التغيرات التي طرأت على ملامح مدينة بكين من حكاية شيخ بكيني

يعيش الشيخ تانغ يوان تشينغ في زقاق تساو تشانغ بالشارع الشرقي بقرب برج قو لوو ( برج الطبل) من مدينة بكين ، رغم أنه كبير في السن ، إلا أنه ما زال يعيش حياة مريحة : يتمشى مع كلبه في الصباح الباكر كل يوم، ثم يذهب الى مطعم هو قوه سي لتناول وجبات الفطور المتميزة بخصائص بكين القديمة، بعد الظهر، ينقل كرسيا مصنوعا من الخيزيران الى حافة الدار الرباعي ويجلس تحت ضوء الشمس....... بعد العيش في هذا الدار الرباعي الذي يبعد عن برج قو لوه (برج الطبل ) بعشرين أو ثلاثين مترا لمدة تجاوزت عشرات سنين، يرى السيد تشانغ يوان تشينغ البالغ 62 عاما من العمر أن أيام الراحة والهدوء هي السعادة بكل معناها طوال حياته .

في الواقع أنه من الصعب العثور على حي سكني هادئ مثل حي قو لوه الذي يسكن فيه السيد تشانغ يوان تشينغ داخل مدينة بكين التي توجد فيها المباني الشاهقة بصورة كثيفة ويشهد أيقاع الحياة سرعة هائلة .مواكبا التنمية الاقتصادية السريعة وعملية إعادة بناء بكين القديمة ، تحل المباني الشامخة المنسقة محل الديار الرباعية المبنية من الطوب والبلاط رمادي اللون ، الى جانب اختفاء أنماط الحياة التقليدية المفضلة لدي أبناء بكين . في هذا الصدد، وأعرب تشانغ يوان تشينغ عن إحباطه ويأسه ازاء هذه التغيرات:

" قدوم الأجانب إلى بكين، ليس من أجل رؤية المباني الشاهقة ، بل لمعرفة ثقافة بكين القديمة، اذا حولنا ملامح بكين الى الأشكال الغربية ،فذلك لا معنى له. فأعتقد أنه يتعين الحفاظ على أشكال بكين الأصلية ، وترك عملية الهدم والازالة ".

يمثل رأي تشانغ يوان تشينغ أرضية مشتركة توصلت اليها حكومة بلدية بكين وأبناء بكين .باعتبارها مدينة قديمة عريقة يرجع تاريخها الى ما قبل أكثر من 3000 سنة ، تتمتع بكين بالتراث الثقافي الوفير والفريد من نوعه، بما في ذلك، العمارات القديمة المتركزة على المحور المتوسط للمدينة والذي يبلغ طوله 7،8 كيلومترات . وتسمى هذه العمارات ب"المعجزة في التاريخ العالمي حول المباني: مثل المدينة المحرمة والمعبد السماوي وحديقة بي هاي وبرج قو لوه ( أي برج الطبل ) وغيرها .

ومن أجل حماية التراث الثقافي العالمي ، حددت حكومة بلدة بكين منطقة " الحزام العازل " التي تحتل مساحتها 1377 هكتارا مربعا ، وعلاوة على ذلك ، تعمل أيضا على تحسين البنية التحتية وتقليل عدد السكان ورفع مستوى معيشة الشعب.

زقاق تساو تشانغ الذي يسكن فيه تشانغ يوان تشينغ يبعد عن برج قو لوه (برج الطبل) بعشرات ألأمتار، فمن الطبيعي إدراجه ضمن نطاق المنطقة العازلة. بالرغم من أن الحياة في الزقاق لم يكن مرغوبا فيها عند طفولته ، أما الآن، فتشهد البنية التحتية مثل الصرف الصحي ومصابيح الشوارع وغيرها تحسنا تدريجيا، ومستوى معيشة السكان ترتفع بشكل واضح . وقال تشانغ يوان تشينغ :

"الآن تستخدم التدفئة الكهربائية. يقدم الوطن دعما ماليا سنويا لنا وخاصة المسرحون ، وتجدر الإشارة الى أنه من الساعة العاشرة مساء الى الساعة السادسة صباحا من اليوم التالي، يكون سعر الكهرباء أرخص. وهذا أمر جيد، والآن أصبح الهواء أفضل من الأيام الماضية ".

يرى السيد تشو جي الأستاذ المساعد بجامعة الغابات الصينية الذي يمارس بحوث التخطيط الحضري لسنوات يرى أن حماية مواقع الأثرية التاريخية والثقافية ينبغي فيها اتباع المبادئ الرئيسية الثلاثة المتمثلة في الحماية والتجديد والتنمية . ونظرا الى أن عملية التوسع الحضري في الصين قصيرة وعملية البناء مكثفة ، فتظهر التناقضات الواضحة بين حماية التراث الثقافي والبناء الحضري، فقال إنه من الأفضل الاستيعاب والاستفادة من نجاح المدن الأوروبية في هذا المجال:

" هناك أمثلة كثيرة يتعين علينا الاستفادة منه من المدن الأوروبية والأمريكية مثل باريس ولندن وميونيخ ونيويورك وبوسطن. وعلى سبيل المثال ، إنه من أجل الحفاظ على الملامح التاريخية لباريس، تم الحفاظ على جميع المظاهر الخارجية الاصلية للشوارع والمباني ، واجراء إصلاح واعادة البناء من الداخل وفقا لاحتياجات البناء الحديث ، فتبدو الملامح من الأصل من الشكل واللون . ، وأعتقد أن بكين يمكن أيضا استخدام هذا الأسلوب كمرجعة ".

لم يحافظ التحول العقلاني على الخصائص القديمة لمدينة بكين فحسب ، بل يحسن أيضا حياة السكان المحليين ، ولكن بكين هي مدينة دولية حديثة على كل حال ، فرغم أن المباني القديمة داخل الأزقة قد تم الحفاظ عليها ، الا أن الهدوء والراحة فيها لم تعد موجودة . وبالعكس ، ظهرت مشاكل بشكل متزايد مع التنمية التجارية مثل الاختناقات المرورية، والازعاج والضوضاء وغيرها من القضايا البارزة. ويرى السيد تشو تشى أن حل هذه المشكلة يحتاج الى اتخاذ اجراءت من الجهات المعنية من جهة، وتغيير وعي الجماهير من جهة أخرى ، مثل الاستعانة بوسائل النقل العام ، بغية تقديم مساهمة في حماية الآثار التاريخية .

تؤدى التنمية الاقتصادية ورفع وعي الإنتاج الى سعي الناس وراء تحسين حياتهم المعيشية ، ولم تتمكن الأزقة التقليدية الضيقة من أن تتحمل الضغوط الضخمة الناجمة عن المواصلات ، وبالنسبة الى المواطن العادي ، فإذا أدرت أن تعيش في بيئة مريحة وهادئة ، فلا بد أن تغير مفهومك أولا ، مثل استخدام وسائل النقل العام، وذلك يمكن أن يفسح آفاقا أوسع" .

في أية مدينة حديثة دولية ، أصبحت حماية المدينة القديمة وعملية إعادة البناء مشكلة تناقضات، كيفية تسريع خطوات اعادة البناء مع حماية الآثار التاريخية في آن واحد تعد قضية تحتاج الى حكمة الحكام وتضحيات بالمصالح الخاصة .

وطالما الأمر كذلك، يمكن تحقيق الاندماج والانسجام بين الملامح التاريخية والوظائف الحديثة في مدينة بكين .