رئيس وزراء مصر الأسبق: مبادرة الأمن العالمي مبادرة صينية تستحق الاحترام والاهتمام

بقلم: هدى المصرى

أشاد د. عصام شرف، رئيس مجلس الوزراء الأسبق، بمبادرة الأمن العالمى التي أقترحها الرئيس الصيني، شي جين بينغ لتعزيز الأمن للجميع في العالم أثناء إلقائه كلمة رئيسية في حفل افتتاح المؤتمر السنوي لمنتدى بواو الآسيوي لعام 2022.

وقال رئيس وزراء مصر الأسبق، فى تصريحات خاصة لـ”بوابة روزاليوسف”، إنه مع إنتهاء الحرب الباردة ترسخت فكرة القطب الواحد أو القوة العظمى المهيمنة، وتخطت بهيمنتها كثير من قواعد القانون الدولى، وأصابت النظام العالمى بالإرتباك والحوكمة العالمية بما يشبه الشلل وشكلت توجها يسمح بالتدخل فى الشؤون الداخلية للدول. وقد أدى ذلك الى خلل كبير فى المنظومة العالمية للتنمية والسلام والامن. ولهذا كان من الطبيعى ظهور قوى أخرى مخلصة تنادى بالتعاون والمشاركة بين دول العالم من أجل التنمية والتقدم والرفاهية المشتركة للإنسانية جمعاء.

وأضاف د. شرف: وهنا ظهر الدور المحورى لجمهورية الصين الشعبية وخاصة فى ظل حكم الرئيس الصيني شي جين بينغ، حيث انتقل بالصين نقلة نوعية فى مجال الإنفتاح والتعاون الدولى، وقد استقبلت معظم الدول هذا التوجه بترحاب شديد لما للصين من تاريخ خالى من الهيمنة والاستعمار والتدخل فى الشؤون الداخلية للدول، إضافة الى قدرتها الاقتصادية التي تسمح بمد يد العون للجميع خاصة الدول النامية. وقد تجلى ذلك فى العديد من النداءات والمبادرات العالمية.

وأشار د. شرف الى اهم ثلاث مبادرات صينية وهى مبادرة الحزام والطريق ومبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمى؛ قائلا : مبادرة الحزام والطريق والتي اطلقها الرئيس الصيني عام 2013 والتي بدأت بدولة واحدة هى الصين والأن تشمل اتفاقات تعاون ومشاركة مع حوالى 140 دولة وحوالى 40 منظمة دولية. ويمكن القول ان هذه المبادرة قدمت منصة للتعاون الدولى من أجل تحقيق تنمية عالمية مستدامة من خلال التواصل “الصلب والناعم” والمشاركة فى الأفكار وفى التنفيذ وفى العوائد.

ولفت إلى تحقق كم هائل من النجاحات من الصعب الحديث عنها كلها، وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد ساهمت المبادرة فى تسهيل التجارة بين الدول وزيادة كفاءة العولمة الاقتصادية، والذي أدى بدوره الى تحقيق عوائد جيدة فى الدخول وخاصة فى الدول النامية ومن ثم المساهمة الفاعلة فى تخفيض نسبة الفقر بهذه الدول.

وأضاف: ثم مع ظهور جائحة كورونا والتأثير السلبى الذي أحدثته سواء على المستوى الاقتصادى أو الاجتماعى وخاصة فى الدول النامية والذي أدى بدوره الى زيادة نسبة الفقر والفجوة التنموية وأيضا تعطيل التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، تقدمت الصين من خلال الرئيس شى جين بينغ بمبادرة التنمية العالمية فى سبتمبر 2021 بهدف العمل المشترك من أجل تخفيض الأثار السلبية للجائحة. وبالرغم من ان التنمية العالمية هى أحد اهم أهداف مبادرة الحزام والطريق، إلا ان هذه المبادرة للتنمية العالمية كانت ضرورية لمواجهة هذا الموقف بما احتوته من أولويات العمل المشترك مثل: تخفيض الفقر والأمن الغذائى وتوفير لقاحات كوفيد-19 وتمويل التنمية والتغيرات المناخية والاقتصاد الأخضر وتعميق الصناعة التطور المعتمد على الابتكار وبرامج عمل مشتركة للتنمية العالمية. وجدير بالذكر ان مبادرة التنمية العالمية قد لاقت ترحيبا من الجميع بما فى ذلك حوالى مائة دولة وعدد كبير من المنظمات الدولية (بما فيها الأمم المتحدة) حتى انه تم تكوين مجموعة بإسم أصدقاء مبادرة التنمية العالمية. وقد أكد سكرتير عام الأمم المتحدة على الأهمية الكبيرة للمبادرة وقال ان الأمم المتحدة تساند بقوة هذه المبادرة وعلى استعداد للتعاون مع الصين بهذا الخصوص.

وتابع د.عصام شرف: أنه وبالرغم من المساندة العالمية لمبادرة التنمية العالمية والتوقعات بنجاحها وتحقيق اهدافها، إلا ان اندلاع المواجهات الروسية – الاوكرانية كان له بالغ الأثر السلبى على دول العالم ومن ثم على مستوى التنمية العالمية. إن الأمن فى حد ذاته قيمة إنسانية عليا، كما ان الأمن هو المتطلب الأساسى للتنمية، فإذا شاع الأمن تحققت التنمية، وإذا تحققت التنمية شاع واستدام الأمن. ومن هذا المنطلق أطلق الرئيس الصيني مبادرة الأمن العالمى فى إبريل 2022 والتي يمكن تصورها على انها منفعة عامة تهدف الى تعزيز السلام والاستقرار العالميين من خلال ضمان الإنصاف والعدالة بين الدول حتى يمكن مواجهة العديد من التهديدات الأمنية، وهو ما يتطلب أن يتحد المجتمع الإنسانى فى جميع البلدان والالتزام بمبدأ التعددية، وتشكيل قوة عقلانية للحفاظ على السلام ، وتعزيز حوكمة الأمن العالمي بشكل مشترك، والحفاظ على الحضارة الإنسانية المهددة بالخطر.

ولهذا ناشد الرئيس الصيني جميع القوى المحبة للسلام في العالم لتبني الرؤية الجديدة للأمن، واتخاذ خطوات جادة لتفعيل مبادرة الأمن العالمي، ومواجهة تحديات الأمن الدولي من أجل السلام والاستقرار في العالم. وفى واقع الأمر أعتقد أن موقف الصين رئيسا وحزبا وحكومة وشعبا ينبع من مجموعة من القيم الصينية الأصيلة مثل: الاحترام والتعايش السلمي والشعب في المركز وفلسفة المصير المشترك.

وقد انعكست هذه القيم على خطابات ونداءات الرئيس الصيني حيث تم التركيز على مجموعة هامة من الالتزامات والواجبات الهامة فى هذه المرحلة، فقد نادى الرئيس بمجموعة من الالتزامات أهمها: الالتزام بالقانون الدولي ومعايير العلاقات الدولية المعترف بها عالميًا، ورفض محاولة استبدال القواعد الدولية بـما يخدم "قوى بعينها" والالتزام بمبدأ الأمن غير القابل للتجزئة، ورفض محاولة السعي لتحقيق الأمن الخاص على حساب الآخرين والالتزام بالتضامن والتعاون العالميين، ورفض محاولة إحياء سياسة التكتلات والمواجهات الأيديولوجية والالتزام بمعارضة العقوبات الأحادية الجانب، ورفض محاولة تحويل الأزمات الإقليمية إلى أزمة عالمية. كما أشار الرئيس الى مجموعة من الواجبات مثل: يجب احترام سيادة وسلامة أراضي جميع البلدان، ويجب مراعاة مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة بالكامل، ويجب أن تؤخذ المتطلبات الأمنية المشروعة لجميع البلدان على محمل الجد، ويجب دعم جميع الجهود التي تفضي إلى التسوية السلمية للأزمة.

وقال د. شرف: ومن هذا المنطلق استطيع ايجاز توجهات الصين بخصوص هذه الأزمة أو الازمات المشابهة فيما يلى:

أولا: أن التقاليد التاريخية والثقافية للصين وكذلك سياستها الخارجية الثابتة تؤكد على حماية السلام ومعارضة الحرب.

ثانيا: ترى الصين انه يجب ألا تكون هناك نهاية لهذه الحرب فحسب، بل يجب أيضًا أن يكون هناك مردود أساسي وإيجابى على السلام والاستقرار الدائمين في أوروبا.

ثالثا: إن الصين كانت وستبقى دولة مستقلة تقرر موقفها حسب ملابسات كل حالة، محصنة من الضغط أو التدخل الخارجي.

رابعا: تؤكد الصين دائما على دعم تعدد الأقطاب في العالم وضرورة ان تتسم العلاقات الدولية بمناخ أكثر ديمقراطية، ودعت دائمًا إلى حماية أهداف ميثاق الأمم المتحدة والقواعد الأساسية التي تحكم العلاقات الدولية.

خامسا: تدعم الصين جميع الجهود التي يمكن أن تؤدي إلى وقف إطلاق النار وتخفيف الأزمة الإنسانية على الأرض، وستواصل لعب دور بناء لتحقيق هذه الغاية.

فى النهاية أود أن أشير الى بعض إنطباعاتى الشخصية: أولا: أؤيد الرأى القائل بأن الحرب الروسية-الأوكرانية ليست فقط بسبب الرغبة فى التوسع فى حدود حلف الناتو، ولكن ربما لاستخدام هذه الحالة فى الإيعاز بأنها حرب بين الديمقراطية والأتوقراطية وإعادة أجواء الحرب الباردة والمواجهات الأيديولوجية.

ثانيا: بعد حالة واضحة من الإنحدار فى السنوات الأخيرة تحاول بعض القوى المهيمنة خلق حالة إنتصار تدعم بها موقفها.

ثالثا: أوروبا من أكبر الخاسرين نتيجة هذه الأزمة.

رابعا: الصين هي قوة عظمى يمكنها التعامل مع نهج سلمي لتخفيف الوضع الدولي المضطرب، واتمنى أن يأتى اليوم الذي نرى فيه تعزيز العلاقات والتعاون بين الصين والولايات المتحدة وبين الصين وأوروبا ، من أجل السلام والازدهار العالميين.

خامسا: على المجتمع الدولى والقوى المحبة للإنسانية والسلام ان تدعم الإختيارات التالية: نعم للتعددية لا للأحادية، نعم للتعاون لا للهيمنة، نعم للتعايش لا للتعالى، نعم للتفاهم لا للغطرسة، نعم للثقة لا للتخوين، نعم للانفتاح لا للانعزال، نعم للتقارب لا للتباعد، نعم للحوار لا للصراع، نعم للتفاوض لا للتسلط، نعم لعناق الحضارات لا لصراع الحضارات.

(المصدر: بوابة روز اليوسف)

(ملاحظة المحرر: يعكس هذا المقال وجهة نظر الكاتب، ولا يعكس رأي قناة CGTN العربية.)

بيان الخصوصية وسياسة ملفات تعريف الارتباط

من خلال الاستمرار في تصفح موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط ، وسياسة الخصوصية المنقحة .يمكنك تغيير إعدادات ملفات تعريف الارتباط من خلال متصفحك .
أوافق