CRI Online

الإسلام في الهضبة الثلجية الصينية

cri       (GMT+08:00) 2011-05-20 09:46:17

ترتبط التبت في الأذهان بصورة الهضبة العالية المغطاة بالثلوج والمعابد والباغودات البوذية، ويحسب الناس أن التبت منطقة بوذية خالصة، لا وجود لعقيدة أخرى بها. بيد أن الحقيقة هي وجود آلاف من المسلمين وبعض المساجد في مدينة لاسا وغيرها على أرض التبت.

مناظر الهضبة الثلجية العالية بمنطقة التبت 

دخل الإسلام منطقة التبت قبل أكثر من 300 سنة. ويقال إن كشميريا، اسمه برّ يعقوب، قدم إلى التبت في أواسط القرن السابع عشر، حيث نال حظوة لدى الدالاي لاما الخامس. وذات يوم، كان الدالاي لاما يودع يعقوب قبيل رحلة خروج للدعوة ونشر الإسلام، فتأثر الزعيم البوذي بروح هذا الرجل وإخلاصه، وأصدر أمرا برمي السهام في منطقة جسر لودو في لاسا، ووهب قطعة الأرض التي سقطت بها لمسلمي لاسا ليقيموا فيها ويبنوا مسجدا لهم.

الأربعة آلاف مسلم الذين يقيمون حاليا في لاسا ينقسمون إلى قسمين، حسب اختلاف المنطقة التي جاؤوا منها، فهناك المسلمون الذين ترجع أصولهم إلى أماكن داخل الصين، حيث جاء أسلافهم إلى التبت بغرض التجارة أو التوطن وصارت لهم روابط دم مع التبتيين المحليين عبر الزواج، ويتكلمون لغة التبتين ويلبسون لبساهم، وفي النهاية صارت لهم ثقافة خاصة. وقد جرت العادة على تسميتهم بالمسلمين التبتيين، ومعظمهم يقيمون في حي خبالين في لاسا. أما القسم الآخر، فهم المسلمون الذين ترجع أصولهم إلى نيبال وبوتان وكشمير وسائر مناطق وبلدان العالم، ومعظمهم يقيمون في شارع راوساي، جنوبي معبد داتشاو. ولاشك أن المسلمين وسط هذه البيئة البوذية بذلوا جهودا على مدى مئات السنين للحفاظ على عقيدتهم ونمط حياتهم الإسلامي.

التبت بها ستة مساجد، منها أربعة في لاسا وواحد في شيكاتسي وواحد في تشانغدو. يقع جامع لاسا- التبت الذي يسمى أيضا بمسجد خبالين، بشارع يانخه، وهو الأكبر في التبت. حسب سجلات لاسا التاريخية، بدأ بناؤه سنة 1716 وأعيد بناؤه مع تجديده وتوسعته عام 1793، وأجريت عليه عمليات ترميم متعددة. يقيم مسلمو لاسا صلاة الجمعة والعيدين والمناسبات الكبيرة في هذا المسجد الذي تعلو بوابته ذات السمات التبتية لوحة مكتوب عليها "جامع لاسا – التبت" بالعربية والتبتية والصينية. يضم فناء المسجد ثلاثة صفوف من الغرف، ويتكون المصلى من قاعتين، داخلية وخارجية. على العتبة العليا لباب القاعة الداخلية، لافتة تقدير مهداة للمسجد من الحكومة المركزية الصينية، بمناسبة مرور 25 سنة على تحرير التبت سلميا. كانت قاعة الصلاة في المسجد مبنية بالحجارة والخشب، ومستطيلة الشكل، مساحتها 275 مترا مربعا وبها صفان من الأعمدة الخشبية، كل صف خمسة أعمدة. وكانت الأعمدة والحوائط مزخرفة بنقوش تبتية جميلة. وبها ركن للنساء محجوب بستارة من القماش الرقيق كفاصل بين الرجال والنساء بالمسجد. وكان يؤدي صلاة الجمعة بالمسجد نحو 400 فرد. على يسار قاعة الصلاة، هناك مئذنة مبنية بالحجر ترتفع أكثر من 13 مترا، ثمانية الزوايا، ومكونة من ثلاثة طوابق لكل منها رواق. وأعلاها قبة يتوجها الهلال وهو رمز الإسلام.

في يونيو 2001 افتتح المسجد بعد تجديده وتوسيع بناياته بتكلفة 3 ملايين من تبرعات المسلمين داخل الصين وخارجها. الآن تبلغ مساحته 2600 متر مربع، والمساحة الإنشائية له أكثر من 1300 متر مربع. البنايات الجديدة للمسجد مشيدة بطراز العمارة العربية، وبنيت مئذنة ذات سنام مدبب وقبة مستديرة. أما قاعة الصلاة التي بنيت على مساحة 480 مترا مربعا بالخرسانة المسلحة فمكونة من طابقين، ويغلب عليها اللون الأخضر.

مسجد لاسا الصغير، الذي يسمى أيضا بالمسجد النيبالي الصغير، يقع في شارع روساي في جنوب شرقي معبد داتشاو. وحسب سجلات لاسا التاريخية، بني في عشرينات القرن الماضي بتبرعات من مسلمي لاسا القدامى والجدد القادمين من كشمير وبوتان ونيبال. هذا المسجد الذي تم تجديده سنة 1999، يغطي 500 متر مربع ومبني بالخرسانة المسلحة وله قبة ومئذنتان. قاعة الصلاة به مكونة من طابقين وتواجه الغرب وفي داخلها صفان من الأعمدة المربعة الناصعة البياض. وفي سقفها ثريا جميلة وأرضيتها مفروشة بالسجاجيد الحمراء والبسط التبتية.

في ضاحية لاسا الغربية مكان يسميه أبناء لاسا "حديقة المسلمين"، حيث يوجد مسجدان ومقابر للمسلمين. بوابة الحديقة، التي تبلغ مساحتها 65 ألف متر مربع، على شكل مئذنة. ويحمل الجزء الأسفل من البوابة عبارة مكتوبة باللغتين التبتية والأوردية وهي: "مسجدان ومقبرة". في هذه الحديقة توجد مدافن المسلمين من سكان شارع راوساي، وكانت مقرا للقاء المسلمين القادمين من نيبال وبوتان وكشمير لأداء الصلاة وفي المناسبات المختلفة وقد بني بها أول مسجد في لاسا.

عندما نتحدث عن الإسلام في التبت لا بد أن نشير إلى مدينتي شيكاتسي وتشانغدو.

لم يكن في شيكاتسي مسلمون من قبل، ولكن مع زيادة عدد التجار المسلمين القادمين إليها من كشمير الهندية، وتفضيل بعضهم الإقامة بها مؤقتا أو دائما، صار للمسلمين وجود بالمدينة وبنوا مسجد شيكاتسي، وهو الأعلى فوق سطح البحر في العالم.

خلال السنوات الأخيرة، ومع زيادة أعداد التجار المسلمين القادمين من أنحاء الصين إلى شيكاتسي للتجارة، بني مسجد آخر بإعانة من الحكومة وتبرعات من مسلمي مقاطعتي قانسو وتشينغهاي وسائر أنحاء البلاد. المسجد الجديد الذي بلغت تكاليفه نحو مليون يوان، يرتفع 3900 متر فوق سطح البحر. يقيم في شيكاتسي حاليا إقامة دائمة 11 أسرة تضم 37 فردا.

تقع تشانغدو، وهي أهم مدينة في شرقي التبت، عند ملتقى رافدي تشانسوي وآنغتشسيوي لنهر لانتسانغ، ويبلغ عدد سكانها أكثر من 20 ألف نسمة. هذه المدينة يرجع تاريخها كمحافظة إلى أكثر من مائتي سنة. برغم أن عدد المسلمين بها ليس كبيرا، يوجد في شيكاتسي ثلاثة مساجد، أحدثها بني بتمويل من الحكومة وتبرعات المسلمين، كما تم تجديد واحد من المسجدين الآخرين في شتاء 1991.

ويُعد دخول الإسلام تشانغدو خلال أوائل فترة أسرة تشينغ الملكية التي استمر تاريخها من عام 1644 حتى عام 1911، مع التجار المسلمين القادمين إلى التبت من قانسو وتشينغهاي شمال غربي الصين. والآن مازال في مسجد تشانغدو نصب يحمل اسمه، يرجع تاريخه إلى أوائل أسرة تشينغ الملكية. يوجد في مدينة تشانغدو حاليا 20 أسرة تنتمي لقومية هوي المسلمة، إلى جانب حوالي 200 من المسلمين الغرباء الذين يزاولون التجارة فيها.

تبلغ المساحة الإجمالية لمسجد تشانغدو حوالي 1500 متر مربع ومساحتة الإنشائية 54 مترا مربعا، وقاعة الصلاة به تتسع لما يقرب من 100 مصل. على بوابة المسجد لافتة، مكتوبة بماء الذهب، تعظم الإسلام وأمام قاعة الصلاة شجرة عمرها نحو مائة سنة، تشكل مع البوابة الحمراء لقاعة الصلاة منظرا رائعا.

يبلغ عدد المسلمين في التبت حاليا أكثر من 7 آلاف. وفي السنوات الأخيرة توافد إلى التبت عدد كبير من المسلمين من داخل البلاد، فأضافوا إلى المنطقة حيوية اقتصادية وثقافية وساهموا بقسط كبير في دفع تطور القضايا الإسلامية في ربوعها.

تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي