بقلم الباحث هو تشون تشون-جامعة شنغهاي للدراسات الدولية، وبريده الإلكتروني: chunchun.hu@shisu.edu.cn
يُعتبر الصراع الروسي الأوكراني بلا شك أحد أخطر الصراعات الجيوسياسية في العالم منذ نهاية الحرب الباردة. وإذا استمر الصراع على هذا المنوال، لا يمكن استبعاد حدوث المزيد من التفاقم أو حتى احتمالية اندلاع حرب نووية. إذن ما هي السبل التي ينبغي على العالم المتحضر أن يدفع بها طرفي الصراع لإنهاء المواجهة المسلحة بأسرع ما يمكن؟
عقلية المحصلة الصفرية للحضارة الأوروبية الحديثة
إن تصرفات طرفي الصراع روسيا وأوكرانيا هي في الواقع استمرار لتاريخ ومنطق أوروبا منذ نهاية القرن التاسع عشر. ففي الحربين العالميتين الأولى والثانية قسمت أوروبا الدول القومية ومجموعات الدول كوحدات إلى معسكر الأعداء ومعسكر الأصدقاء، وحتى اللجوء إلى الحرب كوسيلة لتحقيق هيمنتها وهيمنة مجموعات الدول. كما كانت أوروبا أيضاً هي الساحة الرئيسية للحرب الباردة والتي شهد العالم خلالها أزمات كادت أن تحولها إلى حرب فعلية. أما المشاركون في الحرب من جهة منحوا أعمالهم سمة أخلاقية، ومن جهة أخرى اتهموا الخصوم بارتكاب جرائم حرب. ومن ناحية تُعد أوروبا منارة الحضارة الإنسانية الحديثة، ولكنها من ناحية أخرى تزج بالحضارة الإنسانية مراراً وتكراراً إلى شفا الانهيار والدمار، فالحضارة الأوروبية الرفيعة مصحوبة ببربرية مروعة، وترتدي عباءة مقدسة من القيم والمُثل المطلقة لا يمكن للحضارات خارج حدودها بالتشكيك فيها.
المشاكل الأوروبية تحتاج حلولاً أوروبية
أولاً وقبل كل شيء يعتبر الصراع الروسي الأوكراني مشكلة أوروبية، لذا "المشاكل الأوروبية تحتاج حلولاً أوروبية". في الآونة الأخيرة، ظهرت أصوات أوروبية باستمرار تدعو إلى "وجوب قيام الصين بالوساطة، وهي الوحيدة التي يمكنها التوسط في الصراع بين روسيا وأوكرانيا". ولكن إذا كانت أوروبا حقاً في حاجة لوساطة دول خارج منطقتها مثل الصين، فهل ستقبل أوروبا القيم الصينية الخاصة بأولوية السلام والوئام؟ هل تتوقع أوروبا تسوية سلام في حال قيام الصين بالوساطة، أم أنها تأمل أن الصين تقف إلى جانبها لمواصلة لعبة محصلتها صفر على النمط الأوربي؟
إن جوهر الصراع الروسي الأوكراني هو ليس المواجهة بين الحرية وعدم الحرية للبشرية جمعاء، وإنما هو ناتج عن منطق تاريخ الحضارة الأوربية الحديثة. ولا تملك أوروبا أي قوة لإجبار البشرية التي عانت الويلات وذاقت الآلام في القرن العشرين على مواجهة الخيار بين الحرب والسلام والبقاء والدمار مرة أخري.
الإطار الأمني لأوروبا ومسؤوليتها التاريخية في المستقبل
منذ العصر الحديث كان دائماً مركز الثقل لروسيا هو الجزء الأوروبي منها، وحتى بعد نهاية الحرب الباردة، ساهمت في إنشاء "منظمة الأمن والتعاون في أوروبا" للمشاركة في تأسيس نظام أمني جديد لأوروبا. ومع ذلك، لم يستجب حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوربي لطلب روسيا، بل واصلوا بغطرسة "نهاية التاريخ" الدفع بأجندتهم الخاصة وهي توسع الناتو باتجاه الشرق ، كما أن الاتحاد الأوربي يتوسع أيضاً. في السنوات الأخيرة، ابتعدت روسيا عن أوروبا أكثر فأكثر، وحلّ فكر المعارضة محل محاولات التقرب في السابق، بل وتصاعد إلى مواجهة. إن الصراع الروسي الأوكراني في الأساس هو فوهة بركان الصراع بين روسيا وبين أوروبا أو الغرب.
إن الإطار الأمني في أوروبا المستقبلي يجب أن يكون إطارًا يتضمن دولاً أوروبية وروسيا، وليس إطاراً تقوم فيه الدول الأوروبية بإقصاء روسيا والتعارض معها، فالنظام الأمني الأوربي إن لم يشمل روسيا يعني توقّف التاريخ بل وتقهقره. إذا اختارت دول الناتو والاتحاد الأوروبي حل المواجهة، فهناك مستقبل قاتم بانتظار أوروبا، وستُثقل أوروبا كاهل العالم بسبب اتباعها الأساليب القديمة للقرن التاسع عشر والقرن العشرين. وفي الأخير، مهما كان السلام باهظ التكاليف، فهو أفضل من خيالات الهيمنة والبطولية التي تفرض حتمية الفوز.