CRI Online

البر بالوالدين بالصين

cri       (GMT+08:00) 2015-05-18 09:40:27


دونغ يونغ والحورية


قبل زمن بعيد، كان يوجد شاب اسمه دونغ يونغ الذي يعيش في قرية صغيرة بجنوبي الصين. وكان دونغ يونغ ووالده يعتمد كلاهما على الآخر في حياته منذ الطفولة. وكان هذا الشاب بارا جدا لوالده. وعندما أصيب أبوه بمرض خطير، بذل دونغ يونغ أقصى جهوده لطلب العلاج وأنفق كل ممتلكات الأسرة. وبعد وفاة أبيه، باع دونغ يونغ نفسه لدفن أبيه. وتأثرت السماء بتفرفاته، ووصلت حورية من القصر السماوي إلى الدنيا وزوجته. نسجت الحورية مائة ثوب من الحرير خلال عشرة أيام لسد الديون المتراكمة لدونغ يونغ. لكن، بعد فترة قصيرة، أضطرت الحورية لمغادرة زوجها بسبب هويتها، والطيران إلى السماء، ولن تعود إلى جانب دونغ يونغ أبدا، غير أن القصة بينهما متوارثة في الدنيا جيلا بعد جيل.

رغم أن القصة خيالية، غير أنها تعكس احترام الثقافة الصينية التقليدية في البر بالوالدين.

ولم تتفق قصة دونغ يونغ مع دعوة الشعب الصيني إلى البر بالوالدين فحسب، بل تتفق مضامين الحب فيه أيضا مع رغبة الشعب في السعي وراء السعادة ، الأمر الذي جعلها تحظي بإعجاب الجماهير واحترامهم.

وفي الثقافة الصينية التقليدية، إن المفهوم الأساسي لبر الوالدين هو احترام الوالدين والقيام برعايتهما عندما يصبح الوالدان من المسنين وفقدوا قدراتهم في العمل. وفي هذا الصدد، هناك فرق بين الثقافة الصينية والغربية. ويرى الناس في الدول الغربية أن الوالدين أنجبوا الأطفال وقاموا بتربيتهم، وكل ذلك يعتبر من مسؤولياتهم وواجباتهم، وليس إحسانا ونعمة قدمواها لأبنائهم. وعندما أصبح الناس مسنين، وفقدوا قدراتهم في العمل، فيجب على الحكومة والأجهزة المعنية أن تتحمل مسؤوليات رعايتهم، وليس أولادهم. فإن ذلك هو الفرق بين الثقافة الشرقية والغربية في هذا المجال.


يعتبر العيش بين كل أفراد الأسرة تحت سقف واحد من رموز الحياة السعيدة

مع مرور الزمن، شهدت مضامين الثقافة الصينية في البر بالوالدين تغيرا معينا. وفي الزمن القديم، كان بر الوالدين يعني فعل الأبناء كل ما يريده الوالدان بلا شرط، ولا يستطيع كل واحد أن يعارض والديه. ولكن في الوقت الحالي، طبعا يجب على كل واحد أن يحترم والديه، ويقوم برعايتهما بصورة دقيقة، لكن، يعتبر كل شخص مستقلا، ويجب عليه أن يملك أفكار مستقلة وحرية تامة لاختيار ما يريده. وإذا كان الأمر غير مخالفا للقانون والأخلاق، وليس لأحد الحق في فرض ما يريده على الآخرين، وحتى الأبوان. ويجب على الوالدين أن يعرفا أيضا أن أولادهما ليسوا من ممتلكاتهم الشخصية، فإن بر الوالدين لا يعني الخضع التام لهما.

هناك قول منتشر في الثقافة الصينية التقليدية وهو : لا يسافر الأولاد إلى مكان بعيد، إذا كان والدانهم يقيمان في البيت، الأمر الذي يعتبر أسلوبا للبر بالوالدين. لكن، في الوقت الحالي، يفضل الكثير من الشباب مغادرة والديهم والسفر إلى المدن الكبرى للدراسة والعمل هناك، وبسبب الضغوط الاقتصادية الكبيرة للإقامة والحياة في المدن الكبرى، فلا يستطيع الشباب الذين لم يعملوا لمدة طويلة في المجتمع أن يجلبوا الوالدين من مسقط رأسهم إلى المدينة للعيش معهم من أجل رعايتهم بصورة دقيقة، فهناك المزيد من المسنين الذين يبعدون عن أولادهم ويسكنون لوحدهم. ولكن رعاية المسنين ليست من مسؤوليات أولادهم فقط، بل هي من مسؤوليات اجتماعية للحكومة والأجهزة الاجتماعية المعنية. نقول دائما إن الصين دولة تملك تقاليد احترام المسنين، وتعتبر رعاية المسنين المعتمدة أساسا على العائلات تقليدا متوارثا دام أكثر من ألف سنة، بل تواجه حاليا تحديات عصرية . وقد دخلت الصين إلى مجتمع الشيخوخة، حيث بلغ عدد المسنين الذين تجاوزت أعمارهم 60 عاما 153 مليون شخص، لذلك فأصبح تحسين النظام الاجتماعي والقانوني المتعلق برعاية المسنين ملحا أكثر مما كان عليه الحال في الماضي، بما يمكن للمسنين أن يحصلوا على رعاية أفضل من الحكومة والمجتمع.

لذا عملت الصين على تكملة الضمان القانوني والتركيز على مساهمة المنظمات الاجتماعية في حل مشكلة الشيخوخة وخدمة المسنين. ففي السنوات الأخيرة، وضعت الحكومة المركزية " قانون ضمان حقوق المسنين " وأسست المجلس الوطني لرعاية المسنين واتحاد المسنين الصيني، إضافة إلى تأسيس صندوق التنمية لرعاية المسنين وهيئات التدريس للمسنين وغيرها من المؤسسات المعنية، إضافة إلى تنظيم اجتماعات وندوات في أوقات محددة على مستوى البلاد لمناقشة الأعمال المتعلقة برعاية المسنين. كما ينضم المزيد من الشباب إلى صفوف المتطوعين لمعاونة وخدمة المسنين .


العائلة الصغيرة هي أول اختيارات الشباب الصينيين

ومن ناحية أخرى يشترك المسنون أيضا في كافة النشاطات التي تقيمها المجمعات السكنية، كما ينظمون بأنفسهم الجامعات وجلسات الشعر وفرق الغناء والرقص وحلقات ممارسة الخط والرسم وغيرها من التنظيمات المتخصصة إلى جانب تنظيم الأنشطة الرياضية والسياحة الترفيهية والأعمال التطوعية الاجتماعية التي تناسب المسنين . فإن مضامين الثقافة الصينية في البر بالوالدين قد شهدت تغيرا، غير أن رعاية الأولاد لهما لم تتغير.

يعتبر بر الوالدين من التقاليد الوراثية الجيدة سواء كان ذلك في الثقافة الصينية التقليدية أو في ثقافات الدول الغربية. لأن الوالدين لهما عظمة للأبناء، ومع تقدم أعمارهما، يجب على الأبناء أن يقدموا مثلما كان الوالدان يقدمانه لهم. وإن ذلك ليس أمرا إجباريا، وبل هو جاء من عمق قلوب الناس. وفي التقاليد الصينية، يعتبر العيش بين كل أفراد الأسرة تحت سقف واحد من رموز الحياة السعيدة. وكانت العائلات الكبرى تحظى باحترام أكبر من العائلات الأخرى في العهود القديمة. وإذا كانت العائلة مؤلفة من الأب والأم والجد والجدة، والولد والبنت والحفيد والحفيدة، فتسمى هذه العائلة بعائلة الأربعة أجيال تحت سقف واحد أو عائلة الخمسة أجيال تحت سقف واحد، وتشكيل عائلة كبيرة هو المثال الأعلى فى الحياة والذى تسعى إليه كل عائلة، وإن انقسام العائلة إلى عائلات كثيرة يعتبر تصرفا مخجلا. وتمارس هذه العائلات التقليدية الكبيرة نظام إدارة السلطة الأبوية، وتنقسم العائلة إلى درجات محددة بدقة، ويمتلك رب العائلة سلطة مطلقة في معالجة الشؤون العائلية، ولا يمتلك الجيل الأصغر سنا حق الكلام وحق اتخاذ القرار.

وفي الوقت الحالي، إن العائلة الصغيرة هي أول اختيارات الشباب الصينيين، سواء كانت في المدن أو الأرياف. وتتكون معظم العائلات في المدن من زوجين وولد واحد أو اثنين. ويعتبر ذلك طبيعيا، كما يذهب الأولاد دائما أو على الأقل في نهاية الأسبوع إلى بيت والديهم لزيارتهما والتحدث معهما. ها هو الشكل العائلي الذي تفضله معظم العائلات الصينية في الوقت الراهن.

أخبار متعلقة
تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي