CRI Online

مسلمات سانيا في العصر الحديث

cri       (GMT+08:00) 2013-06-03 17:28:31

في أقصى جنوبي الصين، قرية صغيرة يقطنها العديد من المسلمين، من بينهم السيدة فاطمة ليو شياو هوا التي تبلغ من العمر ستة وثلاثين عاما. هذه السيدة الصينية المسلمة نموذج للنساء المكافحات، فهي تكرس حياتها لخدمة ورعاية أولادها ومتابعة دراستهم وتدبير شؤون بيتها، بالإضافة إلى إدارتها لشؤون مصنع الملابس الذي تمتلكه. في الشهر الماضي، استوردت فاطمة ليو دفعة من الأقمشة ذات الجودة العالية لتصنيع أفضل أنواع الملابس في مصنعها.

السيدة فاطمة ليو ليست ربة بيت ذكية ومجتهدة وسيدة أعمال ناجحة فحسب، وإنما أيضا مسلمة ملتزمة بمبادئ دينها وتحرص على أداء كل الفروض وتعلم كل الأمور التي تخص الإسلام. فبعد كل صلاة جمعة، تأخذ فاطمة دروسا في تلاوة القرآن في مدرسة اللغة العربية القريبة من بيتها لمدة ساعتين تقريبا، ولا تنقطع عن هذه الدروس مهما كانت مشاغلها. وحرصا منها على أداء كافة الفروض الدينية، تقدمت بطلب للجمعية الإسلامية المحلية لإدراج اسمها في قوائم الحج، فهي تعتزم أداء فريضة الحج عام ألفين وثلاثة عشر، وهي الفريضة والعبادة الأعظم شأنا وأجرا لدى جميع المسلمين. وأوضحت فاطمة لنا أن المستوى المادي الجيد والغنى الذي تعيش فيه حاليا كان حلما يصعب تحقيقه قبل بضع عشرة سنة، وكانت النساء في قريتها غير قادرات على السفر والذهاب إلى الخارج، وبسبب ظروف القرية الصعبة في السابق، لم تكن المسلمات يجرؤن حتى على التفكير في السفر أو تخيل مدى روعة وجمال العالم خارج حدود القرية. لكن، في الوقت الحالي، تحسنت الحالة المادية، وأصبح بمقدورهم السفر وزيارة ما يحلو لهم من مختلف البلدان والمدن في العالم، مثل هونغ كونغ الصينية وماليزيا وغيرها من المناطق والدول.

يعيش معظم أبناء قومية هوي المسلمين في شمال غربي وجنوب غربي الصين، لكن مدينة سانيا الساحلية في مقاطعة هاينان بها تسعة آلاف مسلم ومسلمة من قومية هوي، معظمهم في قريتي هويهوي وهويشين ببلدة فونغهوانغ التي تبعد خمسة كيلومترات عن قلب مدينة سانيا.

حسب الأفكار الصينية التقليدية حول دور الأبوين في الحياة العائلية، فإن المفهوم السائد هو أن "الرجل مسؤول عن شؤون حياة العائلة خارج البيت، والمرأة مسؤولة عن كل الشؤون داخل البيت"، ولكن الأمر مختلف بالنسبة لأبناء قومية هوي في مدينة سانيا في الوقت الحالي، حيث تلعب النساء دورا رئيسيا في المعاملات التجارية والعمل خارج المنزل، مع تمسكهن بالشريعة الإسلامية. كما تتمتع هؤلاء النسوة المسلمات الذكيات المجدات بذكاء متوهج وببعد نظر وبصيرة ثاقبة، وهن حريصات على أن يكنّ عناصر منتجة في المجتمع، ويرفضن التقيد بالبقاء داخل البيت، وأن يحصرن أنفسهن في نطاق العمل المنزلي دون تقديم الخدمات والمساهمة في الحياة العامة. لذا، يرى المرء عند السير والتجول في شوارع سانيا، هؤلاء النسوة يلبسن الحجاب وهن منهمكات في أعمالهن ومنشغلات في أكشاك الفواكه ومتاجر الجواهر والأحجار الكريمة والمطاعم الإسلامية، وبزيهن وأعمالهن يشكلن منظرا وصورة جميلة لمدينة سانيا. قال رئيس الجمعية الإسلامية بمدينة سانيا، إبراهيم ها شاو لين، عن مسلمات هذه المدينة: إن المسلمات في سانيا مميزات وجديرات بكل التقدير والثناء، فهن مخلصات في العبادة، وحريصات على أداء كل الفروض، ويؤدين الصلوات الخمس ويدرسن العلوم الإسلامية وتلاوة القرآن، ويحسنّ العمل وإدارة الشؤون المنزلية، وكذلك يذهبن إلى خارج بيوتهن للعمل، هذه ميزة المسلمين في سانيا.

وأشار إبراهيم ها شاو لين إلى أن تاريخ استيطان أبناء قومية هوي في سانيا يرجع إلى ما قبل أكثر من ثمانمائة سنة. في البداية، كانت حياة المسلمين في سانيا تعتمد على الصيد البحري، فكان رب الأسرة يذهب إلى البحر للصيد، والمرأة هي المسؤولة عن بيع الأسماك، التي يحصل عليها الزوج. وهكذا تطورت عادة ممارسة النساء المسلمات للأنشطة التجارية.

بعد تبني الصين سياسة الإصلاح والانفتاح في نهاية سبعينات القرن الماضي، أصبحت سانيا مدينة سياحية مشهورة بموقعها الساحلي في منطقة ذات مناخ استوائي، وكان لزاما على كل فرد من قومية هوي أن يسعى للاستفادة من هذه الميزة الجغرافية والإسهام في تحقيق التنمية الاقتصادية في المدينة ولنفسه. لذلك، غير مسلمو سانيا نمط حياتهم الذي يعتمد على الزراعة وتحولوا إلى الأنشطة المتعلقة بالسياحة، وتخصصوا في أعمال التصنيع وبيع المنتجات السياحية، بما فيها: اللؤلؤ والبلور، والأحجار الكريمة والفضيات وغيرها من الصناعات اليدوية والمنتجات المحلية والملابس. إضافة إلى أن أبناء قومية هوي فتحوا العشرات من المطاعم الإسلامية الكبيرة وثمانية وعشرين دار ضيافة عائلية في مركز المدينة، وصاروا من أغنى الفئات بين أهالي القرى في سانيا. والجدير بالذكر، أن معظم الذين يشتغلون بهذه الأنشطة الاقتصادية نساء مسلمات.

لا تخفت رغبة نساء سانيا المسلمات في التعلم ولا يقل اهتمامهن في الدراسة المستمرة، بصفتهن الركيزة التي تشكل نصف الاقتصاد المحلي للمدينة. أخبرتنا السيدة سليمة وو شيويه مي، وهي في السادسة والعشرين من عمرها، أنها توقفت عن ممارسة أعمالها التجارية بسبب انشغالها برعاية طفلها الثاني الذي مازال صغيرا لا يتجاوز عمره عاما واحدا، ولكنها رغم ذلك تذهب كل مساء بعد الساعة الثامنة إلى المدرسة الليلية مع صديقاتها، حيث تتلقى دروسا في العلوم الجديدة عن الكمبيوتر والسياحة والقانون وفنون الصناعة اليدوية، لتكون مستعدة لأعمالها التجارية لاحقا بعد أن يكبر ابنها.

حاليا، تبدي النساء المسلمات قدراتهن التي لا تقل عن قدرة وموهبة الرجال في الأعمال والمشروعات التجارية. ومع العمل في مشروع تطوير مقاطعة هاينان لتكون جزيرة سياحة دولية، فإن بنات حواء من قومية هوي، قد وجدن ضالتهن وسبيلهن لتحقيق آمالهن وطموحاتهن الجميلة من أجل تحقيق مستقبل مشرق.

أخبار متعلقة
تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي