CRI Online

بقلم محمد ياسر منصور

cri       (GMT+08:00) 2012-02-24 11:48:04
الصيــن .. وحكايتها مع البحر

*محمد ياسر منصور ـ كاتب وصحفي وباحث إعلامي سوري

ــــــــــــــ

تنفتح الصين مجدداً اليوم على الأنشطة البحرية وسرعان ما احتلت مكانة عالمية متميزة . والتحليل الوجيز التالي تحليل جد معبِّر ومؤثِّر : فالأسطول التجاري الصيني يحتل المرتبة العاشرة عالمياً ؛ وشنغهاي أول ميناء عالمي؛ والصين الدولة الأولى عالمياً على صعيد الصيد البحري والزراعات البحرية.

تمتد واجهة الصين البحرية مسافة 14000 كم (28000 كم إن نحن تتبعنا التعرجات الساحلية) وتتألف من ثلاثة أقسام ، يحدها في الشمال النهر الأصفر (الذي يسكب في مياه البحر مليار طن من الطمي في السنة) ، وفي الجنوب ، يحدها نهر بيرل ودلتا كانتون ، وهي منطقة تاريخية في الصين البحرية.

بعد أن كانت الصين قوة بحرية عظمى وقطباً اقتصادياً عالمياً (1/3 الإنتاج العالمي الصافي في أواسط القرن التاسع عشر) ، أصابها الانحطاط الشديد منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى عهد قريب جداً . وعرفت الصين ازدهاراً جديداً على الصعيد الاقتصادي جعلها أسيرة وارداتها من المواد الأولية وصادراتها من المنتجات المصنعة، ورغبت في أن تستعيد مكانتها السياسية على الصعيد الدولي لتكون في واجهة الأحداث. وانفتحت الصين مجدداً على البحر بشكل كبير. وخلال عشرين سنة ارتقت إلى المراتب العالمية الأولى في العديد من قطاعات النشاط البحري.

البناء البحري والأسطول والحركة التجارية:

إذا كانت الصين قد اشترت منذ العام 1985 مراكب بحرية من جميع الأنواع ومن جميع الأسواق العالمية ، فقد باعت أولى سفنها في العام 1982 للخارج، وهي تمتلك اليوم 15% من الطلبيات العالمية لبناء السفن . والورشات البحرية الأربع الضخمة تقع في "لودا" و "كينداو " و "شنغهاي" و "كانتون".

انتقل الأسطول التجاري الصيني من المرتبة 20 عالمياً في العام 1978 ، إلى المرتبة العاشرة في الأول من يناير 2005 .

كانت طاقة الأسطول التجاري الصيني في العام 1950 لا تكاد تتجاوز 15 مليون طن ، ووصلت إلى 71 مليون طن في العام 1976 ، وازدهرت الحركة التجارية في الربع الأخير من القرن وقاربت اليوم 2 مليار طن . ويلاحظ أن تجارة الحاويات التي كانت صفراً في العام 1980 عملياً ، قد بلغت اليوم 50 مليون حاوية.

البنى التحتية المرفئية:

بعد أن بلغت المرافئ الصينية أوجها ثم انحطاطها في عهد الامبراطورية ، عاد إليها نشاطها تحت إشراف أجنبي منذ منتصف القرن التاسع عشر، قبل أن تخضع للإغلاق الشديد إبان الاحتلال الياباني ، ثم وبشكل خاص، خلال الثورة الماوية (نسبة إلى ماوتسي تونغ) . ويرجع انفتاح الموانئ ثانية إلى السبعينيات. وتتميز هذه الفترة ببضعة أحداث حاسمة : اللقاء بين الرئيس الأمريكي نيكسون والزعيم الصيني ماو في العام 1972 ، والذي أعقبه شراء طائرات بوينغ؛ وأول مخطط لتحديث المرافئ التسعة في العام 1973 ، وولادة شركة شرقي المحيط الهادي ؛ وأنشئت في العام 1979 ، أربع مناطق اقتصادية خاصة هي: كسيامن ، شانتو ، شنزهن ، زهوهاي ، ثم أنشئت منطقة جزيرة هينان ؛ أخيراً ، وفي العام 1984 ، تم فتح الدلتا ، وفيها 14 ميناء ، ثم مجموع المناطق الساحلية.

وهكذا نجد في الصين اليوم (200) ميناء أساسي ، ونصفها مخصص للإبحار بين مرفأين (تبادل أقل من مليون طن في السنة). وأكبر هذه المرافئ هي:

أولا: في الشمال: تيانزين (على بعد 40 كم عن الشاطئ) ومرفأها المتقدم كسينانغ يخدم بكين (170 مليون طن في السنة) ؛ لودا (بجوار بور ـ آرثور في منشوريا) ، وهو مرفأ نفطي وللفحم الحجري أيضاً (130 مليون طن في السنة)؛ كينهوا نغدادو ، وهو مرفأ للنفط والفحم الحجري (130 مليون طن في السنة) ؛ كينغداو ، وهو مرفأ للنفط والفحم الحجري ويتعامل كذلك اليوم مع 4 ملايين حاوية في السنة.

ثانيا: في الوسط: شنغهاي ، وانتقل هذا المرفأ من 70 مليون طن في السنة(أي 40% من التجارة الصينية) في العام 1978 إلى 370 مليون طن في العام 2004 (أي 10% من حجم التجارة الصينية) ، وبهذا إذاً أصبح هذا المرفأ يتربع على عرش المرافئ العالمية ، متقدماً على مرفأ روتردام ؛ وهناك مرفأ نينغبو النفطي، ويقع في منطقة عميقة المياه ومتطرفة ويستخدم لشحن الحاويات إلى القارة الأمريكية ، وانتقل من 10 ملايين طن في العام 1978 إلى 200 مليون في العام 2004 ؛ وهناك أيضاً أرخبيل زهوستان وهو مرفأ نفطي.

ثالثا: في الجنوب: هذه المنطقة التي أغلقت فترة طويلة بسبب تايوان ووجود هونغ كونغ تضطلع اليوم بالمبادلات التجارية بين الصين وبقية العالم ، وهي تنمو نمواً سريعاً منذ العامين 1978 ـ 1980 حول أربعة أقطاب رئيسة هي ، كانتون /وهامباو (175 مليون طن في السنة) ، شنزهن ، ماكاو ، هونغ كونغ.

الصيد البحري والزراعة البحرية:

النمو ساحق في هذا المجال أيضاً . وصحيح أن إنتاجه لا غنى عنه للتمكن من تغطية احتياجات السكان.

في الثمانينيات ، أطلقت الصين حملاتها البعيدة الأولى لصيد الأسماك في المحيطين الأطلسي والهادي ؛ وتستخدم 90% من حصيلة صيدها للسوق الداخلية. وفي العام 1989 ، تقدمت الصين على اليابان بصيد بلغت حصيلته 11 مليون طن واحتلت المرتبة العالمية الأولى.واليوم ارتفعت تلك الحصيلة إلى 40 مليون طن، منها 60% في البحر الأصفر وفي بحر الصين الجنوبي.

لما كانت الصين قد بدأت الزراعة البحرية في الثمانينيات ، فإنها اليوم في المقام العالمي الأول بفضل إنتاجها البالغ 70 مليون طن في السنة.

التوترات الدولية في المجال البحري:

إن التنافس على مصادر صيد الأسماك ومصادر المواد الخام والشكل الجغرافي لهذه البقعة ، التي تمر عبرها الصادرات والواردات الحيوية للعديد من الدول الكبرى القوية اقتصادياً ، كلها عوامل فاقمت التوترات الإقليمية.

الخصام الذي كان مقتصراً منذ العام 1960 على الصين والاتحاد السوفييتي وفييتنام وتايوان ، أصبح اليوم خصومة عامة تشمل كل بلدان المنطقة: في عرض نهر بيرل ، وتايوان تحتل جزر باتراس 00وقبالة سواحل هاينان ، أبعدت الصين فييتنام عن جزر باراسيل ؛ وبين جزر باراسيل وجزر سبراتلي، طالبت الصين والفيلبين بمناطق ماكلس فيلدز (وهي مغمورة تماماً بمياه البحر على عمق عشرة أمتار).

أخيراً ، إن جزر سبراتلي الصغيرة ، الواقعة وسط جنوبي بحر الصين، محتلة عسكرياً جزئياً من قبل الصين (أغرقت 3 سفن لنقل الجند تابعة لفييتنام ، وأسفر ذلك عن مقتل 70 شخصاً) ، لكنها كانت عرضة للكثير من المطالبات والادعاءات (من قبل الفيلبين وفييتنام وتايوان وماليزيا وأندونيسيا وبروناي).

أما ما يتعلق بجزر باراسيل ولا سيما جزر سبراتلي ، فيبدو أن الحقوق غير مؤكدة بشكل يكفي هذا الطرف أو ذاك لكي يرفع دعوى أمام إحدى المحاكم الدولية.

الخلاصـــة:

التفجر المفاجئ للنشاط البحري لبلد واسع جداً كان إلى عهد قريب منكمشاً على نفسه ضمن مجال رؤيته القارية ، أصبح يرغمه على مواجهة تعاون إقليمي على صعيد التشكيلات البحرية ، ولا سيما أنه ينتظر ، ابتداء من العام 2050 ، أن تدب الشيخوخة في أوصال الشعب الصيني ، وأن يتناقص عدد سكان الصين.

وعلى سبيل المثال ، يشار إلى أن 45% من الأسمنت و 30% من الفولاذ والألمنيوم التي تستهلك في العالم اليوم هي من نصيب الصين ، وأن في هذا البلد نحو أكثر من 300 مليون إنسان من ساكني المدن من المستهلكين.

أخيراً ، في القريب المنظور ، وبعد أن يوضع في الخدمة سدّ المضائق الثلاثة، ستصبح الملاحة ممكنة حتى مسافة 2500 كم داخل الأراضي الصينية . وعندئذٍ، لن تكون الصين هي التي ستذهب إلى البحر فحسب ، بل إن البحر هو الذي سيأتي إلى الصين.

**********************************************

تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي