ترجمة الزميل عباس جواد كديمى
مرت الساعات قاسية ثقيلة عليهما وهما يرقدان تحت انقاض المبنى المنهار ، وأخذ تنفسهما يضيق شيئا فشيئا مع اقتراب شمس ذلك اليوم الحزين من المغيب . بدءا يشعران أن كتل الاسمنت المنهارة فوقهما تضغط عليهما اكثر وكأنها تسحق جسديهما اللذين أخذ الخدر يدب فيهما !
أسدل الليل ستاره وجلب معه المطر والبرد واقسى ساعات الترقب ، شعرا بالبرد وقطرات المطر تصلهما من خلال شقوق المبنى المنهار !
قال الزوج وانغ لزوجته لى وان تسه ، ووجهه لا يبعد سوى سنتمترات عن وجهها وذراعاه تطوقها وذراعاها تطوقه ، " أشعر اننى لن استطيع الصمود".
شعرت هى بنبرة صوته اليائسة فقالت بشجاعة " تجلد ، فلو كان الرب يريد أخذ روحينا لفعل منذ البداية ، ولكن يبدو اننا سنعيش ، فالحياة مكتوبة لنا ."
وفعلا صدقت توقعاتها وعاشا !! إذ تمكن رجال الانقاذ من سحبهما من تحت انقاض المبنى السكنى ذى الطوابق الستة ، بعد 28 ساعة من انهيار المبنى عليهما وعلى الكثير من امثالهما فى ذلك اليوم المأساوى . لقد كانا محظوظين وتجنبا النهاية التى لاقاها العديد من جيرانهما .
وخلال تلك الساعات المروعة وهما محاصران تحت الانقاض ، ظهرت اروع صور الحب بينهما ! إذ همسا لبعضهما البعض وتذكرا ايامهما الجميلة ، وأبنتهما ذات الاربعة عشر ربيعا ، ومن سيرعاها إذا فارقا الحياة ؟! لقد تذكرا الحياة بحلوها ومرها ، وأقسما لئن كتبت لهما النجاة ليتمتعن بحياتهما وليسيرا فى الارض بطولها وعرضها !
كان الوقت يمر بطيئا جدا وهما يشجعان بعضهما البعض ويحرصان على ان تكون حركاتهما محسوبة تماما لئلا يتسببا فى سقوط أى حجر معلق كسوط الموت فوقهما !
إستذكر الزوج أنه بعد يومين فقط من عودته من سفرة خارج سيتشوان كان يجلس فى شقته بالطابق الرابع من ذلك المبنى ، يشاهد مع زوجته برنامجا تلفزيونيا غنائيا ، وفجأة أهتزت الارض بما عليها وبدأ المبنى يترنح وأدركا أنه لا ملجأ لهما إلا الاحتماء بركن الشقة ، فهرعا الى الحمام كونه فى الزاوية علّهما يجدان مأوى يحميهما ، ولكن خاب ظنهما وتهاوى المبنى بطوابقه الستة وسقطت اجزاء من الجدران عليهما ورمتهما على الارض متقاربين من بعضهما البعض فطوقا جسديهما بذراعيهما ورقدا بلا حراك!
لقد شعرا بهول الصدمة ، ولكن لم يشعرا بأى ألم فى البداية .
قالت السيدة لى إنهما أدركا جيدا ان المبنى انهار عليهما وباتا محاصرين لايستطيعان فكاكا من قبضة الانقاض !! تقول إنها كسيدة وكأم لم يكن ببالها شىء سوى إبنتهما ! تساءلت " يا إلهى ؟ ماهو مصير إبنتى ؟ من سيرعاها إذا متنا ؟ ."
كان الزوجان راقدين على جنبيهما ، لايعرفان ما إذا كانا ينزفان أم لا ؟ او ما إذا كانت عظامهما قد تهشمت أم لا ؟ كانت قطعة كبيرة من الاسمنت معلقة فوقهما ولايعرفان متى تسقط عليهما وتنهى حياتهما ! كانا يخافان من أية حركة يقومان بهما قد تؤدى الى سقوط تلك الكتلة الاسمنتية البشعة ! كانت لحظات قاسية جدا ، يقول السيد وانغ إنه عاشها بأبشع المعاناة وهو ينتظر ملك الموت الذى يراه قريبا منه !
قال السيد وانغ لزوجته " ان هاتفى المحمول فى جيب بنطلونى ، حاولى الوصول اليه ، فلربما يفيدنا ، بالتأكيد سيحاول اهلنا واصدقاؤنا الاتصال بنا ."
حركت السيدة لى يدها غير المحاصرة بحذر شديد وفعلا تمكنت من الوصول الى الهاتف المحمول فى جيب زوجها . ولكن لسوء الحظ لم تكن فيه إشارة تغطية !
إعتقدت ان هاتفها المحمول يرن ، ولكن اين هو ؟! لقد رن عدة مرات وسكت ، وجال فى خاطرها ان الاهل والاصدقاء يتصلون .
وكلما مر الوقت صعبا حرجا كلما تمسكا ببعضهما البعض ، لقد حاولا الصراخ ولكن قواهما كانت شبه منهارة ، وبالكاد يتنفسان !
إنقذونا ! إنقذونا ! كانا الزوجان يصرخان كلما سمعا اصواتا بعيدة خارج الانقاض .
قالت الزوجة لزوجها " علينا ان نبقى متيقظين وننتبه لما يجرى حولنا ".
فرد الزوج " اريدك ان تصمدى وتخرجى من هنا ، لدينا بنت واريدك ان تربيها وتراعيها ."
لحسن الحظ ، ان البنت كانت خارج المنزل فى تلك الساعة المشئومة ، الثانية و28 دقيقة من بعد ظهر يوم الاثنين ، الخامس من مايو الحالى ، لتنجو من هذه الكارثة المدمرة.
لقد تعاهد الزوجان الحبيبان على الصمود وعلى اسناد بعضهما البعض فى هذا الوقت الحرج !
ومن بين شقوق الانقاض كانا يشاهدان ضوء النهار وهو يخفت رويدا رويدا ، ومع حلول الظلام كانت الانقاض تتحرك ببطء ضاغطة على جسديهما وتسحقهما ، ولكنهما قررا الصمود بوجه الموت المحدق بهما من كل صوب !
لم يعودا يشعران بالالم ، فقد دب الخدر فى جسديهما ، ولم يشعرا بأى جوع أو عطش .
لقد اتفقا على تبادل الدور فى التنفس ، فعندما تتنفس هى ، يكتم زوجها انفاسه !
نظرت السيدة لى الى الهاتف المحمول ورأت عبر شاشته المضاءة ان الساعة تقترب من الحادية عشرة ليلا ، ولم تكن فيه اشارة تغطية ! كانا يشعران بشىء من الأمل والهاتف معهما ، فهو خيط الحياة بالنسبة لهما !
وخلال تلك الليلة الليلاء ، بدأ المطر البارد يهطل ، وبالنسبة لهما ، كان صوت قطراته وهى تخترق شقوق المبنى المنهار ، مشابهة لصوت طبول الحرب ، وسمعا ايضا اصواتا غريبة للحصى والصخور وهى ترتطم ببعضها البعض بسبب انهيارات ارضية ! ونظرا مرة اخرى الى الهاتف المحمول ، ولكن للاسف انطفأ بسبب نفاد بطاريته !
فى تلك الساعات البغيضة ، فقد الزوج الامل ، وقال فى نفسه " لقد فقدت الامل فى تلك الليلة ، لن ينقذنا احد " ، وفكر فى حينها ان ينتحر لأنه يكره ان يموت ببطء ! عندها خطرت بباله فكرة يائسة وهى ان يضرب رأسه بالانقاض لينهى حياته بنفسه بدلا من انتظار الموت وهو يدنو منه ببطء ! فى تلك اللحظة ، قالت له زوجته وهى تحاول احتضانه بقوة " تشجع من أجلنا ، إنك من مواليد برج القرد ، ومواليد برج القرد يعيشون لـ 500 سنة ، عليك ان تتجلد ، وتذكر ابنتنا ، لا استطيع فراقك ، فإما أن نحيا سوية أو نموت سوية ."
وحاولت معه قائلة " ما رأيك لو نحاول النوم قليلا ، ونحتفظ بطاقتنا ؟."
ولكن من اين يأتى النوم وهما بتلك الحالة من الذعر ، فالليل داج والصخور تقرع طبول حرب ما أراها تهجع !!
وبعد ذلك الليل الطويل ، بدأ ضوء النهار يعود مرة اخرى ، وشاهداه من بين شقوق المبنى المنهار ، وبعد ساعات سمعا اصوات اقدام فوق الانقاض !! كانت قواهما منهارة ولكنهما استجمعا قواهما وصرخا : انقذونا ، ساعدونا ! ورد عليهم شخص : اين انتم ؟
وتعرفت السيدة لى على الصوت ، إنه مدير المعمل الذى تعمل فيه !
وجاء الصوت مرة اخرى : اصمدوا ، لن نتخلى عنكم ، سنأتى لانقاذكم.
كان الزوجان المحاصران يسمعان اصواتا مختلفة ، بعضها مفهوم والآخر لا ، ولكن الشىء الوحيد الذى فهماه هو ان الناس يحاولون عمل شىء ما لانقاذ المحاصرين تحت المبنى !
واخيرا وبعد ساعات من العمل لازالة الانقاض الكبيرة ، بدأت مساحة الضوء المرئى تكبر وبدا الأمل يكبر ، وتمكن رجال الانقاذ من الوصول الى الزوجين المنهوكين تحت الانقاض !
ابلغ رجال الانقاذ الزوجين انهم لن يستطيعوا سحبهما سوية فى تلك اللحظة ، وسيسجبان أولا الزوجة ، فتوسلت اليهم قائلة انها تشعر بساقيها محصورة بقوة تحت الانقاض ، والافضل ان يبدأوا بزوجها ! وفعلا تم سحب الزوج اولا ونقل الى سيارة اسعاف كانت تنتظر والى جانبها أخته !
شعرت السيدة لى بفرح غامر لخروج زوجها من محنته وفى الوقت نفسه استطاعت ان تسحب نفسا عميقا لأن المكان بدا اوسع من ذى قبل !
وبدأ رجال الانقاذ يحاولون اخراجها ولكن دون جدوى ، إذ ان ساقيها كانتا محصورتين بقوة تحت الانقاض !
كانت عيونها تجول هنا وهناك وهى تتساءل : هل من حل ؟ هل لديكم شىء تخرجوننى به ؟ وللأسف كان الرد : لا .
وبعد العديد من المحاولات ، شعرت بيد تسحبها ، وإثر سحبة قوية اصبحت خارج تلك الحفرة اللعينة .
وهكذا لحقت مرة اخرى بزوجها الحبيب ولكن بسيارة الاسعاف هذه المرة ، فقالت له وابتسامتها المُتعبة تعلو وجهها " اريد ان احضنك ، ولكننى لا استطيع تحريك جسمى !".
ورغم الالام الفظيعة التى عاناها الزوجان ورغم هول المأساة التى حلت بمدينتهما الوادعة ورغم كل شىء ألا انهما نسيا كل تلك المأساة حالما رأوا ابنتهما وهى تجلس سليمة الى جانب سريريهما فى المستشفى !
قال السيد وانغ وابتسامة الأمل تعلو وجهه " ان الشىء الاهم هو اننا سوية مرة اخرى ، لقد تعاهدنا فى ذلك الظرف القاسى على ان نساند بعضنا البعض ونعيش لبعضنا البعض ونسعى لخلق السعادة فى كل شىء ، إنها بداية جديدة لنا تولد من رحم المأساة ."