الحقول المدرجة في محافظة يوانيانغ بجنوب يوننان

الحقول المدرجة

في استطلاع للرأي اختار هواة السفر والترحال الصينيون سبعة عشر مزارا سياحيا، على رأسها محافظة يوانيانغ، الواقعة في ولاية هونغخه الذاتية الحكم لقوميتي هاني ويي بجنوب يوننان. في فصل الشتاء يكسو الضباب هذه المحافظة ولا يمكن رؤية أشعة الشمس. ومن أشهر معالم يوانيانغ الحقول المدرجة، التي تظهر حينا وتختفي حينا آخر بين الضباب. تقع يوانيانغ في أعماق جبل آيلاو، ويعيش أبناء قومية هاني جيلا بعد جيل في القرى المحيطة بها. وهم يخرجون من قراهم قليلا إلى بلدة يوانيانغ لشراء ما يلزمهم من البضائع، وبعد ذلك يعودون إلى أعماق الجبل، ليواصلوا حياتهم الهادئة.

تشتهر يوانيانغ بالحقول المدرجة التي يشكلها أبناء قومية هاني، وهي عبارة عن طبقات متتالية من الحقول الأفقية التي تؤدي إلى السماء في جبال يبلغ ارتفاعها عن مستوى سطح البحر بين 144 و2000 متر، وتشكل منظرا مهيبا. يقول أبناء قومية هاني إنهم يشكلون الحقول المدرجة في كل الجبال مهما كانت منخفضة أو عالية. وحسب قول مسئول في مصلحة السياحة بالمحافظة، يأتي عدد كبير من السياح الأجانب إلى هنا وكثير منهم لا يصدقون أن أبناء قومية هاني شكلوا هذه الحقول المدرجة في الجبال العالية باستخدام معزقة، فتلك الحقول المدرجة، في رأيهم، لا تقل روعة عن سور الصين العظيم وأهرامات مصر.

ولكن السجلات التاريخية تذكر أن تاريخ بناء الحقول المدرجة يرجع إلى ما قبل 1300 عام، وقد توصل أبناء المكان إلى منظومة زراعية تشمل اختيار الحقول والوقت المناسبة للحرث والزراعة الخ. وقبل نصف قرن كان مردود المو الواحد (الهكتار الواحد يساوي 15 مو) من الأرز في الحقول المدرجة في يوانيانغ بين 100 و150 كيلوغراما، و300 كيلوغرام أحيانا، وهو نفس مردود المو الواحد من الأرز في بعض مناطق السهول حاليا. يوانيانغ من المحافظات الرئيسية لإنتاج الحبوب في يوننان برغم تضاريسها المعقدة التي تشمل الجبال العالية والأودية العميقة والغابات رئيسيا، وفي الفترة من ستينيات إلى سبعينيات القرن الماضي كانت يوانيانغ تساعد المناطق الداخلية التي تعاني نقصا في الحبوب الغذائية في ذلك الوقت، وتلك أعجوبة حقا.

الفضل في ارتفاع إنتاجية الأرز في الحقول المدرجة يرجع إلى نظام استخدام المياه الذي ابتكره أبناء هاني، الذين لا تنقصهم المياه بفضل المطر الغزير في منطقة جبل آيلاو ذات المناخ المناسب والغطاء النباتي الكثيف. ولكن كيفية توصيل المياه إلى كل طبقة من الحقول المدرجة تحتاج إلى مهارة. ابتكر أبناء قومية هاني أسلوبا لإدارة مصادر المياه، يسمونه شويموكه، حيث يحفرون درجات مختلفة على ألواح خشبية حسب نصيب كل أسرة، ويضعونها في مداخل سير المياه لكل الحقول المدرجة، وعندما يصل مستوى المياه إلى الدرجات المحددة، تغلق مداخل سير المياه، هكذا يضمنون تزويد كل الحقول المدرجة بالمياه الكافية باستخدام هذا الأسلوب العادل والمعقول والعلمي في توزيع المياه.

الحقول المدرجة

تبلغ مساحة الحقول المدرجة في ولاية هونغخه لقوميتي هاني ويي أكثر من مليون مو حاليا. وفي يوانيانغ يوجد أكثر من 300 ألف مو من الحقول المدرجة. يقول شي جيون تشاو، المتخصص في بحوث ثقافة قومية هاني: يعيش كل فرد من أبناء قومية هاني طول حياته مع الحقول المدرجة، وقد شكلت هذه الطريقة في الحياة ثقافة الحقول المدرجة الخاصة بهم، ومن أبرز سمات هذه الثقافة تقاليد التسمية لديهم. بعد ولادة الذكر يقيمون مراسيم بناء الحقول المدرجة، ويرسمون على أرض باحة الدار ترابيع ترمز إلى الحقول المدرجة، ويأخذ الطفل معزقة صغيرة، ويقدم عرض بناء الحقول المدرجة فوق هذه الترابيع. وبعد ولادة الأثنى يقيمون لها مراسيم العمل في الحقول المدرجة، ويرسمون نفس الترابيع التي ترمز إلى الحقول المدرجة على أرض باحة الدار، وتحمل الطفلة سلة صغيرة، وتقدم عرض العمل في الحقول المدرجة. بعد القيام بهذه المراسيم تتم تسمية الطفل الجديد، ويصبح واحدا من أبناء القرية رسميا. ويدفن أبناء هاني موتاهم في منحدرات بجانب الحقول المدرجة، اعتقادا منهم بأن الميت يحرس الحقول المدرجة في العالم الآخر.

محلات الإكسسوارات الفضية في بلدة يوانيانغ هي أكثر الأماكن تفضيلا للصبايا من قومية هاني. وتعد ملابس أبناء هاني الأكثر أناقة وبساطة بين الأقليات القومية الأخرى في جنوب يوننان. يفضل الهانيون الملابس الزرقاء القاتمة، وتعتبر الإكسسوارات الفضية أجمل زينة للفتيات.

واحد من أصحاب محلات الإكسسوارات الفضية في البلدة يقول إن هذه الإكسسوارات الفضية قد تكون زينة عادية للملابس بالنسبة لأبناء قومية هان الذين يمثلون غالبية سكان الصين، ولكنها ذات مضمون ثقافي وافر بالنسبة لأبناء الأقليات القومية في يوننان.

الحقول المدرجة

ويوننان مشهورة تاريخيا بإنتاج الإكسسوارات الفضية، ويقال إن عدد مصانع الإكسسوارات الفضية بها في زمن الإمبراطور كانغ شي (1662م-1723م) في أسرة تشينغ وصل 19، وكانت يوننان هي أكثر إقليم في الصين يقدم ضريبة للبلاط. كان جنوب يوننان، قديما، غنيا وكان مركزا للتجارة داخل الصين وخارجها بفضل موارد الأحياء والمنتجات المعدنية والطاقة المائية الخ، وكان طريق تشاما (الشاي والخيل) وطريق الحرير يمران به. وكان ينتج معظم احتياجات المناطق الداخلية من الخشب والمعادن. في عصور الصين القديمة، وخاصة في أسرتي مينغ وتشينغ (1368م-1911م) كانت العملة الفضية هي العملة الرئيسية المتداولة، ولكنها ليست العملة الرئيسية المتداولة في العصر الحديث، واستخدمها أبناء قومية هاني في صنع الإكسسوارات الفضية، واتخذوها رمزا لثراء الأسرة، بسبب حياة الانعزال والاكتفاء الذاتي وتداول البضائع القليل خلال مدة طويلة. ومازالت نساء هاني محتفظات بهذا التقليد حتى الآن، حيث أن صنع الإكسسوارات باستخدام العملة الفضية هو الهواية المفضلة لديهن أكثر، وفي نفس الوقت تجارة الإكسسوارات الفضية هي الأكثر ربحا.

كل يوم تقريبا يأخذ بعض الزبائن عدة عشرات القطع من العملات الفضية إلى المحلات، ويطلبون من أصحابها أن يصنعوا منها مجوهرات مثل الأزرار الملابس والعقد وغيرهما باستخدام هذه العملات الفضية. تضع نساء قومية هاني الإكسسوارات الفضية التي تحملها طبقة فوق طبقة، على شكل الحقول المدرجة، وفي نفس الوقت تعكس الرسوم على هذه الإكسسوارات الفضية ومنها سرطان البحر والمحار والعجلة المائية الخ عبادة هذه القومية التي يعيش أبناؤها في منطقة جبلية، للمياه.

في بلدة يوانيانغ يمكن أن تجد إكسسوارات فضية قديمة مصنوعة في فترة أسرة تشينغ (1644م-1911م) وفترة جمهورية الصين الوطنية (1912م-1949م) ودائما يأخذ أبناء قومية هاني هذه التحف الثمينة المتوارثة إلى محلات الإكسسوارات الفضية لتلميعها عن طريق الصقل، ومنهم عجوز حملت إلى محل للإكسسوارات الفضية خاتما قديما مسكوكا باستخدام العملة الفضية الفرنسية لعام 1924.

قومية هاني واحدة من الأقليات القومية الصينية التي يزيد عدد أفراد كل منها عن مليون نسمة، ويبلغ عدد أبناء هاني 325ر1 مليون نسمة. يعيش منهم في ولاية هونغخه 1ر671 ألفا، وفي محافظة يوانيانغ 197 ألفا. وفي يوانيانغ تقع قرية مالي، أكبر قرية لقومية هاني في العالم.