تعليق: فضح حقيقة استثمارات الولايات المتحدة ومساعداتها لإفريقيا

أعلن البيت الأبيض مؤخرا أن الرئيس جو بايدن أجل زيارته المقررة إلى ألمانيا وأنغولا في منتصف أكتوبر الجاري بسبب الإعصار. والزيارة إلى أنغولا هي وعد قطعه بايدن قبل أكثر من عام لزيارة إفريقيا، ومع بقاء أقل من ثلاثة أشهر على عمر ولايته واحتدام المعركة الانتخابية في بلاده، من غير المؤكد ما إذا كانت خطته لزيارة إفريقيا يمكن تنفيذها أخيرا. هذا يجعل الناس يعتقدون أن الولايات المتحدة قدمت العديد من الوعود لإفريقيا، لكن الكثير منها أصبح "وعودا فارغة".

وعلى مدى نصف قرن مضى، خضع موقف الحكومة الأمريكية تجاه إفريقيا لإيلاء أهمية للقارة وتجاهلها، ثم إعادة إيلائها أهمية وفقا لتطور الوضع العالمي.

وفي مايو 2000، وقع الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون على قانون النمو والفرص في إفريقيا (أغوا) الذي وسع انفتاح السوق الأمريكية على إفريقيا ونظام الأفضليات المعمم، وخفض التعريفات الجمركية على واردات المنسوجات والمعادن والمنتجات الزراعية الإفريقية. ومنذ ذلك الحين، أدخلت الولايات المتحدة عددا من التعديلات على قانون أغوا لزيادة توسيع انفتاح السوق على إفريقيا.

ومع ذلك، "لا يوجد شيء اسمه غداء مجاني"، يجعل هذا القانون الولايات المتحدة أكثر "ربحية". فمن ناحية، تتركز صادرات إفريقيا إلى الولايات المتحدة في ظل شروط قانون أغوا أساسا في عدد قليل من الصناعات وعدد قليل من البلدان، مما لا يفي بافتراض "الأفضليات المعممة" المنصوص عليه. ومن ناحية أخرى، أوجدت الترتيبات ذات الصلة تيسيرا مؤسسيا لزيادة الواردات الأمريكية من النفط والغاز والموارد المعدنية المهمة من القارة السمراء، وتعزيز تصدير المنتجات الأمريكية إلى إفريقيا، وتسهيل الاستثمار في هذه القارة في مجالات عديدة مثل الطاقة.

وفضلا عن ذلك، قد فرضت "المعاملة التفضيلية" التي تقدمها الولايات المتحدة إلى قانون النمو والفرص في إفريقيا شروطا سياسية كثيرة، وكثيرا ما ضربت البلدان الإفريقية وهددتها باستبعاد الأفضليات التجارية، ما جعلها في وضع غير مؤات.

وبالمقارنة مع قانون أغوا، أصبح الساسة الأمريكيون الآن أكثر حماسا للتباهي بمشروع جديد - "ممر لوبيتو" عند الحديث عن الاستثمار في إفريقيا. وهي تقع في أنغولا، حيث كان الرئيس بايدن يخطط لزيارتها.

في قمة مجموعة السبع في مايو 2023، طرحت الولايات المتحدة وحلفاؤها لأول مرة خطة بناء "ممر لوبيتو" التي تشير بشكل أساسي إلى شبكة السكك الحديدية التي تربط بين أنغولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا. ووصفها بايدن بأنها "أكبر استثمار للسكك الحديدية على الإطلاق في إفريقيا".

في الواقع، "ممر لوبيتو" ليس مفهوما جديدا. وفي وقت مبكر من بداية القرن العشرين، تم بناء السكك الحديدية الرئيسية من قبل المستعمرين البرتغال وكان قيد الاستخدام حتى سبعينيات  القرن الماضي. وبالإضافة إلى ذلك، يتزامن المسار الذي تم تجديده لما يسمى بـ"ممر لوبيتو"  تقريبا مع سكة حديد بنغويلا، التي بنتها الصين. حيث تعتبر محاولة الولايات المتحدة لتجميع "ممر لوبيتو"مساهمة منها وأوروبا في دعم البنية التحتية لإفريقيا مخالفا تماما للحقائق، نظرا لأن هيكلها العظمي الأساسي قد تم بناؤه بالفعل، وأن الصين هي أكبر مساهم يستحق الاسم. وذكر الموقع الرسمي لـ"ممر لوبيتو" أيضا : "إذا لم تستثمر الصين مليارات الدولارات لإعادة بناء سكة حديد بنغويلا وتوسيع ميناء لوبيتو، فلن يكون ممر لوبيتو على ما هو عليه اليوم."

لماذا تعلق الولايات المتحدة أهمية كبيرة على هذا الممر؟ لأنه يمر عبر حزام النحاس والكوبالت الأكثر شهرة في إفريقيا، والذي يحتوي على 80٪ من احتياطيات خام الكوبالت في العالم، و25٪ من احتياطيات خام النحاس وعدد كبير من الرواسب المعدنية الأرضية النادرة. ولفتت مجلة "فورين أفيرز" في مقال لها إلى أن الولايات المتحدة لا تستطيع الانتظار للحصول على جزء من صناعة المعادن الحرجة في إفريقيا.

تدعي الولايات المتحدة أنها "أكبر دولة تقدم مساعدات للعالم" وتقدم مجموعة واسعة من المساعدات لإفريقيا. في وقت مبكر من القمة الأمريكية الإفريقية في ديسمبر 2022، تعهدت الحكومة الأمريكية بتقديم 55 مليار دولار لدعم أجندة الاتحاد الإفريقي 2063. ومع ذلك، سيكون من الخطأ الاعتقاد بأن هذه الأرقام المعلنة تمثل فوائد تقع بالفعل على عاتق شعوب إفريقيا، نظرا لأن المساعدات هي في الأساس "مساعدات ناعمة"، تم تخصيصها لتمويل مختلف الدورات التدريبية والندوات والمنظمات غير الحكومية الأمريكية وما إلى ذلك، حتى قدمت بعضها لدعم الفصائل المناهضة للحكومات الإفريقية. وهذا النوع من المساعدات لا يضر باستقرار المجتمع المحلي وتنميته فحسب، بل إنه يعطل أيضا النظام الداخلي لبعض البلدان الإفريقية.

إن النوايا السياسية تفوق الأهداف الاقتصادية، مما يجعل المساعدات الأمريكية لإفريقيا أشبه بـ"طلاء الخبز لإطعام الجوع". وسواء بدا الأمر وكأنه قدر كبير من المساعدات أو استثمار رفيع المستوى على ما يبدو، فإن معظمها عبارة عن عروض سياسية تهدف إلى تعظيم مصالح الولايات المتحدة الخاصة. وتحت عباءة "الاستثمار" و"المساعدات"، تسعى واشنطن للهيمنة والبلطجة في محاولة للحفاظ على نفوذها في إفريقيا، وستفقد بلا شك ثقة الشعوب الإفريقية ودعمها في النهاية.

بيان الخصوصية وسياسة ملفات تعريف الارتباط

من خلال الاستمرار في تصفح موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط ، وسياسة الخصوصية المنقحة .يمكنك تغيير إعدادات ملفات تعريف الارتباط من خلال متصفحك .
أوافق