نشرت بعض وسائل الإعلام الغربية خلال الاسبوع الماضي بعض التقارير حول أحداث الشغب التي وقعت في التبت في ال14 من هذا الشهر، لكن بعضها لفق وشوه الحقائق، الامر الذي خالف المبادئ الصحفي المتمثلة في الدقة والموضوعية والنزاهة، وأثار ذلك أيضا شكوك المجتمع الدولي في مدى مصداقية وسائل الإعلام هذه وموضوعيتها.
نشرت شبكة BBC البريطانية في ال17 من الشهر الجاري على موقعها الالكتروني تقريرا يحمل عنوان " تبتي يتحدث عن أعمال الشغب المتواصلة في التبت"، واستخدمت صورة تبين رجال الشرطة والامن العام بالتبت يساعدون العاملين الطبيين على نقل المصابين خلال أعمال الشغب إلى داخل سيارة إسعاف، لكن الشرح المبين أسفل الصورة ذكر وجود الكثير من العسكريين في التبت، وتجاهلت تماما الكلمتين الصينيتين الواضحتين على السيارة بمعنى " اسعاف". أما التقارير التي نشرتها صحيفة التايمز البريطانية وغيرها من وسائل الإعلام الغربية فتكثر فيها كلمات مثل " القمع العسكري" و"السيطرة بالقوة" و" مقتل مئات التبتيين"، تجاهلت تماما جوهر وحقائق أحداث الشغب في التبت.
ونشرت صحيفة برلين الصباحية على موقعها الالكتروني صورة حول إنقاذ رجال الشرطة التبتيين أشخاصا مهاجمين من قومية هان، لكن الشرح المبين أسفل الصورة ذكر أن رجال الشرطة يعتقلون أشخاصا من قومية التبت. أما محطة تلفزيون فوكس الامريكية فنشرت على موقعها الاكتروني صورة تقول إن العسكريين الصينيين يرغمون المتظاهرين التبتيين على الصعود إلى سيارة شحن، غير أن الصورة بينت بوضوح أن العسكرين هم رجال شرطة هنود، كما وصف تلفزيون "NTV" الألماني أيضا هذا الحدث بأنه حدث وقع حديثا في التبت.
وأعرب العديد من الصينيين داخل الصين وخارجها عن سخطهم ازاء هذه التقارير غير المتطابقة مع الحقائق، مشيرين إلى أن هذه التقارير كشفت أن وسائل الإعلام الغربية تبنت فكرة مسبقة ازاء الصين، وتساءل كندى صينى الأصل في مقال نشره على شبكة الانترنت: رمى متمردون أحجارا على الابرياء حتى قتلوا بعضهم، أ ليس تلك جرائم تنتهك حقوق الآخرين؟
وفي بريطانيا، يشك بعض الناس فيما ورد في التقارير الملفقة حول " القمع العسكري" والسيطرة بالقوة" و" مقتل مئات التبتيين". وكتب أحد متصفحي الانترنت في تعليقه حول أحد هذه التقارير: ان القول بأن أهالي قومية هان يرفضون العيش مع التبتيين ليس صحيحا، وفي الواقع، يعامل أهالي قومية هان التبتيين مثل اخوانهم.
وأعرب الصحفي البريطاني جيمس واين الذي سبق له أن زار التبت وبكين لتغطية الأخبار أعرب عن خيبة أمله ازاء تقارير وسائل الإعلام البريطانية حول أحداث الشغب في لاسا، مشيرا إلى أن بعض زملاء المهنة غير متخصصين، وحسبما عرفه من أصدقائه التبتيين، فإن العسكريين الصينيين لم يقوموا بقمع المتظاهرين التبتيين مثلما ذكرته وسائل الإعلام البريطانية، مضيفا أن العديد من الصحفيين البريطانيين لم تكن لهم معرفة سابقة بالتبت، مؤكدا أنه اذا لم يعرفوا التبت جيدا، فلا يستطيعون طرح آراء بناءة.
وفي ألمانيا، يواصل بعض السياسيين ووسائل الإعلام التعاطف مع عصبة الدالاى لاما، وغالبا ما تنتقدون الصين فيما يتعلق بقضية التبت. وكان اجتماع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مع الدالاى لاما في سبتمبر عام 2007 قد أثر كثيرا على العلاقات الصينية الألمانية. وفي هذه المرة، تقف كل وسائل الإعلام الألمانية إلى جانب المتمردين التبتيين، واعرب مهندس ألماني يعيش في هامبورج عن استيائه ازاء ذلك، وتساءل: كيف تأكدت وسائل الإعلام من أن أحداث الشغب لم يثرها المتمردون في التبت؟
خلال اليومين الماضين ، ظهرت أصوات موضوعية عبر بعض وسائل الاعلام الغربية . حيث نشرت صحيفة " تايمز " البريطانية فى ال 19 شهر مارس مقالا بعنوان : السياح يصفون دهشتهم ومخاوفهم إزاء أعمال الشغب التى وقعت فى منطقة التبت مؤخرا . وذكر المقال إن السياح الذين غادروا منطقة التبت كانوا يشعرون بالدهشة والخوف الشديدين وخاصة حينما رأوا أن المتمردين التبتيين يهاجمون أبناء قومية الهان برشقهم بالحجارة . و فى مقابلة صحفية أجرتها هذه الصحيفة مع السيد بارسغ هو سائح سويسرى ، وصف لنا السيد بارسيغ جميع أعمال الشغب التى وقعت فى شارع " با لانغ " قرب معبد " دا تشاو " بمدينة لاسا قائلا إن 7 أو 8 أشخاص من أبناء قومية الهان كانوا يتعرضون للهجوم بالحجارة و قبضات التبتيين.
وأجرت وكالة الصحافة الفرنسية مقابلة صحفية مع كين وود الطالب الجامعى الكندى البالغ من العمر 19 عاما . وتذكر وود قائلا إنه كان يتجول قرب معبد " دا تشاو " فى اليوم الذى وقعت فيه أعمال الشغب . ورأى أن المتمردين التبتيين أوقفوا الحافلات و الدرجات النارية ، وأصبحت جميع العربات التى تحمل علامات مكتوبة باللغة الصينية أهدافا لهجوماتهم . وأضاف وود أنه رأى فى ال14 من مارس ، حوالى 4 أو 5 أشخاص من تبتيين كانوا يضربون شخصا من قومية الهان بصورة قاسية حتى ألقوه على الارض وحطموا رأسه بالحجارة . وقال وود أنه يعتقد أن هذا الشخص لقى مصرعه فى ذلك الوقت . مشيرا الى أنه لم ير أى تبتى يتعرض للهجوم .
وذكرت صحيفة " لوس انجليس تايمز " الامريكية أن تبتى أسمه زاسدوجى يدير مقاه وفندقا صغيرا فى مقاطعة يوننان . كان السيد زاسدوجى ينظم رحالات سياحية الى منطقة التبت . ولكن بعد وقوع أعمال الشغب فى مدينة لاسا ، توقفت أعماله التجارية . وقال زاسدوجى للصحيفة إنه تبتى و يشعر بالدهشة لما حدث فى مدينة لاسا . مشيرا الى 90% من أبناء منطقة التبت يعارضون أعمال العنف هذه. وذكرت هذه الصحيفة أن زاسداجى هو بوذى .
ونشرت مجلة " دير شبيجل " الالمانية فى طبعتها على الانترنت و الصادرة فى ال20 من مارس مقابلة صحفية مع السيد هواى جيو جى مراسل " لتايمز الاسبوعى الالمانى " لدى بكين الذى غادر منطقة التبت فى ذلك اليوم . أكد السيد هواى جيو جى أن التبتيين المحليين أخبروه أن رجال الشرطة لم يطلقوا النار فى بداية أعمال الشغب و فى الاوضاع المتوترة . مشيرا الى أن معظم القتلى هم من أبناء قومية هان ولقوا مصرعهم أثناء أحراق محلاتهم التجارية .
ومن أجل تعريف شعب الهند و التبتيين المقيمين فى الهند بالحقائق الواقعية ، دعت السفارة الصينية لدى الهند بعد ظهر ال21 من مارس الوسائل الاعلام الهندية لمشاهدة ألافلام التى صورتها محطة التلفزيون المركزية الصينية خلال عدة أيام . و شعر كثير من الصحفيين بالدهشة بعد مشاهدتها . ووجدوا أن تقاريرهم إزاء أعمال الشغب لم تكن صحيحة . لانهم كانوا لا يعرفون الحقائق وكانت تقارير وسائل الاعلام الغربية غير الصادقة قد حيرتهم . وقال صحفى "إنى أشعر بالدهشة بعد مشاهدة هذه الصور. لانى كنت أعتقد أن اللامات التبتيين يرفضون أعمال العنف . وأدرك الآن بأن دعوات الدا لاى لا ما الى نبذ العنف هى كلمات مزيفة لا غير . وأعمال الشغب هذه هى دليل قوى على أنه يدعو الى ممارسة العنف. وسأتخذ موقفا حذرا فى المستقبل " .
لماذا يفضل الغرب التغاضى عن الواقع الموضوعى
قالت السيدة ليو ناه أستاذة كلية الاعلام التابعة لجامعة وو هان وعالمة نشر الثقافة لجامعة برمينغهان البريطانية أثناء مقابلة صحفية أجرتها معها صحيفة " هوان تشيو تشى باو " قالت إن التقارير غير الصحيحة لوسائل الاعلام الغربية ازاء أعمال الشغب التى وقعت فى منطقة التبت كانت متعمدة . لانها دائما تتخذ موقفا متحيزا فى تقاريرها حول القضايا الصينية وخاصة قضايا القوميات الصينية ، وذلك بسبب الاختلافات فى طرق تفكيرهم و مفهومهم للقيم .
وترى الاستاذة ليو ناه أن " تخريب أولمبياد بكين " قد أصبح نوايا وأهداف بعض وسائل الاعلام الغربية فى تقاريرها إزاء أعمال الشغب هذه . لان بعض وسائل الاعلام الغربية ترغب فى خلق جو " عدم الانسجام " قبل إفتتاح أولمبياد بكين ، وإن " الاضطراب فى الصين " يعد خبرا كبيرا فى رأيها . بينما يرغب بعض المتمردين التبتيين فى خلق المشاكل قبل إفتتاح أولمبياد بكين أيضا.
وعلاوة على ذلك ، يرى المحللون أن شعوب الدول الغربية يعيشون فى مجتمع متطور صناعيا ومدينا . أما منطقة التبت و الغابات والمروج فى أفريقيا ، فترمز الى أراضى عذراء فى رأيهم ، ويكنون مشاعر متميزة غير حقيقية إزائها . لذلك ، هم يفضلون أن تبقى منطقة التبت على حالها الطبيعي الاصلي الى الابد ولا يرغبون فى رؤية تحقيق تقدم إجتماعى فيها . وبسبب تأثيرات هذه المشاعر ، فمن السهل أن تكون تقارير وسائل الاعلام الغربية إزاء القضية التبتية غير موضوعية الى حد ما .