CRI Online

الصناعات الثقافية الإبداعية قوة جديدة لدفع النمو الاقتصادي

arabic.news.cn       (GMT+08:00) 2016-11-28 09:47:34

الصناعات الثقافية الإبداعية تتمتع بمزايا في دمج الصناعات وفي القيمة المضافة العالية وحماية البيئة، وتحمل مغزى إيجابيا في دفع الاستهلاك وتوسيع التجارة الخارجية وزيادة التوظيف وتعزيز قوة الحشد المجتمعي، فتزداد أهمية مكانتها في الاقتصاد الوطني يوما بعد يوم، باعتبارها قوة محركة هامة للارتقاء بمستوى الصناعات ونمو الاقتصاد الكلي والابتكار العلمي والتقني.

من خلال مسار تنمية الاقتصاد العالمي، نجد أن تنمية الصناعات الثقافية الإبداعية خيارا حتميا لتحويل نمط النمو الاقتصادي، وعلامة هامة لدخول الدولة في المجتمع ما بعد الصناعي، وقد أثبت ذلك تاريخ تطور بعض الدول المتقدمة. على سبيل المثال، فإن بريطانيا وضعت في تسعينيات القرن الماضي سياسات وإجراءات لدفع تنمية الصناعات الثقافية الإبداعية، على خلفية الأزمة التي واجهها قطاع التصنيع آنذاك، واتخذت الصناعات الثقافية الإبداعية كالنقاط الهامة الرئيسية لنهوض الاقتصاد البريطاني، ونجحت في تحقيق هدف دفع نمو الاقتصاد وتخفيض نسبة البطالة.

كما أولت ألمانيا، وهي دولة كبيرة في قطاع التصنيع، اهتماما بالغا بتطوير الصناعات الثقافية الإبداعية التي تبرز مكانتها في الاقتصاد الألماني يوما بعد يوم. خلال الفترة من عام 2009 إلى عام 2012، حققت الصناعات الثقافية في ألمانيا نموا متواصلا. صحيح أن نسبة مساهمة الصناعات الثقافية الإبداعية في نمو الاقتصاد الألماني مازالت أقل من مساهمة صناعة الخدمات المالية وقطاع تصنيع الماكينات وصناعة السيارات وغيرها من الصناعات، ولكنها تجاوزت مساهمة الصناعة الكيماوية وصناعة القطارات، وغيرهما من الصناعات التقليدية.

في سبتمبر عام 2009، أجاز مجلس الدولة الصيني أول خطة خاصة للصناعات الثقافية في الصين وهي ((خطة نهضة الصناعات الثقافية))، فكان ذلك إشعارا بأن الصناعات الثقافية قد ارتقت إلى مستوى الاستراتيجية الوطنية. ووفقا لهذه الخطة، ستعمل الصين على دفع تنمية الصناعات الثقافية الإبداعية، بما في ذلك الابتكار والتصميم الثقافيين وإنتاج الأفلام والمسلسلات التلفزيونية والنشر والتوزيع والعروض والترفيه والمؤتمرات والمعارض الثقافية والإعلام والرسوم المتحركة.

أما الخطة الخمسية الثالثة عشرة فقد أكدت بشكل موسع على هدف جعل الصناعات الثقافية ركيزة الاقتصاد الوطني. هذا يعني أن الصناعات الثقافية الإبداعية ستصبح نقطة جديدة لنمو الاقتصاد الصيني وقوة محركة جديدة لدفع تحويل نمط نمو الاقتصاد والارتقاء بمستوى هيكل الصناعات. وقد صارت الصناعات الثقافية الإبداعية نقطة جديدة لنمو الاقتصاد الصيني.

بعد اندلاع الأزمة المالية العالمية، تعرض قطاع المال وقطاع العقارات، وغيرهما من القطاعات التقليدية لصدمة شديدة، وتراجع معدل نمو الاقتصاد العالمي، وحاولت كل دول العالم تعديل استراتيجية التنمية الاقتصادية والبحث عن نقطة جديدة لنمو الاقتصاد. تتمتع الصناعات الثقافية الإبداعية بمزايا هامة، تتمثل في الدرجة العالية للدمج بين صناعات مختلفة، والقوة الكامنة الكبيرة في الطلب، والقدرة القوية على الابتكار، وكونها ملائمة لتحقيق أهداف "ضمان النمو الاقتصادي وتوسيع الطلب الداخلي وتعزيز التوظيف" في ظل الوضع الطبيعي الجديد.

تنمية الصناعات الثقافية الإبداعية تدفع تحويل نمط نمو الاقتصاد الصيني والارتقاء بمستواه. منذ انتهاج الصين سياسة الإصلاح والانفتاح قبل ثلاثين سنة، حافظ الاقتصاد الصيني على معدل نمو سريع، تجاوز 10% سنويا، وحققت الصين منجزات ملحوظة في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية. كان نمط النمو الاقتصادي المدفوع بالاستثمار والتصدير يتفق مع واقع الصين آنذاك والمتمثل في نقص الإمدادات ومستوى التصنيع غير المرتفع وتكلفة العمالة المنخفضة. وقد لعب ذلك النمط دورا إيجابيا في مجالات دفع نمو الاقتصاد الصيني وبناء وإكمال نظام الصناعة وتحسين ظروف معيشة السكان. ومع تغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية، برزت عيوب هذا النمط الانتشاري للتنمية والمفرط في الاعتماد على التصدير والاستثمار. إن تنمية الصناعات الثقافية الإبداعية تلبي الحاجة إلى تحويل نمط نمو الاقتصاد الصيني والارتقاء بمستوى الصناعات، كما أنها تساعد بشكل فعّال في التغلب على عيوب النمط الانتشاري للنمو الاقتصادي.

العناصر الرئيسية للاستثمار في الصناعات الثقافية الإبداعية هي الموارد والثمار الفكرية، في حين يكون اعتمادها على الموارد المادية محدودا، واستهلاكها للطاقة وتلويثها للبيئة قليلا، فهي صديقة للبيئة ومنخفضة الانبعاثات الكربونية. لقد باتت الصناعات الثقافية الإبداعية جزءا هاما من صناعة الخدمات الحديثة، وتساعد على دفع الارتقاء بمستوى الصناعات المعنية وتنميتها. في مارس عام 2014، أصدر مجلس الدولة الصيني ((المقترحات الخاصة للمشاركة في دفع التنمية المندمجة للثقافة والإبداع والتصميم والصناعات المعنية))، باعتبار أن دفع التنمية المندمجة لصناعات الثقافة والإبداع والتصميم وقطاع التصنيع وقطاعات البناء والسياحة والزراعة والرياضة البدنية مهمة رئيسية. هذا يعني أن تنمية الصناعات الثقافية الإبداعية تسير باتجاه الاندماج في الاقتصاد الحقيقي.

تنمية الصناعات الثقافية الإبداعية يساهم في زيادة حجم الاستهلاك وتعزيز الارتقاء بمستوى هيكل الاستهلاك. النمط الجديد لنمو الاقتصاد الصيني يقوم على جعل الاستهلاك القوة المحركة الأساسية لنمو الاقتصاد وتعزيز النمو المستدام. ولا غرو أن تنمية الصناعات الثقافية الإبداعية بقوة تساعد على توسيع الطلب الداخلي ودفع الارتقاء بمستوى الاستهلاك. وفقا لنتائج مسح أجرته مصلحة الدولة للإحصاء شمل مائة وستين ألف أسرة من سكان إحدى وثلاثين مقاطعة ومنطقة ذاتية الحكم وبلدية خاضعة للإدارة المركزية، تجاوز متوسط زيادة الإنفاق الثقافي للفرد في الحضر والريف 12% خلال الفترة من عام 2011 إلى عام 2014. مع ارتفاع متوسط نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي وزيادة دخل الفرد القابل للإنفاق، سترتفع نسبة إنفاق الصينيين على الاستهلاك الثقافي بشكل متزايد، كما أن المنتجات الثقافية الإبداعية ستدفع الارتقاء بمستوى الهيكل الاستهلاكي للسكان.

تنمية الصناعات الثقافية الإبداعية الصينية تعني إنتاج وتصدير المزيد من المنتجات الثقافية الإبداعية، والمساهمة في إثراء السوق الثقافية العالمية وتعزيز نمو الاقتصاد العالمي، كما أنها تدفع بقوة نحو تطوير تعددية الثقافة العالمية. وفقا لتقرير ((عولمة التجارة الثقافية: التداول الدولي للمنتجات والخدمات الثقافية بين عام 2004 وعام 2013))، الصادر عن معهد اليونسكو للإحصاء في مارس عام 2016، تجاوز إجمالي حجم صادرات المنتجات الثقافية الصينية ستين مليار دولار أمريكي في عام 2013 وشكل 2ر28% من إجمالي حجم صادرات المنتجات الثقافية في العالم. هذا يعني أن الصين أصبحت أكبر دولة مصدرة للمنتجات الثقافية في العالم. ولكن الصين ليست مجرد دولة مصدرة كبيرة للمنتجات الثقافية، فهي أيضا دولة كبيرة في طلب واستيراد المنتجات الثقافية. في عام 2013، بلغ إجمالي حجم استيراد الصين للمنتجات الثقافية 84ر5 مليارات دولار أمريكي، أي ما يعادل 5ر3% من إجمالي حجم تجارة استيراد المنتجات الثقافية في العالم. (انظر إلى الجدول) وفي نفس الوقت، فإن الطلب الكبير والقوة الكامنة الضخمة لسوق استهلاك المنتجات الثقافية الصينية يوفر للمؤسسات الأجنبية فرصا تجارية للاستثمار في الصين. حاليا، يبلغ عدد متوسطي الدخل في الصين نحو ثلاثمائة مليون نسمة، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا العدد في العشر سنوات المقبلة. ومن نافلة القول إن أصحاب الدخل المتوسط يميلون إلى تلقي التعليم الرفيع المستوى والتمتع بحياة ثقافية غنية، ما يجعلهم القوة الرئيسية لاستهلاك المنتجات الثقافية الإبداعية. وفقا لتقرير ((مؤشرات الاستهلاك الثقافي الصيني لعام 2013)) الصادر عن مصلحة الصناعات الثقافية بوزارة الثقافة الصينية وجامعة رنمين الصينية، يصل الحجم الكامن للاستهلاك الثقافي في الصين إلى 7ر4 تريليونات يوان (الدولار الأمريكي يساوي 7ر6 يوانات)، مقارنة مع تريليون يوان فقط حاليا، ما يعني وجود مجال واسع لزيادة الطلب. بفضل القوة المحركة من الطلب الكبير ودعم السياسات التفضيلية، ستصبح الصناعات الثقافية الإبداعية نقطة جديدة لنمو اقتصاد الصين في ظل الوضع الاقتصادي الطبيعي، وستجلب فرصا تجارية كبيرة للمؤسسات الثقافية الصينية والأجنبية.

تشهد الصين حاليا ظواهر جديدة، الملمح الرئيسي لها هو اختيار عدد متزايد من الصينيين مشاركة الآخرين في حياتهم الاجتماعية والاقتصادية. من هذه الظواهر استخدام تطبيقات سيارات الأجرة مثل أوبر (uber) وديدي (didi)، لاستخدام السيارة معا وتقاسم الأجرة. وفي سفرهم، يستخدمون تطبيق Airbnb الذي يتيح للأشخاص عرض مساكنهم للإيجار والإقامة في أماكن أخرى. الأكثر من ذلك، أن البعض يستقدم طهاة ماهرين لطبخ الأطباق المنزلية لهم في بيوتهم. تحظى هذه التطبيقات أو المواقع على شبكة الإنترنت بإقبال واسع عند الصينيين، وخاصة الشباب، لأن أسعار الخدمات التي يحصلون عليها عبر تطبيقات الإنترنت أقل كثيرا من حجز سيارات الأجرة والفنادق بالطريقة التقليدية. على سبيل المثال، يبدأ عداد الأجرة لسيارة التاكسي العادية في بكين بثلاثة عشر يوان (الدولار الأمريكي يساوي 7ر6 يوانات)، يضاف إليها يوانان ونصف لكل كيلومتر، في حين لا تزيد أجرة سيارات شركة أوبر أو ديدي عن ستين في المائة من أجرة التاكسي العادي. في الحقيقة، هذه المنصات على الإنترنت تقوم بدور العرض والطلب فقط، وليس لديها سيارات أو فنادق. وبفضل هذه التطبيقات، يتغير أسلوب حياة الناس بشكل تدريجي، حيث يتشارك الناس في استخدام ممتلكاتهم لتخفيض نفقات المعيشة الأساسية.

هذه الظواهر الجديدة تجسد بزوغ اقتصاد المشاركة في الصين. يقوم اقتصاد المشاركة أو الاقتصاد التعاوني أو اقتصاد التقاسم على فكرة تقاسم الخدمات والأصول والموارد المادية والبشرية بين مختلف الأشخاص والمؤسسات العامة والخاصة. حقّق اقتصاد المشاركة نجاحا كبيرا في جذب المستهلكين الصينيين في السنوات الأخيرة، وسمح لهم بالوصول السريع إلى المنتجات والخدمات التي يرغبونها. وفي الوقت نفسه، تتنافس هذه الشركات الجديدة مع الشركات التقليدية في أسواق جديدة خاصّة، لدرجة أنها تشكل ضغطا كبيرا على الشركات التقليدية في بعض المجالات.

يعد اقتصاد المشاركة نموذجا جديدا يختلف عن النظام الرأسمالي التقليدي الذي يرتكز على الملكية الفردية. ومن أبرز سمات هذا الاقتصاد الجديد أن "قيمة المشاركة" في المنتجات والأصول تحل محل "قيمة التبادل" القديمة. عندما يعتاد الناس على استخدام منتجات وخدمات ليست مملوكة لهم فإنهم في الحقيقة يطبقون قيمة المشاركة. بدأت هذه الفكرة في فترة الأزمة المالية التي شهدتها الدول الغربية، لأن الناس باتوا يشعرون بأنهم يمتلكون أكثر من حاجتهم. في ذلك الوقت، بدأ التفكير في تأجير الغرف الزائدة في المسكن، وتأجير سياراتهم التي لا يستخدمونها.

خلال منتدى دافوس الصيفي لعام 2016 الذي أقيم في مدينة تيانجين الصينية، قال مؤسس تطبيق أوبر، السيد ترافيس كالانيك، إن حجم اقتصاد المشاركة في الصين وصل إلى ثلاثمائة مليارات دولار أمريكي، ومن المتوقع أن يواصل الزيادة بسرعة بنسبة حوالي أربعين في المائة في السنوات الخمس المقبلة. إذا صح ما قاله ترافيس كالانيك، سوف يحتل اقتصاد المشاركة عشرة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للصين بحلول عام 2020.

يهتم اقتصاد المشاركة بالثقة المتبادلة بين الغرباء. فعندما تختار خدمات اقتصاد المشاركة فإنك تثق ثقة كاملة في شخص غريب؛ فأنت تأكل من طبق أعده شخص غريب وتنام في فراش شخص غريب في مدينة غريبة. أصبح اقتصاد المشاركة امتدادا للتواصل الاجتماعي على الإنترنت، وتوفر شفافية شبكة الإنترنت أساس الثقة المتبادلة أثناء هذه المسيرة.

اقتصاد المشاركة يتطلب من الفرد أن يقدم رقم بطاقة الائتمان الخاصة به أو رقم بطاقة هويته الشخصية للتحقق من قدرته على الدفع. وبعض الهيئات والشركات تضع معايير معنية لتقدير مستوى الائتمان للأفراد. وعلى سبيل المثال، تقوم مجموعة نملة للخدمات المالية التابعة لمجموعة علي بابا بتقدير مستوى الائتمان وفق سلسلة من المعايير، فمنها "مستوى السمسم" الذي يتراوح بين 350 درجة و950 درجة، باعتماد على سجلات البنوك. المستهلك الذي يحقق درجة عالية حسب هذا المعيار، يحصل على مزايا معينة في بعض المناسبات. على سبيل المثال، من يحقق أعلى من 750 درجة، يمكنه استخدام ممر الخروج السريع في مطار العاصمة ببكين، والإعفاء من رسوم الإقامة عندما ينزل في بعض الفنادق.

صار اقتصاد المشاركة مألوفا على نحو متزايد بين الصينيين. وحسب ((تقرير تنمية اقتصاد المشاركة في الصين عام 2016)) الصادر عن المركز الوطني للمعلومات، يواكب تطور اقتصاد المشاركة رقمنة المجتمع وعصر المعلوماتية. وسوف يزدهر اقتصاد المشاركة أكثر فأكثر في السنوات المقبلة على الأرجح، ولن تقتصر مجالاته على استئجار السيارات أو الشقق، بل سيشكل نمطا جديدا لحياة الناس. هناك خمس سمات لتطور اقتصاد المشاركة الصيني، هي: توسع نطاقه وتنوع مضمونه؛ والتنافس الشديد بين شركات تقديم خدمات اقتصاد المشاركة؛ ودفع تحول نمط الشركات التقليدية؛ والحاجة الملحة إلى نظام مراقبة جديد؛ والانفتاح ومواكبة تطور مجتمع المعلومات. ويشير التقرير إلى أن التطور السريع سوف يتضح أكثر في المستقبل في مجالات النقل والمواصلات، والسكن، والتمويل، والتعليم، والخدمات المنزلية.

كما أشار التقرير إلى أن اقتصاد المشاركة يجلب للشركات التقليدية فرصا وتحديات في ذات الوقت. ويبقى أن نترقب بشوق ولهفة ما الذي سوف يقدمه لنا هذا النوع الجديد من الاقتصاد.

أخبار متعلقة
تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي