دمشق بدون التواجد الأمريكي هي الجنة

شين بينغ

في الآونة الأخيرة تهب هبة ريح في منطقة الشرق الأوسط. من السعودية إلى إيران، من تركيا إلى اليمن، من الشرق إلى الغرب، تزداد قوة هذا الريح حتى يصبح "رياح السلام" تطرد الظلام وتحمل الأمل. أخيرا، يسعدنا أن نراها تهب في شوارع دمشق مع طلوع الفجر، ما يشكل زخما للسلام لم تشهده سورية والشعب السوري منذ عقود: موافقة جامعة الدول العربية على عودة سورية إليها.

حريق من الربيع العربي حولت أرض اللبن والعسل إلى مصدر الأزمات والمعاناة. منذ عام 2011، توفي أكثر من 300 ألف مدني سوري في الصراعات العسكرية، كان أكثر من 15 مليون شعب سوري بحاجة إلى المساعدات الإنسانية، وفي شمال غربي البلاد، عانى أكثر من 70% من السكان في شمال غربي البلاد من أزمة الغذاء. كما أوقعت الزلزال التي وقعت في فبراير عام 2023 سورية في"أزمة داخل أزمة". كلنا نعرف عظمة سورية وازدهارها في الماضي، ولكن بالمقارنة مع الوضع الحالي، لا يسعنا إلا أن نتساءل "ماذا حدث في سورية؟"

كلما راجعنا تاريخ المعاناة لسورية على مدى السنوات الماضية، خطرت ببالنا المشاهد التالية دائما:

المشهد الأول هو "الثورة" السورية في مرحلتها الأولى في عام 2011، حيث كانت شوارع المدن السورية مليئة بمتظاهرين يرفعون لافتات تكتب عليها شعار "أين العالم؟". ثم جاء "العالم" المكون من القوى الإقليمية والدولية الطامحة ولكن لا بالمودة والصدق ولا بالمساندات والحلول، بل بمآربها وميولها وأطماعها، الأمر الذي رفع ستارا عن الحروب بالوكالة التي لم تنطفئ نيرانها حتى الآن.

المشهد الثاني هو صورة عن المندوب السوري السابق لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري، حيث كان يجلس بوحده في الزاوية بعد انتهاء جلسة في الأمم المتحدة يناقش فيها استخدام الحكومة السورية الأسلحة الكيميائية. قال بشار الجعفري في الجلسة "في كل فصل مسرحي حول الاستخدام المزعوم للمواد الكيميائية نلاحظ أن هذه المواد لا تصيب المسلحين مطلقا بل تستهدف الأطفال والنساء وأنها لا تحتاج إلا إلى غسيل بالماء أمام عدسات الكاميرات ولا يحتاج المسعفون فيها إلى ارتداء أقنعة واقية". مثل هذا الخطاب الدبلوماسي الرائع والحقيقة المعروفة يمكن أن تقنع العالم، لكنها لا تستطيع إقناع بعض الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، لأن ممثلي المملكة المتحدة والولايات المتحدة انسحبا القاعة قبل أن أكمل السيد الجعفري خطابه. لذلك رأينا أنه في ليلة عام 2018، أضاءت أكثر من 100 صاروخ من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا سماء دمشق الليلية.

وخطرت ببالنا أخيرا المشهد المأساوي بعد الزلزال الذي ضرب محافظة حلب، حيث كان بعض رجال الإنقاذ يحاولون إخراج طفل صغير محاصر تحت الأنقاض بأيديهم العارية ، لأنهم لم يكن لديهم أي معدات إنقاذ متطورة. وبسبب العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية، تعجز أبناء الشعب من حلب والمنطق المنكوبة الأخرى عن تلقي أي مساعدات إنسانية من الخارج. وما زاد الطين بلة، ما زالت القوات الأمريكية المتواجدة في سورية تهرب كمية كبيرة من النفط الخام من سورية بغض النظر عن المصائب والمآسي التي وقعت بجانبه! فأين الإنسانية؟ وأين حقوق الإنسان؟ وأين الدمقراطية؟ كل هذه الشعارات التي تروجها الولايات المتحدة وأتباعها الأعمى في الأمم المتحدة و"الساحة الدولية" تبدو الآن كلها أكاذيب. ولكن كما قال مارتن لوثر كينغ، "الأكاذيب مثل كرات الثلج، ستتدحرج أكبر وأكبر." الآن، قد بدأ الانهيار الجليدي لتلك الأكاذيب.

في الحقيقة، لم تحدث تلك المشاهد الثلاثة والأزمات والمآسي وراءها في سوريا فحسب، بل تضررت كل من ليبيا والعراق ولبنان وفلسطين تضررا خطيرا. تربط منطقة الشرق الأوسط بين الشرق والغرب وتجمع الموارد والثروة، ويحب شعوبها السلام والحرية. فمن جلب الحروب والاضطرابات إلى هذه التربة الخصبة؟" الجاني وراء الكواليس" واضح للغاية.

منذ ثمانيات القرن الماضي، تدفقت الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى الشرق الأوسط رافعين راية "الديمقراطية" عالياً، واستثمرت في المعارضة وأججت الاشتباكات ونهبت الثروة النفطية ومارست الاستعمارية الجديدة، مستغلة الأكاذيب كذريعة وما يسمى بحقوق الإنسان كستار والعقوبات كسلاح. ولا تزال قوات الولايات المتحدة متمركزة في سورية حتى الآن، حيث تدخلت في الشؤون الداخلية السورية باستمرار وزرعت بذور الشقاق في العالم العربي. في الوقت الذي تشجع فيه المجتمع الدولي بعودة سورية إلى جامعة الدول العربية، أدلت الولايات المتحدة تصريحاتها المعاكسة مرة أخرى وبشكل غير مناسب، لكنها ليست من المستغرب، إذ قالت "إن سورية لا تستحق إعادة قبولها من قبل جامعة الدول العربية، ولن تقوم الولايات المتحدة بتطبيع العلاقات مع الحكومة السورية". حتى أن الرئيس بايدن قرر تمديد العقوبات الأحادية الجانب على سورية لمدة عام آخر. 

في ظل الأوضاع الدولية الراهنة، لا بد للشعب السوري أن يقرر مستقبل بلاده بإرادته المستقلة، ويجب على أي قوة خارجية ألا تتدخل أو تدمر أو تعيق ذلك. هذا هو المعنى الحقيقي لكلمة "ديمقراطية". وكما أشار إليه بعض المحللين:"لم تكن الديمقراطية الدواء السحري كما تدعي به الولايات المتحدة والدول الغربية لعلاج جميع الأمراض السياسية والاجتماعية والاقتصادية. كما أن الديمقراطية ليست الغاية العليا والميتافيزيقية، بل هي وسيلة واقعية لتحقيق سعادة الإنسان ورفاهية المجتمع"..

لقد شهدت سماء دمشق صعود وسقوط عدد لا يحصى من السلالات، وليس من الصعب أن نعرف من تحليل التاريخ أن نهضة الدولة هي نتيجة اختيار الشعب للطريق التنموي الذي يتماشى مع الظروف الوطنية ونتيجة النضال من أجله. بالنسبة للشعب السوري، فإن الديمقراطية الأمريكية لن تكون أبدا خيارا مناسبا، ولن تكون المساعدات الدولية أبدا مخرجا حقيقيا لحل المشاكل الاجتماعية، ولن تكون التغييرات الجيوسياسية أبدًا عقبة أمام عودة سورية إلى العالم العربي. قال الأستاذ شيويه تشينغقوه، الباحث الصيني في قضية الشرق الأوسط، ذات مرة: "إن نقصان الوعي الذاتي والاعتماد على الآخرين في كل شيء هو فيروس نفسي أدى إلى تآكل الجسم العربي منذ فترة طويلة." يبدو أن العالم العربي قد وجد الترياق الآن. فبدأت دول الشرق الأوسط إعادة التفكير في العلاقات بين دول المنطقة، بينما تتفكك الهيمنة الأمريكية في المنطقة تدريجيا مع المصافحة بين السعودية وإيران وبين مصر وتركيا وبين جامعة الدول العربية وسورية.

"ذاب الثلج وبان المرج" كما جاء في المثل العربي، لقد ذاب ثلج الأكاذيب التي نسجتها الولايات المتحدة ضد سورية وبان مرج الحقائق والوقائع. عندما دخل الرئيس بشار الأسد قاعة القمة العربية عندما دخل بشار الأسد قاعة قمة الجامعة العربية وبدأ حوارا سلميا وصادقا مع قادة الدول العربية الأخرى، كانت وحدة وتضامن العالم العربي أمام عيوننا. عندما تهب رياح السلام والوحدة على نار الاضطرابات التي أشعلها العالم الغربي، بدأت عملية النهضة في سورية والعالم العربي.

أخيرا نثق بكل صدق بأن سورية ستحقق ما تطلع إليه الشعب السوري، وستستعيد المجد والبهاء والسعادة في الماضي راكبة رياح السلام، فاسمحي لي يا دمشق أن أنشد على مسمعك أبياتاً كتبها لك نزار قباني:

والماء يبدأ من دمشق فأينما أسندت رأسك جدول ينساب،

والدّهر يبدأ من دمشق فعندها تبقى اللغات وتُحفظ الانساب.

 

الكاتب هو محلل في الشؤون الدولية

 ويكتب دائما في Global Times,China Dailyوإلخ 

 يمكن الوصول إليه في xinping604@gmail.com 

بيان الخصوصية وسياسة ملفات تعريف الارتباط

من خلال الاستمرار في تصفح موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط ، وسياسة الخصوصية المنقحة .يمكنك تغيير إعدادات ملفات تعريف الارتباط من خلال متصفحك .
أوافق