|
يجري نهر (ييشوي) الصافي متجها الى الشمال ببطء. وعندما يصل مجراه الى مكان يبعد 13 كيلومترا عن مدينة لويانغ ، يمكنك أن ترى مئات الآلاف من التماثيل الحجرية لبوذا، قائمة في كهوف الجبال الممتدة لكيلومتر واحد على جانبي النهر، وهيئاتها مختلفة من واحد الى آخر .. هي كهوف لونغمن.
بدئ بحفر كهوف لونغمن في عام 493 م ، وتوسع حجم المشروع في 400 سنة تلت . الكهف الكبير يتسع لتمثال بوذا بطول عشرات الأمتار ، والصغير لا يتسع إلا لتمثال بحجم الإصبع. تتكون كهوف لونغمن من 2345 كهفا بوذيا و70 باغودة مرتفعة ومنخفضة و2800 نصب منحوت. تتوزع الكهوف على الجبال مترصصة طبقة فوق طبقة ، أشبه بكوات مطلة على النهر ، لتشكل منظرا رائعا.
الزخارف في كهف (بينيانغ) فاخرة . تتعلق في أعلاه ستائر وحبال مخرمة . وعلى الأرضية أزهار لوطس منحوتة تزيينية . وعلى الجدران الداخلية صورتان ضخمتان نحتتا بالنفر، إحداهما (الإمبراطور يقدس بوذا) والأخرى (الإمبراطورة تقدس بوذا )، وهما من المعلومات القيمة في دراسة الطقوس البلاطية وأزياء العائلة الإمبراطورية وقتذاك.
(صورة : كهف بينيانغ)
معبد (فنغشيان) واسع ، تم بناؤه عام 675م بما تبرعت به (وو تسه تيان) الإمبراطورة الوحيدة في تاريخ الصين من الأموال التي حاولت شراء المساحيق بها سلفا . بلغ المعبد ذروة فنية تاريخية سواء في ناحية التصميم أم في النحت . وضع فيه تمثال بوذا باسم (لوسانا)، قوي الجسم ومعتدل المزاج ولطيف المحيا وجميل التقاطيع . ارتفاع رأسه متر واحد وطول جسمه 17 مترا وطول أذنه 1.9 متر . ويقف على جانبيه تلاميذه احتراما مثل النجوم التي تحيط بالقمر ليبرز أستاذهم عظمته.
على جدران جانبي مدخل كهف (ياوفانغ)، نحوت تمثل وصفات طبية لعلاج أكثر من 140 داء منها ألم القلب وضعف المعدة والعطش الشديد . لها أهمية في دراسة الطب والعقاقير في أوائل عهد أسرة تانغ (618 – 907).
تحافظ كهوف لونغمن على كمية كبيرة من المعلومات الحية حول الفن والموسيقى والخطوط والملابس والعمران والطب والعقاقير، فيمكن القول إنها متحف ضخم للمنحوتات الحجرية.
في نهاية عام 2000، وافقت منظمة اليونسكو للأمم المتحدة على إدراج كهوف لونغمن في قائمة (التراث الثقافي والطبيعي العالمي). هيا لنتمتع معا بالتماثيل الفنية فيها والتي يرجع تاريخها الى 1500 سنة.
جبل آماي وتمثال لاشان البوذي الكبير
يقع جبل آماي جنوب غربي حوض سيتشوان وسط الصين . قمته الرئيسية هي جيندينغ وأعلى قمة به هي وانفودينغ حيث يبلغ ارتفاعها 3099 م عن سطح البحر. يتميز جبل آماي بتسلسلة حيوي وجيولوجي ومناخيا بجانب ميزته الثقافية والتاريخية البوذية المتوافرة، فيطلق عليه "مملكة النباتات" و"المتحف الجيولوجي" و"الجبل البوذي الإلهي."
ان منطقة جبل آماي تقاطع عندها مختلف العوامل الطبيعية مما ينتج عنه توفر أصناف من النباتات وتنوع سلالاتها . لقد اكتشفت داخل نطاق منطقة جبل آماي السياحية التي تبلغ 154 كيلومترا مربعا فقط أكثر من 242 سلالة و3200 نوع من النباتات ذات الدرجة العالية وذلك يمثل عشرة بالمائة من اجمالي أنواع النباتات الصينية ويعتبر ذلك نادرا ولو في العالم كله. وبالإضافة الى النباتات توجد في جبل آماي أكثر من 2300 نوع من الحيوانات بما فيها 157 نوعا من الحيوانات النادرة أوالحيوانات التي يعتبر جبل آماي موطنها النموذجي ويوجد 29 نوعا من الحيوانات التي تم إدراجها في قائمة الحيوانات المحمية على المستوى الوطني بالصين.
يتمتع جبل آماي بتاريخ نشاط بشري عريق. وكشفت الأدلة الأثرية ان هذه المنطقة شهدت نشاطات بشرية بدائية قبل عشرة آلاف سنة. وامتد تاريخها الحضاري الى أكثر من 2000 سنة حسب مراجع مكتوبة أو عينية موثوق بها. أبدع قاطنو الجبل من الاسلاف ثقافة تاريخية زاهية وتركوا تراثا تاريخيا وافرا خلال هذه الفترة التاريخية الطويلة. وان دخول الدين البوذي وكثرة إنشاء المعابد وازدهارها يضفي لونا ساحرا على جبل آماي هذه الجبل المقدس العظيم والجميل وان الثقافة الدينية وخاصة الثقافة البوذية تشكل قوام ثقافة جبل آماي التاريخية وتجسدت ثقافته الدينية المتميزة بوضوح في كل من المعمار والأدوات الدينية والطقس والموسيقى والرسوم.
ويعتبر التراث التاريخي الثقافي والقطع الأثرية البوذية الوافرة بجبل آماي مثلا نادرا بالمقارنة مع سائر المناطق الجبلية السياحية بالصين وبلورة لثقافة وتاريخ الجبل العريقين. وان كثيرا من القطع الأثرية والمعابد البوذية مفيدة جدا لدراسة تطورات الدين البوذي بجبل آماي بل تاريخ الدين البوذي أجمع.
ان تمثال لاشان البوذي الكبير من أهم المواقع السياحية بجبل آماي وهو يتسم بالجمع بين التراث الإنساني والطبيعي ويوجد موقعان أثريان وطنيان محميان على الدرجة الأولى وأربعة مواقع أثرية وطنية على الدرجة الثانية داخل اثنين ونصف كيلومتر مربع من نطاق منطقة تمثال لاشان السياحية التي تقع بضفة نهر أخرى مقابل مدينة لاشان وهي مدينة تاريخية ثقافية صينية، والتي يوجد تمثال بوذي كبير في مركزها تم نحته على صخرة واحدة ويرجع تاريخه الى عهد حكم أسرة تانغ الملكية (قبل الف وثلاثمائة سنة.
ويعتبر الفن المعماري للمعابد ملمحا بارزا للثقافة البوذية بجبل آماي وهو يندمج مع بيئته ومناظره الطبيعية بشكل وثيق وأصبح محور مناظره وتوجد في منطقة جبل آماي أكثر من 30 معبدا (منها أكثر من 10 معابد رئيسية أكبر نطاقا وأعرق تاريخا) تتصف بنموذج البنايات السكنية المحلية حيث تتبع الأساليب المعمارية التقليدية وتنسجم مع الظروف الجيولوجية هناك. ان كلا من انتقاء مواقعها وتصميمها وإنشائها فريد لا مثيل له اذ ان المعابد تتصف بفخامة العمارات الرسمية وجمال المناظر البشرية. لذلك يعتبر الفن المعماري للمعابد بجبل آماي لا مثيل له في سائر المناطق الجبلية السياحية في الصين كلها.
كهوف يونقانغ
تقع كهوف يونقانغ في السفح الجنوبي لجبل ووتشو الذي يبعد 16 كيلومترا غربا عن مدينة داتونغ بمقاطعة شانشي، وتمتد الكهوف نحو كيلومتر من الشرق إلى الغرب، وتبدو متحلية بالروعة والعظمة، وتمتاز بالمحتويات الغنية الوافرة. وبدأ بناء كهوف يونقانغ في عام 453 م خلال فترة أسرة وي الشمالية الملكية (عام386-عام534م)، وتم معظم أعمال البناء قبل عام 494م، لكن أعمال نحت التماثيل استمرت حتى عام525 م. وتبقى حاليا من كهوف يونقانغ 45 كهفا من عددها الإجمالي 252، حيث أكثر من 51000 تمثال حجري، ويبلغ ارتفاع أكبر تمثال 17مترا، بينما يصل طول أصغر التماثيل عدة سنتيمترات، وتتميز تماثيل "بوذا" و"الحراس الأقوياء" و"الحوريات الطيارات" بالمظهر الحيوي، تعتبر أعمال النحت في الأعمدة الحجرية في غاية الدقة.
إن كهوف يونقانغ ورثت روائع الفنون الواقعية في عهدي أسرتي تشين وهان الملكيتين (عام221 ق.م—عام 220 م)، وحملت ملامح الفنون الرومانتيكية التي ازدهرت في عهدي أسرتي سوي وتانغ الملكيتين التاليتين (عام581م –عام907م)، لذلك تسمى كهوف يونقانغ مع كهوف موقاو بمقاطعة قانسو وكهوف لونغمون بمقاطعة خنان "المخازن الكبرى الثلاثة لفنون الكهوف الحجرية الصينية"، وكذلك تعتبرمن أشهر مخازن التماثيل الحجرية في العالم.
تنقسم مراحل حفر كهوف يونقانغ إلى ثلاث مراحل، ولكل مرحلة مميزات مختلفة. إن الكهوف المحفورة في المرحلة الأولى مثل كهف "تان ياو" رقم 5 تتميز بالمظهر العظيم والأساليب البسيطة للمناطق الغربية القديمة؛ وتتميز الكهوف المحفورة في المرحلة الثانية بالنحت الدقيق والتزيين الفخم، وتعكس الأساليب الفنية لأسرة وي الشمالية الملكية (عام386-عام534م)، وهي التغيرات المعقدة مع التزيين الرائع؛ أما كهوف المرحلة الثالثة فحجمها صغير، لكن تماثيل الأشخاص فيها نحيفة وجميلة ووسيمة ومتناسبة، لذلك تعتبر نموذجا لفن الكهوف الحجرية في شمال الصين ومصدرا لتماثيل الأشخاص النحيفة الوجوه. وبالإضافة إلى ذلك، يعكس النحت بالكهوف حول الرقص والغناء وألعاب الأكروبات انتشار الأفكار البوذية وأحوال الحياة الاجتماعية في أسرة وي الشمالية الملكية.
تحافظ كهوف يونقانغ بصورة ملموسة على العمليات التاريخية لتطور الفنون البوذية من أساليب الهند وآسيا الوسطى إلى أساليب الصين، وتعكس أيضا تغيرات التماثيل من الدين البوذي إلى الحياة الاجتماعية الصينية من حيث المضامين ومن الهنود إلى الصينيين من حيث الأشكال. وتجمع كهوف يونقانغ الفنون البوذية المتنوعة للتماثيل بصورة غير مسبوقة، وتعتبر أساليب يونقانغ نقطة التحول لتطور الفنون البوذية الصينية. وتأثرت التماثيل في كهوف موقاو بمقاطعة قانسو وكهوف لونغمون بمقاطعة خنان التي حفرت في عهد أسرة وي الشمالية الملكية بما في كهوف يونقانغ بدرجات متفاوتة.
إن كهوف يونقانغ هي بداية "التصيين" للفنون الكهفية الحجرية، وتم تعميم أساليب النحت من نحت القصور الذي ظهر في المرحلة الثانية لكهوف يونقانغ ونحت محراب تمثال بوذا الصيني الذي ظهر على أساس ذلك تم تعميمها في بناء المعابد على نطاق واسع في الأسر الملكية المتتالية. ويظهر ترتيب الكهوف وتزيينها في المرحلة الثالثة لكهوف يونقانغ الأساليب المعمارية والتزيينية الصينية وعمليات تعميق تصيين الفنون البوذية .
أطلال تشوكوديان - موطن "إنسان بكين"
يقع موقع "انسان بكين" على جبل لوقنغقو بغرب قرية تشوكوديان في حي فانغشان على بعد ثمانية وأربعين كيلومترا عن مركز مدينة بكين. وهو حلقة الوصلة بين المناطق الجبلية والسهول. وبجوار تشوكوديان كثير من الكهوف الكبيرة والصغيرة. وعلى الجبل كهف يبلغ طوله حوالي مائة وأربعين مترا من الشرق الى الغرب، وسُمّي ب"كهف الانسان القرد". وقد اكتشفت أول جمجمة متحجرة ل"إنسان بكين" في هذا الكهف عام 1929، الأمر الذي جعله أول مكان مكتشف بتشوكوديان.
(صورة: أطلال تشوكوديان – موطن "انسان بكين")
إن منطقة أطلال تشوكوديان تعتبر أطلالا هامة لثقافة العصر الحجري القديم بشمال الصين. وأشهرها هو المكان الأول المكتشف بتشوكوديان – موقع أطلال انسان بكين. واكتشف هذا الموقع الأثري العالم السويدي أندرسون عام 1921. وفي عام 1929 اكتشف العالم الأثري الصيني بي ون تشونغ أول جمجمة كاملة لانسان بكين، مما هزّ العالم كله.
واستغرقت أعمال حفر أطلال تشوكوديان أكثر من ثمانين عاما، ولا تزال أعمال البحوث مستمرّة حتى الآن. وقد تم الحفر الى عمق أكثر من أربعين مترا في المكان الأول، ولكن ذلك لم يبلغ نصف العمق الأصلي للكهف. وتم اكتشاف كمية كبيرة من أحافير الانسان القرد والأدوات الحجرية وأحافير الثدييات وآثار لاستخدام النار، وكانت تلك مكتشفات لا مثيل لها في الأطلال الأخرى التي تعود الى نفس العصر.
واُكتشفت في المكان الأول بتشوكوديان آثار لاستخدام النار، وأكّد ذلك أن تاريخ استخدام البشر للنار يعود الى ما قبل مئات آلاف السنين. وكانت في الأطلال خمس طبقات من الرماد وثلاث أكوام متبقية من الأرمدة وكثير من العظام المحروقة. ودلّت هذه المخلفات على أن انسان بكين لم يعرف استخدام النار فحسب، بل استطاع الحفاظ على الشرارة أيضا.
كما اُكتشفت في الأطلال عشرات الآلاف من الأدوات الحجرية التي صُنعت من مواد خام جُلبت من الأماكن المجاورة. وكانت معظم هذه الأدوات الحجرية صغيرة الحجم، ومعددة الأنواع. وكانت الأدوات الحجرية في المرحلة الأولى كبيرة وخشنة نسبيا، ومعظمها أدوات للقطع والكسر. وأصبح حجم الأدوات الحجرية أصغر في المرحلة الوسطى وشهدت السكاكين الحادّة تطورا سريعا. أما الأدوات الحجرية في المرحلة الأخيرة فأصبحت رقيقة، وكان المخرز الحجري هو الأداة الحجرية المميزة في هذه الفترة.
وبرهنت المحفورات على أن انسان بكين القديم عاش في منطقة تشوكوديان قبل ما يتراوح بين سبعمائة ألف ومائتي ألف عام، وعاش على الالتقاط رئيسيا والصيد ثانويا. وكانت مرحلته الأولى في الفترة ما قبل سبعمائة ألف وأربعمائة ألف سنة، والوسطى ترجع الى ما قبل أربعمائة ألف وثلاثمائة ألف سنة، أما الأخيرة فكانت في الفترة ما قبل ثلاثمائة ألف و مائتي ألف سنة. وكان انسان بكين هو الانسان البدائي الانتقالي من القرد القديم الى الانسان العاقل، وكان لهذا الاكتشاف قيمة هامة جدا في علم الأحياء وعلم التاريخ وتاريخ تطور البشر.
ان اكتشاف انسان بكين القديم ودراسة ثقافته أنهى جدلا واسعا في أوساط العلماء استمرّ قرابة نصف قرن حول انتماء الانسان الواقف الى القرد أو الانسان، ودلّت الحقائق على أنه في فجر تاريخ البشر كانت هناك مرحلة "الانسان الواقف" حقا من حيث الشكل والمظهر ومزاج الثقافة والتنظيم الاجتماعي، وانحدر الانسان الواقف من سلالة "القرد الجنوبي" وأسلاف "الانسان العاقل" الذي ظهر في وقت لاحق. وكان الانسان الواقف قد ظهر في المرحلة الانتقالية لتطور القرد الى انسان. وحتى الآن لا يزال الشكل النموذجي للانسان الواقف يعتمد على هيئة انسان بكين القديم بتشوكوديان، وتظل أطلال تشكوديان الأوفر مضمونا والأكثر انتظاما والأكبر قيمة من بين أطلال الانسان القديم في نفس العصر بالعالم. وحسب معايير اختيار التراث الثقافي العالمي تم إدراج أطلال تشكوديان – موطن انسان بكين القديم في قائمة التراث العالمي في ديسمبر عام 1987. وأوضحت لجنة التراث العالمي أن أعمال البحوث العلمية حول أطلال تشكوديان – موطن انسان بكين لا تزال مستمرة. وحتى الآن اكتشف العلماء أن القرد الصيني كان مرحلة من تطور انسان بكين القديم. وإن أطلال تشوكوديان لم تكن دليلا تاريخيا نادرا على مراحل تطور المجتمع البشري في البرّ الآسيوي في التاريخ السحيق فحسب، بل وضّح عملية تطور البشر أيضا.
مدينة لي جيانغ القديمة والجميلة
قبل سبع سنوات أدرجت منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة مدينة لي جيانغ في قائمة التراث الثقافي العالمي، ومنذ ذلك الوقت بدأت مدينة لي جيانغ الواقعة في مقاطعة يوننان جنوب غربي الصين تلفت أنظار الناس. أُعجب أعضاء لجنة التقييم الأممية بالمعالم القديمة الأصلية التي حافظت عليها مدينة لي جيانغ بشكل كامل وبالخصائص القومية المتنوعة التي تتمتع بها المدينة، وأدرجوها في قائمة التراث الثقافي العالمي، وبالتالي بدأ يتدفق الزوار من ارجاء العالم الى المدينة ويتجولون في شوارعها وأزقّتها وتكتظ المواقع التقليدية في المدينة بالمولعين بها وتصبح الحانات والمقاهي المفعمة بعواطف رومانسية أماكن مثالية يرتاح الزوار فيها. فيبدو كل ما في مدينة لي جيانغ القديمة مستعدا خصيصا لاستقبال الزوار.
ورغم ان مدينة لي جيانغ القديمة تقع على هضبة يبلغ ارتفاعها الفين واربعمائة متر من سطح البحر غير ان هذه المدينة المرتفعة حفظت بفضل كثرة التبادل الثقافي بين شمال الصين وجنوبها. وتبلغ مساحة مدينة لي جيانغ القديمة في الوقت الحالي حوالي ثمانية وثلاثين الف كيلومتر مربع ويقطن فيها أكثر من ستة آلاف ومائتي أسرة أغلبيتها من قومية ناشي. ويشتغل ثلاثون بالمائة من سكان مدينة لي جيانغ القديمة في صنع الأواني النحاسية والفضية والصناعة الجلدية والنسيج وصناعة الخمور وغيرها من الصناعات اليدوية التقليدية وتجارتها.
صورة :مدينة لي جيانغ القديمة
صورة: الشواريع القدية في مدينة لي جيانغ
ان الشوارع في مدينة لي جيانغ القديمة تم اختيار مواقعها قرب الجبل والنهر ومعبدة ببلاط أحمر فهي غير وحلة في موسم المطر وغير غبراء في موسم القحط. وتتميز الرسومات على البلاط بأناقة طبيعية تنسجم مع بيئة المدينة. ويعتبر شارع سيفانغ الذي يقع في قلب المدينة، خير مثال لشوارع مدينة لي جيانغ القديمة وهو عبارة عن ميدان صغير على شكل شبه منحرف بمساحة حوالي مائة متر مربع وتكتظ على جانبيه محلات كثيرة. ويعد شارع سيفانغ أساس شوارع مدينة لي جيانغ القديمة وتمتد من زواياه الأربع اربعة شوارع رئيسية وتمتد منها طرق وأزقة كثيرة مثل شبكة عنكبوت.
(صورة: مناظر مدينة لي جيانغ)
وتعتبر مدينة لي جيانغ القديمة متحف جسور أيضا. بني على روافد نهر يوخه داخل المدينة أكثر من ثلاثمائة وخمسين جسرا وانواعها مختلفة منها جسور مسقوفة وجسور مقوسة حجرية وجسور مستقيمة بلاطية وجسور خشبية ومعظمها يرجع الى ما قبل اربعمائة الى خمسمائة سنة. يمكن لمن يقف على جسر داشي على بعد مائة متر من شارع سيفانغ، رؤية صورة جبل يولونغ المتعكسة على مياه النهر وهو أجمل جبل ثلجي في لي جيانغ.
والى جانب الشوارع والجسور هناك قصر موفو الذي كان منزل توسي أعلى حاكم لقومية ناشي في الماضي. رغم ان القصر خال من أي قاطن حاليا يمكن للزائر تصور حياة توسي آنذاك من خلال أكثر من مائة وستين غرفة في قصره والمفروشات في الغرف والزهور في الفناء.
ستشعر في مدينة لي جيانغ القديمة بماضيها اينما ذهبت مثلا عندما تتجول في شارع سيفانغ تشاهد حروف لغة دونغبا القديمة لقومية ناشي في كل مكان وتسمع ألحان ناشي القديمة العاطفية.
توجد في الصين كثير من المدن الصغيرة القديمة مثل تشوتشوانغ المتميزة بكثرة المياه جنوبي نهر اليانغتسي ودالي المتميزة بتقاليد قومية باي، أما مدينة لي جيانغ القديمة فتتميز بثقافة دونغبا الفريدة حيث يؤثر على اي زائر كل من لغة دونغبا التصويرية وموسيقى ناشي العاطفية ويجعل اي زائر لن ينساهما أبدا. والموسيقى الذي استمعتم اليه قبل قليل وتسمعون الآن هي موسيقى ناشي.
ان قومية ناشي التي يبلغ عدد سكانها مائتين وثمانين الف نسمة فقط، شكلت ثقافة دونغبا الزاهية على مدى زمن طويل. ان ثقافة دونغبا عبارة عن ثقافة قديمة لقومية ناشي وتشكلت قبل حوالي الف سنة وتمت تسميتها بعد دين دونغبا الذي كان دينا بدائيا لقومية ناشي لانه أطلق على الكهنة إسم دونغبا. أصبح تولي منصب كاهن دونغبا بالوراثة أو بالدراسة وعمل كهنة دونغبا مثل الأفراد العاديين ويشرفون على المراسم الدينية تلبية لدعوة يتلقوها من الأفراد ولا توجد معابد او اماكن دينية خاصة لدين دونغبا وتقام المراسم الدينية في فناء الكاهن المشرف أو أماكن منبسطة في هواء طلق أو على ساحل النهر.
صورة مرأة قومية ناشي
صورة: شارع سي فاننغ
وتختلف لي جيانغ عن مقاصد سياحية أخرى بثقافة دونغبا وأصبح ذلك سبب مجيء كثير من السياح اليها. وبفضل هذه الثقافة القديمة لا يشبع السياح من رؤية لي جيانغ مهما طال زمن بقائهم فيها.
(صورة: مناظر نهر اليانغتشي في لي جيانغ)
وتتمتع مدينة لي جيانغ القديمة بهدوء ايضا. اذا جلست بجانب نهر صغير تشعر بارتياح نفسي بالغ. وتنتشر الحانات والمقاهي ومحلات شرب الشاي في ارجاء مدينة لي جيانغ القديمة وهي متميزة التصميم وتكتب لوحة اسم المحل وقائمة الأطعمة بكل من اللغة الانجليزية واللغة الصينية ولغة دونغبا. ويتحدث السياح مع أصحاب المحلات عند الغروب، إضافة الى عجائز ناشي اللواتي يتجاذبن أطراف الحديث بصوت منخفض والشيوخ الأصحاء والفتيات الخجولات والرجال المستجمين وكل ذلك يظهر حياة مريحة وسهلة في لي جيانغ.
جبل هوانغشان
تقع منطقة جبل هوانغشان السياحية في جنوب مقاطعة آنهوي شرق الصين وتبلغ مساحتها 154 كيلومترا مربعا وتصل مساحة المحمية المحيطة بها الى 142 كيلومترا مربعا. تمثل معالم القمم المرتفعة فيها منظرا فريدا معه سهب متغيرة الشكل فتصبح المناظر الطبيعية بها متغيرة على الدوام ويطلق على جبل هوانغشان إسم "الجبل الأكثر غرابة في الصين". يوجد داخل نطاق منطقة جبل هوانغشان السياحية أكثر من 400 موقع سياحي طبيعي منها أربع عجائب متميزة وهي صنوبر هوانغشان والصخور الغريبة الشكل والسحاب المغطي للجبل والعيون الدافئة.
يمثل جبل هوانغشان تشكيلا جيولوجيا نادرا بعد سنين طويلة من الحركات الأرضية حيث تسببت التيارات الجليدية والتآكل الطبيعي في تحويله الى غابة جبلية واسعة. توجد في جبل هوانغشان "36 قمة كبيرة و36 قمة صغيرة". يبلغ ارتفاع أعلى قمة فيه وهي قمة ليانهوافانغ، 1864 مترا وتوجد 77 قمة أخرى أعلى من الف متر إضافة الى مئات المواقع من الأنصاب الحجرية والصخور الغريبة.
(صورة : صنوبر استقبال الضيوف)
تتناثر عيون ووديان بشكل إشعاعي في منطقة جبل هوانغشان منها 36 واديا كبيرا تشكل 36 منبعا. تضفي الموارد المائية الوافرة بجبل هوانغشان سحرا عليه، ففيه قرابة مائة موقع من الشلالات والعيون. تبلغ نسبة الغطاء النباتي بجبل هوانغشان 83 بالمائة حيث الانتشار العمودي للنباتات بديهي وأصنافها كاملة وبيئتها مستقرة فيعتبر جبل هوانغشان خزينة الموارد النباتية في جنوب الصين. ويتصدر صنوبر هوانغشان العجائب الأربع المذكورة. يعيش كثير من الحيوانات البرية في جبل هوانغشان بين أشجاره وأنهاره بما فيها 24 نوعا من السمك و20 نوعا من البرمائيات و38 نوعا من الزواحف و300 نوع من الحيوانات الفقرية.
ذاع صيت جبل هوانغشان في العالم بجماله الشمولي اذ ان قممه وأحجاره وصنوبره والسحاب الذي يمر به تنسجم بعضها مع بعض مم ا يشكل صورة كاملة أساسها القمم الرشيقة والمتفاوتة الارتفاع. تم اختصار وتسمية المناظر الطبيعية المتنوعة الأشكال بجبل هوانغشان بشكل فني وأضيفت اليها القصص التاريخية والميثلوجية، لذلك يتوحد فيه الجمال الطبيعي والفني. في جبل هوانغشان آفاق شعرية جذابة ومناظر ساحرة تشبه الرسوم اليدوية. تتمتع جبل هوانغشان بجمال فني مستقل ومنسجم على حد سواء يتبع قانونا فنيا شاملا هو "الغرابة والروعة والسحر".
(صورة : بحر السحب في جبل هوانغشان )
ان قمم جبل هوانغشان متفاوتة الارتفاع متنوعة الأشكال بسبب التغيرات الجيولوجية. تمثل غابة القمم بجبل هوانغشان منظره الرئيسي وتمثل العجائب الثلاثة الأخرى "الصنوبر والأحجار الغريبة وبحر السحاب" مع مياهه الوافرة ميزته الخاصة مما يجسد إكمال مناظر جبل هوانغشان وانسجامها الطبيعيين.
يعتبر هوانغشان جبلا ثقافيا مشهورا يرجع تاريخه الى زمن بعيد. قيل ان هوانغدي أب الأمة الصينية كان يصنع نوعا من الدواء الكيميائي في الجبل وأصبح إلها في نهاية الأمر. تستقطب مناظر جبل هوانغشان المنحوتة طبيعيا عددا لا يحصى من الأدباء والشخصيات الكبيرة لزيارتها والإشادة بها، وتشير الإحصاءات الى ان هناك مئات المقالات وأكثر من عشرين الف قصيدة حول جبل هوانغشان منذ عهد حكم أسرة تانغ الملكية (قبل الف وثلاثمائة سنة) حتى أواخر حكم أسرة تشينغ الملكية (قبل مائة سنة). ان "رسوم هوانغشان" من أشهر الرسوم الصينية منذ آلاف سنين. هناك روابط قوية بين جبل هوانغشان والأديان.
ان الجمال الطبيعي الرائع لجبل هوانغشان يجذب كثيرا من الشعراء والرسامين وغيرهم من الفنانين ينشدون له ويتحمسون في الإبداع ويخلفون ورائهم أعمالا فنية لا تعد ولا تحصى فهناك أكثر من عشرين الف شعر تثني على جبل هوانغشان خلال 1200 سنة مضت منذ حكم أسرة تشانغ الملكية حتى حكم أسرة تشينغ الملكية تم حفظها كتابيا. تتوفر أشكال ومضامين الأعمال الفنية التي تعالج موضوع جبل هوانغشان وتجسد وتكمل جماله من مختلف الجوانب وتعتبر جزءا زاهيا في الخزينة الفنية الصينية. يستوحى الرسامون الصينيون القدماء المنتسبون الى شعبة رسوم هوانغشان فكرة إبداعهم الفني من مناظر جبل هوانغشان الجميلة ويتميزون في أوساط الرسم الصينية. ارضع جبل هوانغشان فنانين كثيرين خلال عهود ماضية مختلفة وبالمقابل وهبوه حياة فنية.
سور الصين العظيم
يعتبر سور الصين العظيم مشروعا دفاعيا عسكريا قديما بارزا ونادرا في التاريخ المعماري البشري. إنه رمز للأمة الصينية، ولم يظهر ذكاء أسلاف الصينيين فحسب، بل يجسد جهدا بذلوا فيه العرق والدماء. ويشتهر في العالم بتاريخه العريق وضخامة تحصيناته وعظمته وقوته. بدأ بناء سور الصين العظيم خلال عهد الربيع والخريف وعهد الممالك المتحاربة قبل أكثر من 2000 عام.
يبدأ السور من ممر جيا يو قوان بمقاطعة قان سو غربا وينتهي عند ممر شان هاي قوان بمقاطعة خه بي شرقا مرورا بجبال شاهقة كأنه تنين عملاق يستلقي على أراضي الصين الشمالية الواسعة. وإنه أقدم وأكبر مشروع دفاعي في الصين والعالم. وأدرج في قائمة التراث الثقافي العالمي التي حددتها منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة عام 1987.
إن سور الصين العظيم ليس سورا فقط، بل هو مشروع دفاعي متكامل يتكون من الحيطان الدفاعية وأبراج المراقبة والممرات الاستيراتيجية وثكنات الجنود وأبراج الإنذار وغيرها من المنشآت الدفاعية. ويسيطر على هذا المشروع الدفاعي نظام قيادي عسكري متكامل يتكون من مستويات مختلفة. فلنأخذ سور الصين في أسرة مينغ الملكية كمثال، كان هذا السور الذي يبدأ من نهر يالوه شرقا وينتهي عند ممر جيا يو قوان غربا بلغ إجمالي طوله 7000 كيلومتر ينقسم إلى تسع مناطق إدارية عسكرية، ولكل منطقة رئيس تنفيذي لإدارتها بصورة منفصلة ومسؤول عن إصلاح السور داخل المنطقة وترميمه وهو مسؤول أيضا عن الشؤون الدفاعية في المنطقة أو مساعدة المناطق العسكرية المجاورة على شؤونها الدفاعية وفقا لأمر وزارة الدفاع الوطنية. وكان عدد الجنود المرابطين على خط السور في عهد أسرة مينغ الملكية بلغ حوالي مليون جندي.
يمر سور الصين العظيم بتضاريس جغرافية مختلفة ومعقدة، حيث يعبر الجبال والأجرف ويخترق الصحراء ويجتاز المروج ويقطع الأنهار. لذلك إن الهياكل المعمارية للسور مختلفة وغريبة أيضا إذ بني السور في المناطق الصحراوية بمواد مكونة من الأحجار المحلية ونوع خاص من الصفصاف نظرا لشح الصخور والطوب. أما في مناطق هضبة التراب الأصفر شمال غربي الصين، فبني السور بالتراب المدكوك أو الطوب غير المحروق، لكنه متين وقوي لا يقل عن متانة السور المبني بالصخور والآجر. وبني السور في عهد أسرة مينغ الملكية غالبا من الطوب أو الصخور أو بخليط من الطوب والصخور. وتوجد قناة يصرف المياه على قمة السور لأجل صرف مياه الأمطار تلقائيا وحماية السور.
وبالإضافة إلى دوره العسكري، أثر سور الصين العظيم على التنمية الاقتصادية الصينية أيضا. إن اتجاه سور الصين متطابق تقريبا مع الخط الفاصل بين المناخ شبه الرطب والمناخ الجاف في الصين ، وأصبح في الواقع فاصلا بين المناطق الزراعية والمناطق البدوية.
وفي قديم الزمان، كانت تقيم في شمال الصين أقليات قومية بدوية، ويعيش أهالي قومية هان في وسط الصين ، ومن أجل حماية الإنتاج الزراعي ومنع نهب القوميات البدوية لمنتجاتهم الزراعية، ظل أهالي قومية هان يبنون السور باستمرار. وبذلك أصبح سور الصين العظيم حاجزا للتطور المستقل للحضارتين المختلفتين.
ومن بين المواقع السياحية على سور الصين العظيم في أنحاء الصين، يعتبر سور با دا لينغ شمال بكين أفضل قطعة محفوظة من سور الصين ، كما هو أحد أفضل المواقع لتسلق السور للسياح الصينيين والأجانب.
كهوف موقاو
تقع كهوف موقاو عند سفح جبل مينغ شا ومعناه أصوات الرمال والذي يبعد خمسة وعشرين كيلومترا جنوب شرقي مدينة دونغهوانغ بمقاطعة قانسو غرب الصين. تتميز هذه المنطقة بوقت كاف لسطوع الشمس والجفاف وقلة الأمطار والفروق الواضحة بين الفصول الأربعة والفرق الكبير بين درجة الحرارة في النهار ودرجة الحرارة في الليل.
تمتد كهوف موقاو لأكثر من ألف وستمائة متر من الجنوب إلى الشمال، وتنقسم إلى خمسة طوابق، ويبلغ ارتفاع الكهف الأعلى بها خمسين مترا. ويبلغ عدد كهوف موقاو أربعمائة واثنين وتسعين كهفا، وفيها أكثر من خمسة وأربعين ألف متر مربع من الرسوم الجدارية وألفان وأربعمائة وخمسة عشر تمثالا ملونا، بالإضافة إلى أربعة آلاف تمثالا لإله "فيتيان". لذلك تسمى بكهوف ألف بوذا.
وتعتبر كهوف موقاو مع كهوف يونقانغ بمقاطعة شانشي وكهوف لونغمون بمقاطعة خنان "المخازن الكبرى الثلاثة لفن الكهوف الحجرية في الصين" نظرا لحجمها الكبير ومحتوياتها الغنية وتاريخها العريق. وأدرجت كهوف دونغهوانغ ضمن قائمة التراث الثقافي والعالمي التي حددتها منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة عام1987.
ومدينة دونغهوانغ معناها مكان كبير ومزدهر، ويرجع اسمها إلى طريق الحرير الذي فتحه السيد تشانغ تشيان المسئول بأسرة خان الغربية الملكية عبر زيارتيه للمناطق الغربية القديمة في عام 139 ق.م وعام119 ق.م، يعتبر طريق الحرير ممرا يجتاز قارة آسيا ويربط الصين بالغرب، ويدفع التبادلات الثقافية والاقتصادية بينهما. ودونغهوانغ ليست محطة للتبادل التجاري بين الشرق والغرب فحسب، بل هي نقطة تجمع الأديان والثقافات والمعلومات أيضا.
انتشر الدين البوذي من المناطق الغربية القديمة إلى داخل الصين عبر دونغهوانغ، وأظهرت أربعمائة واثنان وتسعون كهفا بكهوف موقاو الفن البوذي الذي قد امتد لأكثر من ألف سنة عبر تماثيل ورسوم جدارية فيها.
صورة : رسوم في كهوف موقاو
وذكر أنه في عام 366م، كان راهب يدعى ب"ليه زونغ" قد زار هناك، حيث رأى أشعة الشمس الذهبية المشابهة للتماثيل الألف لبوذا في جبل سانوي بالجهة المقابلة لموقاو، فاعتقد أن هناك مكان بوذي، ثم حفر أول كهف فيه.
وفي عهد أسرة سوي الملكية وأوائل عهد أسرة تانغ الملكية، دخلت أعمال الحفر مرحلة مزدهرة؛ وفي عهد أسرة سونغ الملكية ، انخفضت نشاطات حفر الكهوف بسبب الركود الاقتصادي وفقدان طريق الحرير البري دوره الهام؛ وتوقفت أعمال الحفر بعد عهد أسرة يوان الملكية ، وأصبحت دونغهوانغ تدريجيا منطقة مقفرة .
إن كهوف موقاو مخزن ثقافي وفني قيم يضم البناء والتماثيل الملونة والرسوم الجدارية، ويعكس بصورة منتظمة الفنون لأكثر من عشر أسر ملكية صينية، بما فيها وي الشمالية وسوي وتانغ، وتشمل محتويات الكهوف الفن والتاريخ والاقتصاد والثقافة والأديان والتعليم وغيرها في المجتمع القديم.
لذلك تتمتع بقيمة عالية للبحوث التاريخية والفنية والعلمية، فكهوف موقاو هي كنوز تاريخية للأمة الصينية وثروة ثقافية ممتازة للبشرية.
وفي الحقيقة أن كهوف موقاو مخزن أثري أيضا. في عام 1900 اكتشف الطاوي وانغ يوان لو صدفة كهف حفظ الكتب البوذية الكلاسيكية الذي حافظ بصورة تامة على أكثر من أربعين الفا من الوثائق والكتب البوذية الكلاسيكية والآثار لأسر ملكية صينية عديدة. ويعتقد أن هذا الاكتشاف أثمن الاكتشافات لتاريخ الثقافة العالمي في القرن الماضي، فأحدث هزة كبيرة في العالم.
لكن خبر اكتشاف هذا الكهف جذب مغامرين من بريطانيا وفرنسا واليابان وروسيا والولايات المتحدة إليه على التوالي، وسرقوا معظم ما حفظ في الكهف. وفي عام1943، أعلنت الصين حق امتلاك كهوف موقاو؛ وفي عام1961، أدرج مجلس الدولة الصيني كهوف موقاو في قائمة الدوائر المحمية الوطنية للآثار الهامة.
والآن في سفح جبل سانوي بالجهة المقابلة لكهوف موقاو مركز عرض فنون دونغهوانغ، وفي هذا المركز كهوف مقلدة لبعض كهوف موقاو، الأمر الذي يحافظ على آثر كهوف موقاو بصورة جيدة ويزيد محتويات العرض.
معبد كونفوشيوس وغابته وقصر أسرته
كونفوشيوس (551-479 ق.م) هو فيلسوف وسياسي ومعلم عظيم في فترة الربيع والخريف (770-476 ق.م)، وتشيوفو هي مسقط رأس كونفوشيوس وفيها متحفه الذي عاش فيه هذا الفيلسوف ومارس فيه التعليم. وقد اكتشف في تشيوفو ثلاثة مواقع تاريخية: معبد كونفوشيوس وغابة كونفوشيوس وقصر كونفوشيوس، وأدرجت هذه المواقع الثلاثة في قائمة التراث العالمي التي حددتها منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة.
تقع مدينة تشيوفو في جنوب غربي مقاطعة شاندونغ، على بعد 135 كيلومترا عن عاصمة المقاطعة مدينة جينان، ومناخ تشيوفو قاري معتدل دافئ متأثر بالرياح الموسمية، الفصول الأربعة واضحة، المطر متوفر نسبيا، الجفاف في الربيع والخريف، المطر كثير في الصيف، الشتاء جاف وبارد وقليل الثلج.
يقع معبد كونفوشيوس في قلب مدينة تشيوفو، وهو مجموعة كبيرة من المباني الشرقية الطراز، ويسمى هو والقصر الإمبراطوري ببكين والمصيف الإمبراطوري بتشنغده في مقاطعة خبي، "المجموعات الثلاث الكبرى للبنايات الصينية القديمة".
بدأ بناء هذا المعبد في السنة التالية لوفاة كونفوشيوس، أي عام 478 قبل الميلاد. كان الأباطرة في مختلف العصور يقدمون الولاء والطاعة لكونفوشيوس فيه . كان في أيامه الأولى صغير الحجم متكونا من ثلاث غرف فقط . وحتى عهد الامبراطور وو دي من أسرة هان الملكية ( 206 ق م – 220 م)، والذي كان يدعو الى إلغاء جميع المذاهب الفكرية وتكريم المذهب الكونفوشي وحده، سيطرت أفكار كونفوشيوس على الصين. كرر الحكام الصينيون في مختلف العصور إصلاح الكونفوشيوسية وفقا لما يحتاجونه، وألهوه شيئا فشيئا، وأطلقوا عليه لقب "الأستاذ الحكيم الأعظم ". في كل مناسبة من مناسبات تلقيبه، كان الإمبراطور أو مبعوثه يحضرها لتقديم الضحايا والقرابين. وجدير بالذكر ان الإمبراطور "تشيان لونغ" من أسرة تشينغ (1644–1911)، قد ذهب الى موطنه ثماني مرات "للحج". واتسع حجم المعبد اتساعا متواصلا على مرور الزمان.
خلال عهدي أسرتي مينغ وتشينغ (1368-1911) جرت عدة عمليات إعادة بناء وتوسيع في المعبد حتى أصبحت معالمه كما نراها اليوم. مبانيه على شكل قصور، قائمة في 9 فناءات وعلى خط محوري من الجنوب الى الشمال. في المعبد 466 غرفة، منها القاعة الكبيرة والقاعة الصغيرة والمقصورة ومذبح القرابين والصالون و54 قوس نصر، ويغطي كلها مساحة 218 الف متر مربع. يسور المعبد بجدران حمراء اللون تتوسطها أقواس النصر وأبراج الزاوية.
معبد كونفوشيوس، ليس مشهورا في الصين، داخلها وخارجها، بعظمة وفخامة مبانيه فحسب، بل بالتحف الأثرية المحفوظة فيه أيضا. ففيه 2100 قطعة من الألواح الحجرية المنحوتة بالعبارات، تاريخها عريق، تبدو وكأنها لوحة ملفوفة رسم عليها تاريخ الصين، كما انها معرض لفن الخطوط وفن النقش على الحجر.
تبعد غابة كونفوشيوس كيلومترا واحدا الى شمال مدينة تشيوفو. كانت بدقيق العبارة، مقابر خاصة لكونفوشيوس وموتى ذراريه، وهي أطول المقابر العائلية في الصين عمرا، وأوسعها مساحة واكملها تشكيلة.
مع ذيوع شهرة كونفوشيوس، أعيد بناء هذه المقابر عدة مرات في مختلف العصور. اتسعت مساحتها باستمرار حتى غطت كيلومترين مربعين في عهد أسرة تشينغ. والغابة مسورة بجدران ارتفاعها 3.4 م وطولها 7.5 كلم، وفيها العديد من الحدائق الاصطناعية الكبيرة المكونة من البنايات القديمة.
يمكن القول ان غابة كونفوشيوس حديقة اصطناعية واسعة وعريضة ذات خصائص فريدة. وفيها تنمو 100 الف شجرة كبيرة، و20 الفا منها تجاوز عمرها الف سنة. تتناثر بين اشجار الغابة القديمة انصاب حجرية شيدت في الفترة من عهد أسرة سونغ الشمالية (960-1127) الى عهد أسرة تشينغ (1644-1911). منها كبيرة وصغيرة، قائمة مرتمية، دقيقة النقش وخشنة النقش.. بعضها يدعو مغرية للتعبير عن الاحترام لها، وبعضها تستعمل لجلوس الزوار فوقها لأخذ الراحة فقط. ويسود الغابة هدوء يثير لدى الزوار خواطر متعددة.
غابة كونفوشيوس تضم مقبرته، وهي عبارة عن تل مرتفع عن الأرض عليه خمسة مقاطع صينية منقوشة على حجر أمامها؛ تعني، "الأب المقدس". معبد كونفوشيوس متاهة من التلال الكبيرة تكثر فيه، أبراج الجرس،أعمدة التنين والألواح الحجرية. داخل معبد كونفوشيوس ينتصب حائط لو المشهور، وهو بناية استطاع المعلم أن يخفي بنجاح في أحد أركانها كتب تعاليمه من قوات الإمبراطور.
يجاور مجمع معبد كونفوشيوس قصره في قلب المدينة. على الرغم من أن المعلم لم يستمتع ببهاء القصر، لكونه مجرد معلم في زمانه، غير أن أجياله من الجيل التاسع إلى الجيل السابع والسبعين عاشوا في هذه البنايات أكثر من 2500 عام، نتيجة لرغبة الأباطرة اللاحقين في إظهار احترامهم لكونفوشيوس. معظم غرف الفناء البالغ عددها 466 غير مفتوحة للسواح، على الرغم من أن هناك أيضا العديد من الغرف المفتوحة التي تعطي المرء فكرة عامة جيدة عن القصر.
قصر أسرة كونفوشيوس عبارة عن بيوت سكنها ويسكنها ذراري كونفوشيوس جيلا بعد جيل. ومنذ عهد أسرة هان (206 ق م – 220 م)، نال ذراريه ألقابا شرفية شتى من الأباطرة، منها لقب "يان شنغ قونغ" (ذراري الاستاذ الحكيم الأعظم) الذي امتد 32 جيلا منذ عام 1055. واصبحت بيوت أصحاب هذه الألقاب الشرفية قصر أسرة كونفوشيوس كما نعرفه اليوم. يحتل القصر اليوم مساحة 160 الف متر مربع، وطوله من الشمال الى الجنوب كيلومتران ويحتوي على 463 غرفة من المباني بأنواعها المختلفة.
يقع قصر أسرة كونفوشيوس إلى الشرق من معبده مواجها للجنوب، وهو مجموعة من المباني الضخمة تجمع الديوان الاداري والمساكن العائلية في كيان واحد. هذا القصر يتكون من ثلاثة أقسام، وتتجمع في القسم الشرقي معامل شتى تخدم أفراد أسرة كونغ. والقسم الغربي خاص ليتعلم أصحاب لقب "يان شنغ قونغ" الطقوس ويحترفونها ويستقبلون كبار الضيوف فيه. أما القسم الأوسط فهو رئيسي يضم قطاعين أمامي لمعالجة الشئون السياسية وخلفي للسكن. ليست المساكن ضخمة وفخمة إذا قورنت بالقصر الامبراطوري في بكين، ولكن الأثاث والزخارف والتراث فيها تظل فاخرة وقيمة ورائعة تثير العجب والدهشة دوما. كان بعض نفائس التراث في القصور موهوبة من الأباطرة ومقدمة من كبار الموظفين، وبعضها الآخر مشتراة بثمن باهظ، وكلها من المعلومات الحية ذات الأهمية البالغة لدراسة التاريخ والثقافة للصين القديمة.
مدينة بينغياو القديمة
جاء في حيثيات قرار لجنة التراث الثقافي العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) إدراج مدينة بينغياو في قائمة التراث الثقافي العالمي.. بينغياو نموذج بارز كمدينة قديمة لقومية هان الصينية في عصور أسرتي مينغ وتشينغ، وتحتفظ بكل ما تتميز به المدن الصينية، وهي بمثابة سلسلة كاملة من الرسوم التي تعرض ما كان عليه المجتمع الصيني في ذلك الوقت من الأوضاع الثقافية والاجتماعية والسياسية و الاقتصادية، والتطور الديني، فهي من أهم التراث الثقافي العالمي..الملونة في الشرق".
(صورة :سور مدينة بينغياو القديمة)
تقع مدينة بينغياو في قلب مقاطعة شانشي على مسافة 70 كيلومترا من حاضرة المقاطعة- مدينة تاييوان. يخترقها نهر فنخه ثم يسير باتجاه الجنوب، وتمر بشمالها الغربي سكة حديد داتونغ- بوكو، وطريق دايون العام. هذا الموقع الاستراتيجي جعل بينغياو عقدة تجارية منذ قديم الزمان، فقالوا عنها " السوق التي لا تكسد" و" بكين الصغيرة".الملونة في الشرق".
سكن الإنسان بينغياو منذ العصر الحجري الحديث. يقال إن الإمبراطور راو، وهو رابع الأباطرة الخمسة للعصور القبائلية في الصين، كان ينتمي لعائلة " ياو" ولذا أسميت بينغياو باسم "ياو" أيضا.الملونة في الشرق".
في غابر الزمان كان الصينيون يصنفون المهن الرئيسية الأربع تصنيفا يعظم الوظيفة الرسمية فيضعها في المرتبة الأولى تليها الزراعة ثم الصناعة وفي القاع تأتي التجارة. ولكن في بينغياو، كان العمل بالتجارة بغية كثيرين. الملونة في الشرق".
من فترة الربيع والخريف التي بدأت في عام 770 ق م حتى بداية أسرة وي الشمالية(بين عامي 386- 537 م) كانت بينغياو تسمى محافظة بينغتاو في أسرة تشين ثم محافظة تشونغدو ثم محافظة جينغلينغ في أسرة هان الغربية، ثم محافظة بينغياو حتي يومنا الحاضر. خلال 2700 سنة مضت على وجودها، بني بها ما يزيد على 300 وحدة من المباني الأثرية منها 99 بناية خاضعة للحماية الحكومية.
بفضل وجود عدد كبير من المباني الأثرية، أصبحت بينغياو مقصدا سياحيا ساخنا في الوقت الحاضر.الملونة في الشرق".
بينغياو التي بنيت في بداية أسرة وي الشمالية، كانت معروفة باسم " بينغتاو" ثم أخذت اسمه الحالي- " بينغياو" في عام 424. في عام 1370 في أسرة مينغ جرى توسيع بنائها ، حيث أعيد تشييد سورها بالأحجار والطوب بدلا من التراب المدكوك. ولأن الصينيين يعتقدون منذ القديم أن السلحفاة ترمز للسعادة والعمر المديد، فقد صمموا البنايات مقلدة لشكل السلحفاة ومن أهم بنايات بينغياو ما يلي:
سور المدينة الذي تتخلله ست بوابات على شكل السلحفاة؛ البوابة الجنوبية-" الرأس"؛ البوابة الشمالية- " الذيل"؛ البوابتان الشرقيتان والبوابتان الغربيتان - "الأقدام الأربعة"، وتمتد قناة الحماية حول السور، وتربط الجسور المعلقة ما بين البوابات والقناة.
بغية الحفاظ على سور بينغياو الأصلي بذلت الدولة ومقاطعة شانشي جهودا هائلة بشريا وماديا في مشروع بناء وترميم السور خلال عشر سنوات من نهاية السبعينيات حتى بداية التسعينيات في القرن الماضي.
أربعة شوارع رئيسية، ثمانية شوارع ضيقة، 72 زقاقا؛ شارع الجنوب الذي يجتاز خطها المحوري، البوابة الشمالية على مقربة من الطرف الغربي، مبني شيلوه ذو الأفاريز الثلاثية بارتفاع 5ر18 مترا في قلب المدينة، وهو رمز بينغياو القديمة. الملونة في الشرق".
توزيع المباني القديمة بها مستوحى من رسم باقوا الطاوي؛ ففي الشرق بني معبد تشنغهوان، معبد داوقوان وفي الغرب بني مقر هيئة المحافظة الإدارية، المعبد البوذي وفي الجنوب يوجد معبد بوذا قوان ين وفي الشمال معبد قواندي. في أقصى الشمال معبد وينمياو، وفي أقصى اليمين معبد وومياو. هذا التوزيع يجسد فكر وثقافة الإدارة المشتركة بين الآلهة والبشر لشؤون الدولة، والدمج بين الأديان الثلاثة المنتشرة في الصين آنذاك. عمر قاعة داتشينغ في معبد ون 836 سنة، وقد جددت بنايتها في عام 1163.
مقبرة الإمبراطور تشين شي هوانغ
تقع مقبرة الإمبراطور تشين شي هوانغ التي توجد فيها تماثيل الجنود والخيول الصلصالية في مدينة شيآن بمقاطعة شنشي شمال غربي الصين. في عام 221 ق.م، وضع ينغ تشنغ الإمبراطور تشين شي هوانغ حدا للنزاعات بين أمراء وحكام الممالك المتحاربة التي دامت أكثر من 250 عاما، وأسس أول دولة إقطاعية مركزية موحدة متعددة القوميات في تاريخ الصين - أسرة تشين. لقد وحّد الإمبراطور تشين شي هوانغ اللغة المكتوبة، والمقاييس والمكاييل والنقد، وأقام نظام المحافظات والولايات. واستخدم الناس هيكل الدولة الإقطاعية الذي أسسه منذ أكثر من 2000 عام. ونظم أكثر من 300 ألف شخص لمدة بضعة عشر عاما لبناء سور الصين العظيم الذي يمتد أكثر من 5000 كيلومتر في شمالي الصين، كما بدأ في بناء مقبرة ضخمة الحجم وهو على قيد الحياة. تماثيل الجنود والخيول الصلصالية لحراسة مقبرة الإمبراطور تشين شي هوانغ، المكتشفة عام 1974، هزت العالم. ولقبت الـ8000 تمثال من الجنود والخيول والعربات الحربية الصلصالية بالحجم الواقعي بـ "الأعجوبة الثامنة في العالم".
يوم 29 من مارس 1974? كان المزارعون في قرية شي يانغ بضاحية شيآن يحفرون بئرا في الحقل. ومن غير المتوقع أنهم اكتشفوا مخلفات عظيمة من حضارة الصين تثير هزات في العالم، هي تماثيل الجنود والخيول الصلصالية لأسرة تشين ( 221 - 206 ق.م ). وبعد 5 سنوات من عمليات الحفر المتتابعة، أسس في اليوم الأول من اكتوبر 1979? متحف خاص للمكتشفات، وفتحت أبوابه أمام المتفرجين. ومنذ ذلك الوقت، تدفق الزوار المحليون والأجانب إليه لرؤية عظمة الفيالق الإمبراطورية لأسرة (( تشين )). وأصبحت هذه التماثيل الأثرية رمزا إلى مدينة شيآن. شيآن، اسمها الماضي " تشانغآن "، تقع في وسط مقاطعة شنشي وحاضرة المقاطعة حاليا. اتخذتها 12 أسرة ملكية عاصمة لها خلال الفترة ما بين القرن 11 قبل الميلاد وأواخر القرن 9 بعد الميلاد. كانت مركزا سياسيا واقتصاديا وثقافيا في قديم الصين، ونقطة البداية لطريق الحرير القديم المشهور. كانت في الفترة ما بين عهدي أسرة هان وأسرة تانغ ( 206 ق.م – 907م ) مركزا للاتصالات والتبادلات الخارجية، ومدينة دولية كبيرة إذ زاد تعداد سكانها عن مليون نسمة. " ترك التاريخ كنزا أثريا تحت كل بوصة من أرض شيآن. ومدينة شيآن اليوم قائمة على أطلال حضارة ممتدة لآلاف السنين. حصلت تماثيل الجنود والخيول على تسمية " العجيبة الثامنة العالمية ". أدرجت مقبرة الإمبراطور الأول شي هوانغ دي في قائمة أسماء " التراث العالمي " بوصفها المشروع الحضاري القديم الأول في الصين. وتعد أسوار شيآن الحالية المبنية في عهد أسرة مينغ ( 1368? 1644 ) أعظم وأكمل قلعة قديمة من القلاع المحفوظة جيدا في عالم اليوم. هذا وتثير حفريات المقبرة لأحد أباطرة أسرة هان ( 206? 220? ) هزات في الأوساط الأثرية.
القصر الإمبراطوري
يقع القصر الإمبراطوري وسط مدينة بكين. وكان قصرا إمبراطوريا في عهدي أسرتي مينغ وتشينغ الملكيتين الصينيتين. ويسمى ب "المدينة المحرمة". بدأ تشييده عام 1406 الميلادي، واكتمل تشييده بصورة أساسية عام 1420. لذلك يعود تاريخه إلى ما قبل ستمائة سنة. وهو اكبر مجموعة من القصور القديمة وأكملها حفظا في الصين حتى الآن.
بنيت المدينة المحرمة وفقا لمبدأ "الأجيال يسارا والمعابد يمينا والمكاتب أماما والأسواق خلفا" الذي حدده الكتاب الوثائقي القديم "تشو لي وكاو قونغ" ، كما اتخذت قصور مدينة نان جينغ التي تم بناؤها في أوائل عهد أسرة مينغ الملكية مرجعا لها. وتقع القصور الرئيسية بالمدينة المحرمة على خط محوري يمتد من شمال مدينة بكين القديمة إلى جنوبها ويبلغ طوله ثمانية كيلومترات. تحتل المدينة المحرمة سبعمائة وعشرين ألف متر مربع. ويبلغ طولها من الجنوب إلى الشمال تسعمائة وستين مترا وعرضها من الشرق إلى الغرب سبعمائة وخمسين مترا. ويصل إجمالي مساحة مبانيها إلى أكثر من مائة وخمسين ألف متر مربع، يضم أكثر من ثمانية آلاف وسبعمائة غرقة. ويحيط بالمدينة المحرمة سور يبلغ إرتفاعه عشرة أمتار، ويوجد خارج هذا السور نهر اصطناعي يبلغ عرضه اثنين وخمسين مترا ويسمى بنهر هو تشنغ أي نهر الدفاع عن المدينة. وعلى كل ركن من أركان السور المحيط بالمدينة المحرمة مقصورة جميلة ورائعة. وكانت هياكل هذه المقصورات معقدة للغاية. ويصفها الناس بإنها مكونة من تسعة دعامات وثمانية عشر عمودا واثنتين وسبعين دعامة فرعية. أقام في المدينة المحرمة أربعة وعشرون إمبراطورا على التوالي في عهدي أسرتي مينغ وتشينغ الملكيتين، وسيطروا على الصين لمدة أربعمائة وإحدى وتسعين سنة. ووفقا للوظائف المختلفة، تنقسم المدينة المحرمة إلى جزئين وهما الجزء الأمامي والجزء الداخلي. يعتبر الجزء الأمامي مكانا يقيم فيه الإمبراطور المراسم الضخمة. وتتوسطه ثلاثة أجنحة وهي تاي خه وجونغ خه وباو خه الواقعة على الخط الوسط. أما الجزء الداخلي فهو مكان يمارس فيه الإمبراطور أعماله اليومية، كما يقيم فيه الإمبراطور وعائلته. وتوجد فيه أجنحة تشيان تشينغ وجياو تاي وكون نينغ والأجنحة الستة الشرقية والأجنحة الستة الغربية وعمارات أخرى.
أطاحت ثورة عام 1911 بحكم أسرة تشينغ الملكية، وحسب الاتفاقية "التفضيلية لعائلة تشينغ الملكية" التي وقعتها الحكومة الديمقراطية وديوان أسرة تشينغ الملكية، يسمح للإمبراطور الأخير بو يي مواصلة الإقامة في الجزء الداخلي من القصر الإمبراطوري. وفي عام 1914، أصبح الجزء الأمامي من القصر الإمبراطوري مفتوحا للجماهير. وفي عام 1924 ، طرد بو يي من القصر الإمبراطوري. وفتح الجزء الداخلي للجماهير عام 1925، ويسمى ب "متحف القصر الإمبراطوري ". وفي عام 1947، دمج الجزءان الأمامي والداخلي وسميا معا ب "متحف القصر الإمبراطوري" . وبعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، ظل الحزب والحكومة الصينية يهتمان بمتحف القصر الإمبراطوري، ويرصد كل سنة مبلغ خاص لإصلاحه وإعادة ترميمه. وفي عام 1961، صنفه مجلس الدولة الصيني وحدة أثرية محمية هامة على مستوى البلاد كدفعة أولى. وأدرج في قائمة التراث الثقافي التي حددتها منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة عام 1987. والآن تحفظ فيه مليون قطعة من التحف. وأصبح متحفا شاملا يجمع بين الفنون المعمارية القديمة والآثار الإمبراطورية والفنون القديمة المختلفة.
المعبد السماوي
إذا أتيحت لك فرصة لزيارة بكين، فلا بد أن تزور سور الصين العظيم والقصر الإمبراطوري والقصر الصيفي والمعبد السماوي، لأن هذه المواقع السياحية تمثل أعلى مستويات الفنون المعمارية في الصين في العهود القديمة. ويعتبر المعبد السماوي أكبر مجموعة معمارية نطاقا وأفضلها حفظا حتى الآن وكانت تستخدم للعبادة في الصين. وكان الأباطرة الصينيون يقيمون هنا كل سنة مراسم عبادة ضحمة آملين في الحصول على محاصيل وافرة وسلامة البلاد وإبعاد الكوارث، حيث يعبدون آلهة السماء والأرض والشمس والقمر والجبال والأنهار. وتعتبر مراسم عبادة السماء أهمها.
ويطلق على الإمبراطور الصيني لقب "تيان تسي" معناه ابن السماء. ويمارس الإمبراطور حكمه على البلاد بصفته ابنا للسماء. لذلك، أصبحت عبادة السماء حقه الخاص، ولا يسمح للمسؤولين الآخرين أو عامة الناس بتأدية هذه العبادة.
بني المعبد السماوي عام 1420 الميلادي، وهو مكان كان الأباطرة في أسرتي مينغ وتشينغ الملكيتين يعبدون فيه آلهة السماء والأرض. يقع شمال المدينة المحرمة أي القصر الإمبراطوري داخل بكين. وتساوي مساحته أربعة أضعاف مساحة المدينة المحرمة. ويرمز الحائط الخارجي الجنوبي للمعبد المربع الشكل إلى الأرض، أما الحائط الخارجي الشمالي للمعبد النصف دائري فيرمز للسماء، ذلك لأن في الصين القديمة فكرة تقول إن "السماء دائرية والأرض مربعة".
ينقسم المعبد السماوي إلى جزئين هما المعبد الداخلي والمعبد الخارجي. وتتركز المباني الرئيسية في المعبد على طرفي الخط الأوسط في المعبد الداخلي، وهي من الجنوب إلى الشمال على التوالي "هوان تشيو" و"هوانغ تشيونغ يو" و"قاعة تشي نيان".
إن "هوان تشيو" مدرج دائري ثلاثي الطبقات. ويحيط بكل طبقة حائط حجري منقوش. إنه موقع مركزي كان الإمبراطور يقيم فيه مراسم عبادة السماء. وإن هذه المراسم كانت مهيبة جدا، حيث تقام عادة فجر الثاني والعشرين من ديسمبر كل سنة، وكان يشرف عليها الإمبراطور بنفسه. وخلال إقامة المراسم، تعلق فوانيس ضخمة أمام "هوان تشيو" وتشعل شمعات يكون طول كل واحدة منها أكثر من متر. وعلى ركن جنوب شرقي هوان تشيو مبخرة ضخمة تحرق فيها القرابين والحرير لعبادة السماء. وفي الوقت نفسه، عزف الموسيقى، حيث كان يسود المراسم جو مهيب للغاية. ويقع هوانغ تشيونغ يو شمال هوان تشيو، وهو قصر صغير من طابق واحد. وتضع فيه لوحة الاله السماوي. ويحيط به حائط دائري، وهو "هوي ين بي" أي الحائط ذو الصدى. وإذا تكلمت بصوت منخفض على جانب الحائط، يمكن لشخص آخر يقف على الطرف الآخر من الحائط أن يسمع كلامك بصورة واضحة.
وتعتبر قاعة تشي نيان مبنى آخر يستخدم في عبادة السماء. إنها قاعة دائرية كبيرة ذات سقف من ثلاث طبقات. وتقوم على قاعدة من ثلاث طبقات. إنه مكان يطلب الإمبراطور منه في كل صيف من السماء إعطاء محاصيل وافرة للمواطنين. لذلك، يتعلق الأسلوب المعماري لقاعة تشي نيان بالثقافة الزراعية. مثلا توجد في وسط القاعة أربعة أعمدة ضخمة ترمز إلى الفصول الأربعة وهي الربيع والصيف والخريف والشتاء. وهناك أيضا اثني عشر عمودا أضعف من الأعمدة الأربعة السالفة الذكر، يرمز إلى اثنتي عشرة ساعة كل يوم (في قديم الزمان، قسم الصينيون القدامى اليوم إلى اثنتي عشرة ساعة) بالإضافة إلى اثني عشر عمودا آخر يرمز إلى اثني عشر شهرا كل سنة. وإلى جانب هوان تشيو وقاعة تشي نيان، يقع في الجهة الغربية مبنيان، واحدهما يسمى ب"وكالة الموسيقى الآلهية" والآخر يسمى ب"مقر القرابين". وكان يسكن هناك عازفو الموسيقى ومربي المواشي.
إن اللون الرئيسي للقصور الإمبراطورية اللون الأصفر. ويرمز ذلك إلى السلطة الإمبراطورية. أما المعبد السماوي، فاستخدم المصممون المعماريون فيه اللون الأزرق وهو لون السماء أصلا كلون رئيسي لمباني المبعد. وأدرج المعبد السماوي عام 1998 في قائمة التراث العالمي. وكان تقييم لجنة التراث العالمي له هو: "إن المعبد السماوي بصفته أكبر مجموعة معمارية تعبدية في الصين القديمة تشتهر في العالم بتنسيقه المعماري الدقيق وهياكله المعمارية الغريبة وزيناته المعمارية الباهرة. فلم يحتل مكانة هامة في التاريخ المعماري الصيني فحسب، بل هو تراث ثمين للفنون المعمارية العالمية.
قصر بوتالا
علي قمة جبل هونغشان بمدينة لاسا في التبت الصينية، مجموعة مشهورة من القصور علي شكل القلعة، إنها قصر بوتالا الذي يعود تاريخه إلى أكثر من 1300 عام، فقد تأسس في القرن السابع.
يرتفع قصر بوتالا أكثر من 3700 متر عن سطح البحر، إجمالي مساحته أكثر من 3700 متر مربع، طوله من الشرق إلى الغرب 360 مترا، وعرضه من الجنوب إلى الشمال 270 مترا، يرتفع المبنى الرئيسي له 117 مترا من 13 طابقا، فهو أعلى مجموعة فخمة للبنايات في العالم، تجمع القصور والقلاع والمعابد.
يتكيء قصر بوتالا على الجبل، تبدو القصور المتراكبة عظيمة و فخمة، أسلوبه المعماري الأسلوب التبتي التقليدي المتمثل في القلعة الصخرية والخشبية وخصائص أسلوب قومية هان وهي العوارض وقمة السقف الخارجي الذهبية والسقف الداخلي المربع. في التوزيع الفضائي، به أفنية متداخلة، وممرات ملتوية، الفرق واضح بين الأجزاء الرئيسية والثانوية، مما يبرز البنايات الرئيسية ونسق البنايات الثانوية، فتتناثر البنايات ويتداخل بعضها بعضا، مما يشكل فضاء من طبقات متعددة. القصر غني بالشعور بالإيقاعات الموسيقية، والشعور بالعلو والشموخ، فهو معجزة في تاريخ البناء العالمي. من ناحية الوظائف، تنقسم البنايات الرئيسية بقصر بوتالا إلى جزءين كبيرين، الجزء الأول أماكن إقامة لدالاي لاما ونشاطاته السياسية. الجزء الثاني بروج قبور دالاي لاما من كل أجياله وأنواع مختلفة من القاعات البوذية.يتمركز الجزء الأول في القصر الأبيض رئيسيا. بدأ بناء القصر الأبيض عام 1645، استغرق بناؤه 8 سنوات، مركزه قاعة الإلهة قوان ين، التي بنيت في فترة سونغتسان قانبو، تم بناؤ معبد كبير في شرقيها وغربيها. جدران هذا المعبد باللون الأبيض، فسمي بـ"القصر الأبيض".يتركز الجزء الثاني رئيسيا في القصر الأحمر، بني هذا القصر عام 1690، بعث إمبراطور أسرة تشينغ إمبراطور كانغ شي أكثر من مائة حرفي من قوميات هان ومان ومنغوليا ليشاركوا في توسيع قصر بوتالا.
بعد تحرير التبت سلميا عام 1951، أولت الحكومة المركزية اهتماما كبيرا لحماية قصر بوتالا. في عام 1961، أدرجه مجلس الدولة ضمن الآثار المحمية الهامة للدولة، وخصص مبالغ سنوية لصيانته وترميمه. غير أن هذا القصر العظيم لم تجر عليه ترميمات كبيرة في مدة تزيد عن 300 عام بعد إعادة بنائه، فتعرض لأخطار شديدة دائما. في عام 1985، خصص مجلس الدولة مبلغا هائلا لترميمه بشكل شامل، وهذا التمويل هو أكبر تمويل لحماية البنايات الأثرية القديمة منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية.
|