الصين 2024

ما نقرؤه في وسائل الإعلام الغربية والمجلات الأكاديمية عن الوضع الحالي للاقتصاد الصيني لا يعكس حقيقة الاقتصاد الصيني. بالنسبة لأولئك الذين يعيشون في بلدان الشمال، يبدو أن الصين تعاني من أزمة ضخمة، مما يعني أن انهيار "نموذجها" ظهرت بوادره. وبالنسبة لهم، يعد هذا "درسا": يتعين على الصين أن تزيد من الدور الذي يؤديه الاستهلاك، ليحل محل النموذج القديم القائم على التصدير والاستثمار.

في الواقع، رأينا نموا اقتصاديا للصين بنسبة 5.2٪، بينما نمت الولايات المتحدة بنسبة 2.5 ٪ ، واليابان بنسبة 1.9 ٪ ، وفرنسا بنسبة 0.9 ٪ ، والمملكة المتحدة وألمانيا بنسبة -0.1 ٪. من حيث إنتاجية العمل، نمت الصين بنسبة 4.8٪ في عام 2023 ، مقارنة ب -0.7٪ للولايات المتحدة و -0.3٪ لألمانيا. وبشكل عام ، هذا يعني أن الصين، بالإضافة إلى تمتعها بالاستقلال التكنولوجي الكامل في العديد من القطاعات المتطورة ، تواصل خطواتها الواسعة للحاق بالاقتصادات الرئيسية في العالم.

والأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أننا لاحظنا أنه منذ عام 2020، تفوق أداء الاقتصاد الصيني باستمرار على المستوى المطلوب لتحقيق هدفه لعام 2035. وهذا يعني أن الصين قد تصل إلى مستوى التنمية الذي تريده قيادة البلاد قبل الموعد المحدد له. لذلك علينا أن نسأل: لماذا لم تنجح الصين فقط في الحفاظ على مستوى النمو المرجو، فمثلا خلقت 11 مليون وظيفة في المدن والبلدات عام 2021، ولكنها استمرت أيضا في كونها مصدرا للنمو والازدهار في بقية العالم، وخاصة في الجنوب العالمي؟ على سبيل المثال، في سبتمبر 2013، أطلق الرئيس الصيني شي جين بينغ استراتيجية "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير"، المعروف الآن باسم مبادرة الحزام والطريق. وحتى الآن، انضمت 154 دولة رسميا إلى المبادرة، وفي إطار المبادرة، استثمرت حوالي 1 تريليون دولار في جميع قارات العالم تقريبا.

وبعبارة أخرى، لا يشير الواقع إلى أن اقتصاد الصين دخل "لحظة تشيرنوبيل". وقد بالغ الناس في المشاكل التي ظهرت في قطاع العقارات. من الواضح أن الأزمة شبه المفاجئة في قطاع يشكل حوالي 30 في المائة من الاقتصاد ليست بالأمر الهين في بلد كبير مثل الصين. ولكن الواضح أيضا أنه لا يوجد بلد رأسمالي في العالم لديه القدرة على التخطيط لعملية التحول والانتقال في ظل التغيرات الهائلة التي طرأت على القطاعات الاقتصادية وأنظمة حقوق الملكية وسيكون من شأنها أن تعزز المشروع الصيني. 

من الأمثلة على هذا التحول زيادة القروض في القطاع الصناعي، وخاصة فيما يتعلق بالتكنولوجيا المتقدمة، في حين انخفضت الموارد المصرفية في قطاع العقارات نسبيا. وفقا لبنك الشعب الصيني، في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2018 ، ارتفعت القروض لقطاع البناء بنسبة 24.9٪ ، بينما نمت القروض الصناعية بنحو 5٪. وقد تغير هذا الوضع، ففي الربع الثالث من عام 2023 ، زادت فرص القطاع الصناعي في الحصول على القروض بنسبة 34.2٪ ، مقابل 4.8٪ للقطاع العقاري. وراء هذه الأرقام ، يمكننا أن نرى أنه في مواجهة البلطجة التجارية والتكنولوجية من قبل الولايات المتحدة ، تركز الصين على بناء السيادة التكنولوجية الكاملة.

رغم أن هذا التحول يواجه صعوبات بسبب الحجم الكبير لكنه سرع بناء محركات التنمية عالية الجودة لأن ذلك يعني توسع الخدمات العامة بما فيها سكك الحديد عالية السرعة وتوسع الاستثمارات الكبيرة الحجم التي مكنت الصين من الحفاظ على مكانة رائدة في الثورة الصناعية القائمة على أساس الطاقة المتجددة، وأيضا توسع عملية المدننة التي تتيح للمواطنين الاستمتاع بالمستشفيات المتطورة والمدارس الحديثة والخدمات الذكية وغيرها من الحقوق.

ستصبح هذه المحركات الجديدة للتنمية الاقتصادية أساسا لمفهوم"القوى الإنتاجية الجديدة" الذي طرحه الرئيس شي جين بينغ، والكثير من الناس سيسألون: هل هناك إمكانية الحفاظ على مستوى النمو المتفق مع حاجات الدولة؟ مثلا 5% للعام 2024، الذي أعلن رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشانغ عنه مؤخرا .

الجواب إيجابي. وهو ليس تفاءلا لمستقبل الاقتصاد الصيني بل وجهة نظر خاصة لمن يتابعون منذ عقود عملية بناء الأنظمة والآليات التي توجه تطور الاقتصاد إلى اتجاه متوقع.

تتجاهل الدول الغربية دائما نقاط القوة لدى الصين لتحقيق أهداف النمو والتوظيف، أولها أن الصين تتمتع بشبكة كبرى للإنتاج العام والمالية قوامها 96 مؤسسة مملوكة للدولة و144 هيئة مالية عامة. ثانيها أن الصين بدأت التخطيط الاقتصادي الجديد على أساس الاستخدام الواسع لتقنيات البيانات الضخمة والذكاء الاصصناعي والجيل الخامس.

أثق بأن الاقتصاد الصيني يستطيع الحفاظ على زخم نموها وسنرى في عام 2024 تطورا مستمرا لمحركات النمو القائمة على أساس القوى الإنتاجية الجديدة.

بيان الخصوصية وسياسة ملفات تعريف الارتباط

من خلال الاستمرار في تصفح موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط ، وسياسة الخصوصية المنقحة .يمكنك تغيير إعدادات ملفات تعريف الارتباط من خلال متصفحك .
أوافق