تنغتشونغ تفترش الجنكة وتتزين باليشم

تنغتشونغ مدينة صغيرة على مستوى المحافظة في منطقة نائية بغربي مقاطعة يوننان، تحمل لقب "ناحية المهاجرين المشهورة" و"ملتقى طرق الحرير بجنوب غربي الصين في العصر القديم" و"حديقة الحرارة الجوفية" و"أكبر مركز تسوق للمجوهرات واليشم في الصين". تنغتشونغ ليست بعيدة عن ليجيانغ ودالي، المدينتين السياحيتين المشهورتين بمقاطعة يوننان، إلا أن شهرتها ليست مثلهما لسببين: الأول، أن اقتصادها الذي يعتمد على التصنيع الأولي لليشم جعل أبناءها يعيشون في حياة غنية، فلم تهتم المدينة بتنمية صناعة السياحة؛ الثاني، أن مواصلاتها ليست سهلة، فلا تصل إليها السكك الحديدية والطرق السريعة. قبل تشغيل مطار توفنغ بمدينة تنغتشونغ، كانت الرحلة بالباص من كونمينغ، حاضرة مقاطعة يوننان، إلى تنغتشونغ تستغرق حوالي عشر ساعات. بعد تشغيل مطار توفنغ سنة 2009، صارت الرحلة بالطائرة بين المدينتين خمسين دقيقة فقط، طفق كثير من الناس يعرفون تنغتشونغ، وجذب بركانها وينابيعها الحارة ويشمها أنظار السياح. ويعتقد كثيرون أن تنغتشونغ منطقة جميلة لقضاء العطلات، حيث التجول في شوارع ممهدة بالبلاط الصخري والاستراحة تحت الشمس نهارا والاستمتاع بمياه الينابيع الحارة تحت السماء المتلألئة. تجذب هذه المدينة سكان معظم الصين في فصل الشتاء البارد.

^{بلدة خشون}

تبعد بلدة خشون القديمة عن حاضرة تنغتشون ثلاثة كيلومترات. هذه البلدة تختلف عن البلدات القديمة الأخرى، لأنها خالية من الضجيج والصخب التجاري وتحتفظ بسماتها الثقافية وبيئتها الهادئة. في خشون، لا بد أن تتمتع بحياة المحليين المريحة، إضافة إلى زيارة المناظر السياحية ومشاهدة البنايات المحلية المميزة.

يمر بالبلدة نهر، معبد الأسلاف والقوس التذكاري والبيت المبني بالقرميد على جانب النهر كلها تظهر ما كانت عليه البلدة من الازدهار وثقافتها. يعيش في خشون أكثر من ألف وثلاثمائة أسرة. وقد هاجر أكثر من نصف سكانها إلى ميانمار والهند وسنغافورة والولايات المتحدة الأمريكية واليابان وكندا وغيرها من أكثر من عشر دول. تأسست مكتبة خشون في سنة 1938 باستثمار من المغتربين الصينيين، ويبلغ عدد الكتب فيها أكثر من سبعين ألف نسخة، من بينها عشرة آلاف مؤلف قديم ونادر، ولذلك تعتبر أكبر مكتبة ريفية في الصين.

على شاطئ النهر مقصورة لغسل الملابس والخضراوات والراحة ومشاهدة المناظر على جانب النهر الآخر. يقال إن هذه المقصورة بناها الرجال من أبناء خشون العاملين خارجها لزوجاتهم كي لا يتعرضن للشمس والرياح عندما يغسلن الملابس، وحتى يجسدوا حنينهم لهن.

خشون ليست كبيرة، فلا تحتاج إلى خريطة وأنت تتجول فيها. إذا داهمك التعب، يمكنك أن تستريح على درجة سلم أمام أي دار. وقد قال عجوز من القرية إن ثمة تقليدا محليا قديما يقضي بأن يشق من يكسب أموالا وافرة طريقا للبلدة، ومن يصلح طرقا أكثر، تشعر أسرته بشرف أكثر. لم أجد طريقا ترابيا في البلدة كلها وإنما شوارع ممهدة بالبلاط الصخري. لا تضل الطريق هنا أبدا، فكل الناس متحمسين لإرشادك إلى الطريق الصحيح. لم أجد منطقة سياحية مميزة في خشون فقط، بل مازلت أذكر بوضوح كل الأركان والطنوف والبلاط الصخري فيها. ولكن خشون تتغير تدريجيا حاليا، فقد افتتحت محلات لبيع اليشم في شارع تجاري عند مدخل البلدة، وأقيمت في بيوت المحليين النُزُل والمقاهي والحانات. التطور السياحي في البلدة دفع شهرة خشون وغيرها تدريجيا أيضا. البراكين وحديقة الحرارة الجوفية تقع تنغتشونغ جوبولوجيا في ملتقى اللوح الأوراسي واللوح الهندي، وتكثر فيها حركات القشرة الأرضية مما يجعلها كثيرة البراكين، حيث يوجد فيها تسعة وتسعون بركانا. إضافة إلى ذلك، موارد الحرارة الجوفية في تنغتشونغ وافرة، حيث يوجد فيها ثمانية وثمانون نبع ماء طبيعي، وتعتبر تنغتشونغ المنطقة الوحيدة في بر الصين الرئيسي التي تجمع بين البراكين والحرارة الجوفية.

وسائل المواصلات من حاضرة تنغتشونغ إلى حديقة البراكين وقرية ينغشينغ ووادي ينغهوا (الكرز الشرقي) هي سيارات الأجرة والسيارات الخاصة. حديقة تنغتشونغ الوطنية للبراكين تضم جبل داكونغ وجبل شياوكونغ والصخور العمودية ونهر الأسماك السوداء وغيرها من المناطق السياحية. يمكن مشاهدة مناظر داكونغ في الصباح من منطاد الهواء الساخن. الأشجار على جبل شياوكونغ كثيفة. إذا نزلتَ من قمة الجبل إلى قاع فوهة البركان التي يصل عمقها إلى سبعة وأربعين مترا، فيمكنك أن ترى صخورا كثيرة في كل مكان، وتأخذ بعضها فستجدها خفيفة للغاية.

الصخور العمودية صخور طبيعية، وقال البعض إنها تشكلت من صخور مصهورة بعد الانفجارات البركانية، ولكن ليس لكل بركان صخور عمودية.

نهر الأسماك السوداء كان نهرا جوفيا تحت الأرض، سدت المصهورات مجراه القديم بعد الحركات البركانية فانساب إلى سطح الأرض. يقال إن آلاف الأسماك السوداء الصغيرة تخرج من مخرج النهر في الصيف والخريف كل سنة، هذه الأسماك تأكل الحشرات الصغيرة والأسماك الأصغر منها تحت الأرض، بعد الخروج من تحت الأرض، تكبر هذه الأسماك في أقل من عشرة أيام بفضل ضوء الشمس والأطعمة الغزيرة. يشوي المحليون هذه الأسماك اللذيذة. نهر الأسماك السوداء أكبر نبع منخفض الحرارة في تنغتشونغ، ومياهه معدنية طبيعية عالية الجودة.

تقع حديقة الحرارة الجوفية في جنوب غربي حاضرة تنغتشونغ، مساحتها تسعة كيلومترات. هذه المنطقة السياحية عبارة عن واد يضم أربعة عشر نبع ماء حار تصل حرارتها إلى تسعين درجة مئوية. ما إن تدخل هذه المنطقة، حتى تشم رائحة الكبريت.

هناك مناظر أخرى مثل شلال ديشيويخه: ينبع من نهر داينغ. يتكون من جزأين، تنزل مياهه من قمة عالية إلى واد ثم تتدافع إلى الأمام. وأرض بيهاي الرطبة: تقع في شمال غربي تنغتشونغ، تبعد عن حاضرة تنغتشونغ ٥ر١٢ كيلومترا، تعتبر واحدة من ٣٣ منطقة أرض رطبة هامة على مستوى الدولة، وهي منطقة الأرض الرطبة المحمية الوحيدة على المستوى الوطني في يوننان. تحيط الجبال بأرض بيهاي الرطبة من الجهات الأربع، وتعيش فيها كثير من الطيور. الفترة بين إبريل إلى يونيو هي أفضل موسم لزيارة هذه المنطقة، حيث تتفتح الزهور المتنوعة والملونة وتشكل صورة طبيعية جميلة.

ووادي ينغهوا (الكرز الشرقي) يقع في قرية شوانغبوه بناحية بيهاي، يبعد عن مركز تنغتشونغ ستة وعشرين كيلومترا، متوسط درجة الحرارة السنوي فيه ست عشرة درجة مئوية، وهواؤه رطب دائما. يشتهر هذا الوادي بالينابيع الطبيعية، وفيه غابة عذراء وشلالات متنوعة الأشكال وأنهار وصخور عجيبة. أفضل فترة لمشاهدة الكرز الشرقي فيه تكون في شهري مارس وإبريل.

أطعمة تنغتشونغ مالحة نسبيا، فإذا كنت تفضل الملح الخفيف عليك أن تنبه الطباخ. وحول المنتجات المحلية فإن معظم محلات تنغتشونغ تبيع اليشم والمنحوتات الخشبية. يذكر أن اليشم يأتي من ميانمار إلى مقاطعة يوننان، وينال إقبالا كبيرا من الناس. ويقال إن أبناء تنغتشونغ هم الذين اكتشفوا، قبل غيرهم، القيمة التجارية لليشم، وبدأوا معالجة اليشم قبل ستمائة سنة. الآن، تنغتشونغ أهم مركز لتسويق ومعالجة اليشم في جنوب شرقي آسيا. في تنغتشونغ موارد الغابات وفيرة وأخشاب متنوعة وعالية الجودة، فيفضل أبناؤها النوافد والآثاث الخشبي منذ زمن طويل، مما شكل فن النحت الخشبي المميز فيها. مع تقدم المهارة، انتشر النحت على جذور الشجر والذي شهد مع النحت الخشبي تطورا ملموسا في السنوات الأخيرة، وشكلا صناعة محلية جديدة.