل تحقيق أحلامهم بالنجاح بغضّ النظر عن ظروفهم المعيشية الصعبة حاليا. هيا لنتعرف معا على حياة "مجموعة النمل" وطموحاتهم.

تعمل الآنستان شياو منغ وشياو وانغ في مدينة بكين لأكثر من سنة واحدة بعد تخرجهما من الجامعة، واستأجرتا شقة مع غيرهما من الفتيات، ويقع مسكنهما قريبا من شركتهما. وبرغم أن فترة القيلولة ساعة واحدة فقط عند الظهر، لكن شياو منغ تفضّل قضاء هذه الفترة في مسكنها حتى تتجاذب أطراف الحديث مع رفيقاتها. وفي ذلك اليوم، تناولت غداء بسيطا وهو مكرونة سريعة، ولكنها لم تشعر بصعوبة الحياة. ها هي الآنسة شياو منغ تقول لمراسل إذاعتنا:

" نأكل المكرونة السريعة في بعض الأحيان، كما نتناول الوجيات الفاخرة في الأحيان الأخرى.( وهي تضحك) وأسعار السلع في الضواحي رخيصة نسبيا، وأنفق أقلّ من مائتي يوان صيني فقط للأكل كل شهر. وأتعود على الإقامة في المسكن الجماعي، وأسكن هنا كأنني مقيمة في الجامعة، ولم أشعر باختلاف كبير في هذا الخصوص."

يقع مسكن شياو منغ في حيّ شياو يوي خه بمحافظة هايديان شمال غربي مدينة بكين. ويسكن هناك حوالي خمسين ألف شاب من "مجموعة النمل". وغيّر السكان المحليون ديارهم إلى المساكن الجماعية لتأجيرها إلى طلاب الجامعات. ويمكن وضع أربعة أزواج من الأسرّة العليا والسفلى في غرفة تبلغ مساحتها عشرة أمتار مربعة ليقيم فيها ثمانية أشخاص. وتتراوح تكاليف الإيجار الشهري لكل سرير بين مائتي يوان وسبعمائة يوان.

عرفت شياو منغ رفيقتها شياو وانغ عند البحث عن المسكن، وكلتاهما من أبناء الأرياف وفي نفس العمر. فأصبحتا صديقتين حميمتين حاليا. وقالت شياو منغ إنها لم تشعر بضغوط شديدة في المعيشة بالمقارنة مع المشاكل التى تواجهها في العمل. حيث قالت:

" أنا مضطربة وقلقة في بعض الأحيان. فمثلا، شعرت باضطراب شديد مساء أمس. فرافقتني شياو وانغ لتناول العشاء في المطعم، وتخلّصت من قيود الأمور المزعجة بعد العشاء. وقد عملت لمدة أكثر من سنة، فادخرت بعض الأموال، ولم تطلب أسرتي أموالا مني، فلم أشعر بضغوط شديدة في المعيشة. ولكنني أتحمل عبء ثقيلا في العمل."

وقالت شياو وانغ إنها لا تخاف مشقات المعيشة وأعباء العمل. وفي رأيها، يتعين على الشباب كسب تجاربهم من الحياة. وتثق بأنها ستحصل على نتائج جيدة من مجهوداتها. وبصفتها موظفة جديدة بعد تخرجها من الجامعة، فإن شياو وانغ تتطلع الآن إلى المعيشة اعتمادا على نفسها بدلا من اعتمادها على الآخرين. وقالت شياو منغ إن شراء شقة وسيارة أو تحقيق نجاح متفوق في العمل ببكين وغيرها من المدن الكبرى ما زال حلما بعيد المنال حاليا. لكن شياو منغ تحدوها ثقة بأنها ستبلغ أهدافها المرجوة في المعيشة واحدا تلو الآخر في المستقبل. حيث قالت:

" أعيش ببكين حاليا. وكان هذا حلمي عندما كنت تلميذة صغيرة في موطني. وأعتقد أنه للإنسان قدرة قوية للتكيف مع الظروف المختلفة. لم أشكو للآخرين من الصعوبات والمشقات التى تعرضت لها في معيشتي، بل بالعكس، أنا راضية بظروف معيشتي الحالية ببكين."

وأظهرت تحريات العلماء الاجتماعيين على أن الشباب من "مجموعة النمل" يسكنون بصورة رئيسية في بكين وشانغهاي وقوانغتشو وشيآن وغيرها من المدن الكبرى بالصين، وتجاوز عددهم مليونا، ويعيش عشرهم بالعاصمة بكين حسب تقديرات في غاية التحفّظ. ومعظمهم يواجهون ضغوطا كبيرة للتوظيف، فبقوا في المدن الكبرى للبحث عن المزيد من فرص العمل.

إن الفتى لي ليانغ من أبناء مدينة تشنغتشو الواقعة في وسط الصين، وجاء مع سبعة من زملائه الذين كانوا يقيمون في نفس المسكن بالجامعة إلى العاصمة بكين عقب تخرجهم من الجامعة. ولم يجد عملا خلال الأشهر الأربعة المنصرمة، ولكنه قرر مواصلة إقامته ببكين. وفي رأيه، أنه لا يخاف الصعوبات والمشاقّ في معيشته، لكنه يخاف عدم تلقي اتصالات هاتفية من الشركات التى تقدم للعمل فيها. وقال لي ليانغ لمراسلنا إنه يريد الحصول على وظيفة حتى ولو عمل كمتدرّب في أسرع وقت ممكن. وليست لديه مطالب عالية بشأن الظروف المعيشية.

واختلافا عن غيره من أفراد "مجموعة النمل" الذين يحلمون بالمعيشة في بكين طوال حياتهم، يعتبر لي ليانغ هذه الأيام ببكين مرحلة انتقالية في حياته آملا في تحقيق تطور سلس بصورة أحسن بعد عودته إلى موطنه في المستقبل. حيث قال لي ليانغ:

" جئنا إلى بكين لأن صناعة البرمجيات الكمبيوترية هنا أفضل مما كانت عليه في موطني تشنغتشو، حيث توجد شركات كبيرة تعمل في هذا المجال. وإذا عملت في هذا القطاع لمدة سنتين والتحقت بعد ذلك بإحدى الشركات الكبرى، فيمكنك الحصول على راتب جيد. وفي نيّتي الحقيقية أننى لا أريد الإقامة ببكين طوال حياتي. ربما سأعمل ببكين لمدة ست سنوات فقط، ثم أعود إلى موطني تشنغتشو أو إلى المدن الأخرى. أرى أن مستوى المعيشة في مدينة تشنغتشو ليس منخفضا بالمقارنة مع مدينة بكين، ولكن مستوى الاستهلاك فيها منخفض بكثير."

ومهما كانت طموحاتهم، فإن كل أفراد "مجموعة النمل" يبذلون جهودا دؤوبة لتحقيقها. وكان هؤلاء الشباب يشبهون جيلا ينمو في العسل ويلقّبون بأبناء السماء المدلّلين، ولكن الهالة المعلقة على رؤوسهم اختفت حاليا، ويعيشون كشخصيات صغيرة ويتذوقون مرّ الحياة ومشقات التنافس الشديد في المجتمع.

ستتخرج الطالبة تشن يا مينغ من معهد العلوم المدنية ببكين هذا العام، وتشاهد بأمّ عينيها الظروف المعيشية ل"مجموعة النمل" كل يوم. وسألت نفسها في كثير من الأحيان: " هل سأصبح فردا ضمن هذه المجموعة في المستقبل؟"

" أرى أن مجموعة النمل تواجه صعوبات في معيشتها، وفي بعض الأحيان، أشعر بندم لمغادرة موطني، لأن المعيشة في بيتي أحسن من المعيشة في خارج موطني بلا ريب. لكن، أريد بذل قصارى جهدي لتحقيق أحلامي حاليا. ويقول بعض الناس إن النجاح يعتمد على الحظ، ربما سيقع الحظ الحسن على رأسك عندما تسعى للتغلّب على التحديات الشاقّة في المعيشة. إذن، كيف تحقق نجاحا بدون بذل جهودك؟ لذا، لا مفرّ للشباب من تحمّل المشقات في المعيشة والتعب الشديد في العمل، وهذا أمر طبيعي. ويلزمنا بالسعى للحصول على فرصة مناسبة لتحقيق النجاح."

وكتب الدكتور ليان سي في العلوم الاجتماعية بجامعة بكين مؤخرا كتابا بعنوان ((مجموعة النمل-- الظروف الواقعية للقرى التى يسكن فيها الخريجون الجامعيون بصورة جماعية)) مما يلفت أنظار مختلف الأوساط الاجتماعية ووسائل الإعلام. ومن خلال ذلك، تعرف الكثير من الناس على أحوالهم. وبدأ المجتمع يولي اهتماما أكبر بظروفهم المعيشية.

تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي