CRI Online
الباب السادس عشر: القصص الشعبية
أساطير الأولين في الصين

ثقب الخشب لاشعال النار 

كان الانسان البدائي لا يعرف النار ولا يعرف استخدامها، وكان الظلام يلف كل شئ في الليل.

وتقول الاسطورة ان الها كبيرا اسمه فو شي شعر بالحزن الشديد برؤية الناس على الارض يعيشون بصعوبة، وقرر تعريفهم باستخدام النار، لذلك، ابرقت الدنيا وارعدت حيث سقط الرعد على الاشجار واشعل النار فيها وامتدت النار لمسافة كبيرة. وكان الناس يشعرون بخوف شديد، لكن شابا شجاعا اقترب من النار، وشعر بالدفء، وقال للآخرين بسعادة: اقتربوا! ان النار غير مخيفة، انها دافئة ومنيرة! حينئذ، وجد الآخرون حيوانات برية مشوية، فتجمعوا بجانب النار وتمتعوا بلحوم الحيوانات البرية المشوية حيث ادركوا اهمية النار، فجمعوا الاغصان للحفاظ على توقد النار، لكن النار خمدت بسبب اهمال الشخص المناوب، وعانى الناس من جديد من الظلام والبرد.

وتضيف الاسطورة ان الاله فو شي شاهد كل هذا وتراءى للشاب الذى وجد اهمية النار في الحلم وقال له: "هناك دولة سويه مينغ في اقصى الغرب توجد فيها شعلات النار، يمكنك الذهاب الى هناك للحصول على الشعلات"، واستيقظ الشاب وقرر الذهاب الى دولة سويه مينغ للبحث عن النار.

وصل الشاب الى دولة سويه مينغ بعد التغلب على صعوبات كثيرة ، لكنه لم يجد شمسا، ولا ليلا ولا نهارا، ووجد الظلام يلف كل مكان، ولا توجد نار على الاطلاق. وشعر الشاب بخيبة الامل واستراح جالسا تحت شجرة تدعى "سوى مو" ، وفجأة رأى عدة عصافير تنقر الشجرة بحثا عن طعام وخلال نقرها كانت شرارات تتطاير من الجذع الصلب، لذلك، اسرع الشاب الى جمع بعض الاغصان الحادة واخذ يحاول ثقب جذع الشجرة كما فعلت العصافير، لم يتطاير الشرار في البداية لكن الشاب واصل عمله مثابرا الى ان ظهرت النار اخيرا، ونزلت دموع السعادة من عيني الشاب.

وعاد الشاب الى مسقط رأسه بالنار التى لن تخمد، عاد بوسيلة اشعال النار بثقب الخشب، وشكر الناس كثيرا وجعلوه زعيما لهم واطلقوا عليه اسم "سوى رن" يعنى "مشعل النار".

الامبراطوران ياو وشون يتنازلان عن العرش

خلال التاريخ الاقطاعي الطويل في الصين، كان الابن يرث عرش ابيه الملك. لكن وراثة العرش بين الاباطرة الثلاثة الاوائل في الاساطير الصينية "ياو" و"شون" و"يوى" لم تكن هكذا، بل كانت الجماهير تختار من يتمتع بالاخلاق والكفاءة لاعتلاء العرش.

تقول الاسطورة ان ياو كان اول امبراطور في الصين يجمع زعماء مختلف القبائل لمناقشة مسألة وراثة العرش بعد ان تقدم به العمر.

وقال احد الحاضرين له:"اعتقد ان ابنك دان تشو مناسب لوراثة عرشك لانه عاقل." ولكن ياو رفض هذا الترشيح قائلا:"لا، ابني غير مؤدب وهو مشاكس."

وبعد ذلك، رشح عدد من زعماء القبائل شابا يدعى "شون" لاعتلاء العرش، ووافق ياو قائلا:"نعم، سمعت ان هذا الشاب طيب وممتاز."

ولاحظ ياو تصرفات شون عبر طرق مختلفة وفي الاخير تأكد من انه مؤدب وكفأ فقرر ترك العرش له. واطلق المؤرخون الصينيون على هذا الاسلوب اسم "شان رانغ"(التنازل عن العرش).

وظل شون مجتهدا وعاش حياة بسيطة عادية بعد اعتلاء العرش ويعمل مثل الآخرين مما أكسبه ثقة الجماهير، وبعد عدة سنوات، توفي ياو، وقرر شون ترك العرش لابن ياو "دان تشو" لكن الجماهير رفضت، وعندما كبر شون، اختار "يوى" خليفة له عبر نفس الاسلوب.

وفي عهود "ياو وشون ويوى" اطمأن الناس على حالهم بدون خوف من الصراع على العرش، وعاش الاباطرة حياة بسيطة وجميلة بين رعاياهم.

خمسة جبال سحرية

هذه اسطورة تتحدث عن الدنيا في قديم الزمان وتقول ان الناس كانوا يعيشون سلام عندما خلقت الالهة "نيوى وا"-- سلف الانسان المخلوقات، وفي يوم من الايام انشقت السماء والارض، وانبثق لهب شديد من جوف الارض وأحرق الغابات، وتدفقت الفيضانات وجرفت الجبال، واستبدت الاشباح والشياطين والوحوش وعانى البشر من وضع مأساوي جدا.

وسمعت الالهة "نيوى وا" دعاء البشر فقتلت الاشباح والشياطين والوحوش وهدأت الفيضانات، وبعد ذلك بدأت مشروعا عظيما -- ترقيع السماء.

فجمعت قصبا كثيرا وراكمته حتى علا نحو السماء، وبعد ذلك بدأت تبحث عن الاحجار الزرقاء التى يشبه لونها لون السماء، لكنها لم تجد احجارا زرقاء كافية على الارض، فاضطرت الى جمع الاحجار البيضاء والصفراء والحمراء والسوداء ووضعتها فوق القصب وأشعلته لصهر الاحجار وملأت الاحجار المنصهرة شق السماء.

ورغم نجاحها في سد الفجوة السماوية لكن السماء لم تعد مثلما كانت عليه، حيث مالت نحو الشمال الغربي فذهبت الشمس والقمر الى هناك تلقائيا، وانهار جنوب شرق الارض حتى تشكلت حفرة كبيرة، لذلك جرت مياه الانهار والجداول الى جنوب شرق الارض، وتشكل محيط هناك.

وفي شرق بحر بوهاى هاوية لا قاع لها تدعى "قوى شيوى" (هاوية العودة)، وفي هاوية قوى شيوى خمسة جبال سحرية وهى "داى يوى" و"يوان تشياو" و"فانغ هو" و"يينغ تشو" و"بنغ لاي"، ويلبغ ارتفاع كل جبل ثلاثين الف لي وتصل المسافة بين جبل وآخر الى سبعين الف لي، وعلى هذه الجبال قصور ذهبية يسكنها آلهة كثيرون.

وتضيف الاسطورة ان كافة الطيور والحيوانات على هذه الجبال السحرية بيضاء، وتنمو عليها العديد من الاشجار العجيبة ذات الثمار المشابهة للاحجار الكريمة والآلئ، واذا اكلها الناس العاديون، عاشوا الى الابد. ويلبس الآلهة ملابس بيضاء خالصة، ولكل منهم جناحان صغيران فيمكنهم الطيران بحرية فوق البحر الواسع وتحت السماء الزرقاء مثل الطيور، كما يمكنهم زيارة الاقارب والاصدقاء بين هذه الجبال الخمسة. وكانت حياتهم سعيدة جدا.

لكن هناك مشكلة صغيرة، هى ان هذه الجبال السحرية تعوم على سطح البحر، وليس لها جذور، وسبب عدم الاستقرار هذا صعوبات لحياة الآلهة، فذهبوا الى امبراطور السماء ليشكوا من هذه المشكلة، وامر امبراطور السماء إله البحر "يوه تشيانغ" بارسال 15 سلحفاة كبيرة لحمل الجبال السحرية الخمسة، وبهذا، استقرت هذه الجبال، وعادت الحياة السعيدة الى الآلهة.

لكن في عام من الاعوام، جاء عملاق من بلد العمالقة "بلد لونغ بوه" الى هاوية "قوى شيوى" لصيد الاسماك، لكنه صاد ست سلاحف من البحر، واخذها معه، لهذا، ابتعد جبلا "داى يوى" و"يوان تشياو" الى القطب الشمالي وغرقا في البحر، فاضطر الآلهة الذين كانوا يسكنون على هاذين الجبلين الى نقل منازلهم.

وغضب امبراطور السماء غضبا شديدا بعد معرفته بهذا الحادث، وصب جام غضبه على ابناء بلد العمالقة لونغ بوه فقصر قاماتهم حتى لا يثيروا مشاكل اخرى. وظلت الجبال الثلاثة الاخرى آمنة ومستقرة على البحر الصين الشرقي بفضل السلاحف.

"بان قو" يفصل الارض عن السماء

يحكى انه في العهود الموغلة في القدم كانت السماء والارض صنوين لا ينفصلان، وكان الفضاء يشبه بيضة كبيرة، في داخلها ظلام دامس، لا يمكن من خلاله تمييز الاتجاهات. ونشأ في هذه البيضة الكبيرة بطل عظيم واسمه "بان قو" يفصل الارض عن السماء. واستيقظ بان قو بعد 18 الف سنة من النوم، ولم ير الا ظلاما حالكا، وشعر بحرارة شديدة حتى كاد يختنق، وكان يريد النهوض، لكن قشرة البيضة كانت تلف جسده بشدة، ولم يتمكن من مد يديه ورجليه، فغضب "بان قو" واخذ يلوح بفأس كانت معه ، وبعد ذلك سمع صوتا مدويا وانشقت البيضة فجأة، وتطايرت المواد الخفيفة والصافية الى الاعلى لتشكل السماء وسقطت المواد الثقيلة والعكرة الى الاسفل لتكون الارض.

وكان بان قو سعيدا جدا بعد انفصال الارض عن السماء، لكنه خاف من امكانية التقاء السماء والارض مرة اخرى في يوم ما، لذلك، وقف بين السماء والارض، وكان طوله يزداد عشرة امتار يوميا، ويزداد ارتفاع السماء وسمك الارض عشرة امتار يوميا ايضا، وبعد 18 الف سنة، اصبح بان قو عملاقا، وبلغ طوله 45 الف كيلومتر، وهكذا استقرت السماء والارض آخيرا، ويشعر بان قوه بالتعب الشديد لكنه مطمئن نسبيا، اما الاسطورة فقالت ان جسده الضخم انهار فجأة.

وبعد وفاة بان قو، اصبحت عينه اليسرى الشمس الحمراء، واصبحت عينه اليمنى القمر الفضي، وتحولت انفاسه الآخيرة الى رياح وسحب، واصبح صوته الاخير هدير الرعد، واصبح شعره ولحيته نجوما متلألئة، وتحول رأسه واطرافه الاربعة الى اربعة اقطاب للارض وجبال شامخة، وتحول دمه الى انهار وبحيرات، واصبحت عروقه طرقا، واصبحت عضلاته اراضي خصبة، واصبح جلده واوباره ازهارا واعشابا واشجارا، واصبحت اسنانه وعظامه معادن واحجارا كريمة، وتحول عرقه الى امطار وندى، ومن هنا تقول الاسطورة ظهور الدنيا.

الالهة "نيوى وا" تخلق البشر

تقول الاساطير اليونانية القديمة ان بروميثيوس خلق البشر، وفي اساطير مصر القديمة، خلق البشر من ادعية الالهة، وفي الاساطير اليهودية ، خلق يهوه البشر، لكن ماذا تقول اساطير الصين القديمة عن قصة الخلق؟

يحكى ان الالهة "نيوى وا" التى تتميز بجسد انسان وذيل تنين كانت تتجول بين السماء والارض بعد انفصالهما بسبب"بان قو"، ورغم وجود الجبال والانهار والنباتات والحيوانات على سطح الارض في ذلك الوقت، لكن الدنيا كانت راكدة وهامدة بسبب عدم وجود بشر، وفي يوم من الايام، شعرت "نيوى وا" بالوحدة وهى تتجول على الارض الساكنة، لذلك، قررت اضافة اشياء مفعمة بالروح والحيوية الى الدنيا.

كانت نيوى وا تسير على ضفة النهر الاصفر، ورأت صورتها المنعكسة على صفحة الماء، ولم تتمالك عن فرحتها، فقررت صنع دمى من الطين اللين على ضفة النهر، وكانت ذكية وماهرة، فصنعت الكثير من الدمى بسرعة، وكادت تلك الدمى تشبهها تماما، لكنها زودت الدمى باقدام بدلا من ذيل التنين، وبعد ذلك، نفخت نيوى وا عليها، واصبحت تلك الدمى حية تستطيع المشي والنطق وتتمتع بالذكاء والروعة، وسمتها نيوى وا"الانسان"، وادخلت نيوى وا الروح الذكرية-العنصر الذكري في الطبيعة، الى بعض الناس فاصبحوا رجالا، وادخلت الروح الانثوية- العنصر الانثوي في الطبيعة، الى بعضهم الآخر، فاصبحوا نساءا، وكان اولئك الرجال والنساء يرقصون بفرح وسروح حول الالهة نيوى وا، واضفوا النشاط والحيوية على الارض.

وارادت نيوى وا نشر البشر في كل انحاء الارض، لكنها كانت متعبة جدا، فوجدت طريقة سهلة جدا لذلك، اذ صنعت حبلا من الاعشاب ووضعته في طين النهر واخذت تلفه في الطين الى ان انغمر باكمله، ثم سحبت الحبل من النهر واخذت تهزه يمنة ويسرة، وتناثرت قطع الطين اللين هنا وهناك، واصبحت هذه القطرات حسبما تقول الاسطورة بشرا صغارا الحجم، وهكذا خلقت نيوى وا ناسا منتشرين في انحاء الارض.

ولم تكثف نيوى وا بذلك، وبدأت تفكر في كيفية استمرار الانسان جيلا بعد جيل، لان تلك المخلوقات ستموت عاجلا أو آجلا، لذلك، زوجت نيوى وا الرجال والنساء ليتناسلوا وتستمر دورة الحياة، وهكذا استمر البشر بالتناسل والازدياد يوما بعد يوم.

اسطورة الراعي والنساجة

كان هناك شاب فقير يعمل راعيا سعيدا في حياته، ولا يملك الا بقرة كبيرة السن ومحراثا، وكل يوم كان يعمل في الحقل ويعد طعامه ويغسل ملابسه بنفسه، وكانت حياته صعبة جدا، لكن في يوم من الايام حدث امر عجيب، فبعد عودة الراعي الى المنزل، وجد منزله نظيفا جدا، وملابسه مغسولة وطعامه معدا بشكل جيد وساخن على المائدة، فتعجب كثيرا وتساءل مع نفسه، هل نزل ملاك من السماء؟

واستمرت هذه الحالة عدة ايام، وقرر الراعي ان يستكشف حقيقة الامر، وفي يوم من الايام خرج من المنزل صباحا كالمعتاد، لكنه لم يذهب الى الحقل، بل اختفي في مكان قريب من المنزل.

وبعد قليل، جاءت فتاة جميلة، ودخلت منزله، وسارعت في تنظيف المنزل واعداد الاطعمة، لكن الراعي باغتها وسألها: "لماذا كل هذه المساعدة؟" وفوجئت الفتاة وقالت بخجل:"اسمى جي نيوى (النساجة)، عرفت ان حياتك صعبة، لذلك اتيت لمساعدتك." وفرح الراعي الشاب كثيرا، وقال بشجاعة:"اذن، تزوجينى، لنعمل ونعيش معا." ووافقت النساجة، وتزوجا، وكل يوم يخرج الراعي ليعمل في الحقول، وتبقى النساجة في البيت تنسج الاقمشة وتعد الاطعمة، وكانت حياتهما سعيدة جدا.

وبعد سنوات انجبت النساجة ولدا وبنتا، وعاشت الاسرة بمنتهى السعادة.

وفي يوم من الايام، غطت سحب سوداء كثيفة السماء فجأة، وهبت عواصف شديدة، وجاء شخصان من القصر السماوي واخذا النساجة الى السماء.

وكان الراعي حزينا جدا لمفارقة زوجته بهذه الطريقة، وقرر ان يعيدها لتجتمع العائلة من جديد، لكن، كيف يصعد الانسان العادي الى السماء؟

حينئذ، تدخلت البقرة الكبيرة السن التى تعيش مع الراعي وقالت له:"اذبحنى، واعمل من جلدي اجنحة، وبهذا يمكنك ان تطير الى القصر السماوي للبحث عن زوجتك." ورفض الراعي هذا طبعا، لكن البقرة اصرت علي ذلك، ولم تترك له اي خيار، فاضطر الراعي الى ان يفعل كما قالت البقرة.

ولبس الراعي جلد البقرة وحمل طفليه بسلتين مربوطتين بحبلين وعصا على كتفه وطار الى السماء بحثا عن زوجته الغالية في القصر السماوى، لكن لم يأبه به احد، ورفض امبراطور القصر السماوى لقاء الراعي بزوجته.

لكن الراعي وطفليه ناشدوه عدة مرات، ووافق الامبراطور السماوى اخيرا ان تجتمع العائلة لوقت قصير، ومر الوقت بسرعة، وامر الامبراطور بأخذ النساجة من جديد، وتعقبها الراعي الحزين مع طفليه، وكاد ان يلحق بها، لكن قرينة الامبراطور القاسية رسمت خيطا بدبوس الشعر لتفرق بينهما واصبح الخيط نهر المجرة العريض، ومنذ ذلك اليوم فصاعدا، لم يستطع الراعي والنساجة سوى الوقوف على جانبي نهر المجرة والتطلع لبعضهما البعض من بعيد، ويجتمعان مرة واحدة في السنة في اليوم السابع من الشهر السابع بالتقويم القمري الصيني، وفي ذلك اليوم، تطير عشرات الالاف من طيور العقعق اليهما لتبنى جسرا طويلا على نهر المجرة لمساعدة الزوجين الحبيبين على اللقاء.

كوا فو يلاحق الشمس

جاء في الاساطير القديمة ان هناك جبلا شامخا في البراري الشمالية، وتعيش في اعمق غاباته مجموعة من العمالقة يدعى زعيمها كوا فو، لذلك سميت هذه المجموعة بقبيلة كوا فو، وهم طيبو القلب ومجتهدون وشجعان ويعيشون حياة حرة.

وفي عام من الاعوام، كان الجو حارا جدا، حيث ترسل اشعة الشمس اشعتها مباشرة الى الارض، فاحترقت الاشجار وجفت الانهار، ومات معظم افراد قبيلة كوا فو من جراء شدة الحرارة، وبات رئيسهم كوا فو حزينا جدا وقرر ملاحقة الشمس واعتقالها ليجعلها تحت أمرة الانسان.

ودع كوا فو من تبقى من افراد قبيلته وتوجه نحو مشرق الشمس، وكانت الشمس تتحرك بسرعة لكن كوا فو كان عازما على ملاحقتها، ومر بجبال وتجاوز انهارا، وعندما تعب، نفض التراب عن حذاءه الى الارض، فتكون تل ترابي ضخم، والتقط ثلاثة احجار ليعمل موقدا لاعداد الطعام، فاصبحت الاحجار ثلاثة جبال شاهقة.

وواصل كوا فو مسعاه مثابرا على ملاحقة الشمس، وزادت ثقته مع الاقتراب منها، ولحق بها اخيرا، وشعر بسعادة لا توصف وهو يمد ذراعيه ليحضن الشمس لكنها في منتهى الحرارة وشعر كوا فو بالعطش والتعب وجرى الى النهر الاصفر وشرب كل مياهه، وجرى الى نهر وي خه وشرب كل مياهه لكنه ظل عطشانا، وجرى نحو الشمال الى البحيرات الواسعة، لكنه مات في الطريق.

وكان كوا فوه يشعر باسف بالغ على فراش الموت، وهو قلق على افراد قبيلته، لذلك رمى عصاه الخشبية، وفجأة، نبتت اشجار الخوخ في مكان سقوط العصا، وكانت تلك الاشجار نضرة طول السنة تشكل ظلالا للمسافرين وتخفف عطشهم.

تجسد قصة ملاحقة كوا فو للشمس ارادة الشعب الصيني في التاريخ القديم في التغلب على الجفاف، وظلت روح كوا فو تعيش الى الآن بين البشر المحبين للخير والعطاء.

انتصار الامبراطور هوانغ دي على تشي يو

كان العديد من العشائر والقبائل تعيش في حوضي النهر الاصفر ونهر اليانغتسي ويعتبر الامبراطور هوانغ دي اشهر زعيم قبلي في حوض النهر الاصفر ويليه الامبراطور يان دي، وهما شقيقان، وكانت في حوض نهر اليانغتسي قبيلة جيو لي ويدعى زعيمها تشي يو.

وكان لدى تشي يو 81 اخا كلهم اقوياء جدا، وهم مهرة في صنع الادوات الحربية مثل الخناجر والاقواس والسهام، وكان تشي يو يقود قبيلته القوية للاعتداء على القبائل الاخرى بين حين وآخر.

وفي يوم من الايام اعتدى تشي يو على اراضي الامبراطور يان دي لكن الاخير لم يكن ندا لتشي يو، ولجأ الى اراضي الامبراطور هوانغ دي في تشوه لو، فتحالف هوانغ دي مع زعماء مختلف القبائل لخوض معركة حاسمة مع تشي يو في سهل تشوه لو وهى معركة تشوه لو المشهورة.

وفي بداية المعركة، نجح تشي يوه بالتتابع اعتمادا على الاسلحة الممتازة والجنود الشجعان، لكن الامبراطور هوانغ دي دعا بعد فترة التنين وغيره من الحيوانات المفترسة لمساعدته، ولم يعد جنود تشي يو قادرين على مقاومة جيش هوانغ دي فلاذوا بالفرار.

وبعد عدة اشتباكات عنيفة، قتل هوانغ دي 81 اخا لتشي يو وقبض عليه حيا، وامر بقتله اخيرا، ودفن رأسه وجسده منفصلين خوفا من ان يخلق المتاعب بعد قتله.

وبعد ذلك، حظى الامبراطور هوانغ دي بدعم الكثير من القبائل، واصبح زعيما لكافة القبائل.

وكان الامبراطور هوانغ دي متعدد المواهب، وابدع الكثير من الاشياء مثل بناء القصور وصنع العربات والسفن والملابس الملونة، وكانت زوجته لي تسو مخترعة ايضا، ففي البداية لم يعرف الناس منافع دودة القز، وعلمت لي تسو الناس تربية دودة القز وحل الخيوط ونسج الحرير، وبذلك بدأت حضارة الحرير في الصين، وبعد ان اخترع هوانغ دي مقصورة، اخترعت مقصورة متحركة في الايام الممطرة الا وهى المظلة.

وتقدر الاساطير الصينية القديمة الامبراطور هوانغ دي اعظم التقدير، لذلك تعتبره الاجيال اللاحقة سلف الامة الصينية، وكانت قبيلتا هوانغ دي ويان دي قريبتين ثم اندمجتا، لذا، يسمى الصينيون انفسهم ابناء يان هوانغ، وبنى الصينيون ضريح هوانغ دي في مقاطعة شنشي بجانب النهر الاصفر احياء ذكرى جدهم الاول، ويتجمع الصينيون من كافة انحاء العالم قرب هذا الضريح كل ربيع احياء لذكرى سلف الامة الصينية.

هو يي يصيب تسع شموس

تقول الاستطورة القديمة انه ظهرت في قديم الزمان عشر شموس في السماء في آن واحد، واحرقت اشعتها الشديدة الزرع والضرع، ولم يستطع الناس التنفس بسبب الحرارة القاسية، وخرجت الكثير من الشياطين والوحوش المفترسة من الانهار والبحيرات الجافة والغابات الخانقة لايذاء البشر.

وامر امبراطور السماء اله السهام هو يي بالنزول الى الارض لتخليص البشر من الكارثة، فحمل هو يي القوس الاحمر الذى وهبه اياه امبراطور السماء وكيسا من السهام البيضاء، ونزل الى الارض مع زوجته الجميلة تشانغ أيه.

وبعد وصوله الى الارض، نصح هو يي الشموس العشر ان تشرق يوميا واحدة تلو الاخرى، حتى توفر الدفء والنور للارض ولا تحرقها، لكنها رفضت هذه النصيحة، واستعد هو يي الذى غضب على الشموس العشر لمحاربتها، ونزع القوس الاحمر من كتفه وأخرج السهام البيضاء من جعبته لاطلاقها على الشموس المغرورة، واصيبت تسع شموس على التوالي وسقطت وبقت في السماء شمس واحدة، وبهذا، تمكن البشر من العيش بسعادة، ويشعرون بالامتنان لهو يي.

وشعر الالهة الاخرون بالغيرة ازاء ما حققه هو يي وافتروا عليه عند امبراطور السماء ليبعده عنه، وقرر الامبراطور اخيرا انزال هو يي وزوجته تشانغ أيه الى عالم البشر الى الابد وعدم السماح لهما بالعودة الى السماء، واضطر هو يي وتشانغ أيه الى البقاء في عالم البشر والعيش بصعوبة.

رحلة تشانغ أيه الى القمر

يعتبر عيد تشونغ تشيو في اليوم الخامس عشر من الشهر الثامن حسب التقويم القمري الصيني من اكبر الاعياد التقليدية الصينية، وعادة ما يتجمع كافة افراد العائلة ويأكلون كعكة القمر (كعكة يوي بينغ) والفواكه ويتمتعون بالبدر التام المشرق الجميل، وهناك حكاية حول هذا العيد نسردها عليكم حسب الاسطورة القديمة:

تستمر الحكاية بطلي قصتنا السابقة وهما هو يي وتشانغ أيه، فمع مرور الايام، شعر هو يي بالاسف الشديد تجاه زوجته الحزينة، وسمع ان على جبل كونلون عشبا سحريا ويستطيع الانسان اذا تناوله الصعود الى السماء ليصبح الها، لذلك توجه الى جبل كونلون وجلب ذلك العشب، لكنه مع الاسف لم يكف الاثنين، وكان هو يي لا يريد الصعود الى السماء وحده، فحمل العشب الى البيت وخبأه.

لكن زوجته تشانغ أيه لم تعد تحتمل الحياة الفقيرة والصعبة، وعثرت على العشب السحري عندما خرج زوجها من البيت وتناولته، وفجأة، شعرت بانها خفيفة جدا ورفرفت نحو السماء ووصلت الى القمر في النهاية، ودخلت قصرا يدعى قوانغ هان قونغ واصبحت صاحبته.

وبقى هو يي وحده حزينا جدا في عالم البشر، ويعيش اعتمادا على الصيد وتعليم الصبيان اطلاق السهام، وكان بينهم شخص اسمه فنغ منغ يتقدم بسرعة، وشعر فونغ منغ بانه لن يصبح الاول في العالم طالما ظل استاذه هو يي حيا، لذلك سولت له نفسه قتل معلمه فقتله وهو سكران.

اما تشانغ أيه فظلت تعيش وحدها في القمر الهادئ واللطيف حتى اليوم، وتشتاق الى زوجها وحياتهما السعيدة بين حين وآخر، خاصة في اليوم الخامس عشر من الشهر الثامن القمري حيث يصبح القمر بدرا جميلا.

تصدى "قون" و"يوى" للفيضانات

تعتبر حكاية تصدى دا يوى للفيضانات ومعالجتها معروفة لدى كافة الصينيين، ويقال ان اباه قون كان بارعا في مواجهة الفيضانات ايضا.

وكانت الفيضانات كثيرة في التاريخ القديم في الصين واستمرت 22 عاما حيث اصبحت الارض محيطا واسعا اغرق الزرع والضرع، وكان الناس يواجهون صعوبات كبيرة في الاقامة والحياة، وتناقص عددهم بسرعة، وبات الملك ياو قلقا جدا وجمع زعماء مختلف القبائل لبحث سبل مواجهة الفيضانات، ورشحوا شخصا يدعى قون لتنفيذ هذه المهمة.

وفكر قون كثيرا لمواجهة الفيضانات وخطرت بباله فكرة مفادها "ردع الجنود بالقواد وصد المياه بالتراب"، لذلك، قرر بناء سد عال حول القرية لمواجهة الفيضايات، لكن، من اين يأتى بالتراب والحجارة لبناء السد العالي، حينئذ، ظهرت سلحفاة سحرية من المياه وقالت لقون: هناك شيء سحري يدعى "شي رانغ" في القصر السماوي، اذا حصلت عليه ورميته على الارض، فسينشأ بسرعة حتى يصبح جبلا وسدا، وشعر قون بسعادة بالغة لسماع هذا الكلام، وودع السلحفاة السحرية وتوجه الى الغرب البعيد.

وبعد رحلة شاقة وصل قون اخيرا الى جبل كونلون بالغرب حيث التقى امبراطور السماء وطلب منه منحه "شي رانغ" لكن امبراطور السماء رفض طلبه، ولمساعدة الناس على مواجهة الفيضانات، اضطر الى سرقة شي رانغ، واحضره الى الشرق ورماه في المياه، وبالفعل نشأ بسرعة كما قالت السلحفاة السحرية حتى يشكل سدا عاليا يقف بوجه الفيضانات ويحمى الناس.

وامر امبراطور السماء بسحب شي رانغ بعد ان عرف سرقته، فهدرت الفيضانات ودمر السد وخربت المزارع وغرق عدد كبير من الناس ومنازلهم، وغضب الملك ياو، وامر بسجن قون في جبل يوى شان، وقتله بعد ثلاث سنوات.

وبعد عشرين سنة، تنازل الملك ياو عن عرشه لشون، وكلف الملك شون دا يوى ابن قون لمواصلة السعى لمواجهة الفيضانات، وحصل دا يوى على "شي رانغ" من امبراطور السماء وكان دا يوى يعالج الفيضانات في البداية باستخدام السدود مثل ابيه، لكن الفيضانات ازدادت ولم تستطع السدود الصمود وانهارت بسرعة، وبعد عدة تجارب عرف دا يوى ان السد وحده لا يكفى، بل يجب صد بعض المياه وتصريف بعضها الاخر، لذلك، طلب من السلحفاة السحرية حمل شي رانغ معه والتوجه الى كل ارجاء البلاد، وبنى سدودا حول مساكن الناس في الاماكن المنخفضة، وفي الوقت نفسه ساعده التنين السحري في شق القنوات وتطهير الانهار لنقل المياه الى البحار.

يحكى ان دا يوى خرج من بيته في اليوم الرابع بعد زواجه لمواجهة الفيضانات، وخلال ثلاث عشرة سنة، مر بباب منزله ثلاث مرات ولم يدخل، وبعد التغلب على الشدائد والمتاعب، نجح دا يوى في معالجة الفيضانات وعاش الشعب سعيدا بفضل اعماله، وشكره واحترمه من حميم قلوبه، كما تنازل الملك شون عن عرشه حبا واكراما لدا يوى بسبب نجاحه في معالجة الفيضانات.

هو جي (ملك الحبوب) والمزروعات

تعتبر الحضارة الصينية القديمة حضارة زراعية، لذلك، تتعلق الكثير من الحكايات في الاساطير الصينية بالزراعة.

في قديم الزمان كان الانسان يعيش اعتمادا على صيد الحيوانات والاسماك وجمع الثمار البرية ولا يعرف الزراعة.

وكانت هناك فتاة جميلة اسمها جيانغ يوان، وفي يوم من الايام خرجت الفتاة لتلعب، ووجدت في طريق عودتها الى البيت اثار اقدام كبيرة، وشعرت بانها غريبة وممتعة، ووضعت قدميها على تلك الاثار، وعلى الفور شعرت بهزة في جسمها، وحملت هذه الفتاة بعد ايام.

مرت الايام بسرعة، وانجبت جيانغ يوان ولدا، وكان الناس يعتبرون هذا الولد نحسا لعدم وجود اب شرعي له، وسلبوه من حضن امه وتركوه في البرية، لكن الحيوانات المارة حمته، وتركه الناس في الغابات، وجاء شخص لقطع الاشجار وانقذه، واخيرا، تركه الناس الغاضبون على الجليد البارد، لكن الطيور حمته من الرياح والبرودة.

وادرك الناس اخيرا ان هذا الولد ليس انسانا عاديا، واخذوه الى امه، وسمته امه "تشي"(وتعنى المتروك) لانه ترك عدة مرات.

وكان تشي طموحا حيث جمع بذور القمح والارز والصويا والذرة الرفيعة ومختلف الفواكه البرية لزراعتها في الحقول، حيث يرعاها بدقة، واصبحت ثمارها احسن من الثمار البرية بكثير.

ولتربية هذه المزروعات بفعالية اكبر، صنع تشي ادوات حراثة من الخشب والحجر، وجمع خبرات كثيرة في مجال الزراعة، وعمم هذه المعارف الزراعية بين الناس، الامر الذى خلص الناس من حياة الاعتماد الكلي على صيد الحيوانات والاسماك وجمع الفواكه البرية، لذلك، اطلق الناس عليه لقب "هو جي" احتراما له، وتعنى "هو" الملك، اما "جي" فتعنى الحبوب، اي ملك الحبوب.

ودفن هو جي في مكان جميل جدا يدعى "دو قوانغ تشي يي" بالقرب من السلم السماوي الذى يستخدمه الآلهة للصعود الى السماء والنزول منها، وان ارضه خصبة جدا، تكثر فيها المياه والزرع، وتطير فيها مختلف الطيور برئاسة العنقاء كل خريف- موسم الحصاد.


1 2 3 4 5 6