CRI Online

حكاية عالمة صينية قهرت الملاريا واستحقت "نوبل"

cri       (GMT+08:00) 2015-10-26 10:50:13


حصلت العالمة الصينية تو يويو على جائزة نوبل للطب لعام 2015 بالمشاركة مع عالمين آخرين هما الايرلندي وليام كامبيل والياباني ساتوشي اومورا عن منجزاتهم في مجال مكافحة الأمراض الطفيلية والملاريا. العالمة تو عُرفت باكتشافها علاج الارتيميسينين Artemisinin.

ولدت تو يويو في عام 1935، وهي اليوم في الخامسة والثمانين من عمرها وتبدو للناظر إمرأة صغيرة الحجم بشعر أسود قصير تكاد لا تعرف كيف ترد على المجاملات. ولكن ما أن ينتقل الحديث إلى الملاريا والطفيليات والعلاجات حتى تنطلق الكلمات القوية الواثقة.

بدأت تو أبحاثها في ستينات وسبعينات القرن الماضي.

وكانت الحكومة الصينية قد بدأت مشروع علمي برقم 523 لمكافحة الملاريا، وجرب مئات العلماء آلاف المركبات والمواد دون التوصل إلى أي نتيجة.

وفي حالة من اليأس، لجأ العلماء إلى العلاجات الصينية التقليدية وطلبت الحكومة من أكاديمية الطب الصيني التقليدي في بكين تكليف أحد علمائها بالبحث عن علاج للملاريا اعتمادا على الأعشاب.

فاختارت الأكاديمية تو يويو وكانت عالمة في منتصف حياتها المهنية درست الطب الصيني والغربي وكانت مطلعة بما يكفي على الاثنين كي تدرك أن الأمر لن يكن سهلا على الإطلاق.

تقول تو: "عندما بدأت بحوثي، كان آخرون قد اختبروا 240 ألف مركب في الصين وفي الولايات المتحدة دون تحقيق نجاح يذكر".

وبعد فترة قصيرة من انضمامها إلى مشروع 523 ، توجهت تو يو يو إلى مقاطعة هاينان التي تقع في أقصى جنوبي الصين وهي معروفة بانتشار مرض الملاريا فيها وكان هدف الرحلة هو الاطلاع على المرض وأعراضه الأولى وتأثيراته على المصابين. ولكون زوج تو لم يستطع التوجه إلى الريف بسبب عمله في ذلك الوقت، أُضطرت الباحثة تو لترك طفلتها ذات الأربع سنوات في رعاية حَضانة في منطقة سكنها.

غابت تو ستة أشهر وبعد عودتها، لم تتعرف عليها ابنتها وراحت تختبئ من المرأة الغريبة التي جاءت لأخذها. ولم تعبر تو عن ندم على ما حدث إذ قالت: "كانت الأولوية الأولى للعمل ولذا ما كنت لأتأخر عن التضحية بحياتي الشخصية".

وعن رحلتها الطويلة إلى هاينان قالت: "رأيت أطفالا كثيرين كانوا في المراحل الأخيرة من المرض. وكانوا يموتون بسرعة".

درست تو مع 3 مساعدين أكثر من ألفي وصفة شعبية صينية للعلاج. وقاموا باستخراج 380 نوعا من المواد منها وجربوها على الفئران. ثم لاحظوا أن مركبا واحدا نجح في تقليل عدد طفيليات الملاريا في الدم.

هذه المادة استخلصت من نبات الشيح الحلو واسمه العلمي (Artemisia annua) وهي نبتة معروفة ومنتشرة في الصين وتستخدم عادة علاجا للحمى المتقطِّعة التي ترافق الإصابة بمرض الملاريا.

واصل الفريق تجاربا أخرى، غير أن النتائج جاءت مخيبة للآمال. فأعادت تو قراءة الوصفة التقليدية الصينية التي كتبت قبل 1600 سنة وتنص على تنقيع كمية من الشيح الحلو في الماء ثم شرب النقيع.

لكن تو كانت تُغّلي المحلول وبدأت تعتقد أن هذا هو السبب وراء انحسار تأثيره. فقامت باستخدام مُذيب الأثير الذي يغلي بدرجة حرارة 35 مئوية ثم جربت المحلول على الفئران والقرود، فكانت النتيجة ناجحة مائة بالمائة. وقالت تو: "كانت سعادتنا لا توصف في تلك اللحظة. أخيرا تمكنا من إيجاد علاج للملاريا".

ولكن العلاج قد لا ينجح عند استخدامه على البشر وربما يكون له تأثيرات جانبية خطيرة أيضا. وحسما للشكوك، تبرعت يويو بتجريب الدواء على نفسها وانتظرت عدة أيام في انتظار النتائج. ولم تكن هناك أي نتائج عندها، وهي بدأت بتجربته على عمال اصيبوا بالملاريا. وكانت النتيجة أكثر من رائعة إذ انخفضت درجة حرارتهم بعد ٣٠ ساعة فقط واختفت الطفليليات من الدم.

واليوم ما يزال اكتشاف الارتيميسينين مصدر فخر للصين وهو يستخدم الآن لمعالجة ملايين الأشخاص في العالم، وما يزال يستخلص من نوع من النبتة التي تنمو في الصين وفيتنام وشرق إفريقيا. وتجري تجارب عليها حاليا لتحويرها وجعلها تعطي محصولا أكبر.

مع ذلك، ظهرت حالات مقاومة لهذا العلاج في العقد الماضي في كمبوديا رغم أن العلاج ما يزال فعالا، لكنه أصبح يحتاج إلى أربعة أيام بدلا من يومين.

ولمكافحة المقاومة، يستخدم الأطباء الآن ارتيميسينين مع دواء آخر مضاد للملاريا ويعتقدون أن الطفيليات لا يمكنها تطوير مقاومة لدوائين في وقت واحد.

يذكر أن تو يويو حصلت في عام 2011 على أهم جائزة طبية في الولايات المتحدة وهي جائزة لاسكر.

لقي فوز العالمة بجائزة نوبل للطب لعام 2015 إشادات واسعة، حيث وجه رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ رسالة تهنئة لها، وقال فيها إن جائزة نوبل التي حصلت علهيا تو هي دليل على التقدم العلمي والتكنولوجي في الصين، وما يقدمه الطب التقليدي الصيني لصحة الإنسان.

ومنظمة الصحة العالمية هي أيضا كرمت عمل تو، حيث قالت في بيان مكتوب، إن الجائزة تشيد بمساهمة العلم الصيني والطب التقليدي الصيني في علاج الملاريا المعدية وغيرها من الأمراض الأخرى.

تعتبر تو يو يو الصينية الأولى التي تفوز بجائزة نوبل في مجال الطب. وأشادت وزيرة اللجنة الوطنية للصحة وتنظيم الأسرة لي بن باكتشاف تو لمساهمتها في تعزيز صحة الإنسان. وأعربت لي عن تهانيها على هامش المنتدى الوزاري الصيني الإفريقي لتنمية الصحة الذي عقد في كيب تاون في جنوب أفريقيا، حيث قالت:

" تعتبر هذه الجائزة مهمة جدا ليس بسبب قيمتها العلمية الكبيرة فقط، بل بسبب قيمتها للحياة. وقد أنقذت مادة الأرتيميسينين حياة الملايين. الحياة هي القيمة العليا، فمساهمتها في تنمية صحة الإنسان هائلة والملايين يستفيدون منها وهذا هو مجد وفخر للصين. فعلينا أن نتعلم من تو يو يو لمثابرتها على الابتكار التكنولوجي وتوسيع نطاق أبحاثها ولإخلاصها في المساهمة لدفع الابتكار في العلوم الطبية الصينية والتكنولوجيا بشكل أعمق، والاستمرار في توفير الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم."

كما أشادت مختلف شخصيات مختلف الدول والمنظمات الدولية بمساهمة العالمة الصينية تو في إنقاذ حياة الإنسان. وقالت مديرة مكتب الإقليم الإفريقي لمنظمة الصحة العالمية السيدة تشيدي مويتي إن مادة الأرتيميسينين قدمت مساهمة بارزة في تقدم الأعمال الصحية لإفريقيا وحتى العالم بكله، حيث قالت:

"أعتقد أن الأرتيميسينين أثارت تغيرا هائلا على الأعمال الصحية العالمية، حيث تستفيد إفريقيا منها كثيرا، لأن مرض الملاريا يعتبر أكبر قاتل يواجهها أبناء إفريقيا وخاصة الأطفال هناك، بل يقدم العلاج باستعمال الأرتيميسنين مساهمات عظيمة في تقليل نسبة الوفاة للأطفال والحاملين الأفارقة. "

منذ استكشاف الأرتيميسينين، ظل العلماء الصينيون يبحثون الأدوية باستخدام هذه المادة الفعالة لعلاج الملاريا، وقد تم نجاحهم في إبداع الجيل الرابع لدواء الأرتيميسينين المركب عام 2004، والذي بدأ تعميمه في جزر القمر منذ عام 2007، مما ساهم في تقليل نسبة إصابة الإنسان بالملاريا ب98.7 في المائة بعد ثلاثة أشهر من انتشار استخدامه بين الأبناء هناك.

وتجدر الإشارة إلى أن جزر القمر كانت دولة ينتشر فيها الملاريا بشكل شديد. وبعد تعميم "مشروع إزالة الملاريا بالأرتيميسينين المركب" في أنحاء البلاد من عام 2007، شهدت السيطرة على انتشار هذا المرض المعدي هناك تقدما كبيرا، مما ساهم كثيرا في تحسين الحالة الصحية للأبناء وتطوير التنمية الاقتصادية في أنحاء البلاد. وفي هذا الصدد، قال نائب رئيس جزر القمر وهو وزير صحة الدولة أيضا السيد فؤاد موهاجي إنه بذاته يستفيد من هذا المشروع الصحي الذي يجري تحت الرعاية المشتركة لبلاده والصين، حيث قال:

" كان ثلاثة من أفراد عائلتي قد أصيبوا بمرض الملاريا، وكانوا يقيمون في المستشفى كل شهر، حيث كان المبلغ الطبي لكل أسرة هو ستين يورو شهريا تقريبا، غير أن نسبة الإصابة بالملاريا شهدت انخفاضا واضحا بعد تنفيذ هذا المشروع الصحي في جزر القمر من عام 2007، الأمر الذي يعتبر فضلا كبيرا لكل الأسر ببلادنا. وكانت نسبة الإقامة في المستشفى في جزر القمر بلغت 42 في المائة، غير أنها أصبحت صفرا الآن بفضل نجاح تنفيذ هذا المشروع، فإن ذلك يعتبر تقدما كبيرا يتحقق في مجال الصحة وفي التنمية الاجتماعية."

في الوقت الحالي، يتوفي أربعة ملايين وثلاثمائة ألف شخص سنويا في أنحاء العالم بسبب الملاريا، ومن بينهم تسعون في المائة من إفريقيا، ومعظمهم من الأطفال البالغين تحت خمس سنوات من عمرهم، لذا، فإن مهام العلاج والوقاية من الإصابة بمرض الملاريا في إفريقيا تواجه تحديات كبيرة. وسيواصل الأطباء والعلماء الصينيون بذل أقصى جهودهم لإزالة هذا المرض المعدي في كل أنحاء العالم.

أخبار متعلقة
تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي