يعاني سكان القرى الحدودية جنوبي لبنان من أزمتي مياه وكهرباء تفاقمتا وبشكل ملحوظ خلال الأسابيع القليلة الماضية بسبب القصف الإسرائيلي الذي يطال وبشكل شبه يومي أعمدة الكهرباء وخطوط الضغط العالي ومحطات ضخ المياه في المنطقة الحدودية والمناطق المحاذية لها بجنوب لبنان، وفق مصادر أمنية لبنانية ومصادر في مؤسستي مياه لبنان الجنوبي وكهرباء لبنان.
وقالت المصادر الأمنية لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن عملية إصلاح الأعمدة الكهربائية أو خطوط الضغط العالي تستغرق عدة أيام بحيث يلزم ذلك، التمهيد من خلال اتصالات مع قوات اليونيفيل العاملة بجنوب لبنان والتي تجري بدورها اتصالات مع الجهات المعنية لضمان عدم التعرض لعمال الصيانة خلال عملهم بمواكبة من عناصر الجيش اللبناني واليونيفيل.
وقال مصدر مسؤول في مؤسسة مياه لبنان الجنوبي لـ((شينخوا)) "إن النقص في المياه جاء لعدم تمكن المؤسسة من تشغيل مضخات ضخ المياه في المشاريع المائية التي تعمل على الطاقة الكهربائية الخاضعة لتقنين قاسي نتيجة الأضرار بالشبكة ومحطات التوزيع".
وأضاف "كانت محطات الطاقة الشمسية والتي أقيمت عند المشاريع المائية تغطي النقص الحاصل في التيار الكهربائي لكن تعرضها للقصف الإسرائيلي بين فترة وأخرى تسبب في تعطلها بشكل كامل، وأصبحنا نعجز عن ضخ المياه مما تسبب في النقص الذي طال معظم المناطق بجنوب لبنان وخاصة المنطقة الحدودية".
من جهتها ذكرت مؤسسة كهرباء لبنان في بيان صادر عنها أن تعرض شبكات الكهرباء للقصف والنقص في مادة "الغاز أويل" الخارج عن إرادة المؤسسة تسبب في عطل عمل في معملي كهرباء الزهراني ودير عمار الرئيسيين مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن مناطق واسعة بجنوب لبنان.
وأضاف البيان أنه "أمام هذا النقص الهائل الحاصل في التيار الكهربائي عمدت المؤسسة احترازيا إلى إبقاء أولوية التغذية بالتيار الكهربائي للمرافق الحيوية الأساسية فقط، بانتظار وصول زيت الفيول وإصلاح ما عطله القصف الإسرائيلي لخطوط الضغط العالي وبعض محطات التغذية في المنطقة الحدودية لنتمكن بعدها من إعدة التيار بشكل تدريجي".
وتابع "هذا الانقطاع في التيار الكهربائي الخارج عن إرادة المؤسسة حد وبشكل كبير من عمليات ضخ المياه من المشاريع المائية والتي تعمل مضخاتها وبنسبة 80% على الطاقة الكهربائية، مما خلف أزمة مياه طالت نحو 60 بلدة حدودية و80 بلدة محاذية".
في حين أشار فريد زوين رئيس مكتب حاصببا شرق جنوب لبنان لـ ((شينخوا)) "إن انقطاع التغذية الكهربائية أوقف ضخ المياه لعدة مشاريع مياه رئيسية وأخرى فرعية التي تغذي قرى قضائي حاصبيا ومرجعيون والعرقوب والنبطية وبنت جبيل".
ويتواصل القصف المتبادل بين حزب الله والجيش الإسرائيلي عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية منذ الثامن من أكتوبر الماضي على خلفية الحرب الدائرة بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل في قطاع غزة، وسط مخاوف دولية من تصاعد المواجهات إلى حرب واسعة مدمرة.
من جانبه قال المواطن حامد بركة إن أزمة انقطاع المياه دفعت بنسبة كبيرة من المواطنين إلى شراء المياه المعبأة بالصهاريج، بتكلفة مرتفعة تفوق قدرات الكثير منهم أو التوجه إلى الينابيع و مجاري الأنهار لتعبئة المياه بالجالونات البلاستيكية.
وأضاف بركة "من المفارقات الغريبة أن بلدنا لبنان الغني بالينابيع والأنهار ومياه الأمطار في فصل الشتاء يتعرض سكانه ومع أية هزة لأزمة مياه خانقة تضاف لأزماتهم الاقتصادية الحادة المتفاقمة منذ حوالي أربع سنوات".
وقال "الا تكفي المواطن الجنوبي ضغوط الحرب الدائرة من حوله لتأتيه مشكلة انقطاع المياه والكهرباء ورفع رسم الاشتراك السنوي للمياه والذي اتخذته مؤسسة مياه لبنان الجنوبي، تحت ذريعة ارتفاع كلفة ضخ المياه".
وأضاف لبيب حاصبيا رئيس بلدية حاصبيا لـ ((شينخوا)) نتيجة لأزمة المياه الحادة الناتجة عن انقطاع التيار الكهربائي عمدت البلدية إلى تركيب مولد كهربائي مع خزان ديزل عند محطة الضخ في وادي الحاصباني تشغل لعدة ساعات يوميا مما أمن المياه وبنسبة مقبولة للسكان وللنازحين إلى بلدتنا من قرى العرقوب".
وأشار إلى أن البلدية "أصدرت تعميما للسكان بضرورة التقنين في استخدام المياه حتى نتجاوز هذه المرحلة الصعبة".
وناشد العديد من رؤساء البلديات عبر كتب رسمية وجهت للجهات الحكومية المسؤولة بضرورة "إعفاء أبناء القرى الحدودية من فواتير الكهرباء والهاتف والمياه للعامين 2023 و2024، بعدما تهدمت منازلهم وتوقفت أعمالهم وباتت نسبة كبيرة منهم بدون دخل".
وكانت مؤسسة مياه لبنان الجنوبي قد أشارت في بيان صادر عنها "إنها رفعت في الأول من أكتوبر عام 2023 تعرفة رسم الاشتراك السنوي للمياه من 3 ملايين و600 ألف ليرة لبنانية إلى 10 ملايين ليرة (للمتر المكعب الواحد)".
من جهته أوضح سليم غياض النازح من قرى العرقوب إلى مرجعيون وهو رب عائلة مؤلفة من 8 أفراد وعاطل عن العمل "إنه مضطر لشراء حمولة صهريج جرار زراعي من المياه أسبوعيا بسعر 25 دولارا أي حوالي 100 دولار شهريا وهذه كلفة مرتفعة بالنسبة لنا كمهجرين لا يمكن تحملها، ليضاف إلى ذلك فاتورة المولد الكهربائي الخاص والتي تتجاوز شهريا حدود 40 دولارا".
وقال رائد العيسمي صاحب صهريج في منطقة حاصبيا إن الحاجة للمياه في المناطق الحدودية بجنوب لبنان تحول إلى نعمة على أصحاب الصهاريج الذين نشطوا في تعبئة وبيع المياه بشكل كبير في حركة شبه دائمة.
وأضاف لـ ((شينخوا)) "بيع المياه بات مهنة مربحة تبدأ في أواخر فصل الربيع وتصل إلى الذروة مع انقطاع التيار الكهربائي ووقف الضخ من المشاريع المائية ليستمر الطلب على المياه حتى أواخر شهر نوفمبر".
وقال إن "سعر صهريج المياه سعة 10 براميل يتراوح بين 20 إلى 25 دولارا، بحسب المسافة بين مصدر المياه ومنزل الزبون".
ويبلغ عدد السكان القاطنين في المنطقة الحدودية من جنوب لبنان حوالي 133 ألفا و600 نسمة، وفق إحصائية لوزارة الداخلية اللبنانية، فيما نقلت تقارير عن مسؤول أممي أن التصعيد على الحدود بين لبنان وإسرائيل أدى إلى نزوح أكثر من 100 ألف شخص.