CRI Online

"الحزام والطريق" سيعزز وسيعمق علاقات التعاون الاستراتيجي الصينية العربية

cri       (GMT+08:00) 2017-05-16 09:25:53

بقلم عبد الرحيم أيت العواد من المملكة المغربية

العلاقات الدبلوماسية بين الصين الجديدة والدول العربية ترجع بداية تأسيسها الى عام ١٩٥٦. وخلال السنوات ٦٠ الماضية ، ظلت هذه العلاقات الودية تتطور بشكل مستمر. في عام ١٩٩٠، تمت إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وجميع الدول العربية. وفي عام ٢٠٠٤، أُسس منتدى التعاون الصيني العربي. وفي عام ٢٠١٠، تمت إقامة علاقات التعاون الاستراتيجي القائمة على التعاون الشامل والتنمية المشتركة بين الطرفين. في يونيو عام ٢٠١٤، دعا الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى تشارك الجانبين الصيني العربي في بناء "الحزام والطريق". وفي يناير عام ٢٠١٦، ألقى الرئيس شي جين بينغ كلمة مهمة في مقر جامعة الدول العربية يشرح فيها العلاقات الصينية العربية من الزاوية الاستراتيجية وبشكل شامل؛ في الوقت نفسه، أصدرت الحكومة الصينية "وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية"، فارتقت العلاقات الصينية العربية إلى مستوى تاريخي جديد.

تمرّ الدول العربية حاليا بتحولات داخلية معمقة، كما يشهد الوضع الاستراتيجي في الشرق الأوسط تعديلات مهمة، حيث يشكّل العديد من المشاكل الهيكلية العميقة الجذور تحديات خطيرة. تعيش بعض الدول العربية في عملية التحول تبذل جهودا بالغة في استكشاف نموذج التنمية الشاملة الصالح لظروفها الوطنية. ويواجه عديدا من الدول اختبار قاس متمثل في كيفية تحقيق التنمية الاقتصادية في الوضع الاقتصادي الدولي المعقد المتقلب. والتغيرات المتسببة من التكنولوجيا الجديدة تصدم أسلوب التفكير والهيكل الاقتصادي القائم. حينما لم تتم تسوية بعض القضايا الإقليمية الساخنة التي طال أمدها، تتورط عدة دول عربية في الاضطراب والنزاع الجديد. إضافة إلى أن الأفكار المتطرفة والمنظمات الإرهابية نشيطة في بعض الأماكن. فلا بد لدول المنطقة والمجتمع الدولي أن تفكر في كيفية مواجهة هذه التحديات بالتضامن والتعاون.

في سبتمبر وأكتوبر عام ٢٠١٣، طرح الرئيس شي جين بينغ على التوالي مبادرتين للبناء المشترك لـ "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير" و"طريق الحرير البحري للقرن الـ٢١" (يشار إليهما بالاختصار بـ"الحزام والطريق") عندما قام بزيارة لكل من آسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا. تمثل مبادرة "الحزام والطريق" تفكير الصين في الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية للعالم أجمع وفهمها في اتجاهات تطورها، وكذلك تجسد الحكمة الصينية والتجربة الصينية والصوت الصيني. وفي يونيو عام ٢٠١٤، دعا الرئيس شي جين بينغ إلى تشارك الجانبين الصيني العربي في بناء "الحزام والطريق"، كما طرح مبادرات بما فيها تشكيل معادلة التعاون "١+٢+٣" المتمثلة في اتخاذ مجال الطاقة كالمحور الرئيسي ومجالي البنية التحتية وتسهيل التجارة والاستثمار كجناحين و٣ مجالات ذات تقنية متقدمة وحديثة تشمل الطاقة النووية والفضاء والأقمار الاصطناعية والطاقات الجديدة كنقاط اختراق في التعاون، وتعزيز التعاون في الطاقة الإنتاجية، وفقا للحالة الخاصة للعلاقات الصينية العربية. فحظيت هذه المبادرات بتجاوبات إيجابية من الدول العربية.

تعتبرالثقة الاستراتيجية المتبادلة الطويلة المدى بين الصين والدول العربية أساسا مهما لدفع مبادرة "الحزام والطريق". تتمسك الصين بالمبادئ الخمسة للتعايش السلمي، ويلتزم كل من الصين والدول العربية بالاحترام المتبادل والتعامل على قدم المساواة. في عملية بناء "الحزام والطريق"، تتمسك الصين دائما بمبدأ التشاور والتشارك والتنافع. أشار الرئيس شي جين بينغ في كلمته الملقاة في جامعة الدول العربية في يناير ٢٠١٦ بوضوح أن الصين تعمل على النصح بالتصالح والحث على التفاوض لا تقوم بتنصيب الوكلاء؛ تبذل الجهود لتكوين دائرة الأصدقاء للحزام والطريق التي تغطي الجميع ولا تنتزع ما يسمى بـ"مجال النفوذ" من أي واحد؛ تسعى إلى حياكة شبكة شركاء تحقق المنفعة المتبادلة والكسب المشترك ولا تنوي "ملء الفراغ". لا شك أن دفع مبادرة "الحزام والطريق" سوف يوطد ويعزز الثقة الاستراتيجية المتبادلة بين الصين والدول العربية إلى حد أبعد.

تجسد مبادرة "الحزام والطريق" مفهوما متمثلا في اتخاذ التنمية كالموضوع الرئيسي وتعزيز الاستقرار بالتنمية وتحقيق السلام بالتعاون، فتُعتبر نتيجة للتفكير والمعرفة المنظمة من الصين في قضية السلام والاستقرار والتنمية للشرق الأوسط.

حققت الصين إنجازات ملحوظة في ناحية التنمية منذ تأسيس الصين الجديدة خاصة منذ الإصلاح والانفتاح. بعد ممارسة طويلة المدى، أقامت الصين مفهوم التنمية الواضح، وهو اتخاذ البناء الاقتصادي كمركز واتخاذ التنمية كالأولوية القصوى في الحكم وإنهاض الوطن. كما أقامت الصين هدف التنمية الواضح، وهو إنجاز بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل عند الاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، وإنجاز بناء الصين دولة اشتراكية حديثة عند الاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس الصين الجديدة. الإصلاح والانفتاح الشامل وبناء البنية التحتية على نطاق واسع والتصنيع الشامل هي تجربة تنموية صينية تراكمت على مرور السنوات. فاتخاذ التنمية كالموضوع الرئيسي يعكس المعرفة الصينية للاتجاهات العالمية، ويجسد أيضا الاجماع الموجود لدى المجتمع الصيني.

ومن خلال البناء المشترك من الجانبين الصيني والعربي لـ"الحزام والطريق"، يمكن من كلا الطرفين أن يستفيد من الفرص المهمة المنتجة من التنمية الصينية. في عام ٢٠١٤، أشار الرئيس شي جين بينغ في الاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي الذي عُقد في بكين أنه من الموجب زيادة حجم التبادل التجاري الصيني العربي إلى ٦٠٠ مليار دولار، وزيادة رصيد الاستثمار الصيني غير المالي في الدول العربية إلى أكثر من ٦٠ مليار دولار في السنوات العشر القادمة. في عام ٢٠١٦، أشار الرئيس شي جين بينغ في كلمته الملقاة في مقر جامعة الدول العربية أنه من أجل تعزيز العملية الصناعية في الشرق الأوسط، ستقوم الصين بالتعاون مع الدول العربية بتخصيص قروض خاصة بدفع العملية الصناعية في الشرق الأوسط بقيمة ١٥ ملياردولار؛ وتقديم قروض تجارية قيمتها ١٠ مليارات دولار وقروض ذات طابع تيسيري بقيمة ١٠ مليارات دولار لدول الشرق الأوسط؛ كما إنشاء صندوقين مع كل من الإمارات وقطر للاستثمار المشترك تبلغ قيمتهما الإجمالية ٢٠ مليار دولار. من الأهم أن التعاون الصيني العربي تحت إطار مبادرة "الحزام والطريق" لا يدفع التعاون في البنية التحتية والطاقة الإنتاجية في المستوى الواقعي لتعزيز التنمية في الدول العربية على نحو فعال فحسب، بل يطرح أيضا مفهوم التواصل والتبادل والتصنيع في المستوى الفكري، وذلك من أجل التنافع مع الدول العربية من التجربة الصينية في ناحية التنمية .

تتطلب التنمية الاستقرار وتعززه أيضا، فهي عملية جدلية ديناميكية. في بعض الدول العربية، تعرقل مشاكل البطالة والفقر الخطيرة عملية التحول كتحديات قاسية، كما تثير الاضطراب الاجتماعي وتشجع انتشار الأفكار المتطرفة. ومعالجة تلك المشاكل تعتمد على التنمية المستدامة الطويلة المدى. فهذه التنمية ليست التنمية الاقتصادية بانفرادها، بل انها ستجلب حتما التحسن والتقدم الشامل في المجال السياسي والاجتماعي والفكري والثقافي. في ضوء ذلك، تحتوي مبادرة "الحزام والطريق" على تناسق السياسات وتواصل المنشآت وتيسّر التجارة وتداول الأموال والتفاهم بين الشعوب، فهي نظام شامل ذو معان وفيرة تتضمن وجوه السياسة والاقتصاد والثقافة. فالتنمية هي التنمية الشاملة المتركزة على البناء الاقتصادي، ولا يمكن تحقيق الاستقرار الحقيقي إلا من خلال دفع التنمية.

تتطلب التنمية الانفتاح والتبادل الدولي. في العالم اليوم، يوضح التقدم التكنولوجي والعولمة الاقتصادية أنه لا يمكن لأي بلد أن يحقق التنمية في بيئة مغلقة. لا يحتاج التصنيع إلى اتخاذ بناء البنية التحتية كالعماد فحسب، بل يحتاج أيضا إلى الاستثمار والأسواق الإقليمية والعالمية، فيتطلب التصنيع وبناء البنية التحتية حتما التواصل والتبادل على المستويات المتعددة والجهات المختلفة. أما التعاون الوثيق في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار والطاقة فيتطلب مزيدا من التعاون السياسي والتنسيقات الأمنية الإقليمية، حيث ان مفهوم الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام يساعد على تأسيس الآلية الإقليمية للأمن والتعاون السياسي وتعزيز الثقة السياسية المتبادلة، الأمر الذي يخلق بيئة مفيدة لتسوية القضايا الإقليمية الساخنة. فإن مبادرة "الحزام والطريق" تمثل على نحو شامل مفهوم "تعزيز السلام بالتعاون" الذي يُعتبر فكرة جديدة للعلاقات الدولية ومفهوم أمن جديدا.

التنمية الشاملة والاستقرار الداخلي والسلام الإقليمي لا ينفصل عن السياسات الخارجية المستقلة للدول العربية وجهود الدول العربية المستقلة لاستكشاف الطرق التنموية. تتمتع الدول العربية بتاريخ طويل وثقافات متنوعة، مما جعل طرقها التنموية تتميز بخصائصها. وعبّر الرئيس شي جين بينغ في كلمته الملقاة في جامعة الدول العربية بوضوح أن الصين ستواصل دعمها الثابت بدون تزعزع لجهود دول الشرق الأوسط والدول العربية في الحفاظ على ثقافتها وتقاليدها الأصلية، وترفض التمييز والتحيز بأي شكل من الأشكال بحق عرق أو دين بعينه. فتتعامل الحضارتان العريقتان الصينية العربية باحترام وتشتركان في دفع الحوار السلمي والاستفادة المتبادلة بين الحضارات والتبادل الثقافي.

تدعو مبادرة "الحزام والطريق" المبنية على الثقة الاستراتيجية المتبادلة بين الصين والدول العربية الى اتخاذ التنمية كالموضوع الرئيسي في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك الى تحقيق التنمية الشاملة والاستقرار الداخلي والسلام الإقليمي في العالم العربي. وتدعم الصين جهود الدول العربية المستقلة لاستكشاف الطرق التنموية، وتتبادل الحضارتان الصينية العربية احتراما عاملتين على تعزيز التواصل والاستفادة المتبادلة من مختلف الحضارات.

البناء المشترك من الجانبين الصيني العربي لـ"الحزام والطريق" سيعزز العلاقات الودية بين الصين والدول العربية بكل التأكيد في إطار التعاون الشامل والتنمية المشتركة، وسيعمق علاقات التعاون الاستراتيجي الصينية العربية باستمرار.

أخبار متعلقة
تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي