CRI Online
الباب السادس عشر: القصص الشعبية

قصص الأمثال

حكاية عن مثل " انه مجرد فطنة صغير وليس أكثر "

كان كونفوشيوس الذي عاش في القرن ال6 قبل الميلادي عالما شهيرا في الفكر و التعليم في تاريخ الصين ، وصار المذهب الاكاديمي الكونفوشيوسي الذي أسسه هو أهم عنصر في الثقافة الصينية اللاحقة حتى اليوم . وفي الفترة الاقطاعية الصينية الطويلة المدى ، ظل الحكام يحترمون أفكار المذهب الكونفوشيوسي كأفكار تقليدية ، لذا ، فان الأسرة الكونفوشيوسية ظلت أسرة ذات شهرة واسعة للغاية .ومن بين أهل أسرة كونفوشيوس بعد عهده ، برز عديد من الشخصيات المعروفة أيضا ، وكانت احداها من الجيل العشرين بعد كونفوشيوس لشخص يدعى كون رونغ . ودارت حوله حكاية عن أنه مجرد قطنة صغير وليس أكثر ، فليس من الضروري أن يكون نابغا في كبره .

وردت الحكاية في كتاب صيني قديم مشهور يحمل عنوان " الحكايات الجديدة في البلدان العديدة " .

جاء في الكتاب ، ان كون رونغ كان ذا معارف واسعة في عهده عهد أسرة هان الملكية الصينية. وبتأثير أسرته ، كان كون رونغ منذ صغره ذكيا وحاذقا خاصة في لباقة في الحديث ، فاكتسب شيئا من الشهرة رغم صغر سنه .

وعندما بلغ كون رونغ من العمر 10 سنوات ، رافق والده الى مدينة لو يانغ لزيارة حاكم المنطقة الاداري لي يوان لي . وكان هذا الحاكم عالما شهيرا و مغرورا، ، ويتردد عليه زوار كثيرون ، ولكن , اذا كان زائر لا في العير ولا في النفير ، فلن يبلغ البواب الحاكم بوصوله غالبا .

كان كون رونغ الصغير السن له رغبة شديدة في لقاء هذا العلامة . وحضرذات يوم الى أمام مقر الحاكم لي ، ودعا البواب الى ابلاغ الحاكم لي بوصوله ، ولكن، عندما وجد البواب أن الزائر كان مجرد فتى صغيرالسن ، فحاول صرفه . وبوحي من تفكيره ، قال كون رونغ للبواب :

" اني أحد أقرباء السيد لي , فانه سيقابلني حتما . "

بعد أن أبلغه البواب ، استغرب الحاكم لي الأمر بعض الشيء ،لان ليس لديه قريب مثل هذا الزائر ،ومع ذلك، قرر أخيرا لقاء كون رونغ .

وسأله الحاكم لي يوان لي باستغراب كون رونغ أثناء اللقاء : " بودي أن أعرف ما هى القرابة التي تربط بينك و بيني ؟ "

رد كون رونغ عليه قائلا : " اني من أحفاد كونفوشيوس ، وأنت من أحفاد منشيوس . ويعلم جميع الناس في الدنيا أن كونفوشيوس كان قد سأل منشيوس عن مواضيع حول الآداب ، فكانت علاقتهما علاقة بين معلم ومتعلم ، وبطبيعة الحال فاننا أنا وأنت صديقان قديمان للأسرة . "

معروف أنه في تاريخ الصين ،ان كونفوشيوس قد عاصر فيلسوفا شهيرا أخر بالصين وهو منشيوس الذي اسمه الأصلي لي دان مؤسس المذهب الاكاديمي الطاوي . وقيل ان كونفوشيوس كان يطلب دائما وبتواضع المشورة من منشيوس في بعض المواضيع كلما صادف ما هو غير مفهوم لديه .

وكان للحاكم لي يوان لي ضيوف كثيرون يجلسون في بيته وهم يتعجبون من كون رونغ البالغ من العمر 10 سنوات فقط واسع الاطلاع وحسن التصرف.

وفي هذا الوقت بالذات ، أتى شخص أخر يدعى تشن وي لزيارة الحاكم لي يوان لي أيضا . وكان تشن عالما شهيرا أيضا . وحينما أخبره الضيوف الجالسون بحسن التصرف الذي أبداه كون رونغ توا ،ولم يكن في الحسبان أن تشن وي لم يحبذ ما قالوا , فقال اعتباطا أمام كون رونغ : " انه مجرد فطنة صغيروليس أكثر ، وليس من الضروري أن يصبح حسنا لدى كبره ، " فدحضه كون رونغ الذكي ذلك فورا قائلا: " أظن أن السيد تشن لا بد أنه كان ذكيا للغاية في صغره ." ومن الواضح أن المعنى الضمني هو أن تشن وي شخص لا خير فيه . وبعد سماع قول كون رونغ هذا ، شعر تشن وي بالحرج الشديد حتى لم يستطع النطق بأي كلمة مدة طويلة .

علاوة على ذلك ، أن قصة " كون رونغ يتنازل عن الكمثري " معروفة لدى الجميع أيضا . ومما ورد في هذه الحكاية أنه عندما كان كون رونغ طفلا صغيرا، كان جميع أفراد الأسرة يتجمعون لأكل الكمثري ، ويختار كون رونغ في كل مرة حبات الكمثري الكبيرة الى كبار الأسرة ، ويبقي الصغيرة لنفسه ، فكان مؤدبا جدا .

عين كون رونغ حاكما اداريا محليا في منطقة بعد كبره لاتساع معارفه وتعدد كفاءاته .ولكن كانت البلاد آخذة في التشتت و الانقسام ، وكانت بلاد الصين على وشك دخول ما يسمى " عهد الدويلات الثلاث " تاريخيا. و ظل كون رونغ بصفته عالما تقليديا يبدي قلقه واستياءه من الأوضاع السياسية دائما حينذاك من خلال أقواله وتصرفاته ومؤلفاته ، الأمر الذي انتهى بقتله على يد شخصية معروفة أخرى في تاريخ الصين وهو تساو تساو .

حكاية عن مثل " لا يغرد ، وان غرد أدهش "

في الفترة ما بين القرن ال9 والقرن 5 قبل الميلاد ، كانت الصين تعيش في عهد الدويلات المتحاربة . وكان من الأهمية البالغة أن تنتهج كل دويلة من الدويلات التي بلغ عددها عشرات في كل البلاد حينذاك سياسة داخلية و خارجية صائبة وفعالة اذا أرادت الاستمرار في البقاء والتطور بين الدويلات حولها . وفي ضوء هذه الظروف ، برزت فئة من المستشارين خاصة بخدمة حكام الدويلات عبر تقديم المشورات و تدبير الخطط . وتمتع هولاء المستشارون بأفكارهم الفلسفية ومناهجهم لادارة الدويلات ، و خاصة أنهم أحسنوا استخدام تشبيهات عميقة ومؤثرة لتقديم النصائح بأسلوب ساخر الى الحكام دون اثارة غضبهم بل جعلهم يقتنعون بها مسرورين .

الحكاية عن مثل " لا يغرد، وان غرد أدهش " حكاية تدور حول محاولات المستشار تشون يو كون لتقديم نصائحه الى أحد الحكام .

اعتلى الملك تشي وي وانغ وهو الملك الجديد لدويلة تشي العرش قبل مدة قصيرة . و كان هذا الملك الجديد قبل ذلك فتى متعدد المواهب حينما كان ولي العهد . اذ انه كان يجتهد لا في تعلم المعارف القتالية و الثقافية فحسب بل في دراسة خطط و طرائق خاصة بتقوية الدويلة آملا في بناء دويلته حتى تصبح دويلة قوية بعد أن يرث الحكم . و لكن وجد الملك تشي وي وانغ بعد تربعه على العرش أن أي ملك تجاوز ولي عهده الى أبعد حد في التمتع بالجبروت و حياة الملذات . `;وكم كان رائعا ومرتاحا عندما كان يحف به الوزراء لدى ذهابهم الى الديوان العالي الملكي ، ثم يعود الى البيت حيث يستمتع بأحسن الأطعمة و الخمور والحسناوات كل يوم . ومع مرور الأيام اخذت الطموحات التي حملها الملك عندما كان ولي العهد تتلاشى تدريجيا .

مضت أكثر من عامين والملك تشي وي وانغ ظل منغمسا في الملذات . فكان كل يوم لا يفعل شيئا سوى الشراب و الصيد تاركا أمور الدويلة الى وزرائه للمعالجة مما أدى الى الاختلال السياسي وفساد الموظفين و تقصيرهم في الواجبات واضعاف الدويلة أكثر فاكثر ، فحاولت الدويلات المجاورة الاعتداء عليها مستغلة هذه الأوضاع المتدهورة . ولذلك عبر الموظفون المستقيمون و سواد الشعب عن قلقهم الشديد ، غير أنهم لم يتجرأوا على تقديم ملاحظاتهم الى الملك تشي وي وانغ خوفا من استدراج اللوم الى أنفسهم .

كان مستشار يدعى تشو يو كون بارعا في التعبير و الكلام ، وغالبا ما يستخدم ألغازا في مجادلاته مع الأخرين . وعندما علم أن الملك مثله يحب التكلم بالألغاز لاظهار مواهبه ، قرر المستشار تحين فرصة لنصح الملك تشي وي وانغ .

ذات يوم ، تمكن المستشار تشون يو كون من مقابلة الملك ، فقال له : " يا جلالة الملك المعظم ، اني خادمكم ، ولدى لغز أرجو منكم فكه . " فسأله الملك : "ما هو اللغز ؟ "

قال المستشار تشو يو كون : " كان في دويلة ما يوجد طائر كبير، وقد عاش في البلاط الملكي 3 أعوام كاملة ، ولكنه لم يرد نشر جناحيه والتحليق في الفضاء ولا اطلاق صوت مكتفيا بالتكور في زاوية بدون هدف . فتفضلوا بتحديد ما هذا الطائر ؟ "

فهم الملك تشي وي وانغ فورا معنىهذا الكلام ،وعرف أن المستشار تشون يو كون كان يلمح الى أنه بصفته ملكا تنقصه الحماسة والمبادرة . ولكن كيف رد على ما سماه المستشار تشون يو كون باللغز ؟

تأمل الملك لحظات ، ثم قال للمستشار : " هذا الطائر ، ربما أنت لا تعلم عنه ، اذ ان هذا الطائر لا يطير الا اذا انطلق مباشرة الى أعالي السماء , كما أنه لا يصوت الا اذا أدهش كل الناس ، انتظر أنت ، وسترى ! "

ومنذ ذلك الوقت ، أخذ الملك تشي وي وانغ يحاسب نفسه خلف الأبواب المغلقة ، وقرر تصحيح أخطاءه الماضية مصمما على رفع معنوياته وانجازأعمال عظيمة تهز السماء والأرض . فبادر الى تقويم الأنظمة والقوانين على نطاق الدويلة واستدعاء جميع الموظفين في كل أنحاء الدويلة و مكافأة من قاموا بواجباتهم منهم وعقاب الفاسدين و عديمي الكفاءة ، ثم اعاد تنظيم الجيش وعزز قوته . وعلى جناح السرعة ، تجددت ملامح الدويلة في كل النواحي ، وسادت الحيوية والنشاط في كل مكان . ودهشت كثيرا تلك الدويلات التي كانت تحاول الاعتداء على دويلة تشي بعد أن علمت بالتقدم الكبير فيها قائلة ان الملك تشي وي وانغ حقا مثل طائر كبير : " لا يغرد ، وان غرد أدهش , "

و منذ ذلك الوقت ، أصبح قول " لا يغرد ، وان غرد أدهش " مثلا يوضح أنه اذا توفرت لشخص كفاءة غيرعادية ، يمكن له أن يبدع عملا مدهشا اذا أظهرها يوما ما واستخدمها جيدا .

حكاية عن مثل " رام ماهر لا يخطيْ هدفا "

في عهد الدويلات المتحاربة ببلاد الصين في العهود القديمة، انتشر العديد من الدويلات ، و تضم كل منها عددا من الشخصيات الشهيرة ،وتوارثت الحكايات عنهم الى يومنا هذا .

كان الجنرال باي تشي في دويلة تشين بارعا في القتال ، و لم يخسر أية معركة بقيادته .فسماه الناس " جنرالا مظفرا " . ذات عام ، كلف ملك دويلة تشين باي تشي بقيادة حملة لمهادمة دويلة وي . واذا هزمت دويلة وي بواسطة دويلة تشين ، فسيثير ذلك ردود فعل متوالية من دويلات عديدة ، الأمر أقلق العديد من الناس .

كان هناك مستشار يدعى سو لي مكلفا بالتوجه الى لقاء الجنرال باي تشي لاقناعه بالامتناع عن مهاجمة دويلة وي . وحينما قابل المستشار سو لي الجنرال باي تشي ، سرد له القصة الاتية :

كان هناك رامي سهام شهير يدعى يانغ يو جي . و كان هذا الشخص قد اكتسب مهارة رائعة في الرماية بالسهام عبر التدرب منذ الصغر حيث استطاع اصابة ورقة لشجر الحور بدقة من بعد 100 خطوة . في حين كان هناك شخص قوي شجاع أخر يدعى بان خو ، هو أيضا ماهر في الرماية بالسهام . ذات يوم، جرت بينهما مباراة في الرماية بالسهام أمام جمع غفير من المشاهدين .

وضع هدف في مكان على بعد أكثر من 50 خطوة حيث نصبت لوحة خشبية رسم في وسطها قلب أحمر .وشد بان خو قوسا قويا ، و,اطلق 3 أسهم متتالية ، وأصاب بها الهدف في مركزه في كل مرة ، مما أكسبه هتافات جميع المشاهدين استحسانا .

وأتى دور يانغ يو جي ،فتطلع حوله قائلا : " مسافة 50 خطوة عن الهدف مسافة قصيرة جدا ، كما أن الهدف كبير أكثر من اللازم ، فدعنا نتخذ ورقة لشجر الحور تقع على بعد أكثر من 100 خطوة كهدف لنصوب له سهامنا في مباراتنا . "

وأشار بعد كلامه هذا الى شجرة حور على بعد أكثر من مائة خطوة عنه، وكلف شخصا ثالثا باختيار ورقة من الشجر وصبغها بلون أحمر كهدف . ثم شد قوسه، وأطلق سهمه ، وأصاب رأسه مركز هذه الورقة بالضبط .

ذهل جميع الحضور لما شاهدوه . وعرف بان خو جيدا أن مهارته لم تصل الى هذا المستوى الذي وصل اليه نده من جهة ، و من جهة أخرى ، لم يصدق أن نده يانغ يو جي يستطيع اصابة ورقة في كل مرة ، فذهب الى تلك الشجرة ، واختار 3 أوراق منها ،كما رقمها بألوان متباينة ، ثم دعا نده يانغ يو جي الى الرمي بالسهام اليها حسب ترتيب الأرقام .

توجه يانغ يو جي الى أسفل الشجرة أولا للتأكد من رقم كل ورقة من الأوراق الثلاث ، ثم رجع الى مكان على بعد أكثر من 100 خطوة عن الشجرة حيث شد وتر القوس ، وأطلق 3 أسهم متتالية ، فأصاب بها الأوراق الثلاث المرقمة . وحينئذ دوت هتافات الاستحسان وسط المشاهدين ، أما بان خو فأصبح مقتنعا حق الاقتناع بهزيمته .

وفي ظل هتافات الاستحسان بالذات ، فوجئ يانغ يو جي بشخص كان يقف بجانبه قائلا برود : " نعم ! ان راميا ماهرا في الرماية بالسهام مثل هذا فقط ، يستحق ارشادي له . "

وعندما سمع يانغ يو جي هذا الكلام الكبير من هذا الشخص الغريب ، لم يتمالك عن سؤاله بغاضب : " كيف تعلمني الرماية بالسهم ؟ "

فقال له هذا الشخص الغريب بهدوء : " اني لا اعلمك كيفية الرماية بالسهام ، وانما أود أن أنبهك الى كيفية الحفاظ على سمعتك الطيبة في الرماية بالسهام . وهل فكرت : اذا ما استنفدت كل قواك أو انحرفت قليلا ، فلم تصب الهدف ، سوف تتأثر سمعتك الطيبة بصفتك راميا ماهرا تأثرا كبيرا ، ان راميا ماهرا حقا في الرماية بالسهام يجب عليه الاهتمام بالحفاظ على سمعته الطيبة . "

قال المستشار سو لي للجنرال باي تشي : " انك تحمل لقب الجنرال المظفر . وان دويلة وي ليست بدويلة تسهل هزيمتها ، و اذا لم تتمكن من الانتصار عليها فورا فلن تحافظ على سمعتك الطيبة . " وبعد سماع حديث المستشار باي تشي ، خطرت بباله فكرة في الحفاظ على سمعته الطيبة بصفته جنرالا مظفرا ،فصمم على عدم الخروج للقتال بسهولة ، وبالتالي أوقف هجومه على دويلة وي بحجة اصابته بمرض .

حكاية عن مثل " آلهة تشانغ أ هربت الى القمر "

يعتبر عيد منتصف الخريف و عيد الربيع و مهرجان قوارب التنين أعياد الصين التقليدية الثلاثة الأكثر قدما وخاصية . وفي يوم عيد منتصف الخريف ، غالبا ما يجتمع كل أفراد الأسرة تحت سقف واحد و يتذوقون كعكات العيد والفواكه ويستمتعون بالبدر الساطع . و فيما يلي حكاية عن عيد منتصف الخريف :

كانت تشانغ أ الهة القمر ، وكان زوجها هاو يي اله قتال شجاعا وماهرا في القتال يصيب الأهداف مائة في المائة باستخدام سهام وأقواس الهية . وظهرت في الدنيا حينذاك العديد من الكواسر والوحوش التي فتكت بأبناء الشعب ، فأمر الامبراطور السماوي بعد اطلاعه على هذا الأمر اله القتال هاو يي بالنزول من السماء الى الأرض للقضاء على هذه الأشرار .

بتكليف الامبراطور السماوي ، نزل هاو يي بصحبة زوجته تشانغ أ الجميلة الى الدنيا . وبفضل شجاعته التي لا مثيل لها ، تمكن هاو يي من القضاء على العديد من الحيوانات الضارة في الأرض خلال وقت وجيز . وعندما كان على وشك اكمال المهمة ، حدث أمر غير متوقع : ظهرت في السماء 10 شموس في آن واحد !

كانت هذه الشموس العشر كلها هى من أبناء الامبراطور السماوي .ومن أجل هذا التصرف المستهجن فقط ، ظهر هولاء الأبناء مجتمعين في السماء مما رفع درجات حرارة الأرض فجأة وبشكل حاد ، فاشتعلت النيران في الغابات والمحاصيل الزراعية وجعلت الأنهار تنضب ، و كانت جثث أبناء الشعب منتشرة في كل مكان نيتجة للحرق .

لم يحتمل هاو يي رؤية مصيبة أبناء الشعب هذه ، فأخذ يقنع بكلمات طيبة الشموس العشر أي الأشقاء العشرة بأن تظهر في السماء بالتناوب على أن تظهر واحدة منها فقط كل يوم ، الا ان الأشقاء الشموس المتغطرسة لم تأخذ حديث هاو يي أصلا في عين الاعتبار ، بل ذهبت الى مدى أبعد بالاقتراب أكثر من الأرض عمدا ، فاشتدت نيران الأرض على نطاق أوسع .

رأى هاو يي الشموس الأشقاء تعبث في الأرض فسادا ، ولم تنفع نصائحه المتكررة لها ، و مات وأصيب لذلك عدد لا يحصى ولا يعد من أبناء الشعب ، ولم يعد هاو يي يستطيع ضبط نفسه ، فحمل قوسه الالهي ووضع سهامه الالهية على الوتر، ورماها نحو الشموس العشر ، وأسقط 9 منها دفعة واحدة , وبقيت الشمس العاشرة والأخيرة في السماء وهى تطلب العفو ، وفي هذه الحالة فقط ، هدأ غضب هاو يي وترك قوسه .

أزال هاو يي المصيبة الكبرى في الدنيا ، ولكن ذلك أغضب الامبراطور السماوي ، فاستشاط الامبراطور غضبا لقتل أبنائه التسعة على يد هاو يي، فاصدر أمرا يمنعه هو و زوجته من العودة الى السماء .

نظرا لعدم تمكنه من العودة الى السماء ، فانه قرر البقاء في الدنيا وأداء المزيد من الأعمال المفيدة لخدمة أبناء الشعب ، و لكن زوجته تشانغ ا اخذت تضجر يوما بعد الأخر من الحياة القاسية في الدنيا معاتبة زوجها هاو يي لقتله أبناء الامبراطور السماوي التسعة .

سمع هاو يي بأن الهة تعيش على جبل كون لون تدعى شي وانغ مو لها نوع من الأدوية الالهية يمكنه من الصعود الى السماء بعد تناوله ،فتسلق هاويي الجبال وعبر الأنهار متجشما مشقات السفر ومسيرة طويلة شاقة ، ووصل أخيرا الى قمة جبل كون لون حيث قابل الالهة شي وانغ مو، وطلب منها الدواء ، ولكن للأسف لم يكن لديها من الدواء الا ما يكفي شخصا واحدا لتناوله . وعز على هاو يي أن يصعد وحده الى السماء تاركا زوجته الحبيبة في الدنيا ، ولم يرد أن تصعد زوجته وحدها أيضا الى السماء تاركة اياه في الدنيا ، فقرر أن يعود بالدواء الالهي الى البيت ، ثم خبأه سرا في مكان بالبيت .

لكن زوجته تشانغ أ تمكنت أخيرا من اكتشاف الدواء الالهي المخبأ الذي حصل عليه زوجها ، وعلى الرغم من انها كانت تحب زوجها كثيرا ، الا أنها لم تتمالك نفسها أمام اغراء الفردوس في السماء . ففي ليلة البدر الساطع في أحد أعياد منتصف الخريف الموافق اليوم ال15 من الشهر الثامن بالتقويم القمري الصيني ، تناولت الزوجة الدواء الالهي خلسة منتهزة فرصة غياب زوجها عن البيت، وفدأة شعرت بخفة جسمها ثم ارتفاعه عن الأرض تدريجيا في الهواء ، فوصلت أخيرا الى القمر ، وأقامت في قصر القمر . وعندما عاد زوجها هاو يي الى البيت، عرف أن زوجته قد تركته و صعدت بمفردها الى السماء ، كان حزينا للغاية ، ولكنه لن يستخدم السهام الالهية لايذائها في أي حال من الأحوال، واضطر الى توديعها .

أصبح هاو يي وحيدا في الأرض ، واستمر في عمل الحسنات لأبناء الشعب، كما قام بتعليم اتباعه فنون الرماية بالسهام . وكان منهم شخص يدعى فنغ منغ يتقدم سريعا في استيعاب فنون الرماية حتى أصبح ماهرا للغاية فيها ، لكنه ظن أنه لن يعتبر راميا ماهرا رقم واحد في الدنيا ما دام معلمه هاو يي موجودا، فتحين فرصة لشرب المعلم الخمر حتى سكر ، ورماه بسهام من الخلف حتى قتله .,

دعنا نعود الى الحديث عن تشانغ أ ، انها وصلت الى القمر ، لكن البيئة حولها موحشة و لم تجد هناك سوى أرنب صغير يكسر العقاقيرالطبية وشيخ يقطع الأشجار، فكانت تشانغ أ تعيش مهمومة وكئيبة في قصر القمر طوال اليوم، و خاصة في ليلة الخامس عشر من الشهر الثامن كل سنة حين يبدو ضوء القمرأسطع واكمل جمالا، فكانت تتذكر حياتها السعيدة الماضية مع زوجها .

هناك حكايات تقليدية أخرى كثيرة عن عيد منتصف الخريف. وكتب الشعراء و الأدباء عبر آلاف السنين كثيرا من الأعمال تدور حول هذه الحكايات معبرين عن مشاعر الحنين الى مواطنهم أو التطلع الى سعادة ايحاء من البدر المنير بليلة عيد منتصف الخريف . وجاء في قصيدة نظمها الشاعر الكبير سو شي في القرن ال 10 بيت مشهور خالد عبر العصور يقول :

وددت لو أيامنا تطول في هذه الدنيا ،

تجمعنا في قصرها الهة القمر،

وان نأت عن بعضها

الجسوم والديار .

حكاية عن مثل " يطلب الارز من الامبراطور"

دونغ فانغ سو شخصية معلومة للجميع بالصين , والحكايات عنه متناقلة على كل شفة و لسان بين عامة الناس في الصين .

كان دونغ فانغ سو مثقفا قد عاش في عهد أسرة هان الملكية في القرن ال 3 قبل الميلاد . وكان ظريف الطباع و محسنا في كتابة المقالات . وعمل موظفا صغيرا في عاصمة المملكة تشانغ آن في البداية . وكان الذين يحرسون قافلة خيل البلاط الملكي هم أقزام ، ويسهل عليهم الاقتراب من الامبراطور دائما رغم أن مراتبهم منخفضة . وأراد دونغ فانغ سو اثارة انتباه الامبراطور اليه حتى يحظى باهتمامه ويمنحه منصبا هاما ، فراودته حيلة لتحقيق هذا الغرض .

ذات يوم ، رأى دونغ فانغ سو قزما يحرس الخيل ،فقال له : " قال الامبراطور مؤخرا انه مستعد لقتل جميع الأقزام في كل أنحاء البلاد نظرا لأنكم قصار القامة وضعفاء القوى في حراثة الحقول و زراعتها وفي القتال ضد العدو وغير القادرين على ضبط الأخرين اذا عينتم مسئولين محليين ، فان كل ما تستطيعونه هو استهلاك ممتلكات الدولة سدى . "

وأمعن القزم في البكاء خوفا بعد سماع كلام دونغ فانغ سو .

فقال له دونغ فانغ سو: " دعني أفكر في وسيلة لانقاذكم . "

عبر القزم عن شديد الامتنان له سائلا ما هى الوسيلة . فقال دونغ فانغ سو : " عليك أن توحد جميع الأقزام ، وتركعون انتم جميعا أمام الامبراطور حالما تقابلونه ، ولا تقومون من الأرض حتى بعفي عنكم الامبراطور . "

فركع جميع الأقزام فعلا أمام الامبراطور طلبا العفو حينما خرج الامبراطور من البلاط الملكي كما طلبه دونغ فانغ سو ، ووقع الامبراطور في حيرة سائلا عن السبب ، رد عليه الأقزام موضحين : " سمعنا من دونغ فنغ سو يقول انكم يا صاحب الجلالة مستعدون لقتلنا . "

استدعى الامبراطور دونغ فانغ سو وسِأله عما دفعه الى ترويج الاشاعات لتضليل الناس . رد دونغ فانغ سو قائلا : " أعرف انه ستحكم على بالاعدام على الأرحج لجريمتي مهما كان الأمر، فدعني أقول لجلالتكم بصراحة : " ان هولاء الأقزام يبلغ طول قامة كل منهم أقل من متر ، و يتقاضى كيسا من الأرز و 200 يوان من النقود كل شهر . أما أنا قارب طول قامتي مترين ، وأتقاضي شهريا كيسا من الأرز و 200 يوان من النقود أيضا . و نتيجة لذلك ، أوشك الأقزام على الموت من شدة الشبع ، في حين أكاد اموت جوعا , ان هذا غير معقول , واذا كنتم يا صاحب الجلالة ترون أن كلامي على بعض الحق ، فتفضلوا يا جلالتكم بتغيير هذا الأسلوب من التوزيع . "

ضحك الامبراطور بصوت عال بعد سماع هذا الكلام ، وقد حقق دونغ فانغ سو هدفه . فعقب ذلك ، عينه الامبراطور حاشية له . كان هذا هو مصدر الحكاية عن "" يطلب الأرزمن الامبراطور" .

وكان هناك المزيد من الحكايات عن دونغ فانغ سو ، فمثلا ، في يوم من أيام الصيف ، كان دونغ فانغ سو و الوزراء يعملون في المكتب ، وحمل اليهم عدد من خدم الامبراطور جرة كبيرة من الصيد ، وقالوا انها منحة اليهم من الامبراطور . وكان من العادة أنه من غير الممكن للجميع أن يتناولوا ما منحه الامبراطور الا بعد أن يقرأ أمامهم مرسوم امبراطوري بهذا الخصوص ، و لكن فوجئ الجميع برؤية دونغ فانغ سو يقطع بسيفه قطعة من اللحم ، وعاد بها الى بيته قبل بدء قراءة المرسوم الامبراطوري . وكان الوزراء مندهشين للغاية بذلك .وبعد ذلك ، أبلغ بعض الناس الامبراطور عن دونغ فانغ سو متهمين اياه بأنه غير محترم للامبراطور، فاستدعى الامبراطور دونغ فانغ سو مطالبا اياه بتقديم تفسير لتصرفه ، فرد دونغ فانغ سوعليه بهدوء : " بما أن ذاك اللحم منحه الينا الامبراطور ، فان تلاوة المرسوم الامبراطوري مجرد مسألة وقت، وكنت قد أقدمت على قطع قطعة من اللحم وأعود بها الى البيت بدون اذن قبل قراءة المرسوم الامبراطوري ، ولكن ذلك يدل على جرأتي. ثم ، على الرغم من أني قطعت اللحم بلا ترخيص ، لكني لم أقطع الا قطعة صغيرة جدا ، و يدل ذلك على نزاهتي، وبعد، عدت الى البيت بما قطعت من اللحم لكي يتذوقه والداي، ويدل ذلك على احترامي للكبار ، ومن أجل كل ذلك ، كيف تستطيعون أنتم يا صاحب الجلالة أن تعاقبوني؟" فرد الامبراطور عليه بعد سماع هذا الكلام مكتفيا بابتسامة ذات معنى .

حكاية عن " النار تعبث بالأمراء "

في كل الأسر الملكية الاقطاعية من عهود الصين المتعاقبة ، كان الملوك هم أعلى حكام البلاد الذين يتمتعون بالسلطات العليا . واذا اعتبر أحدهم سلطات بلاده لعبة أطفال ، و يتصرف على هواه ، سينتهى الأمر به الى الهلاك حتما.

كان الملك تشو يو وانغ أخر ملك في أسرة تشو في القرن ال8 قبل الميلادي . وكان ملكا أحمق عاجزا يعبث و يلهو مع النساء الجميلات في البلاط طول يوم ،تاركا أمور البلاد جانبا .وكانت باو سي هى المحظية المفضلة لديه. ومن أجل ارضاءها ، بذل الملك كل ما استطاع. و مع ذلك، لم تبد هذه المحظية علامة سرور، و قليلا ما ارتسمت بسمات على وجهها . فراح الملك يجهد ذهنه لمداعبتها حتى كسب ضحكة منها، ولكن كلما كانت رغبته في رؤية ضحك باو سي ملحة جدا ، كان تجهم وجه المحظية أكثر، اذ كانت المحظية تتعمد عدم الضحك . ومن أجل كسب ضحكة من امرأة جميلة ، يرهق الملك أعصابه الى أقصى حد.

ذات يوم ، قاد الملك تشو يو وانغ محظيته باو سي الى خارج البلاط للتنزه، وعندما وصلا الى قمة جبل لي شان حيث يوجد برج نار للانذار ، وشرح الملك للمحظية دور برج النار قائلا انه من المنشآت العسكرية للانذار المبكر. اذ بنيت في ذلك الوقت على طول حدود البلاد أبراج على المرتفعات بين كل مسافة معينة حتى الى عاصمة المملكة وكان يحرسها المحاربون . وحينما ينتهك العدو الحدود في أحد المواقع، يشعل حراسه المحاربون النارعلى برجهم فورا مبلغين زملاءهم المرابطين في البرج المجاور بحادث انتهاك العدو ، وعلى هذا المنوال ، ينتقل الانذار من الحدود البعيدة حتى الى عاصمة المملكة في وقت وجيز . واذا تعرضت عاصمة المملكة لخطر، تشعل النار على برج جبل لي شان المذكورلطلب النجدة من الدويلات الخاضعة لحكم أسرة تشو ، وعلى الفور ترسل هذه الدويلات قواتها للنجدة.

لم تصدق باو سي بعد سماع كلام الملك تشو يو وانغ أن شعلة على مثل هذا لتل الترابي يمكن أن تستقدم امدادات عسكرية من الخارج على بعد مئات الكيلومترات . ومن أجل كسب رضا المحظية ، أصدر الملك على الفور أمرا الى الجنود باشعال نار للبرج . وسرعان ما أشعلت النار في جميع الأبراج واحدا بعد الأخر على طول حدود البلاد حيث اعتقد أمراء الدويلات المحليون أن عاصمة البلاد تعرضت لهجوم العدو ، فسارعوا على قيادة قواتهم الى العاصمة للنجدة .

و لكنهم وجدوا بعد وصولهم الى سفح جبل لي شان أن الملك كان يشرب الخمر و يلهو مع محظيته على منصة عالية ، ولم يكن هناك أصلا أي أثر للعدو ، فأدركوا حينئذ أنهم خدعوا من الملك ، غير أنهم لم يتجرأوا على اظهار غضبهم، فاضطروا الى العودة بقواتهم عاضبين . وعندما رأت باو سي امارات الحرج التي ارتسمت على وجوه الحكام المحليين المخدوعين الذين بدوا قبل ذلك على هيبة غير عادية، ساورتها نوبة من المتعة ،فلم تتمالك عن اظهار ابتسامة خفيفة . وحينما رأى الملك محظيته المدللة تبتسم ابتسامة في أخر الأمر، شعر بسرور لم يسبق له مثيل .

بعد انسحاب الحكام المحليين و قواتهم ، عاد الملك فأمر جنوده باشعال نار البرج مرة أخرى ، فسارع الحكام وقواتهم الى العاصمة مرة أخرى . وما ان رأى الملك والحظية وقوع الحكام وقواتهم في الفخ حتى انفجرت الضحكات من برج النار . وهكذا كرر الملك الأمر باشعال نار البرج عبثا بالحكام وقواتهم ، حتى لم يعد أحد من الحكام يهتم به أخيرا عندما تشعل نار البرج .

وبعد مدة غير طويلة . خطرت ببال الملك تشو يو وانغ خاطرة لتعيين محظيته باو سي ملكة وابنتها ولي عهد له . ومن أجل تحقيق هذا الهدف ، خلع الملك الملكة و ولي العهد الأصليين . وعندما سمع والد الملكة الأصلية وهو حاكم دويلة شن النبأ بخلع ابنته ساوره غضب شديد ، وعلى الفور، أجرى اتصالات مع الدويلات الأخرى ، فشنوا حملة عسكرية مشتركة على أسرة تشو التي كان الملك تشو يو وانغ ملكها . وسارع الملك الى اصدار أمر باشعال نار البرج لاستقدام حكام الدويلات لنجدته .

ولكن الحكام لم يعودوا يصدقون الملك تشو يو وانغ ، فلم يحضر أحدهم لنجدته . وعلى جناح السرعة ، تم الاستيلاء على عاصمة أسرة تشو الملكية، وقتل الملك ، وتم القبض على محظيته باو سي ، وهلكت سلالة تشو الملكية.

حكاية عن " اهانة المرور عبر فرجة الرجلين "

كانت أسرة تشين الملكية في القرن الثاني قبل الميلادي أول أسرة اقطاعية موحدة في تاريخ الصين ، وفي عهد هذه الأسرة ، بدأ تشييد سور الصين العظيم المشهور وتشكل هيكله مبدئيا . وبسبب الحكم الاستبدادي الذي مارسه أمبراطور الأسرة الأول و ابنه ، لم يستمر حكم هذه الأسرة الا 15 عاما . وفي أواخر عهد الأسرة ، هبت العواصف العاتية من انتفاضات الفلاحين في كل أنحاء البلاد ، و برزت خلالها العديد من الشخصيات البطولية ، و كان منها شخص يدعى هان شين ، وكان هو قائدا عسكريا مشهورا .

يعد هان شين قائدا عسكريا بارزا في عهود الصين القديمة . انه كان ينحدرا من أسرة بائسة و يتيما فقد والديه منذ صغره . و قبل تسجيله مآثره العسكرية ، لم يعرف شيئا من أعمال التجارة ولم تكن لديه رغبة في زراعة الأرض ، ولا في البيت ما يذكر من الممتلكات ، وعومل بكل اهانة وتمييز شائن في حياته، كما عانى كثيرا من البحث عن لقمات وجبات اليوم الثلاث . وصار له بعض الصلات الودية مع موظف حكومي صغير محلي،فكان يذهب الى بيته بين حين واخر لتناول الوجبات المجانية ، ومع مرور الأيام، بدأت زوجة الموظف الصغير تشعر باشتمزاز منه ، فتعمدت تقديم موعد تناول الوجبات، فعندما حضر هان شين الى البيت ، لا يجد ما يتناوله من طعام ، الأمر الذي أغضبه كثيرا ، فقطع علاقته مع هذا الموظف الصغير منذ ذلك الوقت .

من اجل لقمات العيش ، اضطر هان شين الى صيد السمك بالصنارة في نهر هواي شوي حيث وجدت سيدة عجوز حيث كانت تغسل الملابس أن هان شين كان جائعا لم تكن له وسيلة لايجاد لقمات يومه ، فتقاسمت معه اللقمات التي أتت بها لنفسها من بيتها . و ظلت هذه الحالة لمدة عشرات الأيام المتتالية . و تأثر هان شين بذلك شديدا ، فقال للسيدة العجوز : " سأرد عليك هذا الجميل يوما ما حتما . " وغضبت السيدة العجوز بعد سماع كلامه قائلة : " انك رجل ، ولا تستطيع اعالة نفسك ،أتقاسم لقماتي معك لأني أراك في حالة يرثى لها ، لا أحد ينتظر ردك علي بشيء ! " وبعد سماع كلامها، شعر هان شين بخجل شديد ، فعقد عزمه على أن ينجزعملا كبيرا في المستقبل .

في مدينة هواي ينغ مسقط رأس هان شين ، كان بعض الشباب ينظرون اليه نظرة استعلاء . ذات يوم ، وجد شاب أن هان شين كان يتقلد سيفا دائما رغم ضخامة جسمه ، فاعتبره شخصا جبانا ، فاعترضه في شارع تجاري مزدحم قائلا له :" اذا كنت شجاعا ، فاطعنني بسيفك ، واذا كنت جبانا ، فانفذ من بين فخذي ." وفهم جميع المتفرجين الملتفين حولهما أن هذا الشاب كان يتعمد احراج واهانة هان شين ، ولكنهم لم يعرفوا ماذا سيفعله هان شين . ورأوه يفكر مدة ، ثم مر عبر الفرجة بين رجلي الشاب مما أثار موجة هادرة من ضحكات الحاضرين معتبرين أن هان شين جبان رعديد وغير شجاع ، وها هو مصدر الحكاية عن " اهانة المرور عبر فرجة الرجلين."

كان هان شين في الواقع شخصا ذكيا واسع الحيلة . وأدرك أن المجتمع حينذاك كان يقترب من فترة حلول أسرة جديدة محل أسرة قديمة ، فكان يكرس جهوده لبحث فنون الحرب و ممارسة المهارات في القتال ، وهو على ثقة من قدوم يوم سيرفع راسه عاليا فيه . وفي العام ال209 قبل الميلادي ، اندلعت انتفاضات الفلاحين ضد حكم سلالة تشين في كل أنحاء البلاد ، فانضم هان شين الى احدى القوات المنتفضة القوية نسبيا التي كان زعيمها ليو بانغ الذي أصبح فيما بعد الامبراطور المؤسس لأسرة جديدة خلفا لأسرة تشين . وفي البداية ، عين هان شين في هذه القوة مسئولا صغيرا مكلفا بادارة وحراسة المؤن العسكرية ، فلم يستطع أن يحقق أمنيته . ثم تعرف على شخص يدعى شياو خه ،وهو مستشار لزعيم القوة ليو بانغ . وكان شياو خه و هان شين يناقشان دائما الأوضاع السياسية والشئون العسكرية ، وأدرك الأول من خلال هذه المناقشات أن الثاني يتحلى بكفاءة و دراية واسعتين ، فبذل جهود قصوى لتعريف زعيم القوة ليو بانغ بالثاني ، الا أن ليو بانغ أصر على رفض رفع شأن هان شين بمنحه منصبا عاليا .

ذات يوم ، انصرف هان شين عن قوات ليو بانغ بهدوء بعد أن خمدت عزيمته وفترت همته ، ولجأ الى قوات منتفضة أخرى . وبعد أن علم شياو خه بنبأ انصراف هان شين ، وفي حالة عدم معرفة ليو بانغ ، سارع شياو خه راكبا على حصان لملاحقة هان شين . وكان ليو بانغ بعد علمه بالأمر يعتقد أنهما هربا منه معا . وبعد يومين ، عادا اليه ، ساوره شعور مزيج من الدهشة والسرور ، فاستفسر شياو خه بما لا يخلو من عتاب عما جرى لهما ، فقال له شياو خه : " لاحقت شخصا من أجلك . " وقال ليو بنغ وقد ساورته الريبة والحيرة : " لقد هرب في الماضي عشرات قادة القوات ، ولم تلاحقهم ، فلماذا ذهبت لملاحقة هان شين وحده دون غيره ؟ " رد شياو خه : " ان قادة القوات الهاربين في الماضي كانوا محدودي الكفاءة' يسهل الحصول عليهم . أما هان شين فهو عبقري فذ يصعب الحصول عليه. واذا أردت الاستيلاء على الحكم والهيمنة على كل البلاد ، فلن تجد من تشاوره في الأمور الكبيرة سوى هان شين ." فقال ليو بانغ : " اذن اجعله قائدا تحت امرتك ! " ولكن شياو خه قال : " ربما لا يريد هان شين البقاء معنا في حالة جعله قائدا عاديا ." فقال ليو بانغ : " اذن اجعله قائدا عسكريا أعلى ! " وهكذا تحول هان شين منذ ذلك الوقت من مسئول عن نقل المؤن العسكرية الى جنرال . وفي مسيرة النضال من أجل نزع الحكم في كل البلاد خدمة لليو بانغ بعد ذلك ، انتصر هان شين في كل معركة خاضها مسجلا مآثر حربية رائعة .

حكاية عن مثل " تقسيم حساء الأرز وتقطيع الخضر قطعا صغيرة "

كان فان تشونغ يان سياسيا و أديبا مرموقا في تاريخ الصين ، فلم يكن بارعا في السياسة فحسب ، بل أبدى مقدرة رائعة أدبيا و عسكريا . وكان أشهر مقالاته عنوانه هو " برج يو يانغ " ، والعبارة المشهورة الواردة في هذا المقال والتي تقول : " ينبغي أن أكون أول الناس في بلادي الذي يستشعرالمخاطرالقادمة وأخرهم الذي يسعد فيها."حظيت باقبال واستحسان شديدين . وتناقلتها ألسن الناس في العهود اللاحققة حتى اليوم . وفيما يلي قصة عن الحياة الدراسية الشاقة لهذا الوطني في صغره .

عاش فان تشونغ يان في عهد أسرة سونغ الملكية في القرن ال 10. ولم يبلغ من العمر 3 سنوات حتى توفى والده بسبب المرض . وكانت حياة عائلته فقيرة للغاية . وخرج فان تشونغ يان منفردا من البيت لطلب العلم وكان عمره حوالي بضعة عشر عاما. وبدأ يدرس في معهد ينغ تيان فوالمشو حينذاك.وفي فترة الدراسة في هذا المعهد للعلوم التقليدية ، كانت حياة دراسته صعبة للغاية . و نظرا لأنه لم يملك مالا كافيا لشراء الأغذية ، فاضطر فان تشونغ يان الى الاكتفاء بشرب حساء الأرز كوجبات ثلاث يومية خلال مدة طويلة . وكان يعد حساء الأرز صباح كل يوم ، وينتظر حتى تصلب الحساء ، ثم يقوم بتقسيمها الى 3 أجزاء ، وبعد ذلك يقطع خضرا ملحة قطعا صغيرة ، و ها هى أطعمة وجبات يومه الثلاث .

ذات يوم ، بينما كان فان تشونغ يان يتناول الطعام ، اذ زاره أحد أصدقائه حيث وجد الصديق الزائر أن الطعام رديء جدا . انطلاقا من مشاعر تعاطفه، أخرج الصديق من جيبه مبلغا من المال وأعطاه الى فان تشونغ يان آملا في تحسين ظروف حياته المادية ، الا أن فان تشونغ يان اعتذر عن قبول المبلغ بحزم شاكرا له ،فلم تكن لضيفه حيلة لاقناع صديقه. في اليوم التالي ، أتى هذا الصديق مرة أخرى وأحضر العديد من الأطعمة اللذيذة الشهية ، واضطر فان تشونغ يان الى قبولها .

مرت أيام ، زاره في منزله صديقه المذكور مرة ثالثة ، فوجد مندهشا أن الأطعمة اللذيذة من الدجاج و السمك التي أحضرها قبل ايام قد فسدت و تعفنت ، فلم يأكل منها فان تشونغ يان شيئا . ولذلك غضب صديقه غضبا شديدا قائلا : " يا ترى! لا تريد قبول شيء من الأخرين ولو كان شيئا قليلا من المأكولات ، انك أحزنت صديقك كثيرا في ذلك ! "

ابتسم فان تشونغ يان قائلا : " أسأت فهم قصدي يا أخي العزيز ، كنت أود أن آكل هذه الأطعمة اللذيذة ، ولكني لم أتجرأ على أكلها ، وذلك لأني كنت أخاف على عدم استطاعتي ابتلاع حساء الأرز و الخضر المملحة بعد أكلي السمك واللحوم . واني أشكر لطفك يا أخي ، و اياك تغضب ! " وأعجب الصديق بأخلاق فان تشونغ يان أكثر من ذي قبل بعد سماع كلامه هذا .

ذات مرة ، سأل بعض الناس فان تشونغ يان عن تطلعاته ، رد عليهم قائلا : " ان تطلعاتي هى اما ان أكون طبيبا جيدا ، اما أن أكون رئيسا طيبا للوزراء ، لأن الطبيب الجيد يستطيع علاج أمراض الناس ، ورئيس الوزراء الطيب يستطيع ادارة البلاد ." وتولى فان تشونغ يان منصب رئيس للوزراء أخيرا كما تمناه وأصبح سياسيا مشهورا في عهد أسرة سونغ الملكية .

اتخذ فان تشونغ يان تعميم التعليم واصلاح الأجهزة البيروقراطية ناحيتين هامتين لتقوية البلاد ، فكرس جهوده الكبيرة لاقامة المدارس وتعزيز هيئات التدريس في كل أنحاء البلاد بغية اعداد الأكفاء الذين كانت البلاد في أمس الحاجة اليهم في مختلف المجالات.أما هو نفسه فاجتهد أيضا في العمل على ارشاد ودعم ذوي المواهب. فقد تلقى مساعداته عدد من السياسيين و الأدباء المشاهير في وقت لاحق بعد ذلك مثل السياسي و الأديب او يانغ شيو و الأديب تشو دون يي و الفيلوسوف تشانغ زاي .

استغلالا لأوقات الفراغ من أعماله المزدحمة بمعالجة أمور البلاد،اجتهد فان تشونغ يان في ابداع العديد من الأعمال الأدبية الرائعة . وان ما يستحق الثناء عليه هو أنه كان يعارض الأعمال التي عباراتها مزوقة و مضامينها بعيدة عن الواقع، ويدعو الى ضرورة ربط الأدب مع واقع المجتمع و العمل على تنمية المجتمع والانسان . وأحدث هذا الراي تأثيرات عميقة على تطور الأدب في عهود الصين اللاحقة .

حكاية عن مثل " ارتفاع أسعار الورق في لو يانغ "

في العهود القديمة التي لم تكن صناعة الطباعة فيها متطورة ، اعتمد تناقل القصائد الشعرية والمقالات على نسخها باليد . وكان في تاريخ الصين أديب يدعى زو سي ، وبمجرد كتابته مقالا رائعا ، تسابق النبلاء والوجهاء الى نسخه مما أدى الى ارتفاع حاد في أسعارالورق في السوق لمدة ما ، فانتشر مثل طيب بهذا الشان على نطاق واسع منذ ذلك الوقت حتى هذا اليوم .

بطل الحكاية زو سي هو من مواليد عام 250 . وكان أديبا في عهد أسرة جين الملكية الصينية . وكانت ملامحه قبيحة ، كما لم يكن له قدر كبير من المواهب الفطرية . و تعلم فنون الخط والعزف على الات موسيقية ، ولكنه لم يوفق الى حد مقبول ، ثم بتشجيع والده ،عقد العزم على قراءة الكتب حتى تمكن من كتابة مقالات رائعة .

وعندما بلغ زو سي 20 سنة من العمر، انتقيت شقيقته الصغيرة زو فن الى الدخول في البلاط الملكي ، فتمكن كل أفراد عائلته من النزوح الى لو يانغ عاصمة البلاد مما أتاح لزو سي مزيدا من الفرص للاتصال مع المثقفين والعلماء من الفئة الاجتماعية العليا . وفي هذه الفترة ارتفع مستوى ابداعه بقدر كبير ، حتى أبدع عملا خالدا وهو " موشحات العواصم الثلاث " .

بعد بروز عمل " موشحات العواصم الثلاث " الى حيز الوجود . كتب الأديب حينذاك هوانغ بو مي مقدمة له ، ووضع تشانغ زا حواشيا له . وكان العمل متداولا داخل الأوساط الأدبية فقط في البداية ، ثم انضم النبلاء والوجهاء الذين ادعوا الأدب والعلم الى الصفوف الناسخة للعمل . وكنتيجة لذلك ، ظهر نقص شديد في امداد الورق في شوارع لو يانغ العاصمة ن وبالتالي أخذت أسعار الورق ترتفع باستمرار ، و ها هو مصدرمثل " ارتفاع أسعار الورق في لو يانغ " .

اذن ، فما هو مقال " موشحات العواصم الثلاث " ؟ " الموشح " عبارة عن شكل أدبي شائع حينذاك، يتميز بالاهتمام الشديد بالطباق والمقابلة واستخدام الاقتباسات وحسن تنميق اللغة في الانشاء.أما " العواصم الثلاث " فهى تشير الى عواصم ثلاث دويلات كانت موجودة قبل عهد أسرة جين الملكية وهى شو و وو و وي .اذ تحتوي " موشحات العواصم الثلاث " على " موشح عاصمة شو " و " موشح عاصمة وو " و " موشح عاصمة وي " . ووصف كل من الموشحات الثلاثة على لسان أشخاص مفترضين الأوضاع و المنتجات والنظم المحلية و علق عليها. ولم تكن انجازات العمل ككل مقصورة على أسلوب انشائه فحسب بل انعكسست في مضامينه أيضا، وهذا أهم . ومن أجل ابداع هذا العمل ، أمضى زو سي قدرا كبيرا من الوقت في بحث الكتب الكلاسيكية واجراء التحقيقات الميدانية في محاولة جاهدة ليتطابق ما اقتبسه ووصفه مع الواقع . وبعد اكمال تحضير مواد الكتابة ، وضع زو سي أقلاما و أوراقا في أنحاء البيت وفنائه حتى دورة مياهه تسهيلا لتسجيل ما يخطر بباله في كل لحظة من فكرة بارعة في حينها . وهكذا أجهد ذهنه 10 أعوام ، وأنجز عمله الخالد المذكور أخيرا .

وعكس عمل " موشحات العواصم الثلاث " أوضاع الحياة الاجتماعية من كل نواحيها تقريبا في عهد الدويلات الثلاث الصيني ، كما تناول مضامين كان الحكام و والمحكومون يهتمون بها حينذاك مثل قضية توحيد البلاد ، ولذا، لقى العمل تقديرا واستحسانا في ذلك الوقت وبعده .

وفي الواقع ، لم يكتف زوسي بصفته أديبا مشهورا عبر العصور حتى يومنا هذا بمجرد عمل واحد له ، فالى جانب " موشحات العواصم الثلاث " ، كتب عددا كبيرا أخر من القصائد والنثر ، ومشهور منها ديوان شعر بعنوان " أنشودة التاريخ "، عبر زو سي فيه و باستخدام لغة بسيطة عن مشاعر قلقه على شئون البلاد و شعبها. ، وأصبح بذلك قدوة احتذى بها عديد من الشعراء في العهود اللاحقة .

حكاية عن مثل " ترشيح ماو سوي نفسه "

يشيع في الصين قول مأثورشعبي يقول : " ان الذهب يتلألأ عاجلا أم أجلا ما دام حقيقيا " ، هذا هو المعنى الذي يشير اليه المثل الصيني الذي يقول : " ترشيح ماو سوي نفسه".

في عهد الدويلات المتحاربة الصيني القديم ، كانت مدينة هان دان عاصمة دويلة تشاو محاصرة بشدة من قوات دويلة تشين القوية ، وكان من المحتمل سقوطها في اي لحظة.

من أجل انقاذ العاصمة هان دان ، أراد ملك دويلة تشاو الاتحاد مع دويلة اقليمية قوية أخرى ، وهى دويلة تشو للمشاركة في مقاومة دويلة تشين ، فقرر ايفاد الأمير بينغ يوان جون الى دويلة تشو لاقناع ملكها بقبول رأيه .

خطط الأمير بينغ يوان جون لاختيار 20 شخصا ذا شجاعة و دهاء من بين مستشاريه الخاصين البالغ عددهم عدة آلاف لمرافقته الى دويلة تشو لاداء مهمته . وبعد كثير من التدقيق والاختيارات، لم يقع اختياره الا على 19 شخصا فقط منهم . وفي هذا الوقت بالذات ، حضر الى أمام الأمير شخص من تلقاء نفسه ، ورشح نفسه له كأخر مرافقيه ،وذلك الشخص هو ماو سوي .

وألقى الأمير بينغ يوان جون نظراته علي ماو سوي من فوق الى تحت ،ثم سأله : " من أنت ؟ لماذا حضرت للقائي؟ "

فقال له ماو سوي : " اسمي هو ماو سوي، وسمعت أنك من أجل انقاذ العاصمة هان دان ، تستعد للذهاب الى دويلة تشو لاقناع ملكها بقبول رأيك ، فاني راغب في مرافقتك اليها ."

عاد الأمير بينغ يوان جون يسأله : " كم مدة مضت على مجيئك الى مقر اقامتي ؟ "

رد ماو سوي قائلا : " 3 أعوام . "

قال الأمير بينغ يوان جون : " 3 أعوام ليست بمدة قصيرة . واذا كانت لشخص ما كفاءة خاصة ، فلا بد أن يظهرها في مدة قصيرة ، شأنه شان مخرز ، اذا وضع في كيس ، فسيبرز رأسه من الكيس في الحال . والقضية الأن هى أنك قد أقمت في مقر اقامتي لمة 3 أعوام ، وأنا لم أسمع عماتملك من كفاءة خاصة . واني ذاهب الى دويلة تشو هذه المرة لاداء مهمة كبيرة وهى الاستجاد بدويلة تشو لانقاذ الوطن ، فلا يمكن لأحد لا يملك كفاءات أن يرافقني في هذه الرحلة، فابق حيث أنت"

كان كلام الأمير بينغ يوان جون صريحا و صادقا ، الا أن ماو سوي رد عليه بكل ثقة بنفسه قائلا : " لم تكن صحيحا في كلامك ، وان القضية هى أنها ليست كما قلت أني لا أملك كفاءة خاصة ، وانما أنت لم تضعني في كيس ، ولو وضعتني فيه في وقت سابق ، فان كفاءتي الخاصة كانت قد برزت الى حيز الوجود منذ زمان مثل مخرز شق الكيس . "

شعر الأمير بينغ يوان جون من خلال الحديث بأن ماو سوي ملك كفاءة حقا، فقبل ترشيح ماو سوي نفسه ، وبذلك اكتمل عدد المرافقين العشرين ، وراحوا الى دويلة تشو . وبعد وصولهم اليها ، بدأ الأمير بينغ يوان جون مفاوضات مع ملك دويلة تشو حيث أوضح الأمير تفصيليا ضرورة وأهمية المقاومة المشتركة ضد دويلة تشين داعيا ملك دويلة تشو الى ارسال تعزيزات لانقاذ هان دان عاصمة دويلة تشاو في أسرع وقت ممكن ، ولكن الملك لزم الصمت . واستمرت المفاوضات ابتداء من الصباح الباكر الى منتصف النهار ، ولم تنته بنتيجة بعد . وأخذ مرافقو الأمير العشرون المنتظرون بخارج مقر المفاوضات يقلقون شديدا .

كان ماو سوي الوحيد الذي رشح نفسه لمرافقة الأمير في هذه الرحلة ، فنظرالمرافقون ال19 الأخرون اليه نظرة استعلاء في أعماق قلوبهم معتقدين أنه كان يطبل و يزمر لنفسه في اي حال . وحبا لاستطلاع ما هى الكفاءة التي لدى ماو سوي أخذوا يحرضونه قائين :"أيهاالسيد ماو، نظرا لأن المفوضات استمرت مدة طويلة دون نتيجة ، فهل يمكنك الدخول للسؤال عما جرى ؟ "

وافق ماو سوي علي طلبهم فورا . وقام ويده على السيف المعلق على خصره، وحضر الى أمام ملك دويلة تشو وقال : " يا صاحب الجلالة المعظم ، ان مشاركة تشو وتشاو لمقاومة تشين ، لأمر لا بد منه ، يمكن الاتفاق عليه بسهولة ، ولكن المشاورات التي استمرت من الصباح حتى الآن لم تتوصل الى نتيجة ، فما هو السبب ؟ "

واستاء ملك دويلة تشو لطهورماوسوي واستنطاقه له، فلم يعر ماو سوي اهتمامه ،بل ادار الى الأمير بينغ يوان جون وسأله بغضب : " من هذا الشخص ؟ "

قال له الأمير بينغ يوان جون : " انه من مرافقي . "

فاسشاط الملك غضبا ، وأدار الى ماو سوي عاتبا : " اني أتشاور الآن مع سيدك حول أمور ، ومن تعتبر نفسك ؟ حتى وصلت بك الجرأة الى التدخل في الحديث ! "

بعد أن سمع ماو سوي كلام ملك دويلة تشو ، امتلأ قلبه حنقا وغيظا ، فأخرج سيفه من الغمد ، ثم اقترب من الملك ، وقال له بصوت عال : " أيها الملك المحترم، أ ليس ما يدعوك الى التجرأ على توبيخي هو اعتمادك على بلادكم تشو كبلاد كبيرة ؟ واعتمادك على حواشيك العديدين الواقفين بجانبيك ؟ و لكني أخبرك الآن بأن الوضع الحالي في غضون 10 خطوات ، لا تنفعك بلادك الكبيرة ولا حواشيك العديدون ! وان حياتك في حوزة يدي ،علام تصرخ ! "

بعد سماع كلام ماو سوي هذا ، تصبب وجه ملك دويلة تشو عرقا من شدة الخوف ، و لزم الصمت .

عاد ماو سوي يقول : " دويلة تشو بلاد كبيرة ويتوجب عليها أن تهيمن على الدنيا ، الا أنك تخاف من دويلة تشين خوفا شديدا من أعماق قلبك.ثم ان دويلة تشين اعتدت على بلادكم مرات عديدة واحتلت العديد من أراضيكم ، كم كانت أكبرالاهانة ! نشعر نحن أيضا باستحياء لذلك كلما تخطر ببالنا هذه الاهانة . ونبادر الآن الى الاتحاد معكم لمقاومة مشتركة ضد عدوان دويلة تشين من أجل انقاذ العاصمة هان دان ، و كذلك من أجل أخذ الثأر وغسل العار لبلادكم في آن واحد . الا أنك تبدو هيابا ضعيف الارادة الى هذه الدرجة ،و كيف تلقب بملك معظم ! ألا تشعر بخجل شديد ؟ "

بعد سماع كلام ماو سوي المؤثر ، خجل ملك دويلة تشو شديدا حتى لم يستطع ايجاد كلمة مناسبة ليقولها .

و ها هو ماو سوي عاد الى قوله : " يا ملك دويلة تشو المحترم ، كيف ؟ هل أنت راغب في مشاركة بلادنا تشاو في مقاومة دويلة تشين ؟ "

" أنا راغب ! راغب ! "

وعد ملك دويلة تشو بلا تحفظ .

بعد أن وقعت دويلتا تشو و تشاو معاهدة تحالف لمقاومة دويلة تشين ، عاد الأمير بينغ يوان جون و مرافقوه الى العاصمة هان دان ، وقال الأمير بينغ يوان جون لملك دويلة تشاو أثناء المقابلة : " ان السيد ماو سوي هو صاحب الفضل في نجاح رحلتي هذه الى دويلة تشو . وبفضل لسانه الذلق ، فانه صار شديدا أقوى من قوة مشكلة من مليون محارب شجاع ! "

لم تمر 3 أيام حتى أصبح اسم ماو سوي معروفا لدى كل أسرة في العاصمة هان دان . ويقتبس حاليا مثل " ترشيح ماو سوي نفسه " للدلالة على جرأة شخص ذي كفاءة على رشيح نفسه .

حكاية عن مثل " حلم في نان كه "

يوجد في اللغة الصينية مثل يقول : " حلم في نان كه " ،يقتبس للدلالة على حلم أو وهم مستحيل تحقيقه للانسان .وورد هذا الحلم في رواية " سيرة حاكم محافظة نان كه " بقلم الكاتب لي قونغ زو في عهد سلالة تانغ الملكية الصيني في القرن ال9 .

كان هناك شخص يدعى تشون يو فن، يحب تعاطي الخمر . وكانت تنبت في فناء بيته شجرة صفراء كبيرة ذات جذور راسخة و اغصان ظليلة ، انه مكان مثالي للتمتع بالجو البارد في ليالي أيام عز الصيف ،وتحت السماء حيث القمر منير والنجوم متبعثرة هنا وهناك ، و النسيم اللطيف يهب .

كان ذلك اليوم يصادف عيد ميلاد تشون يو فن ، توافد الأقرباء والأصدقاء الي بيته لتهنئته بالمناسبة . وكانت سعادته بالغة حتى أكثر من شرب كؤوس الخمر . وبعد انصراف الأقرباء والأصدقاء منه ، أخذ تشون يو فن يتمتع بالجو البارد تحت شجرة الصفيراء الكبيرة مبديا دلائل السكر ، وبعد قليل ،غلبه النعاس ،ودخل في نوم عميق .

في عالم الحلم ، دعى تشون يو فن من مبعوثين الى تجويف للشجر تبدو فيه السماء صافيا والطقس رائعا ، انه عالم متميز يلقب ببلاد دا هواي الكبرى . وصادف أجراء امتحانات في عاصمة البلاد لاختيار موظفين رسميين حيث سجل تشون يو فن اسمه للامتحان ، فاشترك في 3 امتحانات ، ووفق الى كتابة مقالات بسلاسة بالغة. وعندما اعلنت نتائج الامتحانات ، علم تشون يو فن أنه جاء في المركز الأول . وعقب ذلك ، قام الامبراطور نفسه بامتحانه . وكان الامبراطور يحبه كثيرا لما بدا جميل الملامح رائع الموهبة ، فاختاره متفوقا رقم واحد في الامتحان الامبراطوري الأعلى، كما زوجه ابنته الأميرة . وأصبح خبر تحول طالب موفق في الامتحان الامبراطوري الأعلى الى صهر الامبراطور أحدوثة جميلة تناقلتها الأفواه في عاصمة البلاد لمدة ما .

كان الزواج سعيدا وموفقا للغاية ، و سرعان ما أوفد الامبراطور صهره تشون يو فن الى محافظة نان كه حاكما لها حيث كان متفانيا في العمل و محبا لأبناء الشعب في المحافظة ، كما كان يتردد الى أماكن مختلفة من المحافظة للاستطلاعات والدراسات وفحص أعمال المرؤوسين ، فكانت الأعمال الادارية في كل مكان نزيهة و فعالة للغاية ، وحظيت باشادة ايما اشادة من قبل عامة الشعب . ومضت 30 عاما ، وانجازات ادارة تشون يو فن اشتهرت في كل أنحاء البلاد . و رزق خمسة بنين و بنتان ، وكانت حياته العائلية سعيدة للغاية . ثم ود الامبراطور ان يستدعي تشون يو فن الى العاصمة عدة مرات لترقية منصبه ، و لكن عامة الشعب في محافظة نان كه بعد سماعهم بهذا الخبر ، تدفقوا الى الشوارع لمنع عربة الخيل المقلة لحاكم المحافظة ملحين عليه في البقاء في منصبه بالمحافظة ، وتأثر تشون يو فن بمشاعر حب واحترام عامة الشعب له ، فاضطر الى البقاء ،وفي الوقت نفسه قدم الى الامبرطور توضيحات لرغبات ومطالب عامة الشعب المحلية . وأعجب الامبراطور بانجازات تشون يو فن الادارية، فكافأه بعديد من الذهب والفضة و الثروات الأخرى تقديرا وتشجيعا له.

ذات عام ، أرسلت دولة شان لو قواتها لغزو بلاد دا هواي الكبرى، وقاد جنرالات بلاد دا هواي الكبرى قواتهم لمجابهة قوات العدو ، ولكنهم هزموا هزيمة ذريعة . وعندما انتشر خبر الهزيمة الى العاصمة ، اهتز الملك له ، فاستدعى الوزراء وكبارالضباط للتشاور حول وضع اجراءات مجابهة . وحينما سمع الوزراء عن الهزائم العسكرية واحدة اثر الأخرى و اقتراب قوات العدو من العاصمة ، شحبوا من الخوف حيث نظر بعضهم الى بعض عاجزين .

ونظرالملك الى حالة الارتباك والحيرة لدى الوزراء ،فقال لهم غاضبا : "ظللتم في مناصب عالية ترفلون في بحبوحة من العيش وتتمتعون بالجاه والثروة، ولكن اذا ما تعرضت البلاد لخطر ، أصبحتم كلكم جبناء ، فماذا يمكنكم أن تفعلوا ؟

وفي هذا الوقت ، ساورت رئيس الوزراء خاطرة لقدرة تشون يو فن حاكم محافظة نان كه المشهور بانجازاته الادارية البارزة ، فقام بترشيح تشون يو فن الى الملك . فأصدر الملك فورا مرسوما بتكليف تشون يو فن بقيادة جميع القوات المنتخبة في كل أنحاء البلاد للقتال ضد قوات العدو .

تقدم تشون يو فن الى ساحة القتال على رأس القوات المنتخبة اثر تلقيه مرسوم الملك ، ولكنه لم يعرف عن فنون القتال شيئا . فما بدأت قواته تشتبك مع قوات العدو حتى هزمت قواته هزيمة نكراء ، وتكبدت خسائر فادحة ، وكاد هو نفسه يقع أسيرا . وأصيب الملك بخيبة امل شديدة لدى علمه بخبر الهزيمة ،فأمر باقصاء تشون يو فن من جميع مناصبه واعادته مواطنا عاديا وطرده من العاصمة الى مسقط رأسه . وعندما فكر تشون يو فن في أنه كانت سمعته الطيبة ذائعة على مدى حياته قبل ذلك ، شعر الخجل الشديد ، وصرخ صرخة ، فاستيقظ لها من الحلم ، ثم قام بالبحث عن بلاد دا هواي الكبرى طبقا لما جاء في عالم الحلم ، اذ به يجد تحت شجرة الصفيراء الكبيرة تجويفا للنمل وهو بيت لمجموعة من النمل .

و يستدل بعض الناس بمثل " حلم في نان كه " على أن حياة الانسان مثل حلم،و أن المال والجاه والسلطة مجرد أحداث عارضة وهمية .

حكاية عن مثل " المرآة المكسورة عادت مجبورة "

" المرآة " في الأدب الصيني التقليدي رمز أدبي يستخدم على نطاق واسع. حيث يشبه الأدباء البدر بالمرآة أو يستخدمون المرآة لوصف انسان ذي أخلاق صافية خالية من الشوائب ، أويقولون ان دواخل انسان بمثابة المرآة مشيرين الى أنه شفاف واضح . أما مثل " المرآة المكسورة عادت مجبورة " فيقصد عودة جمع شمل زوجين بعد تفرقهما .

نشأت الحكاية في القرن ال9 ، كان حكم أسرة سوي القوية يسيطر على شمال الصين ، بينما كانت عدة دويلات تسيطرة على جنوب البلاد ، ومنها دويلة تشن عاصمتها في جيان كانغ أي مدينة نان جينغ حاليا . وكان حكم أسرة سوي يحملق في هذه الدويلات كنمر يترصد فريسته مستعدا للنهوض لتوحيد الصين كلها في أي لحظة .

كان شيو ده يان حاشية للملك تشن شو باو ملك دويلة تشن ، وقد تزوج شقيقة الملك الاميرة له تشانغ . وكان الزوجان متيمين في الحب. ونظرا لفساد حكم دويلة تشن ، تنبأ الزوج شيو ده يان بان البلاد ستتعرض بلا شك لمحنة ابادة يوما ما ، فكان على قلق شديد .

ذات يوم ، قال الزوج للزوجة و كانت ملامح الهموم ترتسم على كل وجهه : " ربما، ستحدث فوضى في عموم البلاد قريبا ، حينئذ سأنهض لحماية الملك ، فسنضطر نحن الزوجين الى فراق بعضنا ، و لكن ، ستتاح لنا فرصة للقاء مرة أخرى ، ما دمنا أحياء . والآن ، علينا أن نحتفظ بشيء كبرهان على تجدد لقائنا في المستقبل."

وافقت الأميرة له تشانغ على رأي واقتراح زوجها . فأتى الزوج شيو ده يان بمرآة مستديرة ، وكسرها الى قسمين ، احتفظ الزوج لنفسه أحد القسمين، وأعطى القسم الأخر الى زوجته طالبا اليها الحفاظ على قسمها جيدا ، ثم قال لها : " اذا افترقنا ،فيجب عليك في الخامس عشر من الشهر الأول من التقويم القمري كل عام أن تكلفي شخصا بحمل نصف هذه المرآة الذي في حوزتك الى السوق متظاهرا لترويجه، واني سأذهب بالتاكيد الى السوق للاستطلاع ما دمت حيا ، وبواسطة نصف المرآة الذي في حوزتي كبرهان، سيتحقق شملنا مرة أخرى ."

بعد قليل من ذلك ، قرر الملك سوي وين دي عقب توحيد شمال الصين شن هجوما عسكريا على جيان كانغ عاصمة دويلة تشن كما توقع ، وأباد هذه الدويلة ، و قتل ملكها . وأضطر شيو ده تشانغ الى الفرار . وكافأ الملك سوي وين دي هولاء الذين سجلوا مآثر في الهجوم على دويلة تشن ، وكان منهم أحد وزرائه يانغ سو الذي كوفيء باعطائه الأميرة له تشانغ الأسيرة .

وبعد الاستطلاعات ، تمكن شيو ده يان الفار من معرفة المكان الذي وصلت اليه زوجته وهو مدينة دا شينغ عاصمة أسرة سوي أي مدينة شيآن بمقاطعة شنسي اليوم. فوصل هو الأخر الى المكان بعد قطع مسافة بعيدة للاستفسار عن مكان محدد لاقامة زوجته . وفي هذا الوقت ، كلما انتصفت الليالى و ساد الهدوء حوله ، أخرج نصف المرآة المكسورة في حوزته ، ليتذكر الأيام السعيدة الماضية التي كان يقضيها مع زوجته في حين كانت زوجته الأميرة له تشانغ رغم أن حياتها كانت مترفة في المقر الرسمي للوزير يانغ سو تذكرت زوجها من صميم قلبها في كل لحظة ، وتخرج النصف الأخر من المرآة المكسورة الذي بحوزتها من حين لأخر لتتذكر الماضي .

حل أخيرا اليوم الخامس عشر من الشهر الأول من التقويم القمري ، وسارع الزوج شيو ده يان الى سوق مزدحم حيث رأى مسنا يروج نصف مرآة بسعر عال،

وبطبيعة الحال ، لم يكن أحد يرغب في شراء نصف مرآة بثمن باهظ ، وكان المسن يمشي في السوق ذهابا وايابا بلا انقطاع . وكان الزوج شيو ده يان يتظاهر بأنه يرغب في شراء نصف المرآة ، فأخذه من يد المسن ، ثم بدأ يتفحصه بدقة ، اذا هو حقا نصف المرآة التابع لزوجته . وكان المسن خادما في مقر الوزير يانغ سو ، وقد كلف من الأميرة له تشانغ للبحث عن زوجها بحجة بيع المرآة . ونظم الزوج شيو ده تشانغ في الحال قصيدة وسلمها الى الخادم المسن ليعود بها الى الأميرة زوجته . و جاء في القصيدة : "

غدت الحبيبة و المرآة سويا

عادت المرآة ولم تعد الأخرى مساء

غابت الهة القمر في قصره تشبيها

بقى ضوء القمر المنير منعزلا

المقصود بالقصيدة واضح ،أي أن زوجته ذهبت ومعها المرآة ، واليوم ،ظهرت أمامه المرآة ، ولكنه لم ير زوجته عائدة ، وذلك كأنما اختفى شبح الالهة تشانغ أ من القمر، وبقى ضوء القمر منيرا وحده .

كانت الأميرة له تشانغ تبكي وتمتنع عن تناول الطعام طوال الأيام منذ رؤيتها نصف المرآة البرونزية الذي كان يحتفظ به زوجها والقصيدة التي كتبها . وتأثر الوزير يانغ سو كثيرا بعد معرفة حقيقة الأمر،فاستقدم الزوج شيو ده يان اليه ، وسمح له بأن يعود بالأميرة له تشانغ الى مسقط رأسه ، كما منحه أشياء كثيرة ، و هكذا التأم شمل الزوج والزوجة أخر المطاف .

وفي الأعمال الأدبية الصينية في العهود اللاحقة حتى اليوم يستخدم مثل المرآة المكسورة عادت مجبورة " للدلالة على التأم الشمل بين زوج وزوجة بعد افتراق بينهما ، ويستخدم مثل " المرآة المكسورة مستحيل جبرها " للدلالة على تفرق الزوجين بسبب موضوعي .

حكاية عن مثل " قصيدة منظومة خلال سبع خطوات "

توجد أسرة مشهورة في تاريخ الصين . كان الوالد تساو تساو عالما عسكريا وشاعرا ، كما كان ابناه تساو بي وتساو تشي يتحليان بمستوى رفيع في الأدب . ويعد الابن تساو تشي الأرفع منهم في الانجازات الأدبية .

كان الوالد تساو تساو مؤسس دويلة وي في عهد الدويلات الثلاث في القرن الثاني الميلادي . ونظم على طوال حياته العسكرية عددا كبيرا من القصائد الذائعة الصيت . وبعد وفاته ، خلفه ابنه الأكبر تساو بي . و كان تساو بي ناقدا أدبيا ، ويعتبركتابه " تعليقات على الكتب الكلاسيكية وأطروحات " عملا فاتحا للعهد في تاريخ النقد الأدبي الصيني . اما الابن الثاني تساو تشي فكان نابغة في عدة مجالات وخاصة في الأدب .ويعتبر أبرز شاعر في ذلك العهد .

حسد الأخ الأكبر تساو بي بعد خلافته لوالده كملك أخيه الأصغر على مواهبه . ذات مرة ، ولسبب تافه حاول الأخ الأكبر تساو بي معاقبة اخيه الأصغر تساو تشي ،الا اذا استطاع تساو تشي نظم قصيدة كاملة مقفاة . وأدرك تساو تشي بوضوح أن اخيه الأكبر تعمد احراجه ، لكنه مضطر الى الخضوع لأمره بصفته ملكا . وعندما خطر بباله أن الذي أساء اليه هو شقيقه الأكبر ، امتلأ قلبه حزنا و غضبا ، فأنشد قصيدة آتية :

يطبخ الفول باحراق قشه،

الفول وسط القدر يبكي،

أ ليسا من أصل واحد،

فلماذا يعذب بعضهما بعضا بهذه القسوة؟

استحى الملك تساو بي كثيرا لما سمع من القصيدة ، فلم يعد يظلم شقيقه الأصغر .

كان أعظم انجاز لتساو تشي هو في مجال ابداع القصائد . وفي عهد الدويلات الثلاث ، كانت الحروب متواصلة بلا انقطاع ، وتدهورت الأوضاع الاجتماعية .لجأ تساو تشي بصفته أميرا في الأسرة الملكية الى نظم القصائد للتعبير عن اهتمامه وعطفه البالغين على عامة الناس المشردين بلا مأوى من جهة ، ومن جهة أخرى ، أذكت المناظر المأساوية في أيام الاضطرابات حماسته لفداء بلاده . و كتب بيتا خالدا في قصيدة : من أجل الوطن ضحى الرجل ، استعذب الموت وهو عائد".

على الرغم من أن تساو تشي قد وصل الى مستوى عال من الابداع الأدبي، ظل يحاول تقديم مساهمات سياسية ، الأمر الذي أثار ريب وحقد الملك عليه ، لذا ، كانت حياة تساو تشي مليئة بالنكسات والتقلبات . وعبر في أعماله عن كآبته لعدم تمكنه من تحقيق مثله العليا هذه ، الا أنه لم يستطع التعبير عنها بصراحة جلية ، وعلى هذا الضوء ، برزت ظاهرة ظريفة وهى أن تساو تشي وصف في قصائده عددا كبيرا من الصور الأنثية الرائعة . ولم تكن هذه الصور الأنثية جميلة موهوبة فحسب بل تحلت بأخلاق سامية و مثل عليا أيضا ، فضمنها الناظم عواطفه . وكان أشهرهذه الأعمال هو " موشح الهة لو شين " ، علما بأن نهر لو شوي نهر يجري بمقربة من لو يانغ عاصمة دويلة وي .واتخذ الكاتب الهة نهر لو شوي موضوعا لتصويرامرأة جميلة عاطفية للتعبير عن مشاعر حبه لها وخيبة أمله في عدم التبادل معها للاختلاف بين الانسان و الاله . وعلى الرغم من أن بطلة العمل خيالية ، ولكن الكاتب بأسلوبه الرئع ووصفه الرقيق المؤثر لطلعتها البديعة جعل من هذا العمل عملا خالدا متناقلا على كل شفة و لسان عبر أكثر من ألف سنة .

لم يبق الشاعر العبقري تساو تشي في الحياة الا 41 سنة ، لكن تأثيراته على الادب الصيني في العهود بعد وفاته كانت كبيرة جدا .وتستخدم " قصيدة منظومة خلال سبع خطوات " كمثل لوصف علو مواهب أدبية عظيمة لانسان ما .

حكاية عن مثل " من الغرور الى الملاطفة "

يستخدم في اللغة الصينية مثل لوصف تغيير تصرف الغرور والكبرياء الى تصرف الطاعة والاحترام في معاملة الانسان يقول : من الغرور الى الملاطفة " أو قل : " التذلل بعد الصلف " ، وها هى حكاية عن هذا المثل :

في عهد الدويلات المتحاربة في القرن ال 5 قبل الميلادي ، انتشرت في بلاد الصين دويلات عديدة ، ومن أهمها سبع دويلات هى تشين و يان و تشاو وتشي وتشو و هان و وي ، تسمى " القوى الكبرى السع في العهد " . وتقع دويلة تشين في منطقة شنسي الواقعة الى شمال غربي الصين حاليا ، وكانت تعد أقوى دويلة بفضل سلسلة من الاصلاحات السياسية والاقتصادية أجريت عليها ، وشنت هجمات عدوانية على الدويلات الست الأخرى من حين لأخر مما أدى الى تقسيم الدويلات الست الأخرى الى قسمين : قسم موال لدويلة تشين ، والأخر المناهض لها . ودعت الدول الموالية لدويلة تشين الدويلات الست بأكملها الى تصالح و تحالف مع دويلة تشين والعمل بكل ما في الامكان لتجنب اثارتها واعطائها حجج لشن حروب . وسمى هذا التكتيك تاريخيا " التحالف المنفرد " . أما الدول المناهضة لدويلة تشين ، فدعت الدويلات الست المنتشرة من الجنوب الى الشمال الى الاتحاد لمجابهة دويلة تشين ، وسمى هذا التكتيك تاريخا " التحالف المشترك " .

كان عديد من المستشارين السياسيين والعسكريين يسعون الى الدعوة لأرائهم في مختلف الدويلات ، واذا قبل رأي أحدهم ، ذاع صيته ، وزادت قيمة وضعه الاجتماعي أضعافا بين عشية وضحاها . وكان سو تشين بالذات واحدا من هؤلاء المستشارين حينذاك .

توجه سو تشين الى دويلة تشين أولا ، حيث بذل أقصى جهوده للدعاية لتكتيك " التحالف المنفرد " أمام ملك دويلة تشين ، وشجع دويلة تشين على تطمين الدويلات الست الأخرى أولا ، ثم ابتلاعها واحدة واحدة بصورة مبرمجة . ولكن ملك دويلة تشين رفض رأي سو تشين هذا . و كان السبب السطحي هو أن دويلة تشين لم يكن لديها طمع في دول أخرى ، وبالتالي ، لم يعجبها تكتيك " التحالف المنفرد " . ولكن في واقع الأمر ان دويلة تشين كانت لم تتم بعد استعداداتها كاملا لتوحيد بلاد الصين . وكان سو تشين لا حول ولا قوة له مضطرا الى العودة الى مسقط رأسه في لو يانغ في ملابس بالية منكسا رأسه مهموما بعد أن استنفد كل ما في جيبه من مصاريف السفر .

رأه أهله عائدا الى البيت ، وهو في غاية الحرج . لم يجد والداه حاجة الى مكالمته ، ولم تلتفت اليه زوجته التفاتة مستمرة أثناء عملها في النسج . وطلب سو تشين من زوجة أخيه الأكبر أن تدبر له ما يؤكل ، لكنها لم تفعل له شيئا ،بل تمادت الى توجيه توبيخات اليه مما أحزنه كثيرا . عليه ، فان سو تشين عقد عزمه على مضاعفة الجهود للدراسة لاثبات قدراته . وكان يجتهد ليلا ونهارا في دراسة فنون الحرب ، واستمرت مطالعته الى منتصف الليل أحيانا ، و لم يرد النوم مع ذلك . وجهز مخرزا واستخدمه لغرز نفسه في الفخذ بقوة كلما اغفى لكي يستمر في المطالعة بعد الاستيقاظ من الغفوة .

وبعد الدراسات المتكررة للأوضاع في الدويلات المختلفة ، توصل سو تشين الى أنه من الممكن له أن ينجح في اقناع الدويلات الست بقبول تكتيك " التحالف المشترك " لمواجهة دويلة تشين . فنجح في اقناع دويلتي يان و تشاو أولا ، ثم الدويلات الأربع الأخرى بقبول رأيه حتى تشكل تحالف مشترك بين الدويلات الست بزعامة دويلة تشو ضد دويلة تشين ، وكان سو تشين يتولى منصب المستشار العام لقوات الدويلات الست . وعندما علمت دويلة تشين عن هذا الوضع ، لم تعد تتجرأ على الاعتداء على أي من الدويلات الست . وبقى هذا الوضع مستمرا لمدة 15 عاما حتى وحد بلاد الصين الامبراطور تشين شي ملك دويلة تشين السابقة .

تمتع سو تشين بمكانة اجتماعية مرموقة في التعامل مع الدويلات الست لما تولاه من منصب المستشار العام لقواتها. ذات مرة ، خرج سو تشين في مهمة عامة، وعند المرور بمسقط رأسه لو يانغ ، كان موظفو الحكومة المحلية بعد علمهم بالخبر مسبقا قد أصدروا مبكرا أمرا بتنظيف الشوارع وتنظيم صفوف المرحبين بقدوم سو تشين . ومنهم والداه اللذان كانا قد انتظراه منذ وقت طويل عند ناصية الطريق مستندين الى عكازين . وعندما عاد سو تشين الى البيت ، كانت زوجته تتنحى عنه في زاوية وتخاف من رؤية زوجها بشكل مباشر .وبدت زوجة أخيه الأكبرهذه المرة مأدبة ومتواضعة وشديدة الاحترام له . فقال لها سو تشين مبتسما : " يا أخت ، كم تغيرات كبيرة طرأت عليك ! في الماضي لم تعريني أدنى اهتمام ، أما الآن ، أصبحت متواضعة الى حد مثل هذا ." ردت عليه وهى ترتجف خوفا : " أصبحت اليوم يا عم موظفا كبيرا وثريا عظيما، ولن عود فأتجرأ على ما كنت أفعله . " وتنهد سو تشين تحسرا : " اذا كان شخصا فقيرا ، فلم يحبذه أحد حتى والداه ، ولكن اذا صار له جاه ومال ،خاف منه حتى أهله ، فلا عجب أن يهتم الناس بالسلطة والمنافع المادية ! "

وأصبح الآن مثل " من الغرور الى الملاطفة " يستخدم للدلالة على اختلاف مواقف شخص وخاصة لمن يحكم على الناس بمظاهرهم في معاملتهم .

حكاية عن مثل " قطف الأزهار في بستان تشيو جيانغ "

في عهد أسرة سوي الصينية في القرن ال 8 الميلادي ، أسس الامبراطور نظام الاختبارات الامبراطورية ، أي نظام تعيين الموظفين عبر الامتحانات المبوبة ، وذلك من أجل اختيار أكفاء لادارة البلاد .والى عهد أسرة تانغ ، تطور نظام الفحوص هذا تطورا كثيرا بحيث أمكن للمثقفين العاديين أن يشاركوا الموظفين في الامتحانات المبوبة المختلفة ،وصار ناجحون منهم فيها موظفين للبلاد .

وفي عهد أسرة تانغ ، قسمت الاختبارات الامبراطورية الى 3 فئات وهى من العليا الى الدنيا : فئة الخريجين على مستوى الناحية ، وفئة المجتازين للامتحانات على مستوى المحافظة ، وفئة المجتازين للامتحانات البلاطية . وفي الأخير ، يجري الامبراطور بنفسه اختبارا شفويا . ويمنح الناجحون مناصب رسمية .فكان ما يتطلع اليه المثقفون ويحرصون عليه أكثر هو الاشتراك في الامتحانات البلاطية العليا ، اذ كانت لهم آمال في تولي مناصب عالية اذا اجتازوا هذه الامتحانات . ونظرا لصعوبتها البالغة ، يقبل ما يتراوح بين 10 و20 فقط من جميع الممتحنين البالغ عددهم 100 عادة ، اذ لم يقبل عدد كبير منهم قط طوال حياتهم ، وقبل بعضهم ، وعمرهم قد تجاوز 50 سنة . كان هذا من الأمور العادية جدا في ذلك الوقت .

كان مكان الامتحانات البلاطية في عهد سلالة تانغ في العاصمة تشانغ آن ، أي مدينة شيآن الصينية حاليا . وكانت الامتحانات تجري في الشهر الأول من كل سنة قمرية ، وتعلن قائمة أسماء المقبولين وترتيبهم في الشهر الثاني من السنة نفسها . وعندما يقبل الربيع الدافئ وتتفتح الأزهار ، كان الامبراطوريقيم مأدبة ضخمة في بستان تشيو جيانغ مكافأة لهولاء المجازين في الامتحانات البلاطية الأخيرة .

يقع بستان تشيو جيانغ في زاوية جنوب شرقي مدينة تشانغ آن حيث بركة كبيرة ملتوية الشكل محاطة بحديقة جميلة وباغودا دا يان الكبير وباغودا شياو يان الصغير ومعالم مشهورة أخرى . وكان الامبراطور والوزراء والنبلاء يترددون دائما الى هذا المكان للتنزه ، كما كان العديد من المثقفين والعلماء أيضا يأتون الى هنا لشرب الخمر ونظم القصائد .

وفي المادبة التي كان يقيمها الامبراطور في بستان تشيو جيانغ ، يضع المجتازون للامتحانات كؤوس مليئة بالخمر على سطح مياه بستان تشيو جيانغ . و تطفو كؤوس الخمرمع انسياب المياه ، وعلى الذي تتوقف أمامه كأس خمر أن يرفع الكأس ويشرب منها الخمر وينظم قصيدة . وفي الوقت نفسه ، يدعى مجتازان للامتحانات وسيمان أنيقان أقل سنا الى البستان لقطف أزهار ثمينة لتوزيعها على سائر المجتازين للامتحانات لارتدائها . وسمى الناس هذه المادبة " مادبة قطف الأزهار" ، وسموا اللذين يقطفان الأزهار" مبعوثين لقطف الأزهار".

ذات سنة ، بعد انتهاء مأدبة بستان تشيو جيانغ ، تدفق المجتازون للامتحانات الى معبد زي آن للتنزه ، وعندما وصلوا الى تحت باغودا دا يان الكبير ، طرأت على أحدهم فكرة نحت اسمه على الجدار الحجري في أسفل الباغودا . ومنذ ذلك الوقت ، أصبح هذا التصرف عادة شائعة يحتذى بها فيما بعد .كان عندما يحضر الى هذا الباغودا كل المجتازين للامتحانات بعد حضور مأدبة بستان تشيو جيانغ يختارون بارعا في فنون الخط لنحت أسماء جميع المجتازين للامتحانات على النصب الحجري . وحينما يعين أحدهم فيما بعد جنرالا أو رئيس وزراء ، يغير اسمه المنحوت من لونه الأسود الى الأحمر .

واعتبر المثقفون في عهد أسرة تانغ حضور مأدبة قطف الأزهار ببستان تشيو جيانغ ونحت الأسم على الباغودا أمرا مشرفا للغاية . كان الشاعرالكبير باي جيو يي وغيره من16 شخصا في عهد أسرة تانغ قبلوا مجتازين للامتحانات

البلاطية . وكان باي جيو يي أصغرهم سنا ، اذ كان عمره 29 سنة حينذاك . وكتب في احدى قصائده معجبا بنفسه : " في مكان نحت اسمي بأسفل باغودا زي آن ، كنت أصغر سنا من جميع السبعة عشر . " ويمكنا حتى اليوم أن نرى أسماء المجتازين للامتحانات القدامى المنحوتة على النصب الحجري بأسفل باغودا دا يان الكبير بمدينة شيآن .

منح نظام الاختبارات الامبراطورية في عهد أسرة تانغ المثقفين من أصل متواضع فرصة الاشتراك في الأنشطة السياسية بالبلاد ورفع مستوى معالجة شئونها. ولكن مع التبدل المتعاقب للأسر الملكية الاقطاعية ، وخاصة في أواخرعهود المجتمع الاقطاعي ، أضحى نظام الاختبارات الامبراطورية فاسدا أكثر فأكثر ، وخاصة في عهدي أسرتي مينغ و تشينغ في القرن 19 ، حيث تم خلال تحديد مواضيع أسئلة الامتحانات الانحراف عن الكتب الكلاسيكية الكونفوشيوسية ، اضافة الى وضع صيغ ثابتة للمقالات و تحديدات جامدة .

أصبحت الاختبارات الامبراطورية شيئا شكليا مع مرور الأيام . وقد انعكس فساد نظام هذه الاختبارات في فتكه بالمثقفين بصورة مؤثرة في الكتاب الذي ألفه الأديب بو سونغ لينغ بعنوان " الحكايات الغريبة في لياو تساي " ، وفي الكتاب الأخر بعنوان "علىهامش صفوف المثقفين " الذي كتبه الأديب وو جين زي في عهد أسرة تشينغ الملكية .  

حكاية عن مثل " 3 أشخاص يشكلون نمرا "

ان الاشاعات والأكاذيب اذا تكرر بثها مرات عديدة ، فمن الممكن جدا أن يصدق الناس ما لم يكن موجودا أو لم يكن حقيقيا بأنه موجود أو حقيقي . وفي الثقافة الصينية ، يوجد في هذا السياق مثل يقول " 3 أشخاص يشكلون نمرا " وهو يتحدث عن هذا الأمر .

في عهد الدويلات المتحاربة الصيني في القرن ال5 قبل الميلاد ، انتشرت العديد من الدويلات في بلاد الصين ، وكانت هذه الدويلات تتحارب بعضها مع البعض بشأن نزاعات على الأراضي مما سبب اضطرابات وفوضى اجتماعية مستمرة . ولهذا السبب بالذات ، سمى المؤرخون في العهود اللاحقة هذه الفترة التاريخية عهد " الدويلات المتحاربة " .

كانت دويلتا وي و تشاو جارتين تتاخم أحداهما الأخرى، وقد وقعتا معاهدة للتحالف الودي بينهما . ومن أجل زيادة فاعلية المعاهدة ، قررت الدويلتان تبادل رهائن ضمانا لبناء التحالف . فبعث ملك دويلة وي أحد أبنائه رهينة الى هان دان عاصمة دويلة تشاو. ومن أجل أمن ابنه ، قرر ملك دويلة وي ايفاد أحد وزرائه بان تسونغ لمرافقة ابنه الى دويلة تشاو .

كان الوزير بان تسونغ وزيرا قديرا في دويلة وي ، وكان له عدد من الخصوم البيروقراطيين في البلاط ، لذا ، خاف على انتهاز بعض خصومه فرصة غيابه لتلفيق تهم ضده بعد رحيله عن ملك دويلة وي ، فقال للملك قبيل الرحيل : " يا صاحب الجلالة المعظم ، انه اذا قال شخص لكم : حضر الى الشوارع نمر ، فهل تصدقون أم لا ؟ "

قال الملك : " لا أصدق ، كيف يحضر نمر الى الشوارع ؟ "

تابع بان تسونغ يسأل : " اذا قال لكم شخصان معا أن نمرا حضر الى الشوارع ، فهل تصدقون ام لا ؟ "

رد الملك قائلا : " اذا قال لي شخصان ذلك ، فاني سأكون بين الشك واليقين ."

وسأل بان تسوغ مرة ثالثة : " اذا قال لكم 3 أشخاص مجتمعين أن نمرا حضر الى الشوارع ، فهل تصدقون أم لا ؟ "

بدا الملك مترددا ثم قال : " اذا قال ذلك الجميع ، فاني مضطر الى تصديق ما قالوا . "

زاد رد الملك هذا من قلق بان تسونغ ، فتنهد بان تسونغ بحسرة قائلا : "يا صاحب الجلالة المعظم ، أنتم تعرفون جيدا أن نمرا لن يحضر الى الشوارع ،وهذا معروف لدى الجميع ، ولكن أصبح حضور نمر الى الشوارع أمرا حقيقيا بسبب مجرد اجماع 3 اشخاص على قول ذلك . وبالمقارنة مع المسافة بين بلاطنا الملكي والشوارع ، فان المسافة بين دا ليانغ عاصمة بلادنا وهان دان عاصمة دويلة تشاو أبعد بكثير ، وعلاوة على ذلك ، أن عدد الذين سيفترون على أثناء مدة غيابي ربما يزيد عن 3 أشخاص ! "

فهم ملك دويلة وي ما قصده بان تسونغ ،فقال له : " اني علمت بما يدور في ذهنك ، فاذهب أنت مطمئنا ! "

رافق بان تسونغ ابن ملك دويلة وي الى هان دان دويلة تشاو .

بعد رحيل بان تسونغ بقليل ، أخذ عديد من الناس يحدثون ملك دويلة وي بالسوء عن بان تسونغ . وفي البداية ، قام الملك بالدفاع عن بان تسونغ دائما مذكرا أن بان تسونغ كان وزيرا قديرا ومخلصا . ولسوء الحظ ، أن خصوم بان تسونغ السياسيين حدثوا الملك بالسوء عنه مرة بعد أخرى ، فصدق الملك أقاويل هؤلاء أخيرا بحيث ظل ملك دويلة وي يرفض مقابلة بان تسونغ بعد عودته من دويلة وي .

وهناك حكاية أخرى مماثلة للحكاية المذكورة تروي أنه كان في عهد الدويلات المتحاربة أيضا عالم مشهور يدعى تسنغ شينغ كان لا غبار عليه في ناحيته الأخلاقية . ذات مرة ، خرج من البيت في شغل ، ولم يعد من الخارج ، وكان من المصادفة أن اعتقل قاتل يحمل اسما مماثلا لاسم تسنغ شينغ ، فأخبرجار لتسنغ شينغ والدته قائلا : " ان ابنك اعتقل لقتله شخصا أخر ." وعلمت الوالدة بذلك وهى متيقنة من أن ابنها لن يقتل شخصا أخر ، فاستمرت في نسج أقمشتها . وبعد لحظات ، عاد شخص أخر وقال للوالدة : " ان ابنك قتل شخصا أخر ." وبدأت الوالدة ترتاب في الأمر ، ولكنها ما زالت تثق بأن ابنها لن يقتل شخصا . وبعد ذلك بقليل ، قال لها شخص ثالث : " ان ابنك قتل شخصا أخر ." فانهارت كاملا ثقة والدة تسنغ شينغ بابنها. فهربت من البيت خوفا تاركة عملها .

يستخدم مثل " 3 أشخاص يشكلون نمرا " أو " تسنغ شينغ قتل شخصا " للدلالة على أن القال والقيل مخيف ، وأن الراي العام رهيب .

حكاية عن مثل " مطوق من الجهات الأربع "

في حال أن يتعرض شخص لصعوبات جمة في عمله وان يتنبأ تقدير الأوضاع المحيطة به بفشله الأكيد ، يستخدم في اللغة الصينية مثل " مطوق من الجهات الأربع" لوصف هذه الحال .

في عام 202 قبل الميلاد ، تأسست أول أسرة امبراطورية اقطاعية صينية موحدة ، وهى أسرة تشين. ان تماثيل الجنود والخيول للامبراطور تشين شي في مقاطعة شنسي الصينية والتي ادرجت في قائمة التراث الثقافي العالمي اليوم هى من الأثار التي تركتها هذه الأسرة الامبراطورية ، كما ان سور الصين العظيم الذي يعد معلما شهيرا أخر من التراث الثقافي العالمي تم بناؤه مبدئيا في عهد هذه الأسرة أيضا

بسبب تعطش حكام أسرة تشين للمجد والشهرة ، وخاصة المصروفات الهائلة من أجل بناء قصور البلاط الامبراطوري ومقبرة الامبراطور تشين شي الفخمة ، كان استغلال حكام الأسرة لأبناء الشعب قاسيا الى أبعد حد مما أثار انتفاضات شعبية مستمرة انتهت بالاطاحة بحكم أسرة تشين بعد 15 عاما فقط من تأسيسه . وبعد ابادة أسرة تشين ، كانت في البلاد قوتان تتصارعان على نزع سلطة الحكم في البلاد ، وكانت احداهما بقيادة شيانغ يو ، والأخرى بقيادة ليو بانغ .

كان شيانغ يو في الأصل جنرالا منحدرا من منطقة تشو ، حاد المزاج ومغرورا وشجاعا و بارعا في القتال . أما ليو بانغ ، فكان بيروقراطيا صغيرا قبل ابادة أسرة تشين وغدارا ماكرا وحاذقا في اختيار الاشخاص . وفي غمرة الحروب ضد أسرة تشين ، تآخى الرجلان متضامنين ، ولكن بعد ابادة أسرة تشين ، افترقا وأصبحا خصمين .

وفي أول وهلة بعد الافتراق ، كان شيانغ يو يتمتع بمركز متفوق مطلق ، و نصب نفسه " أمير الأمراء في منطقة تشو الغربية " أي بمثابة امبراطور، وفي حين منح خصمه ليو بانغ لقب " ملك هان " بمثابة حاكم دويلة . ومن أجل الحفاظ على قواه، اعترف ليو بانغ ظاهريا بوضع حكم شيانغ يو ، وسعى في الواقع الى اجتذات أكفاء لتطوير قواته سرا، فأصبح متعادلا مع شيانغ يو في القوة تدريجيا .

استمرت الحروب بين شيانغ يو و ليو بانغ سنوات عديدة ، وأطلق على هذه الحروب تاريخيا " الصراع بين تشو و هان " . ذات مرة ،أنزل شيانغ يو هزيمة ساحقة بخصمه ليو بانغ ، وأسر والده وزوجته ،واحتجز الوالد كرهينة مطالبا باستسلام ليو بانغ ومهددا بذبح والده وطبخه في قدر لاعداد شوربة في حال عدم استسلام ليو بانغ . الا أن ليو بانغ رد على شيانغ يو قائلا : " كنا شقيقين في مقاومة تشين ، ان والدي هو والدك ، واذا طبخت ( والدنا ) لاعداد مرق ، فلا تنس أن تعطني حصة منه ." ولم يكن أمام شيانغ يو خيار الا اعادة والد ليو بانغ وزوجته اليه.

في مكان يسمى كاي شيا داخل مقاطعة آن هوي الصينية اليوم ، نشبت حرب مصيرية بين ليو بانغ و شيانغ يو . وبعد معركة شرسة ، طوقت قوات ليو بانغ شيانغ يو وقواته من كل الجهات . وعلى الرغم من أن شيانغ يو أصبح في مركز ضعيف، لكنه ما زال يملك قوة من 100 ألف جندي ، فلم يستطع ليو بانغ القضاء على خصمه شيانغ في الحال .

ذات ليلة ، سمع شيانغ يو و جنوده المطوقون أصوات الأغاني المألوفة لديهم من كل الجهات . وبعد امعان في الاصغاء ، وجدوا أنها أغاني شعبية شائعة في مسقط راسهم أي منطقة تشو ، وكانت أصوات الأغاني تنطلق من معسكرات ليو بانغ . فدهش شيانغ يو وجنوده اندهاشا شديدا معتقدين أن ليو بانغ كان قد استولى على مسقط رأسهم ،وقبض على عدد كبير من أهاليه كأسرى . كما ان أصوات هذه الأغاني المألوفة أثارت مشاعر حنين الجنود الى موطنهم الأصلي الأمر الذي أدى الى الاختلال النفسي لقوات شيانغ يو ، وأخذ الجنود يهربون من ميدان القتال في ضوء النجوم الباهت الى حد أن لم يبق من الجنود ال100 ألف الا بضع مئات منهم فقط .

كانت هذه حيلة لجأ اليها ليو بانغ . وقد نظم جنوده لانشاد تلك الأغاني الشعبية الحزينة والمؤثرة بهدف تشويش معنويات قوات شينغ يو بالذات .

انتهت معركة كاي شيا بنصر ليو بانغ ، واضطر شيانغ يو الى الانتحار . فأسس ليو بانغ أسرة هان الامبراطورية التي اعتبرت من أشد العهود قوة وأكثرها ازدهارا في تاريخ الصين والتي كانت محط أنظار العالم حينذاك اقتصاديا و ثقافيا .

حكاية عن مثل " بنت الجار تختلس النظر من وراء الجدار "

كان في تاريخ الادب االصيني القديم أديب هام يسمى سونغ يو ، قيل انه كان رجلا وسيما شهيرا . وكان سونغ يو يعاصر الشاعر الكبير الصيني تشيو يوان ، علما بأن تشيو يوان هو مبدع " أسلوب تشو الشعري " الأدبي الجميل الذي تشدد في استخدام لغة مشرقة والتشبيهات والكنايات لاثراء الخيال الشعري . وبعد وفاة هذا الشاعر الكبير تشيو يوان ،كان سونغ يو كاتبا هاما يتبع هذا الأسلوب الأدبي المذكور . وكان من المقالات المكتوبة باسمه مقال " قصص دنغ تو زي اللعوب " . ووردت فيه قصة ظريفة عنوانها هو " بنت الجار تختلس النظر من وراء الجدار " .

جاء في القصة : كان سونغ يو و دنغ تو زي كلاهما من الموظفين الكبار في دويلة تشو ، وقريبين من ملك دويلة تشو . ولكن دنغ تو زي حسد سونغ يو على كفاءته ، وحاول دائما انتهاز الفرص للاساءة الى سونغ يو أمام الملك . فقال له دنغ تو زي ذات مرة : " ان سونغ يو تبدو ملامحه وسيمة رصينة ، وواسع الاطلاع ، كما انه من محبي مجالسة النساء ، لذا ، فينبغي لكم صاحب الجلالة المعظم ألا تسمحوا له بمرافقتكم الى البلاط الخلفي حيث يعيش عدد كبير من المحظايات الجميلات، والا، فقد تثار متاعب بسبب سونغ يو . "

استدعى ملك دويلة تشو سونغ يو لايجاد برهان منه على صحة كلام دنغ تو زي عنه حيث قال سونغ يو للملك : " صحيح ان ملامحي تبدو وسيمة رصينة ، ولكن ذلك نتيجة لنموي الفطري ، واني ذو معارف واسعة ، ولكن ذلك بسب جهودي الذؤوبة في الدراسة ، أما بخصوص القول بأني من محبي مجالسة النساء فانه أمر لا يستند الى أي أساس من الصحة "

  وسأله الملك : " هل لديك دلائل على صحة قولك هذا ؟ "

رد عليه سونغ يو قائلا : " ان دويلة تشو أكثر منطقة اكتظاظا بالجميلات ، وان مسقط رأسي تشن لي أكثر مكان اكتظاظا بالجميلات داخل حدود دويلة تشو ، وان أشهر الجميلات في تشن لي هى بنت جاري . ان هذه البنت الجميلة الى درجة أنه اذا زاد طول قامتها مليمترا ، تبدو مفرطة في الطول ، واذا نقص نفس المقدار، تبدو مفرطة في القصر، واذا استخدمت مسحوق التزيين ، تبدو مفرطة في البياض، واذا صبغت شفتيها بالأحمر ، تبدوان مفرطتين في الحمرة. وان اسنانها و شعر رأسها وكل حركة من حركات يديها وقدميها رائعة الى حد يتجاوز كل التصورات ، وتستطيع ابتسامة خفيفة منها جعل عدد كبير من أبناء النبلاء والموظفين الكبار يجنون بجمالها . وان هذه البنت الجميلة بالذات هى التي كانت تختلس النظر الى دائما من وراء الجدار الفاصل بين بيتها وبين بيتي لمدة 3 سنوات كاملة أو أكثر ، ولكن قلبي لم يستجب لذلك قط .وفي هذه الحال ، كيف يقال اني من محبي مجالسة النساء؟ وفي الواقع ، وبالعكس ان دنغ تو زي هو الذي من هولاء الرجال . "

ودعا ملك دويلة تشو سونغ يو لتعليل قوله ، فقال سونغ يو : " ان زوجة دنغ تو زي ليس لها اية سمة من الجمال ، ومع ذلك ، أحبها دنغ تو زي من أول نطرة ألقاها عليها ، كما رزق 5 أولاد منها . " ولم يعرف الملك ما هو الكلام الملائم الذي يقوله بعد سماعه لحديث سونغ يو . وها هى الحكاية عن مثل " بنت الجار تختلس النظر من وراء الدار " .

ان سجلات سيرة حياة سونغ يو في التاريخ قليلة جدا ،الا ان تأثيراته كوريث مباشر لفنون الشاعر الكبير تشيو يوان على الأدب الصيني في عهود لاحقة بعده عظيمة جدا . وخلف سونغ يو وراه أكثر من 10 أعمال ، منها " موشح قاو تانغ " و " موشح الالهة " . واستعان الكاتب في هذه الأعمال بخياله الغني وأسلوب السرد لوصف الملامح المعنوية والحركات الجسمانية للاناث مما أحدث تأثيرات على الأعمال الأدبية الصينية المماثلة في عهود بعده ، وكان من هذه الأعمال المشهورة عمل " أنشودة الهة لو شين " الذي أبدعه الأديب تساو تشي ، وعمل "أنشودة الحظية جيانغ " الذي كتبه شيه لينغ يون، وعمل " أنشودة الحسناء " الذي كتبه سي ما شيانغ رو . وقد رسمت كل من هذه الأعمالشخصيات انثوية صافية القلب ونبيلة التصرفات وكريمة الأخلاق . وبطبيعة الحال ، لم تكن هذه التأثيرات كلها ايجابية ، بل وجود بعض السلبيات التي أدت الى نشوء القصائد البلاطية و الغزلية في الأسر الجنوبية بعد ذلك ، وبالتالي ، قادت هذه السلبيات رسم الشخصيات الأنثوية الجميلة الى طريق الضلال .


1 2 3 4 5 6