CRI Online
الباب السابع عشر: الشخصيات التاريخية المشهورة

العلماء

تسو تشونغ تشي والنسبة بين المحيط والقطر

يعتبر كشف نسبة بين المحيط والقطر موضوعا بحثيا هاما وصعبا في مجال الرياضيات. وكان العديد من علماء الرياضيات الصينيين يسعون لحساب هذه النسبة في القديم. أما الإنجازات التي حققها تسو تشونغ تشي في القرن الخامس ميلاديا، فتعتبر قفزة تاريخية في حساب النسبة بين المحيط والقطر. يعد تسو تشونغ تشي عالما رياضيا وفلكيا عظيما في تاريخ الصين القديمة. وولد عام 429 في جيان كانغ \ مدينة نانجينغ بمقاطعة جيان سو\ وظلت أسرته تبحث علم الفلك، لذلك لمس منذ صغره بمعرفة الرياضيات وعلم الفلك. وبدأ تسو تشونغ تشي عام 464 في الخامس والثلاثين من عمره حساب النسبة بين المحيط والقطر.

وأدرك الصينيون القدماء اثناء عملهم أن طول المحيط يساوي أكثر من ثلاثة أضعاف قطر المحيط، ولكن وجود تباين بين أرائهم حول النتيجة الحقيقية أي أكثر من ذلك أم أقل. وقد طرح العالم الرياضي الصيني ليو هوي قبل تسو تشونغ تشي أسلوبا علميا لحساب النسبة بين المحيط والقطر وهو " قطع المحيط" أي اقتراب طول محيط المضلع المنتظم داخل الدائرة طول محيط الدائرة الحقيقي. ونجح ليو هوي عبر هذا الأسلوب في حساب النسبة بين المحيط والقطر حتى العدد الرابع بعد الفاصلة العشرية. وعلى أساس خبرات القدماء، نجح تسو تشونغ تشي في حساب النسبة حتى العدد السابع بعد الفاصلة أي بين 3.1415926 إلى 3.1415927 . ولم يجد الناس حتى الآن أدلة على كيفية توصل تسو تشونغ تشي إلى هذه النتيجة. واذا صورنا أنه حسب النسبة بين المحيط والقطر وفقا لأسلوب ليو هوي المتمثل في "قطع المحيط"، فلا بد من أن يحسب المضلع ذا 1600 ضلع داخل الدائرة، ما أصعب هذه العملية!

وتوصل العلماء الرياضيون الأجانب أيضا إلى نفس النتيجة، ولكن ذلك جاء بعد مرور أكثر من ألف سنة بعد أن نجح تسو تشونغ تشي في حساب النسبة بين المحيط والقطر. لذلك اقترح بعض المؤرخين الرياضيين الأجانب تلقيب النسبة بين المحيط والقطر \π\ ب"نسبة تسو" تذكارا بمساهمة تسو البارزة. وبالإضافة إلى الانجازات في مجال حساب النسبة بين المحيط والقطر، حل تسو تشونغ تشي مع إبنه مسألة حساب سعة الكرة عبر أسلوب دقيق. ويسمى الغربيون الأسلوب الذي كان يستخدمه تسو بمبدأ "كافاليري" باعتباره اسم عالم رياضي إيطالي وهو أبدع هذا المبدأ، ولكن إنجازه هذا تأخر عن تسو تشونغ تسي بأكثر من ألف سنة. لذلك، من أجل الاحتفال باكتشاف تسو تشونغ تشي وإبنه هذا المبدأ، تسمى الأوساط الرياضية هذا المبدأ أيضا ب"مبدأ تسو".

في الحقيقة أن انجازات تسو تشونغ تشي في المجال الرياضي مجرد جزء من جميع الانجازات الرياضية القديمة في الصين. وظلت الصين قبل القرن الرابع عشر أكثر الدول تقدما رياضيا، مثلا بشأن النظرية الفيثاغورية، قد ذكرها الكتاب الرياضي الصيني القديم بعنوان "حساب تشو بي" الذي تم تأليفه في القرن الثاني قبل الميلاد. أما كتاب رياضي هام آخر "حساب تشيو تشانغ" الذي تم تأليفه في القرن الأول ميلاديا، فطرح لأول مرة في التاريخ الرياضي العالمي مفهوم العدد السالب ومبدأ الزائد والناقص بين الأعداد الإيجابية والسالبة. وقد أصبح حل للمعادلة من الدرجة العاشرة موجودا في الصين منذ القرن الثالث عشر، وطرح حل للمعادلة التكعيبية في أوربا حتى القرن السادس عشر.

عالم العقاقير لي شي تشن

الطب التقليدي الصيني بتاريخ له عريق حيث ظهر العديد من علماء العقاقير المشهورين. فقد ظهر في القرن السادس عشر في أسرة مينغ الملكية الصينية عالم عقاقير مشهور اسمه لي شي تسن وكان عنوان كتابه الطبي "الخلاصة الوافية في العقاقير الشافية" وقد أصبح علامة هامة في تاريخ الطب والعقاقير بالصين.

لي شي تشن كان من مواطني منطقة شين تشو بمقاطعة هوبي الصينية. وكانت هذه المنطقة غنية بالأعشاب الطبية. وبسبب تأثيره بوالده الذي كان طبيبا، أبدى لي شي تشن منذ صغره حبا وشغفا بالطبيعة، حيث كان دائما يتبع والده لجمع الأعشاب الطبية ثم يصنعها بعد العودة إلى البيت. ولكن في تلك الفترة كانت المكانة الاجتماعية للأطباء منخفضة، وعزم والده الطبيب على أن يغير مسار حياة ابنه لجعله سير على طريق تولي منصب مسؤول حكومي من خلال الدراسة.

ونجح لي شي تشن عام 1531 في الرابعة عشرة من عمره في امتحان اختيار سيوتساى \ خريج على مستوى الناحية في أسرتي مينغ وتشينغ \، ثم خاض إمتحان اختيار مجاز محلي \ ناجح على مستوى الناحية خلال أسرتي مينغ وتشينغ\ ثلاث مرات، ولكنه فشل. ومنذ ذلك الحين، ورث أعمال والده وبدأ يدرس الطب ويعالج أمراض أبناء الشعب الفقراء. ومن أجل تحقيق حلمه ليكون طبيبا مرموقا، كان دائما ما يزور الصيادين والقناصين والحطابين والفلاحين وجامعي الأعشاب الطبية وجمع العديد من الوصفات الخاصة المنتشرة بين أبناء الشعب، كما أتقن أشكال وطبيعة مختلف العقاقير من خلال المراقبة الدقيقة والتجربة المتواصلة.

وأصبح لي شي تشن عام 1551 طبيبا مشهورا. وذات مرة، أصيب إبن ملك تشو بمرض شديد وتلقى علاج لي شي تشن، ثم شفي بسرعة الأمر الذي جعل ملك تشو مسرورا جدا، فرشحه لتولي منصب في مستشفى القصر.

وكان الملك حينذاك يؤمن بالطاوية وأوهمه الكثيرون بطول العمر وكان معظم أطباء المستشفى الملكي مؤمنين بهذه الأفكار العمياء على عكس من لي شي تشن الذي لم تكن له رغبة في السعي وراء المناصب والألقاب والفوائد والرواتب وأدرك أنه لن يحقق أمنيته في خدمة المجتمع وإنقاذ أبناء الشعب داخل الهيئات الحكومية. لذلك قدم استقالته بعد أقل من سنة من توليه هذا المنصب وعاد إلى موطنه وواصل حياته الأصلية أي معالجة المرضى وتأليف الكتب.

وخلال مسيرته الطبية، اكتشف لي شي تسن أن كتب العقاقير التي ألفها القدامى غير موثوق بها، فصمم على تأليف كتاب جديد عن العقاقير. وفي عام 1522 بدأ لي شي تشن في الخامسة والثلاثين من عمره يركز انتباهه لتأليف كتاب" الخلاصة الوافية في العقاقير الشافية".

ومن أجل تأليف هذا الكتاب، قرأ لي شي تشن أعمالا طبية لنحو ثمانمائة شخص وكتبا تاريخية أخرى وأجرى ثلاثة تعديلات كبيرة على كتابه على أساس المعلومات التي جمعها في الماضي. وخلال مسيرة تأليف الكتاب، استغل ملكات جميع أفراد أسرته حيث شارك إبنه وحفيده وتلاميذه في أعمال المراجعة والنسخ والرسم. وبعد نحو ثلاثين عاما من الجهود الدؤوبة والمخلصة، أتم لي شي تشن أخيرا في عام 1578 عملا خالدا وعظيما أي كتاب "الخلاصة الوافية في العقاقير الشافية".

وبلغ عدد كلمات هذا الكتاب أكثر من مليون وتسعمائة ألف كلمة وانقسم إلى 16 جزءا وسجل 1892 نوعا من العقاقير وأكثر من 11000 وصفة طبية. وفي هذا الكتاب أكثر من ألف رسم تشرح بشكل جيد الأشكال المعقدة لمختلف العقاقير الأمر الذي ساعد الناس على تمييزها. وتتمثل إنجازات كتاب "الخلاصة الوافية في العقاقير الشافية" في مجالات عديدة. أولا، أعاد هذا الكتاب تصنيف العقاقير التي سجلها مثلا صنف بشكل علمي عقاقير الأعشاب الطبية والعقاقير الحيوانية. وحتى عام 1741، اتخذ العلماء الأوروبيون في مجال تصنيف النباتات أسلوب التصنيف المماثل وذلك متأخرين في ذلك عن لي شي تشن بنحو مائتي سنة. ثانيا، عدل هذا الكتاب العديد من أخطاء القدماء وأوضح الكثير من الأشياء الغامضة وأضفى إليه بعض العقاقير المكتشفة حديثا وشرح مدى فعالياتها. ثالثا، استنكر لي شي تشن الخرافات الآراء السخيفة في الكتب الطبية القديمة. وكانت الطاوية منتشرة في تلك الفترة حيث تشجع على فنون استخلاص إكسير الخلود وعمم الأفكار العمياء في المجال الطبي. وندد لي شي تسن بمفهومه المادي الساذج بتلك الأراء الخاطئة التي تنتمي إلى العلوم المزيفة.

لأن لي شي تسن بذل كل جهوده طول حياة لتلخيص خبرات الصينيين في استخدام العقاقير على مدى آلاف السنين وأنجز عملا طبيا كبيرا أي كتاب " الخلاصة الوافية في العقاقير الشافية" مما دفع علوم العقاقير القديمة إلى ذروتها، فإنه أصبح أعظم عالم عقاقير في تاريخ الصين القديم. وبعد ذلك، أعيدت طباعة هذا الكتاب مرات عديدة في اليابان وأصدر في الصحف أو المجلات على نطاق واسع. كما توجد في بريطانيا وفرنسا وألمانيا نسخ مترجمة حتى نسخ مترجمة إلى اللغة اللاتينية. ومنذ القرن السابع عشر، بدأ هذا الكتاب ينتشر في كل أنحاء العالم وأصبح ميثاقا هاما يجب على باحثي العقاقير المعاصرين مراجعته.

العالم الفلكي المشهور تشانغ هنغ في عصر مملكة هان الشرقية

ولد تشانغ هنغ في محافظة نان يانغ بمقاطعة خه نان بمنطقة السهول الوسطى في الصين. وكان يحب الدراسة وماهرا في الكتابة منذ صغره. وغادر موطنه في السابعة عشرة من عمره متجها إلى مدينة تشانغ آن (مدينة شيآن حايا) التي أصبحت عاصمة للعديد من الأسر الملكية الصينية، حيث زار مواقعها الأثرية وحقق في عادات وتقاليد شعبها والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية هناك. وبعد ذلك اختاره البلاط واستدعاه مرات عديدة ليتولى منصب فيه. لذلك، شغل تشانغ هنغ العديد من المناصب في عاصمة المملكة لو يانغ حينذاك.

وأبدى تشانغ هنغ منذ شبابه هويته في العلوم الطبيعية وخاصة علم الفلك، واستهان بالألقاب والامتيازات حيث كان قد استقال مرتين من منصبه وظل منهمكا في دراسة الفلسفة والرياضيات وعلم الفلك لمدة ثلاث سنوات وجمع العديد من المعارف وبدأ تأليف الكتب.

وفي عهد أسرة هان الملكية قبل حوالي أكثر من ألفي سنة، كانت توجد في الصين نظريات وافية حول هيكلية الفضاء حيث تنقسم هذه النظريات إلى ثلاث مدارس رئيسية وهي مدرسة حول السماء مثل الغطاء ومدرسة تشبه السماء تشبه البيضة ومدرسة النهار والليلى. ويعد تشانغ هنغ ممثلا لمدرسة تشبيه السماء بالبيضة حيث يرى أن السماء يشبه بيضة دجاجة ويشبه الأرض صفار البيضة. وتعتبر هذه النظرية متقدمة في ذلك الوقت. وعلاوة على ذلك، يعتبر رأي تشانغ هنغ حول أصل السماء والأرض وتطورهما مثارا للجدل. كما شرح سرعة تحرك الأقمار بتغير بعدها عن الشمس. وأثبتت العلوم المعاصرة على وجود علاقة بين سرعة تحرك الأقمار وبعدها عن الشمس. لذلك، يمكن القول إن رأى تشانغ هنغ له أسسه المعقولة.

ولم يهتم تشانغ هنغ بالدراسة النظرية فحسب، بل اهتم أيضا بالتطبيقات، حيث صمم بنفسه "الكرة المحلقة" بقوة تسرب المياه و"مؤشر الزلازل" باعتباره أول جهاز لمراقبة الزلازل في العالم ونجح تشانغ هونغ عام 138 باستخدام هذه الأجهزة في تسجيل زلزال ضرب مقاطعة شانشي. وتعد المحلقة نموذج الكرة الأرضية في يومنا والتي أبدعها في الأصل عالم آخر، وأجرى تشانغ هنغ بعض التعديلات عليها حيث ربط الكرة السماوية أي نموذج السماء والساعة المائية باستخدام مجموعة مسننات حيث تدفع المياه المتسربة من الساعة المائية الكرة السماوية لتتحرك بنفس السرعة وتدور الكرة السماوية دورة واحدة بالضبط كل يوم الأمر الذي مكن الناس من معرفة الوقت حسب وضع النجوم من خلال مشاهدة الكرة السماوية في البيوت فقط.

كما رصد تشانغ هنغ العديد من الأجرام الفلكية وحسب إحصائه أن عدد النجوم التي يمكن مشاهدتها في منطقة السهول الوسطى الصينية بلغ نحو 2500 نجمة. والبعد الزاوي بين الشمس والقمر والذي مسحه تشانغ هنغ صحيح إلى حد كبير حيث يرى أن حجم الشمس عند الصباح والمساء والظهر يكون متساويا. وبسبب ألهاله الضوئية، يبدو حجم الشمس في الصباح والمساء أكبر مما هو عليه الحال عند الظهر. ورغم أن شرح تشانغ هنغ هذا غير كامل، ولكنه معقول إلى حد ما.

ولم يكن تشانغ هنغ عالما فلكيا فحسب، بل هو أديب مشهور في عصر مملكة هان الشرقية، ورسوماته ما تزال باقية حيث يعد تشانغ هنغ من أبرز ستة رسامين مشهورين في ذلك الوقت أيضا. وألف تشانغ هنغ طول حياته 32 عملا في مجالات العلوم والفلسفة والأداب بما فيها "شعر يانغ شيان" الذي جسد موقف تشانغ هنغ من التعامل مع الناس والدراسة و"شعر سي شيوان" الذي صور رحلة البشر إلى الفضاء ويعتبر مقالا علميا خياليا في العصر القديم في الصين. وبالإضافة إليهما، يعد شعرا "دونغ جينغ" و"شي جينغ" عملين رائديين لتشانغ هنغ ظلت ألسنة الناس تتناقلهما حتى يومنا هذا، حيث وصف تشانغ هنغ في هاذين الشعرين بدقة متناهية مناظر مدينة دونغ جينغ (مدينة لو يانغ بمقاطعة خه نان حاليا) ومدينة شي جينغ (مدينة شيآن بمقاطعة شانشي حاليا) والعادات والتقاليد الشعبية في هاتين المدينتين وخاصة أن ألعاب الأكروبات التي ذكرها تشانغ هنغ في كتابيه يعتبر سجلا تاريخيا ثمينا في مجال فنون الأكروبات الصينية القديمة.


1 2 3 4