|
شيا – أول مملكة في التاريخ الصيني
تعد مملكة شيا أول مملكة في التاريخ الصيني، وترجع إلى ما بين القرنين ال21 وال16 قبل الميلاد تقريبا، واستمرت حوالي 500 سنة. وتقع المناطق الرئيسية الخاضعة لسيطرتها في جنوب مقاطعة شانشي وغرب مقاطعة خنان.
وكان دا يوه مؤسس هذه المملكة بطلا يقال إنه نجح في السيطرة على النهر الأصفر الذي كان يفيض بكثرة، فكسب دعم أبناء قبيلته وأسس ممكلة شيا أخيرا. ويرمز قيام مملكة شيا إلى تحول الصين إلى مجتمع عبودي من مجتمع بدائي استمر زمنا طويلا.
وشهدت مملكة شيا في سنواتها الأخيرة اضطرابات سياسية واشتداد الصراعات الطبقية. وكان جيه -- الملك الأخير لشيا يعيش حياة ترف وبذخ وفسوق وخمول، ويشرب الخمر ويلعب كل يوم مع ميشي إحدى أحب حظاياه متجاهلا معاناة الشعب، ويكره الوزراء الذين نصحوه وقتلهم. فخانته الممالك الصغيرة واحدة تلو أخرى، منها مملكة شانغ، التي نمت قوتها بسرعة وتغلبت قواتها أخيرا على قوات شيا وقتلت جي بعد هروبه إلى نانتشاو الأمر الذي يرمز إلى نهاية مملكة شيا.
ونظرا لأن المعطيات التاريخية المتعلقة بهذه المملكة قليلة جدا، ما زال الأكاديميون يختلفون بشأن وجودها من عدمه. ولكن /كتاب التاريخ/ -- كتاب صيني قديم مشهور حول التاريخ سجل أسماء ملوك شي بتفصيل. وومنذ عام 1959، ظل الأثريون يعملون على اكتشاف آثار مادية لإثبات وجود هذه المملكة ومعرفة المزيد عنها. والآن، يرجح الكثير من الأثريين نسبة أطلال اكتشفت في بلدة أر ري تو بمقاطعة خنان إلى أسرة شيا، إذ ترجع هذه الأطلال إلى حوالي عام 1900 قبل الميلاد علما بأن مملكة شيا نسبت فيما ما بين القرنين ال21 وال16 قبل الميلاد تقريبا. بيد أن الأثرين لم يكتشفوا حتى الآن أي دليل مباشر على وجود علاقة لهذه الأطلال بمملكة شيا.
معظم وسائل الإنتاج المكتشفة في أطلال أر ري تو هي أدوات حجرية إضافة إلى بعض الأدوات العظمية والخشبية. كما أكتشفت فيها كثير من الأواني اليشمية والمزخرفات المرصعة بالفيروز والآلات الموسيقية مثل الأجراس الحجرية.
وجدير بالذكر أن هناك بعض الوثائق التاريخية حول التقويم المستخدم في مملكة شيا، تشير إلى أن الناس في ذلك العهد حددوا الأشهر الإثني عشر بناء على مواقع النجوم المعروفة ببنات نعش الكبرى، ويعد تقويم شيا أول تقويم في تاريخ الصين.
شانغ – أول مملكة تؤكد المعطيات التاريخية وجودها
تعتبر الأوساط الأكاديمية الصينية مملكت شيا أقدم مملكة في التاريخ الصيني، بيد أنه لا توجد معطيات تاريخية حولها سوى التسجيلات في الوثائق التاريخية التي وضعت بعدها ولم يكتشف الأثريون حتى الآن أي دليل دامغ على وجودها. وتعد مملكة شانغ أول مملكة في الصين القديمة تؤكد المعطيات الأثرية وجودها.
أسست مملكة شانغ في حوالي القرن ال16 قبل الميلاد وانتهت في القرن ال11 قبل الميلاد واستمرت حوالي 600 سنة. وتغيرت عاصمة المملكة عدة مرات في سنواتها الأولى واستقرت أخيرا في مدينة ين (قرب مدينة آنيانغ في مقاطعة خنان الآن). وتشير الاكتشافات الأثرية إلى أن الحضارة الصينية في أوائل عهد مملكة شانغ قد بلغت مستوى رفيعا جدا تمثل بشكل رئيسي في السجلات المنقوشة على دروع السلاحف وعظام الحيوانات وفن صناعة الأدوات البرونزية.
وكان اكتشاف هذه السجلات المنقوشة قد تم بالصدفة . ففي بداية القرن ال20، عثر فلاح من قرية شياو تون شمال غربي مدينة آنيانغ بمقاطعة خنان على بعض قطع دروع السلاحف و عظام الحيوانات وباعها في سوق محلي كأدوية تقليدية، ووجد عالم كان يتجول في السوق أشياء على هذه الدروع والعظام يبدو أنها سجلات منقوشة قديمة. ثم أكد الأثريون الصينيون بعد تحقيقات ميدانية في القرية أن هذه الأشياء عبارة عن كلمات كانت تستخدم في عهد مملكة شانغ وأن مكان قرية شياو تون كان عاصمة المملكة مدينة ين. كما اكتشف الأثريون عددا كبيرا من الآثار الثمينة في القرية منها أدوات برونزية إضافة إلى دروع سلاحف وعظام حيوانات نقشت عليها كلمات. ويعد هذا أهم اكتشاف أثري في الصين خلال القرن ال20.
وكانت ممالك أسرة شانغ قد اعتادت على التنجيم قبل اتخاذ أي قرار هام، وتعد دروع السلاحف وعظام الحيوانات أدوات للتنجيم وتستخدم كالتالي: تنظيف الدروع والعظام وتسطيحها وتكعيبها بشكل منتظم، ونقش اسم المنجم وتاريخ التنجيم وموضوع التنجيم عليها وتعريضها للنار حتى تتشقق إلى مكعبات، ويقوم المنجم بتحليل شكل التشقق الذي تكمن فيه مؤشرات لما سيحدث في رأي المنجم، ثم تنقش نتائج التنجيم عليها، ثم تحفظ كسجل رسم.
واكتشفت حتى الآن في أطلال ين حوالي 160 الف قطعة من دروع السلاحف وعظام الحيوانات نقشت عليها ما يزيد على 4000 صورة رمزية. واتفق العلماء على معاني نحو 1000 منها في حين لم يتمكنوا من معرفة معاني الرموز الأخرى أواشتدت خلافاتهم حول معانيها. ورغم ذلك، استطاع العلماء من خلال الرموز ال1000 معرفة الأحوال السياسية والاقتصادية والثقافية الأساسية لمملكة شانغ.
وتعد الأدوات البرونزية هي الأخرى رمزا لحضارة مملكة شانغ، حيث وصل فن صناعة هذه الأدوات إلى مستوى عال جدا. ومن بين عدة آلاف قطعة برونزية اكتشفت في أطلال ين طنجرة ضخمة رباعية القوائم يبلغ وزنها 875 كيلوغراما وارتفاعها 133 سنتيمترا وطولها 110 سنتيمترات وعرضها 78 سنتيمترا.
وأثبتت الاكتشافات الأثرية والبحوث الأكاديمية أن مفهوم الدولة قد برز في عهد مملكة شانغ وأنشئ نظام الملكية الخاصة بشكل أساسي ودخل التاريخ الصيني إلى المراحل الحضارية.
تشو
أسست مملكة تشو في عام 1027 قبل الميلاد تقريبا وبقت نحو 770 عاما قبل سقوطها على يد مملكة تشين في عام 256 قبل الميلاد. وينقسم تاريخ المملكة إلى عهدين: تشو الغربية وتشو الشرقية استنادا إلى نقل عاصمة المملكة شرقا، وينقسم عهد تشو الشرقية إلى عصرين: عصر الربيع والخريف وعصر الممالك المتحاربة.
بدأ عهد تشو الغربية من عام 1027 قبل الميلاد تقريبا وانتهى في عام 771 قبل الميلاد واستمر حوالي 257 سنة. وكان الملك الأول لمملكة تشو قد أسس المملكة بعد أن تغلبت قوات مملكته على قوات مملكة شانغ بالتعاون مع الممالك الأخرى. وكانت المملكة الحديثة قد شهدت تمردا بعد وفاة ملكها الأول، ولكن المملكة نجحت في قمع التمرد بسرعة، ثم دخلت مرحلة ازدهار خلال فترتي الملكين الثاني والثالث.
واستحدثت تشو الغربية عديدا من الأنظمة المتميزة في مجالات توزيع الأراضي والسياسة والثقافة.
واستمر عصر الربيع والخريف من عام 770 إلى عام 476 قبل الميلاد، حيث كان الاقتصاد يتطور وعدد السكان يزداد بشكل سريع وظهرت بوادر النزاع على السلطة بين الممالك المختلفة وتغيرت الأوضاع الاجتماعية بصورة كبيرة، وبدأت الزراعة تستخدم الآلات الحديدية وأولت اهتمامات لتطوير منشآت الري وارتفع بذلك حجم الإنتاج الزراعي. ويعتبر عصر الربيع والخريف فترة انتقالية حيث تغيرت تدريجيا الأنظمة السياسية والاجتماعية التي كانت سائدة في عهد تشو الغربية.
وجدير بالذكر أن كونفوشيوس الذي يعد أول مفكر ومعلم عظيم في التاريخ الصيني ولد في أواخر عصر الربيع والخريف. طرح كونفوشيوس مجموعة كاملة من الأفكار حول الأخلاق والمشاكل الاجتماعية والسياسية بعد تلخيص الأفكار القديمة والنظر في الأوضاع الاجتماعية المضطربة في عصره، و بذلك شكل المذهب الكونفوشي المشهور.
وبدأ عصر الممالك المتحاربة من عام 403 قبل الميلاد وانتهى في عام 221 قبل الميلاد عندما أسست مملكة تشين بعد ابتلاعها جميع الممالك الست الأخرى.
واشتدت النزاعات على السلطة بين الممالك الكثيرة في عصر الممالك المتحاربة، وابتلع الكثير من الممالك الصغيرة وبقت أخيرا سبع ممالك كبيرة فقط وهي تشين وتشو ويان وهان وتشاو ووي وتشي. وتسارعت الممالك السبع إلى القيام بالإصلاح وكانت مملكة تشين متفوقة على غيرها في الإصلاح.
وبالرغم من الحروب المستمرة شهد عصر الممالك المتحاربة ظهور طبقة اجتماعية جديدة ألا وهي طبقة المثقفين والمفكرين، ونشط هؤلاء المثقفين والمفكرون في نشر أفكارهم وشكلوا وطوروا مذاهب عديدة أهمها مذهب كونفوشيوس ومذهب داو ومذهب فا ومذهب مو، مما أدى إلى ازدهار فكري. ولم تساهم هذه المذاهب الفكرية في دفع التقدم السياسي والتنمية الاجتماعية في هذا العصر فحسب، بل أحدثت تأثيرات بعيدة المدى ما زالت مستمرة حتى اليوم.
وبدأ ينغ تشنغ ملك تشين مشواره في توحيد البلاد في عام 230 قبل الميلاد، وبعد تسع سنوات من الجهود، أسقط الممالك الست الأخرى وأعاد توحيد البلاد كلها في عام 221 قبل الميلاد بعد أن شهدت انشقاقا استمر حوالي 600 سنة.
تشين – أول مملكة إقطاعية في الصين
في عام 221 قبل الميلاد، أسست مملكة تشين وهي أول مملكة اقطاعية مركزية السلطة في الصين، إيذانا بنهاية المجتمع العبودي الذي استمر حوالي 2000 سنة. ويتحلى قيام مملكة تشين بأهمية كبيرة جدا في التاريخ الصيني.
وكانت الفترة ما بين عامي 255 و222 قبل الميلاد متزامنة مع عصر الممالك المتحاربة وأيضا المرحلة الأخيرة من المجتمع العبودي. وظهرت خلال تلك الفترة ممالك صغيرة مستقلة كثيرة تتحارب مع بعضها البعض ولم تبق في نهاية الأمر إلا سبع ممالك كبيرة وهي تشين وتشي وتشو ووي ويان وهان وتشاو. وكانت مملكة تشين قد سبقت الممالك الأخرى في اجراء الإصلاحات الزراعية والعسكرية وزادت قوتها بسرعة. ونصب ينغ تشنغ ملكا لتشين في عام 247 قبل الميلاد عندما كان في ال13 من عمره، وكثف الملك استعداداته لتنفيذ خطته الطموحة المتمثلة في توحيد البلاد عندما كان في ال22 من عمره، حيث أولى اهتماما كبيرا لاستقدام الأكفاء والنبغاء، وعلى سبيل المثال، فإنه فوض تشنغ قوه الذي ينحدر من مملكة هان بإنشاء قناة ري حولت أكثر من 40 ألف هكتار من الأراضي المالحة إلى أراض خصبة، مما وفر ظروفا مادية لازمة لتوحيد البلاد. وخلال الفترة ما بين عامي 230 و221 قبل الميلاد، أسقط الملك ينغ تشنغ ممالك هان وتشاو ووي ويان وتشو وتشي على التوالي وحقق حلمه بتوحيد البلاد، وأسس مملكة موحدة ومركزية السلطة، وأصبح بذلك أول إمبراطور في التاريخ الصيني، فسمي "الإمبراطور الأول".
وقدمت مملكة تشين الموحدة مساهمات كبيرة للتقدم الاجتماعي الصيني. وبعد توحيد البلاد، أعلن الإمبراطور الأول إلغاء نظام الاقطاعات وتبني نظام المقاطعات والمحافظات حيث قسمت البلاد إلى 36 مقاطعة تضم كل منها عددا من المحافظات ويختار ويعين الإمبراطور المسؤولين في المناصب المختلفة بالسلطة المركزية والمقاطعات والمحافظات على ألا تورث هذه المناصب. وجدير بالذكر أن نظام المقاطعات والمحافظات الذي استحدثته مملكة تشين ظل مستمرا خلال حوالي 2000 سنة من التاريخ الإقطاعي الصيني وما زال الكثير من الأسماء التي أطلقتها المملكة على المحافظات مستخدمة حتى اليوم.
وتتمثل مساهمة هامة أخرى قدمتها مملكة تشين للمجتمع الصيني في توحيد المقاطع الصينية. وكانت المقاطع الصينية تختلف من ملكة لأخرى قبل تأسيس مملكة تشين، ورغم أن هذا الاختلاف ليس كبيرا إلا أنه أعاق التبادل والنشر الثقافي. وبعد توحيد البلاد، حددت مقاطع تشين كلغة رسمية تستخدم في كل أنحاء البلاد. ومنذ ذلك الوقت، أصبحت للصينيين لغة موحدة.
كما قامت مملكة تشين بتوحيد مقاييس الطول والوزن والكيل والعملات والقوانين، الأمر الذي وفر ظروفا ملائمة للتنمية الاقتصادية في البلاد كلها وعزز مكانة السلطة المركزية بشكل كبير.
ومن أجل تعزيز الحكم الاستبدادي فكريا، أمر الإمبراطور الأول بإحراق جميع الكتب والوثائق التاريخية والفكرية التي لا تعجبه حتى أمر بقتل من أقبلوا على حفظها ونشرها. ومن أجل حماية البلاد من غزو العشائر التي كانت تعيش شمالي البلاد، أمر الإمبراطور الأول بترميم وربط الأسوار التي قد بنتها ممالك تشين وتشاو ويان لتصبح سورا طويلا يمتد من الصحراء غربا إلى الساحل شرقا. واستخدم موارد بشرية ومادية هائلة في بناء مقبرة له على جبل ليشان. وجدير بالذكر أن أطلال هذه المبقرة أدرجت ضمن قائمة التراث العالمي.
ومع قيام مملكة تشين انتهى وضع الانشقاق الذي استمر فترات طويلة وظهرت إمبراطورية إقطاعية قوية يتعايش فيها أبناء قومية هان الرئيسية والأقليات القومية المتعددة، ودخل التاريخ الصيني مرحلة جديدة.
هان
أسس ليو بانغ في عام 206 قبل الميلاد مملكة هان (الغربية) وعاصمتها تشانغ آن. وبقي ليو بانغ الملقب ب"الإمبراطور قاو" على العرش سبع سنوات حيث عزز السلطة المركزية وانتهج سياسة "إسعاد الشعب". وبعد وفاته في عام 195 قبل الميلاد، تولت زوجته لو تشي السلطة الحقيقية بالمملكة لمدة 16 سنة، وتعد لو واحدة من الحاكمات القليلات في التاريخ الصيني.
وبفضل سياسة "إسعاد الشعب"، ازدهر الاقتصاد في المملكة خلال فترة إمبراطوري ون وجينغ. وفي عام 141 قبل الميلاد، اعتلت ليو تشه العرش وهو لقب ب"الامبراطور وو". وركز الامبراطور وو على مواجهة شيونغنو وهي قومية قديمة كانت تعيش شمال المملكة وكثيرا ما تعتدى عليها. وانتصرت قوات المملكة بقيادة الجنرالين وي تشينغ وهو تشيبينغ أخيرا على شيونغنو الأمر الذي وسع أراضي المملكة وضمن التطور الاقتصادي والثقافي في مناطق شمال المملكة. ثم تحول الإمبراطور إلى تنمية الزراعة وشهد اقتصاد المملكة نموا مستمرا. وبلغ اقتصاد المملكة ذروته في فترة الامبراطور تشاو.
وتزامن مع الازدهار الاقتصادي في المملكة ازدياد قوى حكام الأقاليم إلى حد بات يهدد السلطة المركزية. وفي العام 8 الميلادي، استولى وانغ مانغ المسؤول الكبير على العرش بواسطة انقلاب وحول اسم المملكة إلى شين.
تعتبر مملكة هان الغربية إحدى الممالك القوية في التاريخ الصيني بفضل انتهاج أباطرتها سياسة إسعاد الشعب، حيث عاش الشعب حياة رغدة واستقرت الأوضاع السياسية. جدير بالذكر أن الامبراطور وو تبنى اقتراح الوزير دونغ جونغ شو حول دعم المذهب الكونفوشي والابتعاد عن المذاهب الأخرى، ومنذ ذلك الوقت، أصبح المذهب الكونفوشي مذهبا فكريا التزم به حكام جميع الممالك.
وبفضل التطور الاقتصادي والاستقرار السياسي، شهدت الصناعات اليدوية والتجارة والفنون والعلوم الطبيعية تقدما كبيرا في عهد مملكة هان الغربية، وبدأ التبادل التجاري والإتصالات الدبلوماسية مع الدول في غرب آسيا عبر طريق الحرير.
وفي عام 25 الميلادي، تمكن ليو شيو وهو من الأسرة الملكية بمملكة هان الغربية من الاستيلاء على العرش من وانغ مانغ وأعاد اسم المملكة إلى هان (الشرقية)، ونقل عاصمتها إلى لو يانغ. وأجرى ليو شيو الملقب ب"الامبراطور غوانغ وو" إصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية، مما عزز السلطة المركزية وحقق استقرار الأوضاع.
وبعد سنوات عديدة من التنمية، بلغت مملكة هان الشرقية مستوى مملكة هان الغربية في منتصف القرن الأول الميلادي، بل تجاوزتها اقتصاديا وثقافيا وعلميا. وطور تشاي لون فن صناعة الورق في عام 105 فأصبح الورق بدلا من شرائح البامبو مادة رئيسية للسجلات المكتوبة في الصين، علما بأن الفن الصيني لصناعة الورق انتشر فيما بعد إلى المناطق الأخرى في العالم باعتباره أحد الاختراعات الصينية العظيمة الأربعة. وفي مجال العلوم الطبيعية، حقق العلماء في هذا العهد وأشهرهم تشانغ خنغ منجزات هامة متمثلة في كرة فلكية تعمل بالطاقة المائية وآلة لرصد الزلزال. أما في مجال الطب، فيعد هوا توه الذي عاش في أواخر عهد مملكة هان الشرقية أول طبيب جراح يستخدم التخدير.
مملكتا وي وجين والأسر الجنوبية والشمالية
استمرت مملكتا وي وجين من عام 220 حتى عام 589. وكانت مملكة هان الشرقية قد بدأت تضمحل في أواخر القرن الثاني، حيث دخل التاريخ الصيني فترة طويلة من الانشقاق. وانقسمت المملكة إلى ثلاث ممالك وهي وي وشو ووو، وانتهت الانقسامات عند قيام مملكة جين الغربية ولكن لم يستمر الوضع سوى وقت قصير جدا حتى عادت الانقسامات مرة أخرى، حيث أسست أسرة جين الغربية مملكة جين الشرقية في المناطق جنوب نهر اليانغتسي في حين بدأت مناطق شمال النهر تشهد اندلاع حروب عديدة بين القوميات المختلفة وقيام سلطات كثيرة تسمى /الدول ال16/.
شهد الاقتصاد في الجنوب خلال هذه الفترة تطورا كبيرا، بينما بدأ أبناء الأقليات القومية في المناطق الغربية والشمالية النائية ينتقلون الى المناطق الداخلية الأمر الذي دفع الاندماج بين القوميات المختلفة. وفي المجال الثقافي، كان علم الميتافيزقيا (ما وراء الطبيعة) ينتشر خلال هذه الفترة ويتطور الدينان البوذي والطاوي مع أن الدين البوذي حظي بحماية من معظم الحكام. وفي المجالين الأدبي والفني، ظهر خلال هذه الفترة العديد من الشعراء والخطاطين والرسامين المشاهير.
وفي المجال العلمي، توصل زو تشونغتسي إلى رقم دقيق جدا للنسبة بين المحيط والقطر وألف جيا سيشيه كتابا حول العلوم الزراعية يعتبر أحد الكتب الزراعية العظيمة في العالم.
وتضم الأسر الشمالية وي الشمالية (وي الشرقية والغربية) وتشي الشمالية وتشو الشمالية، أما الأسر الجنوبية فتضم سونغ وتشي وليانغ وتشن.
وتطور الاقتصاد في الجنوب بسرعة أكبر مما في الشمال، لأن سكان المناطق الداخلية المتقدمة توافدوا على الجنوب هربا من الحروب وجلبوا تقنيات إنتاج متقدمة.
والنقطة البارزة في المجال الثقافي هي تطور علم الميتافيزقيا، كما تم تحقيق منجزات كبيرة في مجال الأدب خاصة الشعر.
وازدهر التبادل مع العالم الخارجي في هذه الفترة، وتوسع نطاق التبادل إلى اليابان وكوريا شرقا وآسيا الوسطى وداتشين (روما) غربا إضافة إلى المناطق جنوب شرقي آسيا.
ويعتبر عهد الأسر الجنوبية والشمالية أحد العهود القليلة جدا في التاريخ الصيني والتي تشهد انقساما بين الجنوب والشمال، ورغم أن الانقسام قد أبطأ التطور الاقتصادي إلا أن احتلال عشائر المناطق النائية للمناطق الداخلية وسيطرتها عليها قد أتاحت فرصة سانحة للاندماج الكبير بين القوميات في مناطق حوض النهر الأصفر، حيث اندمجت عشائر شمال الصين تدريجيا مع قومية هان الرئيسية. ويمكن القول أن الانقسام بين الجنوب والشمال لعب دورا هاما جدا في تسريع الوحدة القومية ويعد هذا العهد حلقة هامة لا غنى عنها في عملية تقدم الأمة الصينية.
سوي وتانغ
استمرت مملكة سوي 37 سنة فقط منذ تأسيسها في عام 581 حتى اضمحلالها في عام 618. ومن بين المساهمات التي قدمها مؤسس المملكة الإمبراطور ون إلغاء نظام المسؤولين الست في مملكة تشو الشمالية واستحداث نظام الوزارات الثلاث الكبيرة والوزارات الست الصغيرة وتخفيف العقوبات القاسية الواردة في القوانين إضافة إلى إنشاء نظام جديد لاختيار المسؤولين عبر الإمتحان. أما الإمبراطور يانغ وهو الثاني والأخير للمملكة فلم ينجز شيئا إلا شق قناة كبرى. واشتهر هذا الامبراطور في التاريخ الصيني بتصرفاته القاسية والوحشية التي أدت إلى مقتله خنقا وهلاك المملكة.
وأسست مملكة تانغ في عام 618 واستمرت 289 سنة، وينقسم هذا العهد إلى فترتين الأولى المزدهرة قبل تمرد آنشي والثانية المتردية بعد التمرد. وكانت المملكة قد أسست على أيدي الإمبراطور قاو وتم توحيد البلاد على أيدي الإمبراطور تاي بعد جهود عسكرية استمرت عشر سنوات. وتمكن الإمبراطور تاي من تحقيق الاستقرار السياسي والتطور الاقتصادي والتقدم الثقافي في البلاد وجعل المملكة متقدمة في العالم سياسيا واقتصاديا وثقافيا، واستمر الوضع على حاله حتى عصر الإمبراطور شيوان قبل حدوث تمرد آنشي الذي أدى إلى زوال المملكة.
انتهج أباطرة مملكتي سوي وتانغ سياسة خارجية منفتحة حيث تكثفت التبادلات الثقافية مع العالم الخارجي. وجدير بالذكر أنه في المجال الأدبي قد بلغ الشعر ذروته في عهد تانغ ومن أشهر شعراء ذلك العهد تشن زيآنغ في سنواته الأولى ولي باي ودو فو في سنواته المزدهرة وباي جي يي ويوان تشن في سنواته المتوسطة ولي شانغ ين ودو مو في سنواته الأخيرة. كما برز في هذا العهد الكثير من الخطاطين والرسامين وأعمال موسيقية ورقصية. وفي المجال العلمي، اخترع الصينيون في هذا العهد فن الطباعة والبارود اللذين يعتبران من الاختراعات الصينية العظيمة الأربعة.
وساد الاضطراب السياسي في سنوات تانغ الأخيرة حيث تتالت النزاعات الحزبية وظاهرة استيلاء الخصيان على السلطة وتمردات الفلاحين. واستسلم أحد زعماء التمرد للأسرة المالكة ثم دبر انقلابا ونصب نفسه إمبراطورا وأسس مملكة ليانغ الأخيرة إحدى الممالك الخمس بعد عهد تانغ.
سونغ
أطاح الجنرال تشاو كوانغ ين بنظام أسرة تشو الأخيرة وأعلن قيام مملكة سونغ ونجح في إنهاء وضع الانقسامات في فترة الأسر الخمس والدول العشر. واستمرت سونغ 319 سنة قبل هلاكها على أيدي مملكة يوان في عام 1279 وانقسمت إلى عهدي سونغ الشمالية وسونغ الجنوبية. تزامنت مع عهد سونغ الشمالية مملكة لياو (947 -1125) التي أسسها أبناء قومية تشيدان في مناطق شمالي سونغ ومملكة شيا الغربية (1038-1227) التي أسسها أبناء قومية دانغشيانغ في مناطق شمال غربي سونغ ومملكة جين (1115-1234) التي أسسها أبناء قومية نيوه تشن. وقضت جين على لياو في عام 1125 واحتلت قواتها عاصمة سونغ في عام 1127 واختطفت إمبراطور المملكة إيذانا بنهاية عهد سونغ الشمالية. وفرت أسرة سونغ الملكية إلى مدينة لين آن (مدينة هانغتشو الحالية) لتدخل المملكة عهد سونغ الجنوبية. ورغم أن عددا من الجنرالات طمحوا في إستعادة المناطق الشمالية المحتلة وبذلوا جهودا كبيرة لتحقيق طموحاتهم ولكنهم لم يحصلوا على دعم كاف من الأسرة الحاكمة الضعيفة.
ومما تجدر الإشارة إليه في الفترة المذكورة التقدم العلمي والتكنولوجي المتمثل في تقنية الطباعة بالحروف المتحركة التي لم يستوعبها الأوروبيون إلا بعد ذلك ب400 سنة وأول مرصد فضائي في العالم اخترعه سو سونغ وكتاب علمي ألفه شن كوه. وفي المجال الثقافي انتشرت في هذه الفترة مذاهب فلسفية حيث ظهر عدد من الفلاسفة مثل تشو شي ولو جيو يوان، وانتشر في هذه الفترة أيضا الدين الطاوي والدين البوذي والأديان الأجنبية. وألف أو يانغ شيو من عهد سونغ الشمالية كتابا تاريخيا حول مملكة تانغ وألف سي ما قوانغ موسوعة تاريخية مهمة جدا حول التاريخ الصيني. وفي المجال الأدبي، ظهرت في هذه الفترة دفعة من الأدباء المشهورين بالنثر مثل أو يانغ شيو وسو شي، وبلغ شعر "تسي" ذروته بظهور عدد كبير من الشعراء مثل يان تشو وليو يونغ وتشو بانغ يان ولي تشينغ جاو وشين تشي جي. كما شهدت هذه الفترة تطور الرواية والأوبرات. وأكثر الرسوم عددا في هذه الفترة كانت رسوم الجبال والأنهار والأزهار والطيور وأشهرها رسم بعنوان "عيد تشينغ مينغ على جانبي النهر".
يوان
أسس تيه مو تشن المنغولي مملكة للمنغول في عام 1206 تم تحويل اسمها إلى يوان عام 1271 ، وقضت يوان على سونغ عام 1279 واتخذت دا دو (بكين حاليا) كعاصمة لها.
وكان أبناء قومية منغوليا يقطنون في المناطق الشمالية النائية، وتغلب تيه مو تشن على القبائل الأخرى ووحد تلك المناطق وأسس مملكة للمنغول وأطلق علي نفسه لقب "تشن جي سه هان". وسبق لقوات المملكة أن اقتحمت مناطق آسيا الوسطى وأوروبا الشرقية وفارس، ولكن هذه المملكة العملاقة التي مركزها خه لين (في جمهورية منغوليا حاليا) انقسمت بسرعة إلى عدة ممالك مستقلة تخضع اسميا لحكم إمبراطور المملكة.
وما زالت الصين في عهد يوان كما كانت في عهدي تانغ وسونغ إحدى الدول الأكثر تطورا في العالم وازدادت كثافة التبادلات والتعاون الاقتصادي والثقافي بينها وبين الدول المجاورة، حيث وصل عدد السفراء والتجار الوافدين إليها إلى رقم لا سابق له. وجدير بالذكر أن العرب قد نقلوا في هذه الفترة الاختراعات الصينية الثلاثة الطباعة والبارود والبوصلة إلى أوروبا في حين نقلت علوم الفلك والطب والجبر العربية إلى الصين وانتشر الدين الإسلامي في البلاد أيضا، ولم تنحصر الاتصالات مع شبه الجزيرة العربية على الطرق البحرية حيث كان هناك طريق بري عبر مقاطعة يوننان جنوب غربي الصين. وكانت الأواني الخزفية الصينية قد نقلت إلى دول شرق افريقيا حتى المغرب. وفي عام 1275، وصل إلى الصين ماركو بولو وهو إبن تاجر من مدينة البندقية وأقام في الصين لمدة 17 عاما وألف كتابا حول ما رآه في الصين والكثير من الدول الآسيوية التي زارها وأصبح إحدى الوثائق التاريخية الهامة التي كان الغربيون يتعرفون من خلالها على الصين والدول الآسيوية.
وفي المجال الأدبي، اشتهر عهد يوان بالأوبرا حيث ظهر العديد من المؤلفين المشهورين الذين من بينهم قوان هان تشينغ ووانغ شيبو وباي بو وما تشييوان ومن روائع الأوبرات أوبرا "الفتاة المظلومة" و أوبرا "في الكبينة الغربية".
وكان الحكم المنغولي على أبناء قومية هان الرئيسية في البلاد قاسيا للغاية الأمر الذي أثار مقاومتهم وعمت انتفاضات الفلاحين البلاد كلها في عام 1333 وأخيرا نجح تشو يوان تشانغ زعيم إحدى الانتفاضات في الإطاحة بالحكم المنغولي وأسس مملكة مينغ.
مينغ
أسس تشو يوان تشانغ مملكة مينغ واعتلى العرش في نانجين عام 1368. وركز هذا الإمبراطور جهوده على تعزيز السلطة المركزية حيث لم يتردد في قتل المعارضين حتى كبار الجنرالات الذين كانوا قد ساعدوه على الإطاحة بالحكم المنغولي. ولما كان أحد أحفاده في العرش، تمرد عمه تشو لي واحتل العرش ثم نقل العاصمة من نانجين إلى بكين في عام 1421.
ورغم تعزز السلطة المركزية في عهد مينغ إلا أن السلطات المركزية كانت كثيرا ما تقع في أيدى الخصيان بسبب ضعف الأباطرة أو غباوتهم، الأمر الذي أدى إلى كثرة انتفاضات الفلاحين.
إن تشانغ جيوه تشنغ سياسي مشهور في عهد مينغ وقاد عملية إصلاحات سياسية وزراعية بهدف تخفيف شدة الصراعات الاجتماعية وخفف فعلا من الأعباء الملقاة على عاتق الشعب إلى حد معين.
وشهدت الزراعة في عهد مينغ تقدما مقارنة مع العهود الماضية، وازدهرت صناعتا الغزل والنسيج الحريري والفخار، كما تطورت صناعات التعدين والورق والسفن. وتكثفت التبادلات مع الخارج في المجالات الاقتصادية والثقافية حيث قاد الملاح تشن خه سبع رحلات بحرية وصلت إلى أكثر من 30 دولة آسيوية وافريقية. وقد تعرضت الصين بعد منتصف عهد مينغ لاعتداءات من قبل اليابان وإسبانيا والبرتغال وهولندا وغيرها من الدول.
والجدير بالذكر أن التجارة تطورت في عهد مينغ بسرعة وظهرت بوادر الرأسمالية. وفي السنوات الأولى من هذا العهد، كانت هناك مساحة كبيرة من الأراضي قد نزعت من أصحابها، فوزعت الأسرة الملكية هذه الأراضي على الفلاحين وخفضت وأعفت الرسوم والضرائب، الأمر الذي أدى إلى ظهور عدد كبير من المزارعين المستقلين، في حين ادخلت من الدول الأجنبية زراعة التبغ والبطاط والذرة والفول السوداني وغيرها من المحاصيل الزراعية. كما تطورت الحرف اليدوية مثل صناعة الفخار وصناعة الغزل والنسيج إلى مستوى عال نسبيا حيث ظهرت مصانع للغزل والنسيح تمتلك عشرات الماكينات وعدد كبير من العمال المهرة، الأمر الذي يعتبر بداية للرأسمالية. وكانت أنواع السلع في عهد مينغ كثيرة جدا وكان تداول السلع نشطا وبرز الكثير من المراكز التجارية المزدهرة مثل بكين ونانجين وسوتشو وهانغتشو وقوانغتشو.
وفي المجال الأدبي، اشتهر عهد مينغ بالروايات الطويلة، حيث تم تأليف "أبطال على شاطئ البحيرة" و"الحج إلى الغرب" و"قصص الممالك الثلاث" و"اللوطس الذهبي" وغيرها من روائع الروايات والقصص. كما ظهر في عهد مينغ الكثير من العلماء مثل الملاح شيوه شيا كه وعالم الطب لي شي تشن مؤلف "الخلاصة الوافية في العقاقير الشافية" وعالم الزراعة شويه قوانغ تشي وعالم التقنيات الصناعية سونغ اينغ سينغ.
وفي السنوات الأخيرة من عهد مينغ، تفاقمت ظاهرة مصادرة الأراضي حيث فقد الكثير من المزارعين أراضيهم وازدادت الرسوم والضرائب واشتدت الصراعات الاجتماعية وتعرضت المعارضة لقمع قاس.
وفي عام 1627، حدثت كارثة الجفاف في مقاطعة شنشي ولكن الحكومات المحلية أصرت على جباية الرسوم والضرائب الأمر الذي أثار تمردا جماهيريا وانضم آلاف الفلاحين الجياع إلى التمرد. وفي عام 1644، اقتحم المتمردون بكين واضطر الإمبراطور الأخير لمملكة مينغ إلى شنق نفسه.
تشينغ
استمرت مملكة تشينغ 268 سنة من عام 1644 حتى عام 1911، حكم خلالها 12 إمبراطورا.
وكان نورهاتش زعيم قومية مان في شمال شرقي الصين قد أسس مملكة جين الأخيرة عام 1616، وتم تحويل اسم المملكة إلى تشينغ في عام 1636. وانتهزت القوات المسلحة لتشينغ فرصة القتال بين المتمردين وقوات مملكة مينغ واقتحمت المناطق الداخلية واستولت على بكين في عام 1644، ثم قمعت أسرة تشينغ الملكية القوات المعارضة لها في كل أنحاء البلاد تدريجيا ووحدت البلاد أخيرا. وجدير بالذكر أن مساحة المملكة سبق لها أن بلغت 12 مليون كيلومتر مربع.
ومن أجل تخفيف الصراعات الاجتماعية، اتبعت أسرة تشينغ في سنواتها الأولى سياسة تحفيز الزراعة واستصلاح الأراضي وإعفاء وخفض الرسوم والضرائب، وبذلك حققت التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المناطق الداخلية والنائية بعض التقدم. وفي منتصف القرن ال18، وصل مستوى التطور الاقتصادي في المملكة إلى ذروة جديدة، إضافة إلى توطيد نظام السلطة المركزية وتعزز قوة البلاد والاستقرار الاجتماعي، وبلغ عدد سكان المملكة حوالي 300 مليون نسمة في السنوات الأخيرة من القرن ال18.
وفي عام 1661، شنت السفن الحربية الصينية هجوما مفاجئا على المستعمرين الهولنديين الذين احتلوا جزيرة تايوان لمدة 38 سنة، واستسلم الهولنديون في العام التالي وعادت الجزيرة إلى حضن الوطن الأم.
وفي أواخر القرن ال16، توسعت روسيا شرقا واحتلت بعض المناطق شمال الصين، وشن كانغ شي امبراطور مملكة تشينغ هجومين متتاليين لاستعادة تلك المناطق المحتلة في عامي 1685 و1686، وأجرى الجانبان الصيني والروسي محادثات في عام 1689 حيث وقعا بشكل رسمي على أول معاهدة بشأن الحدود بين البلدين.
ونجح الإمبراطور تشيان لونغ في توحيد منطقة شينجيانغ شمال غربي الصين بعد أن كبح النشاطات الإنفصالية والتمردية في المنطقة ثم اتخذ سلسلة من السياسات والاجراءات للتنمية الاقتصادية والثقافية هناك.
وشهد عهد تشينغ منجزات فكرية وثقافية عظيمة، وبرزت مجموعة من المفكرين أشهرهم وانغ فوتشي وهوانغ زونغشي وقو يان وو وداي تشن ومجموعة أخرى من الأدباء أشهرهم تسياو شيوه تشين ووو جينغزي وكونغ شانغرن وشي تاو. كما شهد هذا العهد منجزات عديدة في المجال العلمي والتكنولوجي خاصة في مجال البناء المعماري.
وكانت مملكة تشينغ تعتمد اقتصاديا على الزراعة وتدعو إلى الأعراف الإقطاعية الأثيمة ثقافيا وتنتهج سياسة الإنغلاق والانعزال في العلاقات الخارجية.
واشتدت الصراعات الاجتماعية المختلفة وتواصل التمرد في أواخر عهد تشينغ.
وزادت الأمر سوء حرب الأفيون في عام 1840 والاعتداءات الفرسية على البلاد، واضطرت المملكة إلى توقيع سلسلة من المعاهدات غير العادلة مع المعتدين حول التخلي عن الأراضي ودفع التعويضات وفتح الموانئ التجارية، وأصبحت البلاد جراء ذلك مجتمعا شبه إقطاعي وشبه مستعمر. ولجأت الأسرة الملكية إلى الإصلاحات ولكن جميع الجهود في هذا السياق باءت بالفشل ، فشهدت البلاد ظهور موجة وطنية عارمة لا مثيل لها وانفجرت ثورة في عام 1911 أدت إلى سقوط الأسرة الملكية. وبذلك انتهى النظام الإقطاعي الذي دام أكثر من 2000 سنة في الصين ودخلت البلاد مرحلة جديدة في التاريخ.
|