CRI Online

بقلم محمد ياسر منصور

cri       (GMT+08:00) 2013-01-25 10:01:24
الصينيون في إفريقية

* محمد ياسر منصور _ كاتب وباحث سوري

ـــــــــــــــ

في مدينة داكار، وفي مناجم زامبيا، وفي حقول نفط السودان ، وفي أسواق الغابون ، يستحوذ الصينيون على نقاط مفتاحية في الاقتصادات الإفريقية ويقلبون المواقع الفرنسية والغربية رأساً على عقب. والريبورتاج التالي في السنغال يظهر مدى هذه الثورة السرية.

جان ليام جان متخصص في رسم القبب والمزارات الإفريقية. إنه يصنع ملصقات ضخمة بالألوان وبالأسود والأبيض وملصقات فخمة مزركشة بالألوان الذهبية... وهو معروف بأنه أفضل فنان في داكار. وفي حانوته، الواقع في شارع الجنرال دوغول، في مركز المدينة ، ترى رسومه على صف واحد إلى جانب حاملات الثدي المصنوعة من الدانتيل الأحمر والأحزمة ماركة نايك. ففي الصين، وغير بعيد عن شنغهاي، يقوم جان ليام جان بتصنيعها. وماذا بشأن العلامة المسجلة؟.إنه يصنع هناك قطعاً مقلدة طبق الأصل منذ عشر سنوات ويبيعها في محله بسعر 3000 فرنك بالعملة المحلية أي ما يعادل 4.5 يورو ، وهذا يعني أرخص بعشرة أضعاف من القطع الأصلية. ومحاسب جان ليام جان يعمل دون توقف. ولديه مستخدمان سنغاليان لا يجدان دقيقة راحة. يجلس جان في صدر حانوته أمام التلفاز يشاهد برامج المحطة الصينية CCTV 4 ويراقب بطرف عينه سير العمل بيقظة وحذر. لقد جاء إلى هنا منذ أربع سنوات مع زوجه وابنه وحساب في المصرف في بكين مسقط رأسه. لكنه لا يتكلم أية كلمة فرنسية، ولا كلمة وولوف، وهي لغة الطائفة السنغالية الرئيسة. وهناك مثله نحو 300 من مواطنيه الصينيين الذين جابوا البلاد وقطعوا نحو 15000 كم لفتح تجارة يبيعون فيها أشياء بسيطة حول شارع الجنرال دوغول، وشارع الشانزليزيه في داكار، الذي بدأ يأخذ شكل المدن الصينية أكثر فأكثر. إنهم يبيعون الملابس والأحذية واللعب البلاستيكية والمراوح اليدوية والصابون...ولا شيء يضارب على الصينيين: فأسعارهم أقل من خمس إلى عشر مرات من أسعار السنغاليين. ولهذا حساباته في هذا البلد الفقير الذي يبلغ تعداد سكانه 11 مليون نسمة .ويصنف في المرتبة 157 من أصل 177 بلداً ، حسب مؤشر النمو البشري الذي وضعته الأمم المتحدة.

هل ذلك غزو صيني لداكار؟.يقول دام ندياي صاحب محل لبيع الأغذية ورئيس الاتحاد الوطني للتجار والصناعيين في السنغال: "بدأ ذلك في أوائل العام 2000 ، ثم توسعت تلك الظاهرة. وفي كل أسبوع يفتح محل آسيوي جديد أبوابه. وبوجود خياط للسيدات ومطعم ومحل للقرطاسية أصبحت منذ ذلك الحين آخر سنغالي يفتح محلاً في شارع الجنرال دوغول. وإذا ما ذهبت إلى كامبالا في أوغندا، وإلى نيروبي في كينيا، وإلى ليبرفيل في الغابون ستجد الشيء نفسه في كل مكان..".

في ميناء داكار، تجد أن عدد الحاويات الصينية التي تنزل كل يوم من سفن الشحن قد تضاعف في السنتين الأخيرتين. وفي البلدان المجاورة ، تجد مثل تلك الأرقام. والمبادلات التجارية بين الصين وإفريقية بلغت رقماً قياسياً قدره 29 مليار يورو في العام 2005 . أي ثلاثة أضعاف ما كانت عليه في العام 2000. وهناك رسمياً نحو 820 مشروعاً و 130000 من الرعايا الصينيين (وسيتضاعف هذا الرقم خلال خمس سنوات حسب التوقعات) يقيمون في القارة. وتستثمر الصين في افريقة كما تستثمر في جنوب – شرق اسيا , حسب دراسة صادرة عن الاتحاد الأوروبي، وأصبحت المورِّد الثاني لمجموع البلدان الفرانكفونية بعد فرنسا ولكن قبل الولايات المتحدة وبريطانيا. وهذا يفسر كثرة الزيارات الرسمية لزعماء امبراطورية وسط آسيا إلى إفريقية التي أصبحت لا تعد ولا تحصى. والرئيس هوجينتاو فرغ لتوه من جولة جديدة في المنطقة. وهي الثانية في أقل من سنتين. وفي يناير ، جاء وزير خارجيته لي زهاوكسينغ إلى إفريقية ولم يعد يغادرها. فقد كان في برنامج زيارته كل من : الرأس الأخضر، السنغال، نيجيريا ، ليبيا...وكان مجموع البلدان التي زارها 49 بلداً (من أصل 54 بلداً عدد بلدان القارة) ووقع معها شراكة خاصة أو عقود تعاون عام.

يشير بيير ـ أنطوان برود ، وهو محلّل في معهد دراسات الأمن للاتحاد الأوروبي إلى ما يلي: " الصينيون موجودون دائماً ، ولا سيما منذ السبعينيات من خلال بناء الخط الحديدي تنزانيا ـ زامبيا ، لكن لم يكونوا أبداً بهذه الكثافة. والرهان، هو طبعاً الوصول إلى الموارد الأولية: النفط ، النحاس، الحديد ، الكوبالت...وعندما يكون لديهم اقتصاد "شره" هكذا، ويكونون ثاني مستهلك للهيدروكربورات في العالم ، بعد الولايات المتحدة ، فإن ضمان إمداداتها أمر حيوي. لكن إفريقية بالنسبة إلى بكين أيضاً وسيلة لترويج سياستها الخارجية، وببساطة أكثر، سوقاً سهل الدخول إليه لأنه مهمل من قبل الدول الكبرى".

ما هي قائمة البرامج الصينية؟. سبق للصين أن بنت في السودان قناة طولها 1300 كم ،وهي أكبر استثمار لها في الخارج، وتنقب عن النفط في موغلاد. وتستثمر أيضاً مناجم النحاس في زامبيا وفي غابات إفريقية الوسطى، وتصطاد السمك في خليج غينيا، وتستورد القطن من الساحل...وعند اللزوم تصبح أيضاً الممول لأوغندا، أول بائعيها للهيدروكربورات في جنوب الصحراء الإفريقية. وهذا ليس سوى بداية. الى درجة أن بدأ الغربيون يتضايقون من هذا الوضع . وفي الصيف الماضي، عقد الكونغرس الأمريكي جلسات في شأن "نفوذ الصين في إفريقية" ويؤكد ليونيل زينسو الشريك- المدير في مصرف أعمال روتشيلد ما يلي: "ولا يمكن أن تقابل بعد الآن سفيراً فرنسياً في إفريقية دون أن يحدثك عن التهديد الجديد".

في داكار ، بقي الدبلوماسيون الفرنسيون يراقبون الوضع زمناً طويلاً. وطوال تسع سنوات، ظلت سفارة جمهورية الصين الشعبية مغلقة ، والواقعة في الحي الراقي ميرموز شرقي داكار، والسبب لأن الحكومة السنغالية كانت ترفض بإصرار قطع علاقاتها الدبلوماسية بتايوان (1)، لكن منذ أكتوبر أصلحت العلاقة بين البلدين وتعززت المصالح الصينية ـ السنغالية ، وفي الآونة الأخيرة قام رئيس الوزراء السنغالي ماكي سال بزيارات مكوكية إلى بكين. ولم يكد ماكي ينهي زياراته حتى أوردت صحيفة "لوسولي = الشمس" السنغالية خبر تسليم الصين للسنغال المفتاح باليد لمحطة توليد للكهرباء تعمل بالفحم الحجري بطاقة 250 ميغاواط ومسرح وطني ضخم ومتحف للفنون. دون أن ننسى 3 ملايين يورو معونات مالية قدمتها بكين غداة عودة العلاقات الدبلوماسية بين العاصمتين. وفي الخريف بدأت الأعمال في طريق داكار المزدوج المأجور.

روى مؤخراً الرئيس السنغالي عبدولاي واد ما يلي: " عندما أعلنا طلب العروض، تقدمت مجموعتان ، مجموعة فوجرول الفرنسية لتنفيذ المشاريع، ومجموعة SCE السنغالية. وتقدمت الأولى بعرض مقداره 39 مليار فرنك سنغالي (أي ما يعادل 59 مليون يورو)، والثانية المشتركة مع مجموعة مشاريع صينية تقدمت بعرض مقداره 23 ملياراً. وحصلت على هذا المشروع طبعاً...وإذا كان أمامك الخيار ، فإنك تشتري الأفضل والأرخص. ولهذا السبب فإن المشاريع الصينية تنفذ نصف ورشات العمل القائمة في السنغال" . وهذه الشركة ، وهي شركة BTP هينان سرعان ما استقدمت عمالاً من الصين بالعشرات. وهم في مواقع العمل والورشات في تقاطع الطرق المسمى "بات دوا" ، ويعملون كل يوم من الصباح حتى المساء، بما في ذلك أيام الأحد والأعياد. ويتواجد معهم طبَّاخين سنغاليين يعملان نهاراً ليعدان لهم خبزاً على البخار ومأكولات أخرى خاصة ببلدهم.

فما هي الوصفة التي اتبعتها الصين لكسر الأسعار؟.حتى السنغاليين لا يعرفون ذلك. يقول إبراهيما ماكودو فال ، رئيس شركة النسيج السنغالية الجديدة: "يعرض الصينيون قطعاً بأقل من 400 فرنك للقطعة (ما يعادل 0.6 يورو) . وبهذا السعر لا يمكنني أن أجاريهم. حتى إنني منذ ستة أشهر ، أوقفت إنتاج تنورات من القماش الإفريقي، لأن المصانع الصينية بدأت إنتاج التنورات نفسها في الصين، منفذة المواصفات نفسها بدقة، لكن بنصف الثمن. فكيف يمكنهم ذلك مع أن الأجور لدينا رخيصة جداً ولا نتكلف أجور شحن ونقل ؟.إني لا أفهم هذا أبداً". وهناك الكثير من الصناعيين المحليين الآخرين المهددين بالتوقف عن العمل. كما في صناعة البطاريات والصابون والثقاب واللاصق والأحذية...وعدد الحذائين في مدينة داكار انخفض إلى السبع منذ العام 2000 . ومن الصعب اليوم أن تجد في القارة السوداء دراجة نارية أو هاتفاً نقالاً إلا وقد كتب عليه "صنع في الصين". فخلال خمس سنوات أو تكاد، أي بين العامين 1995 و 2000 ، أغرقت بكين الأسواق. فمن أصل 600000 دراجة نارية تباع كل سنة ، على سبيل المثال، في نيجيريا، لم تعد تجد أكثر من 6000 دراجة بينها صنعت في اليابان، والدراجات الأخرى كلها صينية . يقول آلان فيري من فرع إحدى الشركات المتخصصة بتوزيع السيارات والأدوية في إفريقية وفي بلدان أخرى: "لدى الصين قدرة حماسية لا يستهان بها ، وستصبح في السنوات القادمة منافساً مرهوب الجانب بالنسبة إلى المشاريع المحلية والغربية، بل ستصبح أيضاً عنصراً فاعلاً هو الأكبر في التنمية في إفريقية".

يان جون مقيم في السنغال منذ عشر سنوات، ويرأس رابطة الرعايا الصينيين في داكار ويدير مطعماً يدعى " إكسي" ويقع على بعد خطوتين من ساحة الاستقلال يقول : "الأمور تسير جيداً" ، فهو في كل مساء يستقبل بحارة شركة صيد الأسماك الوطنية الصينية. لقد ترك في هينان ، مسقط رأسه ، زوجة وولدين. لكنه لا ينوي العودة إلى البلاد في القريب العاجل، وربما يعود يوماً عندما يصبح عجوزاً، من الآن وحتى 30 سنة... *

ــــــــــــــــ

هوامش:

1ـ هناك 6 بلدان تقيم علاقات دبلوماسية مع تايوان: بوركينا فاسو، غامبيا ، مالاوي، سوازيلاند ، تشاد ، ساوتومي وبرنسيب.

المراجع المعتمدة:

1ـ مجلة " Maniere de Voire" الفرنسية ـ عدد فبراير ـ مارس ( 2006)

2ـ مجلة" Le Nouvel Observateur" الفرنسية ـ العدد "2166 " ـ مايو( 2006)

3ـ أعداد من مجلة " Science & Vie " الفرنسية .

4 – مشاهداتي الشخصية في ( داكار ) .

تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي